مصير الدولة الاسلامية في ظل التجاذبات الدولية والاقليمية في اعقاب هجمات باريس

      Comments Off on مصير الدولة الاسلامية في ظل التجاذبات الدولية والاقليمية في اعقاب هجمات باريس

 

بقلم: حسين باسم عبد الأمير

مركز الدراسات الاستراتيجية/جامعة كربلاء

تشرين الثاني/2015

في ليلة الثالث عشر من نوفمبر/تشرين الثاني قام حفنة من الإرهابيين بإطلاق وابل من الهجمات والتفجيرات المنسقة في اماكن التجمعات العامة في باريس. وكانت نتيجته سقوط أعداد كبيرة من الضحايا بين قتيل وجريح، وقد وصف البعض تلك الهجمات بأنها “أسوأ ليلة عنف شهدتها فرنسا منذ الحرب العالمية الثانية” فيما وصفها اخرين بأنها “قد تكون الهجوم الإرهابي الأفظع في تاريخ أوروبا”.

ان الأسئلة السياسية المباشرة ذات العلاقة بهذه التفجيرات تدور حول مشاركة فرنسا في التحالف الدولي لمكافحة تنظيم الدولة الاسلامية. فقد أطلقت فرنسا ضرباتها الجوية الأولى على عناصر التنظيم في سوريا فقط منذ سبتمبر الماضي، بينما كانت فرنسا قد شاركت في الغارات الجوية ضد الدولة الاسلامية في العراق لعدة شهور. ويبدو من المستبعد جدا أن يرد الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند على الهجمات الارهابية عبر اعلان فرنسا المشاركة في الحرب ضد قوات الدولة الاسلامية، إذ أنها حربا قائمة بالفعل، وانما على الارجح سيكون الرد في المدى القصير، تكثيف التدخل العسكري هو الاحتمال الابرز.وبالفعل فقد أعرب عدد من المسؤولين بان الرئيس فرانسوا هولاند تعهد في أن يتعامل “من دون رحمة مع برابرة الدولة الإسلامية” بعد المذبحة التي جرت في باريس، حيث قرر تكثيف الضربات الجوية على داعش وذلك في لقاء مع فريق الأمن القومي اثناء اليوم التالي لاحداث باريس.

وفي هذا الصدد من الجدير ذكره هو قيام فرنسا بعشرات الغارات الجوية ضد الدولة الإسلامية في العراق، غير ان فرنسا كانت قد تعمدت عدم ملاحقة عناصر “داعش” وقصفهم داخل سوريا إلا نادراً وبشكل حذر لئلا يتم تعزيز يد الأسد عبر قتل أعدائه. وقد اجتمع أوباما والعديد من زعماء العالم بما في ذلك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قمة مجموعة الـ 20 التي انعقدت في تركيا بعد احداث باريس، للتباحث في كيفية التعامل مع الدولة الإسلامية، والحرب الأهلية في سوريا والهجرة الجماعية من الشرق الاوسط باتجاه أوروبا.

في الواقع، تشكل هجمات باريس دعوة إلى تعديل كبير في استراتيجية الولايات المتحدة وحلفائها لمكافحة التطرف والأرهاب. إذ يمكن الحاق الهزيمة بداعش من خلال تدابير تكتيكية أكثر صرامة، ولكن الهزيمة في نهاية المطاف تتطلب استراتيجية شاملة وقرارا والتزاما من قبل القوى الكبرى في العالم واللاعبين الإقليميين في المنطقة، وهي استراتيجية وقرارا على ما يبدو لم يتم اتخاذهما في السابق.

غير ان الهجمات التي وقعت في باريس اثبتت تنامي قدرات داعش، وهو ما يشكل ضغطا جديدا على موسكو وواشنطن لإيجاد حل للصراع في سوريا تلك الرقعة الجغرافية التي اصبحت بيئة جاذبة للمتطرفين والمهووسين حول العالم، حلا يتضمن القضاء على التنظيم الارهابي ويوفر امكانية للاستقرار في سوريا والمنطقة.

هل تعزز هجمات باريس التحولالجيوسياسي في الغرب تجاه الأزمة السورية؟

ثلاثين دقيقة من الرعب في شوارع باريس قد تصبح حافزا لتحول واسع النطاق في السياسة الدولية مع ما يرافق ذلك من آثار قد تدوم طويلا. فقد كان التركيز الغربي خلال العام الماضي منصبا على التهديد المتنامي من قبل روسيا. إذ ان الارهاب من وجهة نظر الغرب مشكلة حقيقية، غير أنه قابل للاحتواء. إلّا أن موقف موسكو العسكري تجاه الأزمة السورية، ولاسيما تصعيدها الاخير يشكل تهديدا أكثر خطورة تبعا للتصور الغربي. ولكن مع سلسلة هجمات باريس المنسقة جيدا، وضعت الدولة الإسلامية تهديد الإرهاب مرة أخرى في وسط جدول الأعمال الدولي.وبالرغم مما تشكله روسيا كخصم نووي للغرب، فقد قدمت روسيا نفسها على الفور على أنها شريك مباشر في مواجهة التهديد الارهابي الناجم عن بروز داعش. وكما هو معروف لكافة المراقبين في ان استراتيجية موسكو تقوم على دعم رئيس النظام السوري بشار الأسد، على الأقل مؤقتا، باعتباره أفضل وسيلة لمواجهة “داعش” ذلك التنظيم الارهابي المستهدف أيضا من قبل الولايات المتحدة، وفي ذات الوقت فقد كانت فرنسا -مسرح الأحداث الارهابية الاخيرة-أحد أشد الاطراف الدولية انتقادا لبقاء الأسد في السلطة. ومما يبدو متوقعا الآن بعد احداث باريس هو اننا سنشهد تغيّرا في هذا الموقف.

ان احداث باريس الارهابية رفعت بشكل حاد الرهانات الجيوسياسية على سوريا، فبعد ما يقرب من خمس سنوات من الحرب خلفت مئات الآلاف من اللاجئين إلى أوروبا. يبدو ما يلوح في الأفق الان هو تكثيف الجهود العسكرية والدبلوماسية الغربية للوصول الى حل للازمة السورية والقضاء على تنظيم الدولة الاسلامية. وفي هذا الصدد نلاحظ رفع أوباما لسقف تعهداته ومضاعفةالحملة العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة ضد الدولة الإسلامية، فضلا على الجهود الدبلوماسية للتوصل إلى حل سياسي للحرب السورية.وتبعاً للتصور الغربي، توجد هناك دولة واحدة يمكن إجراء تسوية معها بعدم الارتياح، وهي روسيا، حيث توترت العلاقات معها منذ الأزمة الأوكرانية. غير انه وفي قمة مجموعة الـ 20 التي تمت في تركيا بعد هجمات فرنسا مباشرة، حث السيد بوتين الغرب للانضمام بشكل مشترك معاً في المعركة ضد الإرهاب الدولي.

وفي نفس السياق قال “اليكسي بوشكاف” رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الدوما: ان روسيا تقاتل في سوريا اولئك الذين فجروا باريس، وأعلنوا الحرب على أوروبا. وبالنسبة للغرب فقد حان الوقت لوقف انتقاد موسكو وتشكيل تحالف مشترك معها. ومن بين المخرجات التي تلت هجمات باريس على السياسة الخارجية الفرنسية هو تصريح وزير الخارجية الفرنسي “لوران فابيوس” حيث قال بأمكانية التعاون مع القوات السورية النظامية الموالية لبشار الأسد في محاربة الدولة الإسلامية، ولكن فقط في إطار عملية انتقال سياسي دون الرئيس السوري.

إن تصريحات وزير الخارجية الفرنسي تؤكد سعي الرئيس الفرنسي “فرانسوا هولاند” بردم الصدع العميق بين الغرب وروسيا، وذلك عبر تشكيل جبهة مشتركة ضد “داعش” بعد الفظائع التي ارتكبها ذلك التنظيم في باريس والتي أدت الى قتل 130 شخصا.

ونخلُص مما تقدم الى إن من بين النتائج المحتملة في اعقاب تفجيرات باريس هو تنامي اصرار السياسات الغربية بالتركيز على هزيمة قوات “الدولة الاسلامية” بالتعاون مع روسيا -الخصم النووي التقليدي والحليف المحتمل في مواجهة الإرهاب -بينما تتراجع بعض الأهداف الفرعية مثل الإطاحة بالأسد في سوريا-على الأقل بشكل مؤقت-فقد كانت فرنسا في طليعة تلك الدول التي تعتبر بقاء الأسد يمثل “قلب” المشكلة في سوريا.  

اسقاط المقاتلة الروسية من قبل تركيا

غير ان الحادث الذي اعاد خلط الاوراق على المستوى الدولي والاقليمي تجاه الازمة السورية والذي سيكون له الأثر على المدة المستغرقة لهزيمة “الدولة الإسلامية” هو حادث اسقاط الطائرة الروسية فقد قامت تركيا يوم الثلاثاء الماضي باسقاط المقاتلة الروسية “سوخوي 24 على الحدود السورية التركية، وتم ذلك حسب الرواية التركية نتيجة توغل الطائرة الروسية في المجال والحدود التركية وعدم اكتراثها بصفارات التنبية لذلك الاختراق.

في الواقع، مما يجدر ذكره على هذا الصعيد هو الامتعاض التركي من تصعيد روسيا الاخير الى حد التدخل المباشر في قتال تنظيم الدولة الأسلامية أهم خصوم الأسد، إذ أن اولويات الاستراتيجية التركية -كما هو معلوم للجميع- تجاه الأزمة السورية تقوم على اسقاط الاسد اولاً، ويجب ان يتم ذلك قبل هزيمة الدولة الاسلامية.

لذلك فإن اسقاط تركيا للطائرة المقاتلة الروسية قد يُفسَر بأنه اصرار تركي في الحيلولة دون الوصول للحسم العسكري السريع ضد تنظيم “الدولة الاسلامية” بما يطيل من عمر هذا التنظيم، إذ أن قيام تركيا بذلك التصرف ليس سوى إضافة تعقيد جديد للأزمة السورية يحول دون الوصول الى أي حل سياسي قريب، لاسيما بعد ان تقاربت روسيا وفرنسا والولايات المتحدة وأوربا في تنسيق عملياتها ضد المنظمات الارهابية في سوريا والعراق بعد تفجيرات باريس. هذه التطورات الاخيرة يمكن أن تطيل الأزمة السورية وترجئ هزيمة الدولة الاسلامية الى أجل غير مسمى.