المشكلة الكبرى لتنظيم “الدولة الإسلامية”

      Comments Off on المشكلة الكبرى لتنظيم “الدولة الإسلامية”

دانيال بايمان (Daniel Byman): أستاذ في برنامج دراسات الأمن في كلية الخدمة الخارجية في جامعة جورجتاون، ومدير البحوث في مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط في معهد بروكينغز

فورين أفيرز

١٥/١١/٢٠١٥

ترجمة: هبة عباس

عرض: د. حسين أحمد السرحان

 
 
يختلف تنظيم “الدولة الإسلامية” في العراق وسوريا أو ما يسمى اختصارا بـ(“داعش” ISIS) عن تنظيم القاعدة في توجهه نحو العالم الغربي عبر تكتيك “الذئاب المنفردة”. وما حصل في باريس من أحداث إرهابية كبيرة لم تشهدها فرنسا منذ الحرب العالمية الثانية، كما أن هذه الهجمات قد بعثت الأمل لدى التنظيم في إمكانية تحقيق نجاحات في العالم الغربي، محاولا إظهار كراهيته للعالم الغربي الصليبي مثلما يرى ذلك (أي التنظيم).

 

 

يؤكد الكاتب أن التقارير الأولية المتعلقة بهجمات باريس الأخيرة تشير إلى أن ما يسمى بتنظيم” داعش” قد غير استراتيجيته وانتقل بأحلامه نحو العالمية، كما حاول إثبات كراهيته لأمريكا من خلال العمل محليا وإقليميا.

وبيّن الكاتب أن التنظيم اكتسب الأضواء لأول مرة عام ٢٠١٤ من خلال سيطرته على مناطق مختلفة من العراق وسوريا، لكنه كان متواجدا فعلاً منذ عام ٢٠٠٤ تحت مسميات مختلفة مثل تنظيم القاعدة في العراق، أو “الدولة الإسلامية في العراق وسوريا”، إذ شن التنظيم منذ أكثر من سنة حرباً غير تقليدية ضد الحكومتين العراقية والسورية، كما اشتبك مع المعارضة السورية المعتدلة والمقاتلين الأكراد وهاجم المسلمين وخاصة الشيعة منهم الذين يعدهم العدو الأكبر. وقد انتُقدت كل من تركيا والمملكة العربية السعودية ودول الجوار الأخرى لإثارتها الطائفية، ومعاقبة الدول التي تعارض المجموعة الإرهابية وترفض سياستها، وكسب المزيد من المؤيدين. كما وقام تنظيم ” داعش” بالدعوة إلى القيام بهجمات في الغرب، لكن لم ينفذ هذه العمليات سوى هو نفسه.

وحتى الآن، لايبدو أن هجمات باريس تتناسب مع ما يطمح إليه تنظيم (“الدولة الإسلامية” ISIS)، على الرغم من أن بعض الأفراد الذين يحملون اسم التنظيم والذين نفذوا هجمات في أماكن أخرى من أوروبا تربطهم علاقات مع التنظيم لكن تفتقر إلى القوة والمصداقية، كما أن العلاقات بين بعضهم البعض ليست قوية، وما نزال نجهل رتبة الشخص الذي نفذ هذه الهجمات حسب الترتيب ضمن التنظيم، كما لا نعرف هل ستكون هذه العملية الأولى والأخيرة أم أنها جزء من عملية واسعة سيخوضها التنظيم المتطرف، إذ تحاول روسيا وحلفاؤها فهم ما حدث ومعرفة فوائد ومخاطر انتقال “داعش” إلى العالمية.

دافع العالمية

بالنسبة لتنظيم (“الدولة الإسلامية” (ISIS، فإن السبب الرئيس وراء طموحه في الانتقال إلى العالمية هو آيديولوجي بحت، حيث يدّعي أنه نصير المسلمين في العالم ضد أعدائهم، ولا يقتصر عمله في العراق وسوريا أو حتى في نواح مختلفة من الشرق الأوسط، إذ أصبح في الوقت الحالي أكثر تهديداً، الأمر الذي دفع الولايات المتحدة وفرنسا وبلدان أخرى للتدخل وبقوة للوقوف بوجهه والتخلص منه.

وقد استعمل تنظيم “داعش” العديد من الأمور التي عدّها مميزة ومقنعة في تجنيد أعداد كبيرة من المسلمين، منها الرسوم الكارتونية الدنماركية المسيئة للنبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، والوحشية الروسية ضد المسلمين، أو محاربة النساء المحجبات في الأراضي الواقعة في حدود فرنسا، كما استفاد من المظالم التي حدثت ما بعد الصراع في سوريا والعراق، فعلى سبيل المثال: كان الهجوم على الصحيفة الساخرة “شارلي إبدو” في شهر كانون الثاني عام ٢٠١٥ من قبل الجهاديين المرتبطين بتنظيم القاعدة – فرع اليمن، هو لربط قضيتهم بالغضب الشعبي.

ويشير الكاتب إلى انضمام الكثير من الأعضاء الأجانب إلى تنظيم (“الدولة الإسلامية” ISIS)، إذ أفاد مسؤولون في مكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة بانضمام حوالي ٢٠٠٠٠ مقاتل إلى المعركة في سوريا للقتال مع المتمردين، وتم ترحيل معظمهم إلى مساعدة التنظيم، أي ما يقارب 150 شخصا أو نحو ذلك من الولايات المتحدة، وأكثر من 3000 من الغرب. وبعبارة أخرى، إن تنظيم (“الدولة الإسلامية” ISIS) لديه مطرقة ويبحث عن القنوات المنطقية لطرق أبوابها لينقل سياسته إلى العالم.

ويؤكد الكاتب أن الهدف وراء محاولة التنظيم المتطرف الانتقال إلى العالمية هو الارتقاء بجماعته وتحسين صورتها الذاتية وجعلها أكثر جاذبية للمجندين الشباب، حيث يجد بالإرهاب المعادي للغرب فرصة للاستيلاء على العناوين الرئيسة في الإعلام العالمي بطريقة لا يستطيع المقاتلون المحليون القيام بها. وقد كسب مقتل ما يزيد عن ١٢٥ شخصا في باريس اهتماماً يفوق الاهتمام بما يحدث في العراق وسوريا من مذابح يومية أودت بحياة أكثر من (250,000) شخص، وهذه دعاية دموية لا تقدّر بثمن للمقاتلين الأجانب الراغبين في القدوم إلى العراق وسوريا من أجل القتال.

تكاليف الانتقال إلى العالمية

بالنسبة لجميع هذه المزايا المفترضة، هناك عدد قليل من المجموعات الإرهابية العالمية، وهناك تكاليف كبيرة يستوجب دفعها منها:

مشكلة القيادة والسيطرة من قبل تنظيم (“الدولة الإسلامية” ISIS)، فالانتقال إلى العالمية يتطلب اتصالات عالمية، وهذا – بحد ذاته – يعرّض المسلحين والتنظيم إلى الخطر، إذ تقتل الولايات المتحدة وحلفاؤها بانتظام قادة التنظيم، وهذا يعد خطرا كبيرا عليه. وردّاً على ذلك، منح التنظيم أعضاءه المحليين حرية العمل، مما أوقعه بمشكلتين إحداهما: أنهم سيكونون عرضة للتخبط في تحديد الأهداف، والأخرى: تنفيذهم لأهداف خاطئة، حيث يستهدفون المدنيين بدلا من الجنود والأطفال بدلا من البالغين. وقد وجد تنظيم القاعدة أن فقدان سيطرته على أتباعه سيدفعهم إلى المشاركة في الهجمات الوحشية والهمجية التي تحد من انضمام المسلمين لهم، ويبدو أن تنظيم “داعش” أكثر وحشية من القاعدة.

وحسب رأي الكاتب، يمكن تنفيذ عدة عمليات في وقت واحد لكن لا يمكن تحقيق أي انتصار عند القتال ضد كل الأعداء.

وجود الكثير من الأعداء للشخص يعني أن هناك تركيزا عليه، فخطاب الرئيس الفرنسي “فرانسو هولاند” بأن هجوم تنظيم (“الدولة الإسلامية” ISIS) هو عمل حربي من غير المرجح أن يكون مجرد خطاب، فمن المحتمل أن تحاول فرنسا الضرب بقوة والضغط على الولايات المتحدة وحلفائها للقيام بالشيء نفسه، وقد لمس تنظيم القاعدة هذا الأمر بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/2001 عندما تمت مطاردة أفراده في جميع أنحاء العالم، كما فقد الملاذ الآمن في أفغانستان. و يعتقد “لورانس رايت” (الصحفي الأميركي المتخصص في الكتابة عن تنظيم القاعدة) أن التنظيم فقد حوالي٨٠٪ من أعضائه في أفغانستان خلال الأشهر الأخيرة من عام ٢٠٠١، وأن الخطأ الوحيد الذي اقترفته المجموعة المتطرفة هو افتراضها بأن أعداءها يفعلون ما بوسعهم للرد.

ويضيف الكاتب، أنه من غير المفاجيء تركيز حركة حماس وحزب الله في السنوات الأخيرة على مناطقهما، لكن حزب اللهأصبح بمرور الوقت أقل عالمية في عملياته، أما حركة حماس فما تزال تسيطر على قطاع غزة، وحزب الله لاعب رئيس في لبنان لكن بصورة جزئية؛ بسبب استهدافه من قبل تنظيم (“الدولة الإسلامية” ISIS).

وفي النهاية، يؤكد الكاتب أنه إذا أصبح التنظيم المتطرف أكثر طموحاً فعلى العالم أن يتأهّب ويستعد للمزيد من الهجمات المروعة. وفي الوقت نفسه، يجب أن يدرك الجميع أن التحول قد يكون مكلفا لتنظيم “داعش”، إذ يجعله بعيدا عن تحقيق أهدافه في نهاية المطاف.

         https://www.foreignaffairs.com/articles/france/2015-11-15/isis-big-mistake