الاندفاع التــدريجـــي: اســــــتراتيجية الولايـــــات المتحــــــدة في العــــــراق وســــوريـــا للمدة 2011 – 2015

      Comments Off on الاندفاع التــدريجـــي: اســــــتراتيجية الولايـــــات المتحــــــدة في العــــــراق وســــوريـــا للمدة 2011 – 2015
figure1

مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS)

أنتوني كوردسمان (Anthony H. Cordesman)

ترجمة: د. حسين أحمد السرحان/ رئيس قسم الدراسات الدولية

     أثار قرار الرئيس الأمريكي باراك اوباما في السماح لأكثر من 50 مقاتلاً من القوات الخاصة للانتشار في شمال سوريا نقاشاً واسعاً فيما يخص التدريب والمساعدة في نشر المقاتلين على الارض، وقد أتخذ هذا النقاش ثلاثة اتجاهات: الأول ركز على التصريحات السابقة للرئيس حول عدم إرسال قوات على الأرض، فيما ركز الثاني على خطر هذا الأمر الذي قد يشكل بداية لقتال كبير وخسائر كبيرة للولايات المتحدة، أما الثالث فقد ركز على فيما إذا كانت هذه الخطوة – الزيادات الصغيرة الأخرى على جهود الولايات المتحدة التي أُعلنت بعد زيارة الجنرال جوزيف دانفورد، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية في تشرين الأول 2015- ما تزال قاصرة عن المستويات اللازمة للحصول على نتائج ذات مغزى.

الاتجاه الأول من هذا النقاش هو سياسي وليس له صلة بالجوانب العسكرية، إذ لا يمكن الحكم على الأسس الموضوعية للقرار، وهذا يعني أنه لا ينبغي للرئيس أن يتفاعل مع الظروف المتغيرة وهذا الاتجاه تغلبت عليه قضيةالانتخابات التي تتلاءم مع الجانب السياسي، وهذا الاتجاه من النقاش مختل تماما فيما يخص الأمن القومي؛ لأنه يفترض إمكانية تنبؤ الرئيس بالمستقبل وتقديم تعهدات تغفل كيفية تغيير الأشياء والحاجة إلى العمل بالطرق التي تخدم المصلحة الوطنية.

الاتجاه الثاني من النقاش يمس الجوانب الاستراتيجية، وهي ما اذا كان ينبغي على الولايات المتحدة ارسال وحدات قتالية برية إلى العراق وسوريا، كما أن هذا الاتجاه يركز على خيار رفضته الولايات المتحدة منذ مدة طويلة يبدو اليوم أكثر ايجابية، وبهذا الصدد يؤكد الكاتب على أن إقحام قوات برية أمريكية إلى داخل الشرق الأوسط، وفي وسط الاقتتال الطائفي والعرقي، سواء أكان ذلك في العراق أم في سوريا، فأنه يبدو – ولسبب شبه مؤكد – لخلق أعداء جُدد، وتقسيم أكثر للبلدين كليهما، ومواجهة الولايات المتحدة لدخول البلدين بصراعات داخلية.

الجانب الثالث من النقاش يشتمل على الجانبين السابقين والمعنيين المتقدمين، وهو يتضمن نشر 50 مقاتلا من القوات الخاصة في سوريا، ومن المحتمل أن يكون خطوة مفيدة، ولكنها تغيير لقواعد اللعبة، فمنذ عام 2011 فشلت الولايات المتحدة في تطوير استراتيجية كبرى لكل من العراق وسوريا على الاطلاق لمواجهة الحرب الأهلية الناشئة في سوريا، وتزايد التوترات الطائفية والعرقية في العراق، أو القيام بعمل عسكري حاسم يكفي لإحداث تأثير كبير، ولم تُظهر الولايات المتحدة عملاً استراتيجياً دقيقاً اتجاه قضايا الشرق الأوسط، وبدلا من ذلك كانت لها ردة فعل اتجاه الأحداث بأسلوب الاندفاع التدريجي الذي يركز بشكل كبير على التصدي لتنظيم “الدولة الاسلامية” ISIS، والتركيز أيضا على الأمن بشكلٍ حصري.

وبمجرد النظر إلى ما هو أبعد من الكلام النظري فأن الادارة الأمريكية تواجه مشكلة جديدة مع كل أزمة تستجد في كلٍّ من العراق وسوريا، ويلاحظ من الصعوبة إمكانية رؤية تنفيذ فعال لأي أجراء تجاه تلك الأزمات، فالإجراءات الأمريكية لم تعالج أبدا القضايا الرئيسة من خلال تعامل ذو أثر ايجابي، كما أنها لم تُظهر وضعها لاستراتيجية شاملة ذات مصداقية تجاه سوريا وإيران بعد تدمير تنظيم “الدولة الاسلامية” ISIS.

وفي هذا الصدد يذكر الكاتب أن نجاح الاستراتيجية الشاملة في كل من العراق وسوريا هو جلبها للأمن والاستقرار المفقود في كل من البلدين، وهي الاستراتيجية التي تركز على ما بعد تحقيق الأمن، وتتعامل مع المشاكل الأساسية في الجوانب السياسية، وشكل الحكم والاقتصاد والضغط السكاني التي جعلت من العراق وسوريا دولتين فاشلتين.

وحتى الأن لا الولايات المتحدة ولا أية دولة أخرى لديها استراتيجية للنظر في مرحلة ما بعد تحقيق الأمن واستعمال القوة لفرضه. إذ أن تركيز ادارة الرئيس اوباما على قتال تنظيم “الدولة الاسلامية” ISIS أقل بكثير من تركيزها على احتواء “الخلافة” في العراق وسوريا، ومع تعرض تنظيم “الدولة الاسلامية” ISIS إلى بعض الانتكاسات في سوريا والعراق، إلا أنه تقدم في مناطق أخرى ويتنافس على نحو متزايد مع تنظيم القاعدة على مستوى إقليمي أوسع.

وفيما يتعلق بالصراعات الطائفية والعرقية في العراق وسوريا ، فالولايات المتحدة لم تضع مسار واضح لخلق حلول لأي من مشاكل الدولة الامنية في كلا البلدين.

استحالة تحقق الهدف الاستراتيجي الأمريكي الكبير: الاستقرار والأمن في العراق وسوريا

من الواضح أن هناك حدوداً صارمة وحاسمة لما يمكن أن تقوم به الولايات المتحدة، إذ ليس هناك طريق واضح يمكن للولايات المتحدة أو لأي مزيج من القوى الخارجية الأخرى أن تُحقق من خلاله الهدف الاستراتيجي الأكبر وهو تحقيق الأمن والاستقرار في كل من العراق وسوريا، ولن تستطيع الولايات المتحدة أو أية أطراف أخرى مساعدة العراقيين والسوريين في إيجاد هكذا حلول، وأن أي جهد خارجي لا يمكنه أن ينجح في حل مشاكل البلدين من دون بذل جهود أكبر من الداخل.

ويذكر الكاتب ملاحظة مهمة وهي أن التاريخ الكامل للتنمية منذ الحرب العالمية الثانية يوضح بأن أي قانون عام للتنمية والاستقرار ينبثق عن مسيرة التنمية في تلك البلدان، وأن الدول الوحيدة التي يمكن أن تحقق أهداف الأمن والاستقرار هي تلك التي يمكن أن تأخذ على عاتقها المسؤولية الأساسية لتطوير نفسها.

فقد تمكنت اوربا واليابان من التعافي بعد الحرب العالمية الثانية لأنهم طوروا الدولة ووضعوا القادة والمؤسسات الذين بإمكانهم التعامل مع المشاكل في زمن الحرب في السياسية والحكم والاقتصاد، وهناك دول نامية قليلة – بالخصوص دول آسيا مثل الصين ، وسنغافورة، وكوريا الجنوبية وتايوان – انتقلت إلى التنمية من دون أن يكون لديها موارد طبيعية كبيرة يمكن أن تستعملها لتمويل نفسها.

العراق هو التحذير وليس النجاح

التدخل الأمريكي في العراق ما بين 19 آذار 2003 و18 كانون الأول 2011 فشل – على الرغم من إنشاء نظام ديمقراطي للحكم – في أن يخوض حربا ناجحة ضد المعارضة السنية والشيعية، وكلفة ذلك التدخل تقترب من ترليوني دولار، متضمنة 26 مليار دولار للمساعدات. وعلى الرغم من الجهد الخارجي الواسع، إلا أنه لم يتم أنشاء نظام سياسي قابل للحياة، وحكم فعال واستقرار اقتصادي أو أمني.

والغزو الأمريكي للعراق أزال الغطاء التي وضعته السلطة على التوترات الطائفية والعرقية التي امتدت لعقود، وأصاب البلاد فشل في تطوير تنمية اقتصادية ونظام حكم فعال بعدما فرضت المَلكية وأمراء الحرب على العراق منذ تأسيس الدولة العراقية التي حولها صدام حسين إلى كارثة قمعية في قتاله ضد الأكراد، وغزو إيران، وغزو الكويت، ومواجهة منظمة الأمم المتحدة والولايات المتحدة بعد عام 1992.

وعلى نحو أوسع مع ذلك، يتضح أن المارد لن يخرج من عنق الزجاجة نظرا لمدى قمعية النظام، كما أن الاضطرابات السياسية الأوسع نطاقا في العالم العربي التي بدأت في 2011 توضح أيضا بأن العراق وسوريا يمثلان جزءاً من الدول العربية القمعية التي تعاني من مزيج من مشاكل الحكم والمشاكل السياسية والاقتصادية والديموغرافية والأمنية.

هذه المشاكل جعلت الأنظمة الفاسدة والقمعية تمنع إمكانية نمو قوى معادية تكون في نهاية المطاف قابلة للانفجار، مع التأكيد على أنه لم توجد معارضة فعالة معتدلة، أو لم يوجد توجه حقيقي إلى التغيير السياسي، وقد حذر خبراء الاقتصاد والسكان العرب منذ مدة طويلة قبل أن يصبح التطرف الاسلامي القضية الأساسية في الوقت الحاضر، كما حذرت تقارير التنمية العربية الصادرة من الأمم المتحدة من هذا التطرف بالتفصيل عام 2002، وهذه لم تكن نتيجة ضغوط أو تدخلات خارجية، ولكنها كانت أخطاء القيادات والنخب في الدول العربية مثل الجزائر، والعراق، وليبيا، وتونس، واليمن لعقود متعددة، فالمؤامرات الخارجية لم تتسبب بسلسلة من ردود الفعل التي تلت الاضطرابات الأولى في تونس التي بدأت مع تضحية محمد بوعزيزي بنفسه في 17/ كانون الاول/2012، ولم يكن هناك جهد سحري من قبل الولايات المتحدة او من قبل قوى خارجية أخرى ما جعل من الدعم الباكستاني لقادة الإسلام المتطرف في أفغانستان لغرض الانتشار الواسع للتطرف الديني والارهاب في العالم الاسلامي.

أن فشل العلمانية وضع الاساس للانهيار البطيء في الحكومة السورية في النصف الاول من عام 2011، وقاد إلى تشكيل الجيش السوري الحر، وانعدام القدرة على تشكيل أية بدائل مستقرة للأسد، ونشوب الحرب الأهلية التي أخذت تزداد سوءاً بثبات منذ بداية عام 2012، فسوء تقدير الولايات المتحدة للوضع العراقي بعد سقوط النظام الملكي العراقي عام 1958، وقرابة30 عام من حرب صدام حسين ضد الاكراد منذ منتصف عقد السبعينات من القرن الماضي ولغاية 2003، وضع حجر الأساس لما حدث من أخطاء في العراق.

ومن المفارقات أو من سخرية القدر- بالنسبة للحديث عن فشل “سايكس بيكو” – فقد تجنبت الأنظمة الملكية “المصطنعة” في العالم العربي اضطرابات مماثلة أكثر؛ لأنها – أي تلك الأنظمة- ومع مرور الوقت خدمت مصالح شعوبها بشكل أفضل من قيادات السلطة في الدول الحديثة. فدول مثل البحرين، والاردن، والكويت، والمغرب لديها استعداد واضح لمواجهة أية اضطرابات غير أن الضغوط السكانية والاقتصادية والطائفية لازالت تتصاعد في باقي أنحاء المنطقة، وهذه الضغوط ليست من المشاكل التي يمكن معالجتها باستعمال القوة، وإنما يمكن فقط أن يتحقق الأمن بجهود مدنية، وخلق شكل من الاستقرار الدائم أو الثابت.

فيمكن للدول من خارج المنطقة مثل الولايات المتحدة مساعدة حكومات الدول الفاشلة مثل العراق وسوريا، ولكن مثل هذه الجهود لا يمكنها أن تنجح إلا عندما تكون كل دولة مستعدة لمساعدة نفسها، ومن دون ذلك المستوى من الوحدة الداخلية – سواء تحقق ذلك بشكل من أشكال التوافق أم في التخلص من الحرب الأهلية العالقة – لا المساعدة العسكرية ولا الاقتصادية الأمريكية يمكن أن تحققا النتائج الاستراتيجية الكبرى المستمرة في بلدان مثل العراق وسوريا.

بالتأكيد يمكن للولايات المتحدة، والدول الأخرى والمؤسسات الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي مساعدة الدول القادرة على مساعدة نفسها، والولايات المتحدة – على اية حال- ليست لا تملك العصا السحرية لحل مشاكل دولة ما، وأن أقصى ما يمكن أن تقوم به هو المساعدة في المجال الأمني إلى حد كبير.

وأن مقدرة الولايات المتحدة على تنفيذ المساعدة الإنسانية الطارئة لا توازيها أية مقدرة واضحة لمساعدة الأمم في الانتقال نحو التنمية السياسية الفعالة والشاملة، والحكم الجيد، والتخطيط الاقتصادي، إلا أن الولايات المتحدة غير قادرة على مناقشة المشاكل التي تسبب بها النمو السكاني.

بناءً على ذلك، أن أي انتقاد لاستراتيجية الولايات المتحدة في العراق وسوريا ينبغي أن يبدأ مع حقيقة أن الولايات المتحدة ليست لديها معرفة واضحة بأنه لا يمكن لجهودها أن تحقق النجاح في دولة ما غير قادرة على ادارة جهودها الخاصة في بناء الأمة، ولا يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تتأمل تحقيق النجاح الاستراتيجي الكبير ببساطة عبر المساعدة بتحقيق تحرك محدود في الحكومة العراقية، أو استبدال الأسد في سوريا بالآخرين الذين لا يستطيعون الحكم.

والولايات المتحدة الأمريكية – وجميع الدول من خارج المنطقة والدول الاقليمية فضلا عن سوريا والعراق – استطاعت النجاح في تحقيق الهدف الاستراتيجي الكبير عبر ادراكها بأن نجاح المساعدة الخارجية مشروط بالنجاح الداخلي في جعل تلك المساعدة فعالة.

المهمة الممكنة: الاعتماد على الاندفاع التدريجي بالنسبة للمساعدة الأمنية

في الوقت نفسه يُعد البُعد الامني هو المحفز الحاسم،وادارة الرئيس اوباما يمكن أن تكون حاسمة الا أن التحرك البطيء واعتماد أنصاف الحلول غالبا ما يؤدي إلى الحد من فرصة الولايات المتحدة في النجاح، وهذا يُطيل القتال والصراع المدني الواسع في كل من العراق وسوريا.

والمشكلة ليست بوضع الولايات المتحدة ما يقارب الـ 50 مقاتل من القوات الخاصة في الخطر وارسالهم على أساس مهام للمساعدة والتدريب، بل أن وضع عدد قليل من الخبراء على أساس مهام للمساعدة والتدريب مع الأكراد والقوات العربية في شمال سوريا – التي اثبتت بأنها جزء من القوات المقاتلة الاكثر كفاءة ضد تنظيم “الدولة الاسلامية” ISIS مع القوات الحيوية الموازية التابعة لنظام الاسد – هي بالتحديد نوع من الخطوات الضرورية على المدى البعيد للحصول على فرصة النجاح على الارض في مهمة تحقيق الأمن سواء في العراق أو سوريا.

وليس هناك أي شك حول وجود وكالة الاستخبارات المركزية CIA، والقوات الخاصة الأمريكية التي تنطوي على مخاطر محدودة، أو من خطر الهجمات في العراق أو الهجمات “الخضراء والزرقاء” في سوريا على تدريب الولايات المتحدة ومساعدتها لطواقم أو أفراد أكثر في السنة.

ولدى الولايات المتحدة عدد هائل من المهام في العراق وسوريا منذ شهر آب/2014، ويمكن أن تتحطم الطائرات وتصبح كوادر الطيران معرضة للخطر أيضا، والكثير من الجنود موجودون على الأرض منذ بداية عام 2014، إلا أن القول بأن التدخل الأمريكي لا ينطوي على مخاطر هي خرافة.

والخطر الرئيس كان دائما في إعادة العمل بالوحدات القتالية الأمريكية البرية الرئيسة، وهنا الرئيس اوباما له الحق بالتأكيد في اظهار الاعتدال أو اظهار ضبط النفس، إذ ليست هناك من طريقة يمكن للوحدات القتالية الأمريكية أن تتدخل من خلالها في العراق أو سوريا بدون أن تصبح مرتبطة بعمق في الصراعات الطائفية والعرقية في كلا البلدين، والمصدر الرئيس لمزيد من المواجهة مع ايران، وإثارة مخاوف جديدة من جهود الولايات المتحدة للسيطرة على الدولة في كل من العراق وسوريا وأجزاء أخرى من العالم العربي، والأسوأ من ذلك أن هذا التحرك للقوات البرية الأمريكية الرئيسة يمكن أن يقود إلى مزيد من الاستقطاب الطائفي الذي ارتبط فعليا في النهاية بمستوى من الحرب الأهلية ضد بعضهما البعض، فضلا عن أنه يجعل الولايات المتحدة تبدو هي المسؤولة عن النتائج النهائية لكل صراع.

تحتاج الولايات المتحدة أن تضع مشروطية أكثر وضوحا وصراحةً، والمطلوب أن نجعل الأمر واضحا بأن كل عنصر في العراق أو سوريا وكذلك في الدول الاقليمية يمكنه أن يحقق الأمان، إلا أن الولايات المتحدة لا يمكن أن تتحمل المسؤولية عن النجاح الشامل في الجهود الأمنية، ولا يمكن أن يتحقق الأمن والاستقرار في العراق وسوريا إلا إذا أخذت الفصائل الرئيسة في كلا البلدين على عاتقها مسؤولية تحقيق نجاح عسكري على الأرض، وخلق نوع من التنظيم السياسي ونظام الحكم الذي من شأنه تحقيق الاستقرار، وربما السيء كما في بعض جوانب المأساة الإنسانية في كلا البلدين، أنه ينبغي على الولايات المتحدة أن توضح إمكانية تحولها إلى استراتيجية الاحتواء إذا لم يُلاحظ تحقيق مثل هذا التقدم- أي تحقيق الأمن والاستقرار في كلا البلدين.

التدرج الاستراتيجي على أرض الواقع

المشكلة الرئيسة في اجراءات إدارة الرئيس اوباما هي ليست عدم المقدرة على تنفيذ المهمة المستحيلة، بل أن الادارة الأمريكية تستجيب للحقائق الجديدة على الارض، أو أنها فشلت في نشر قوات برية على الارض، وفي الواقع أن تنفيذ الجوانب الأمنية لاستراتيجية الولايات المتحدة أخذ شكل الاندفاع التدريجي بالوسائل التي لها فرصة كبيرة وواضحة لأن تكون حاسمة حتى في الوصول إلى الهدف الاستراتيجي المحدود في هزيمة تنظيم “الدولة الاسلامية” ISIS، ناهيك عن تحقيق نطاق أوسع من الأمن في العراق أو سوريا.

وحتى الأن، اعتمدت الولايات المتحدة أنصاف الحلول في مهام التدريب ومهام المساعدة، ونقل الأسلحة وفي استعمال القوة الجوية، وكان لها ردة فعل اتجاه كل مشكلة أو تحدي جديد في الوصول إلى الهدف عبر الاثارة البطيئة لما سبق، فقد نشرت الولايات المتحدة بشكل بطيء المزيد من القوة الجوية، والمزيد من موظفي التدريب والمساعدة والمزيد من عمليات نقل المعدات، والمزيد من تواجد الحملات القتالية من دون توفير المهام التدريبية ومهام المساعدة التي يحتاجها العراق فعليا، ومن دون توفير الجهود الفعالة من أي نوع في سوريا ومن دون التنسيق المناسب مع حلفائها العرب، ومن دون أن تظهر أنها ملزمة فعليا بالقيام بجهد أمني واسع

قتال تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” ISIS عبر التدخل في الحرب الأهلية العراقية

منذ أن غزا تنظيم “الدولة الاسلامية” العراق في أواخر عام 2013، بنت الولايات المتحدة تواجدها العسكري في العراق على عدة مئات من الجنود في المكتب الصغير للتعاون العسكري وأكثر من 4000 من العاملين في العراق، وعدد غير معروف من الأفراد في تركيا، والأردن، وربما في سوريا والمملكة العربية السعودية، كذلك بدأت الولايات المتحدة الحملة الجوية الرئيسة، وابتدأت جهودها لإعادة بناء القوات الأمنية الحكومية العراقية وجهودها لمساعدة القوات الكردية، وجهودها لخلق قوات عربية “معتدلة” في سوريا.

وأن توقيت هذه الجهود قد أظهر مشاكل كبيرة منذ بدايتها، اذ أنها جاءت بعد ثلاث سنوات من مغادرة القوات الاستشارية الأمريكية، وبعد ثلاث سنوات من جهود رئيس الوزراء المالكي في تركيز السلطة بالاعتماد على القاعدة الشيعية وقوات الأمن والجيش العراقية التي سُمح لها أن تكون وبشكل مطرد أكثر فساداً، وأصبح الولاء لرئيس الوزراء المعيار الأساس في الترقية والترفيع.

فخلال المدة 2011- 2013عمل المالكي بثبات باتجاه نفور سُنة العراق مستعملا الجيش والشرطة لقمع التظاهرات خصوصا في غرب العراق، وازداد المستوى المنخفض للعنف بشكل مطرد خلال هذه المدة، إذ تبين احصاءات الأمم المتحدة الخاصة بالإصابات بأنها ارتفعت عام 2013 – عند التقدم الأول لتنظيم “الدولة الاسلامية” ISIS من سوريا إلى داخل الأنبار- وعادت إلى المستويات التي وصلت أليها عام 2008، كذلك ارتفعت الهجمات السُنية العنيفة على المناطق الشيعية في شرق العراق باطراد خلال هذه المدة، وبينما تحالف المالكي مع الاكراد ضد السُنة، فقد ازداد التوتر بين الحكومة المركزية التي يسيطر عليها الشيعة والاكراد بشكل مطرد مع مرور الوقت.

أستمرت الولايات المتحدة بالدعم العلني لحكومة المالكي حتى بدأ تنظيم “الدولة الاسلامية” ISIS يسجل انتصارات حاسمة عام 2014، بل حاولت أيضا تلطيف وتغيير سلوكه، ويبدو مع ذلك أن المالكي قد ساعد عمدا على تهيئة الظروف التي تجعل من المتعذر بالنسبة للولايات المتحدة أن تبقي على تدريب ومساعدة القوات الامنية العراقية بعد عام 2011، والمالكي أبعد القيادات السياسية السنية العراقية الرئيسة، وفشل بشكل بالغ في الحكم، وتقليل الفساد، وتطوير الاقتصاد العراقي وبناء قوات أمنية فعالة.

كان لانسحاب القوات الأمريكية أيضا أثر استراتيجي في جعل إيران منافس قوي إلى حد كبير للولايات المتحدة، إذ عززت إيران دورها الاستشاري في العراق وتميزت بأنها وقفت إلى جانب المالكي الذي طالما أفاد الشيعة والنفوذ الإيراني على الأجزاء الشيعية من العراق، وبالإمكان نشر قوات فيلق القدس بفعالية، وأفراد الحرس الثوري الآخرين، وضباط الاستخبارات والافراد الإيرانيين في الميدان، ولا يبدو أن إيران قلقة بشأن مخاطر تقسيم العراق ونمو المعارضة السُنية الحقيقية، على الرغم من تخمين بعض المصادر بأن إيران حاولت جعل المالكي معتدل ليكون وبشكل مطرد أكثر تركيزا على القضاء على أية معارضة سنية أو غيرها.

في نهاية عام 2013، وصلت حدة التوتر في علاقة المالكي مع السُنة إلى مستوى حيث فشل الجيش العراقي في قمع ساحة الاعتصام في الأنبار وأصبحت عناصر الحكومة المركزية من قوات الأمن معزولين في قاعدتهم، وفي كانون الاول 2013، كان الجيش يقاتل بكفاءة قبيلة الدليم في الأنبار، وشكل السُنة المجلس العسكري وثوار العشائر، وهذا الاخير ضم عناصر من ثلاث عشائر على الأقل فضلا عن الدليم.

وطبقا لبعض التقارير، فأن المجلس العسكري وثوار العشائر ظهر ليضم عناصر من الجماعات السنية الأخرى مثل أنصار الطريقة النقشبندية، وكتائب ثورة العشرين، والجيش الاسلامي في العراق، وجيش الراشدين، وحماس العراقية، ومجلس شورى المجاهدين السابق (عبد الله الجنابي)، وتشكلت جماعات سنيّة أخرى هي مجلس ثوار عشائر الأنبار، وجيش العزة والكرامة.

في نهاية كانون الاول 2013 حاولت قوات الجيش العراقي تمزيق أو فض ساحة الاحتجاج السني قرب الرمادي، واجبرت قوات العشائر السُنية قوات الجيش على الانسحاب، وفي 1/كانون الثاني/2014 هاجمت قوات العشائر أربع مراكز للشرطة في الرمادي، وكانت النتيجة النهائية أن العراق وصل إلى مستوى متدني من الحرب الأهلية بين السنة والشيعة عندما أرسل تنظيم “الدولة الاسلامية” ISIS قوات قليلة لأول مرة من سوريا إلى الأنبار.

هذه كانت النقطة التي يجري فيها القتال في اطار الحرب الأهلية السورية والتي أصبح لها تأثير كبير على العراق، وخلال المدة 2012-2013، كان تنظيم “الدولة الاسلامية” ISIS – الذي نما من رحم تنظيم القاعدة في العراق – فعلاً القوة الرئيسة للتمرد في سوريا، وتنظيم “الدولة الاسلامية” ISIS أنقسم عن تنظيم القاعدة في وقت سابق من عام 2013 عندما أيّد تنظيم القاعدة منافسهِ جبهة النصرة، وكانت قوات تنظيم “الدولة الاسلامية” ISIS تتمركز في شرق سوريا، وكان قادراً على الاستفادة السريعة من القتال الجديد في العراق، فغزا العراق في بداية كانون الاول 2013 وسيطر على الفلوجة في كانون الثاني 2014.

وخلال المدة من كانون الثاني إلى حزيران 2014، برز تنظيم “الدولة الاسلامية” ISIS ليهيمن على قوات التمرد السنية العراقية في الأنبار وأكتسب تأثيرا متزايدا من عناصر التمرد السني في الشمال في محافظة نينوى، وسارعت الولايات المتحدة بتسليم الأسلحة مثل صواريخ الهيل فاير (Hellfire) والطائرات بدون طيران إلى العراق خلال هذه المدة، ولكنها لم تقوم بمزيد من الخطوات إلى أن وصل الحال إلى سيطرة التنظيم على مدينة الموصل وباقي أقضية محافظة نينوى في بداية حزيران 2014.

وأثبت ما يقارب 1500 مقاتل من تنظيم “الدولة الاسلامية” ISIS وعدد غير معروف من المقاتلين المقدرة على تحطيم القوات الأمنية العراقية التي كانت أكثر من هذا بخمسة عشر ضعفاً على الورق، إذ استولوا على مدينة الموصل في غضون أيام، وهرع عناصر تنظيم “الدولة الاسلامية” ISIS باتجاه المناطق العربية الشيعية على طول النهر وصولا إلى ضواحي بغداد، وأيضا باتجاه الأراضي التي يسيطر عليها الأكراد في إقليم كردستان.

التدخل القليل جدا، المتأخر جدا، وبالطريقة الخاطئة

بعد استيلاء تنظيم “الدولة الاسلامية في العراق والشام” على مدينة الموصل، بدأت الولايات المتحدة بدفع بطيء لقواتها في العراق، إذ بدأت جولة تدخلات الولايات المتحدة الجديدة في العراق في 15/حزيران/2014 عندما أعلنت بأنها سوف تُزيد من عدد جنودها من 180 إلى 480، وازداد العدد الاجمالي لقوات الحماية وقوات المساعدة والتدريب الأمريكية إلى ما يقارب 800 عنصر في تموز/2014، كما بدأت الولايات المتحدة أيضا مهام الاستطلاع الجوية فوق العراق خلال الاسبوع التالي.

هذه المستويات الاستشارية الأمريكية كانت قليلة جدا، نظرا لحقيقة أن تقييم الولايات المتحدة للقوات الحكومية العراقية في بداية عام 2014 قد خلص إلى أن تلك القوات قد انهارت فعلياً نتيجة للفساد والتسييس الذي حصل في عهد المالكي وجهوده لتعزيز سلطته عبر تسييس القوات الأمنية بعد انتخابات 2010 المختلف على نتائجها، وفي حزيران 2014، اصبح الجيش العراقي بضعة ألوية غير فعالة، وكانت الشرطة غير فعالة كقوة شبة عسكرية وكقوة إنفاذ القانون، وتُركت القوات السُنية او “أبناء العراق” أو الصحوة بدون دعم، وتم أقصاء العديد من السُنة العرب.

علاوة على ذلك، جاءت هذه الجهود الاستشارية الأمريكية في الوقت الذي تطورت فيه القوات العربية الشيعية لتصبح قوات الحشد الشعبي أو الوحدات الشعبية أو اللجان الشعبية، وهي مزيج من الفصائل أو المليشيات الشيعية الصغيرة الهامة التي يسيطر عليها الشيعة والتي شكلت جزء من مؤسسة عراقية رسمية وهي هيئة الحشد الشعبي في حزيران/ 2014. وبينما تتعامل بعض المصادر الغربية مع هذه القوات كجهات فاعلة غير حكومية، مُنِحت قوات الحشد الشعبي وضع رسمي في 15/حزيران/2014، وهذه جاءت بعد يومين من إصدار المرجع السيستاني بيان(فتوى) الجهاد الكفائي للمقاومة الشعبية الوطنية للتصدي لتنامي تنظيم داعش في تموز/2014، وبعد خمسة أيام من سيطرة التنظيم على مدينة الموصل.

وبينما أستدعى المرجع السيستاني الجهد الشعبي، وتجنيد وزارة الداخلية لبعض عناصر العشائر السنية، كانت النتيجة النهائية هي خلق مزيج من القوات الشيعية أكثر استقلالاً وزيادة تعزيز وجود المليشيات الشيعية القائمة المدعومة من إيران، وهذه القوة تفوقت على نحو فعال على الجهد الأمريكي غير المؤكد لأقناع الحكومة العراقية الاتحادية لأنشاء قوات الحرس الوطني التي كادت أن تجعل للسنة والاكراد قوات شبة عسكرية مستقلة، ومن ثمَّ توسعت إيران في جهودها ودورها بسرعة أكبر بكثير عن جهود الولايات المتحدة.

وبينما لم يكن هناك مصادر يمكن الاعتماد عليها لمثل هكذا قوات، إلا أن بعض التقارير أكدت أن اجمالي عدد المليشيات يقارب (20,000) التي اشتركت في القتال حول تكريت، مع قوة اجمالية من 60,00090,000 ومن 100,000120,000 رجل مسلح متضمنة ما يقارب 1,000 إلى 3,000 مقاتل من المكون السُني، كما يوجد مليشيات تؤثر عليها إيران وفيلق القدس الإيراني بشدة ، وهي تابعة للأحزاب السياسية الشيعية التي تهتم قليلاً بسُنة العراق، وهذه تتضمن عناصر من مليشيات منظمة بدر، وقوات جيش المهدي الصدرية، وكتائب حزب الله، وكتائب سيد الشهداء، وكتائب الامام علي، وعصائب اهل الحق لقيس الخزعلي.

وهذا يعني أن العديد من هذه القوات الأمنية العراقية هي قوات شيعية عربية ولن تزيد النفوذ الإيراني لمستوى أكبر بكثير من وجود المستشارين الأمريكان فحسب ، بل ستكون القوات الشيعية أكثر استعداداً لتحصل على الفائدة أو الانتقام إذا تم نشرها في المناطق السنية والشيعية.

كذلك تجاهل المستوى المنخفض للاندفاع الاستراتيجي الأمريكي في سوريا السياق الاستراتيجي الاوسع للقتال هناك، وكان الاختيار الأمريكي هو عدم التدخل في الحرب الأهلية السورية عندما كان المتمردون مسيطر عليهم من قبل عناصر أكثر علمانية واعتدالاً، وهو ما قاد إلى الاحتجاجات عام 2011. في عام 2014 كانت قوات التمرد السوري في الغالب إسلامية سُنية، ومسيطر عليها من قبل مجموعات متطرفة إسلامية مثل جبهة النصرة وتنظيم “الدولة الاسلامية” ISIS، واغلبها يحصل على الدعم من دول عربية خصوصاً العربية السعودية والامارات وقطر والكويت، والتي كانت في البداية أكثر اهتماما بخروج الاسد ونهاية النفوذ الإيراني من القضاء على تنظيم “الدولة الاسلامية” ISIS.

وأن كل مجموعة من القوات الأمريكية المنتشرة صُممت لتقليل خطر الاصابات في القوات الأمريكية، وتقليل التكاليف والمخاطر، هذا القرار أُتخِذ وتم تفعيله في بداية شهر تشرين الثاني 2015، على الرغم من النصيحة العسكرية الثابتة التي مفادها أن الولايات المتحدة تحتاج لمهام مساعدة وتدريب كبيرة جدا لأعاده بناء القوات الامنية العراقية بنجاح، وتحتاج إلى نشر مستشارين في الوحدات القتالية العراقية الرئيسة بشكل مباشر، على الرغم من أن هذا الخطر يقود إلى خسائر في صفوفهم، كما أنهم كانوا جزءاً من استراتيجية “العراق أولا” التي وفرت دعم عالمي حقيقي قليل لقوات التمرد السورية.

ولم تكن للولايات المتحدة رؤية استراتيجية عامة لربط الجوانب الأمنية للقتال في العراق إلى الجوانب الأمنية للقتال في سوريا، أو للتعامل مع حقيقة أن تنظيم “الدولة الاسلامية” ISIS منتشر في كل من سوريا والعراق.

والتزمت الولايات المتحدة بتدريب مزيج من المتمردين السُنة في سوريا على الرغم من حقيقة أن المعتدلين المدعومين في سوريا اثبت ضعفهم وقد هزموا عام 2014 من قبل القوات الاسلامية السنية مثل جبهة النصرة، ووضعت الولايات المتحدة نصب عينيها هدف تدريب ما يقارب (5,000) متطوع مقاتل سنويا لقتال تنظيم “الدولة الاسلامية” ISIS وتخلت عنها في نهاية المطاف، ثم حاولت العمل مع الدول العربية الداعمة لقوات التمرد العربي خلال عام 2015، وبعد انهيار هذا الجهد لم تحصل معالجة شاملة لمشكلة ايجاد طرق آمنة لنقل أسلحة مثل الصواريخ المضادة للدروع وأنظمة دفاع جوي قصيرة المدى لتلك القوات.

وباختصار، وكما تم مناقشته سابقا، أعلن الرئيس اوباما بأن الولايات المتحدة بدأت مهماتها الجوية في العراق وسوريا من قواعد في دول عربية مجاورة في 7/آب / 2014 بعد هجمات تنظيم “الدولة الاسلامية” ISIS واستيلائه على منطقة المكون الايزيدي في جبال سنجار، كما أنه سبق أن سمح للقيام بأنزال جوي طارئ لإنقاذ الايزيديين في 3/آب/ 2014، وبدأت الضربات الجوية في 8/آب/2014 ، وقامت الولايات المتحدة بـ(240) غارة جوية في العراق وسوريا، كذلك قامت بـ(1300) مهمة تزود بالوقود، واجمالي الطلعات بمختلف أنماطها بلغ (3800) إلى نهاية ايلول 2014، واستمرت الطلعات الجوية الأمريكية المقاتلة منذ ذلك الحين.

الزيادات الاضافية في القوات الأمريكية العسكرية جعلت التنظيم يستمر في حصد مكاسب محدودة ويتمسك بالمنطقة التي احتلها، وأصبح من الواضح بأن القوات العراقية تدهورت أكثر مما توقعته الولايات المتحدة وفشلت الأخيرة في خلق قوات تمرد عربية معتدلة في سوريا، واعلن البيت الأبيض في 3 ايلول 2014 بأن الولايات المتحدة نشرت (350) مقاتلاً في بغداد مما يزيد اجمالي القوات الأمريكية في بغداد إلى (820) وبذلك ازداد العدد الاجمالي للقوات الأمريكية في العراق إلى (1213).

في 10/ أيلول/ 2014 أعلن الرئيس اوباما بأن القوات الأمريكية لن تشترك في القتال، إلا أن (500) جندي اضافي سيتم نشرهم، وفي نهاية أيلول من العام ذاته أعلن أن أكثر من (1600) مستشار عسكري سيرسلون إلى الحكومة العراقية وقوات البيشمركة – مع (800) فرد لتوفير الأمن ومئات آخرين من القوات العراقية، والقوات الكردية المدربة التي ستحصل على المشورة حول كيفية قتال تنظيم “الدولة الاسلامية” ISIS ، وبعد ذلك تحدثت مصادر من البيت الابيض حول نشر (1000) مقاتل.

التزايد غير الفعال في عام 2015

تحسن تواجد أو تراكم القوات الأمريكية في نهاية عام 2014 و عام 2015، لكنها استمرت لتكون قليلة ومتأخرة جدا عن أن يكون لها أثر استراتيجي كبير، فتؤشر بعض المصادر بأن العدد الكلي للقوات الأمريكية ازداد ليصل إلى ما يقارب إلى (3100) في 9/تشرين الثاني/2014 ، ثم إلى (4400) في كانون الثاني 2015 ، و (4500) في بداية شباط 2015.

وقد ذكرت مصادر إعلامية أخرى بأن هناك (3050) من القوات الأمريكية في العراق في حزيران 2015 وما يقارب (2250) عنصرا من القوات الداعمة للقوات الأمنية العراقية، ومن جانب آخر تواجد تقريبا (450) عنصرا لتدريب القوات العراقية، وحوالي (200) عنصرا يقومون بأدوار مساعدة وتقديم مشورة، وقد أعلن البيت الابيض في 10/حزيران/2015 بأن الولايات المتحدة تنشر 450 جنديا، وأن العدد الاجمالي ربما يصل إلى 1000.

ولا توجد هناك طريقة تعقب موثوق بها لحجم وتوقيت للخطوات في هذا الزيادة القليلة في الجهود الأمريكية، أو لتتبع عدد القوات المتحالفة مع الولايات المتحدة القانعة بالانضمام إلى التحالف الدولي ضد تنظيم “الدولة الاسلامية” ISIS . مع ذلك، تؤشر المصادر الصحفية بأن هذه القوات المتحالفة تتضمن عناصر صغيرة من قوات برية استرالية، كندية، ودنماركية، ونيوزلندية، ونرويجية، وبرتغالية، وإسبانية، وقوات وحدات جوية استرالية، وبلجيكية، وكندية، ودنماركية، وفرنسية ، وأردنية، ومغربية، وهولندية، وتركية، وبريطانية.

وكذلك لا توفر التصريحات الرسمية الأمريكية ولا التقارير الإعلامية صورة واضحة عن تراكم القوات الأمريكية في المنطقة على مر الزمن، ولا عن الموظفين في البعثات ذات الصلة في بلدان اخرى، وبيانات القوات الجوية، وبيانات القوات الخاصة، ومجموع أفراد الدعم والحماية والمتعهدين أو المقاولين، وفي بعض الأحيان يمكن أن يكون عددهم أكبر بكثير من عدد القوات العسكرية والموظفين الحكوميين، وهذا العدد لا يتضمن الأفراد المتحالفين مع القوات الأمريكية الذين يأتون عادة بناءً على طلب من الولايات المتحدة.

وهذه المصادر تؤشر – مع ذلك – بأن الولايات المتحدة لم تكن ملتزمة أبدا بتدريب ومساعدة القوات باتجاه توفير الدعم المباشر للوحدات القتالية العراقية، وبدلا من ذلك أنشأت مراكز تدريب للحكومة العراقية وقوات البيشمركة الكردية، وخلق قدرات مماثلة لتدريب العدد المحدود للمتطوعين السُنة في العراق، كما أنشأت مراكز تدريب في الأردن والسعودية بضمن جهودها لتدريب (5000) من قوات التمرد السورية المعتدلة، والقوات الكردية في اطار الهدف الكبير القاضي بتدريب (15000) وتوفير نقل الاسلحة إلى القوات العربية السورية المعتدلة في شمال سوريا وكذلك إلى الأكراد السوريين.

وهذه الجهود نجحت بشكل محدود ولاسيما فما يخص تدريب قوات التمرد السورية المعتدلة والأكراد العراقيين، على الرغم من أن كل نجاح تكتيكي كان في مقابله ثمن استراتيجي، فقد اثبتت المساعدة العسكرية الأمريكية للأكراد مبدأ أن القوى الخارجية يمكن أن تساعد الذين يكونوا على استعداد لمساعدة أنفسهم، وقد حققت الجهود الأمريكية لتدريب ومساعدة وتقديم التسليح الأفضل إلى العراقيين والأكراد السوريين مكاسب مهمة ضد تنظيم ” الدولة الاسلامية في العراق والشام” ISIS في كل من العراق وسوريا، إلا أن الثمن كان تعقيدات ومضاعفات خطيرة.

ففي العراق سمحت المكاسب الكردية للأكراد بالسيطرة على كركوك وحقولها النفطية وتوسيع مساحة إقليم كردستان في السيطرة على ما يقارب من 30-40%، وبذلك وضعت الأسس لصراع مستقبلي بين الكرد والعرب. وفي سوريا، قام الاكراد بالشيء ذاته على طول الحدود الشمالية لسوريا مع تركيا خالقة بذلك توتراً مع كل من العرب السوريين وتركيا العالقة في صراعات السلطة السياسية المحلية بين اردوغان ومعارضيه الذي ساعد على تأجيج جولة جديدة من القتال بين القوات التركية وحزب العمال الكردستاني PKK (الجماعة المتمردة الكردية الرئيسة في تركيا).

وقد ادركت تركيا تدريجيا بأن تنظيم ” الدولة الاسلامية في العراق والشام” ISIS يمثل تهديدا خطيرا جنباً إلى جنب مع تهديد وجود الأسد، وقامت بإيقاف تدفق المقاتلين الملتحقين بالتنظيم عبر الحدود التركية، وخفضت من قدرته على استعمال تركيا للحصول على الايراد، وكمصدر للتوريد أو الاستيراد، وفتحت قاعدة انجرليك الجوية (Incirlik Air Base) للحملة العسكرية الأمريكية، كذلك قامت تركيا ببعض الطلعات الجوية ضد التنظيم، واستمرت مع ذلك في الضغط على الولايات المتحدة لتكون شريك فعال في الجهود العسكرية لإزاحة الاسد، ودعم منطقة حظر طيران في شمال سوريا على الرغم من أن تركيا لم تكن واضحة بشكل عام حول المقصود بتعريف مثل هكذا منطقة وما يمكن فعله وكيفية تمويلها، وماذا تقصد بمدى “حظر الطيران”؟.

ومع ذلك، وعلى مدى واسع استمرت الجهود الأمريكية التدريجية في الاخفاق في كل من العراق وسوريا، ففي العراق بقي الجيش العراقي غير فعال إلى حد كبير، ولهذا حققت ايران مكاسب كبيرة في التأثير على قوات الأمن العراقية، وكانت المليشيات الشيعية العراقية المدعومة من ايران – كقوات حزب الله اللبنانية، والمتطوعين الإيرانيين، والقوات الحكومية العراقية المدعومة إيرانيا – في الغالب أكثر فاعلية من القوات العراقية التي حصلت على التدريب والمشورة الأمريكية، واستمرت المليشيات الشيعية العراقية في التسبب بمشاكل خطيرة تمثلت بالعنف الطائفي وزيادة النفوذ الإيراني.

وأن الفشل في نشر عدد فعال وكاف من المستشارين الأمريكان مباشرة ضمن القوات العراقية المقاتلة ساعد على ضمان حقيقة مفادها أن اي تقدم في أنشاء قوات عراقية ذات قدرات قتالية كان بطيء في أحسن الأحوال، والحكومة العراقية لا يمكنها أن توافق على جهد هدفه أنشاء الحرس الوطني، فاختلفت سياسيا مع الاكراد حوله.

وتؤشر التقارير الاعلامية بأن الولايات المتحدة تجاهلت كثيرا اهدافها في اعادة بناء الجيش العراقي في خريف عام 2010، والأن تتعامل أيضا مع حقيقة قرب العراق من الافلاس بسبب انخفاض العوائد النفطية، الأمر الذي جعل الحكومة المركزية وحكومة اقليم كردستان توقف جهودها في بناء وتعزيز قواتهما البرية، فضلا عن زيادة مشاكل الحكومة العراقية في تمويل أية قوات سُنية.

أما في سوريا، ففي نهاية عام 2014 وبداية عام 2015 دمرت جبهة النصرة جماعات المعارضة العربية السورية المعتدلة المدعومة من قبل الولايات المتحدة، وعلاوة على ذلك، فأن جهود الولايات المتحدة وأنفاقها 500 مليون دولار لتدريب 5000 متطوع عربي من السنة، وخلق قوات معتدلة تقدر بـ(15000) لقتال تنظيم (الدولة الاسلامية في العراق والشام “ISIS“) انهارت ببطء وهذا الجهد كله أُلغي في خريف 2015.

اثبتت جماعات المعارضة العربية السورية فاعليتها في سوريا وكانت مدعومة من دول عربية مثل السعودية والامارات وقطر، الا أن هذه الجماعات اشتملت على عناصر من الاسلاميين وركزت على قتال قوات الاسد بدلا من قتال تنظيم “الدولة الاسلامية في العراق والشام” ISIS. وكما هو الحال في العراق، أصبح الأكراد السوريون القوة البرية المدعومة بقوة من قبل الولايات المتحدة، ولكن هذا يُثير مشاكلا في التعامل مع تركيا التي غضت الطرف عن التنظيم كجزء من معارضتها لنظام الاسد ورؤية أي شكل لاستقلال الاكراد تهديداً لها، ولم يكن التحرك الأمريكي حاسم وكبير أبدا بما يكفي للسماح لأي عنصر من القوات البرية المتحالفة مع الاكراد في كسب المبادرة، وكثيرون في المنطقة وجدوا أنه من الأسهل القاء اللوم على الولايات المتحدة في تحمل المسؤولية والعمل الخاص بالأكراد.

هذا لا يعني بأن الجهود الأميركية فاشلة تماما، ففي تشرين الثاني 2015 ساعدت تلك الجهود في التدريب والمساعدة والطلعات الجوية القوات العراقية على تحقيق قدر كبير من الاحتواء لتنظيم “الدولة الاسلامية في العراق والشام” ISIS في العراق وادامة زخم القتال في الرمادي. ونقل عن الجنرال دانفورد قوله خلال زيارته في تشرين الاول إلى العراق: بأن ” عدد السُنة الذين تم تدريبهم وتسليحهم في محافظة الأنبار بلغ 6000 مقاتل، وتهدف إلى زيادتهم إلى 8500 مقاتل، وإلى جانب الشرطة كانت الحكومة تبحث عن 16000 مقاتل سُني للتطوع، وهم الأن حوالي 11000 إلى 12000″ مقاتل، كذلك ساعدت الولايات المتحدة الاكراد السوريين وقوات المعارضة لتحقيق بعض مكاسبها ضد تنظيم (الدولة الإسلامية “داعش”) في سوريا.

كذلك ابقت العمليات القتالية خلافة تنظيم “الدولة الاسلامية في العراق والشام” ISIS في نفس مكانها لما يقرب من سنتين، وفشلت في القيام بأي شيء يكون موثوق به لبناء قوات برية محلية كافية لهزيمة التنظيم، وفشلت في خلق أي وحدة لجهود حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة. وذهب الكثير باتجاه أن الولايات المتحدة كانت أما غير فاعلة، أو اشتركت بمجموعة معقدة من المؤامرات لزعزعة استقرار المنطقة، وتوسيع نفوذها، وعلى نحو ما تنقلب على حلفائها العرب بصفقة سرية مع ايران.

تركت الولايات المتحدة فراغاً استراتيجيا في سوريا واستغلته روسيا بنشر القوات الجوية الروسية، وواجهت معارضة قوية من حكومة اردوغان في تركيا نتيجة دعم الولايات المتحدة للأكراد في سوريا والعراق، ولم يقدم الاتفاق (P5 + 1) مع ايران شيئاً للحد من الجهود الإيرانية القوية لاستغلال الوضع في العراق وسوريا. وعند النظر إلى ما هو أبعد من البعد الامني، فأن الوضع في سوريا تحول إلى كارثة إنسانية شملت اكثر من نصف سكانها.

وعلى الجانب العراقي قاد الانخفاض الكبير في أسعار النفط إلى أن يكون الاقتصاد العراقي على حافة الانهيار، والشيء الآخر هو أن الانقسامات الطائفية والعرقية لم تتراجع إلى مستوى واضح، وأن إمكانية التوتر والصراع العربي الكردي تبدو أنها نمت بشكل أخطر.

ولم يكن هناك مجموعة واضحة للقوات التي تخفف التوتر بين العلويين والسُنة، والوضع في العراق في احسن الاحول يُظهر بعض الدلائل على أن قوات العشائر السُنية في الأنبار قبلت الدعم الأمريكي – على الرغم من وجود مؤشر صغير لمصالحة سُنية أوسع مع الحكومة العراقية المركزية.

والجزء الأكبر من هذا المزيج من التحديات يُعزى إلى القوات الداخلية في العراق وسوريا والقوى الأخرى، ولكن مع أن الاندفاع التدريجي للولايات المتحدة لم يفشل في معالجة الجوانب الأساسية في القتال على الارض والآثار السياسية والاستراتيجية المرتبطة به، إلا أنه عمل على خلق مشاكل جديدة وجعل الامور أكثر خطورة، كما أنه ليس من الواضح بأن زيارة جيرمان دانفورد Chairman Dunford إلى العراق في اكتوبر/تشرين الاول 2015 ستقود إلى ما هو اكثر من اضافة مستوىآخر غير مناسب من الاندفاع لجهود الولايات المتحدة السابقة.

استراتيجية الاندفاع التدريجي في القوة الجوية:

قامت الولايات المتحدة بجهود كبيرة في اطار حملتها العسكرية الجوية، ولكن يبدو أن أثرها غير واضح كما هو مع آثار حملتها العسكرية البرية، والجدل الحالييدور حول تجاهل اكثر من(%50) إلى حد كبير لواقع مفاده أن الولايات المتحدة بدأت حملتها الجوية منذ أكثر من عام، وكذلك تجاهلهم لتقارير منشورة تعود إلى مطلع العام 2014، تفيد بأن وكالة الاستخبارات المركزية CIA (وربما قوات خاصة أخرى) وقعت اتفاقات للتدريب والمساعدة العسكرية في شمال وجنوب سوريا، ومع الكُرد، والحكومة العراقية، وقبائل المناطق السنية في العراق.

في الواقع، لم تعلن الولايات المتحدة اي بيانات فعلية حول عدد المقاتلات والطائرات الأخرى المستعملة في العملية، ومعظم التصريحات الرسمية كان يتم خلالها المبالغة في الحملة الجوية الأمريكية كما صرح بذلك وزير الدفاع آشتون كارتر. ومع ذلك، فقد أفادت الولايات المتحدة بأن عدد طلعاتها الجوية يُظهر بأن الجهد القتالي الجوي الأمريكي أصبح وبشكل مطرد يحظى بقدر أكبر من الأهمية بعد البدايات المحدودة في أغسطس/آب 2014.

محدودية البيانات وعدم وضوح المقصد(الهدف)

عموما، قدمت وزارة الدفاع الأمريكية تقارير يومية عن عدد الطلعات الجوية والضربات التي تضمنت اطلاقا للذخائر وبشكل يومي، ولكنها لم تنشر بيانات حول الزيادة التدريجية في الطلعات الجوية خلال الشهر، بيانات الطلعات الجوية الكاملة لعام 2014 و 2015 موضحة في الشكل رقم (1) والتي اظهرت ارتفاعا كبيرا في الطلعات بين عامي 2014 و 2015، ولكن تم فقط اظهار البيانات الشهرية للغارات الجوية التي ارتفعت من )211( طلعة فقط في شهر أغسطس/آب 2014 إلى )760( طلعة في سبتمبر/ايلول، أي بمعدل أكثر من 1500 طلعة في ما تبقى من عام 2014، ثم إلى مستويات تصل إلى ما يقرب من )3000( طلعة في يوليو/ تموز 2015.

شكل رقم (1)

عملية العزم الملازمة: احصاءات القوة الجوية 8/ آب / 2014 إلى 30/ ايلول/2015

figure1

 

Source: POC: AFCENT (CAOC) Public Affairs –afcent.pa@afcent.af.mil http://www.defense.gov/Portals/1/features/2014/0814_iraq/docs/September_30_2015.pdf

ومن الواضح لم تكن هناك أي خسائر في الطائرات الجوية المُسيرة ولا المقاتلات ولا أي خسائر بشرية حتى أوائل تشرين الثاني 2015 وذلك من بين (7712) طلعة هجومية، ويبدو بأن هذا الرقم اشتمل فقط على الطلعات التي تم فيها إطلاق الذخائر، وفي الوقت نفسه، فأن (7712) طلعة هجومية حتى 15 أكتوبر 2015، كرقم لعدد الطلعات لم يشتمل الا على جزء من اجمالي الطلعات الهجومية الجوية.

البيانات بالشكل رقم (1) تغطي فقط العمليات حتى 30 / ايلول 2015 ، وأنها توضح وجود (23181) طلعة جوية تتنوع مهامها بين تقديم الدعم الجوي أو المرافقة أو الاعتراض. وكان هناك أكثر من (9293) طلعة جوية استخباراتية للمراقبة والاستطلاع، و(9402) طلعة جوية للنقل الجوي، و(16527) طلعة جوية لنقل الوقود، وبذلك يكون لدينا ما مجموعه (58403) طلعة جوية. وأن جهود النقل الجوي نقلت وحدها (72555) طن و45400 راكبا.

ومع ذلك، فأن المشكلة مع هذه البيانات، على اية حال، لاتعدوا اكثر من كونها وصف الاستراتيجية، وليس وضع الهدف الاستراتيجي، ولا الجداول الزمنية الممكنة، ولا الجهد المتكامل للعراق وسوريا بدلا من كونها بيانات رسمية مقدمة لواقع القوات على الأرض. وربما يرتبط الجهد الجوي بنشاط قتالي كبير، ولكن ليس هناك توصيف واضح لاستراتيجية أمنية ملموسة، وهذا اقل بكثير من دمج الجهود الأرضية-الجوية الذي يمكن أن يخلق الظروف لنتيجة استراتيجية كبرى دائمة، ومزيج ثابت للاستقرار والأمن في كل من العراق وسوريا.

كما أنها لا تشير إلى مقدرة القوة الجوية لتوجيه ضربات فعالة ضد القوات العسكرية المتفرقة في وضح النهار كالتي ينشرها تنظيم ” الدولة الاسلامية داعش” وغيرها من الجهات الفاعلة المنتشرة من غير الدول، أو لدعم عمليات استرجاع المناطق الحضرية التي يقوم تنظيم “الدولة الاسلامية داعش” باستعمال المدنيين فيها كدروع بشرية، واستغلال تردد القوات المهاجمة لإلحاق أضرار جانبية بها، وجرهم للقتال داخل المدن من منزل إلى آخر والحواجز الملغومة بمختلف المواد المتفجرة والعبوات الناسفة.

البيانات في الشكل رقم (1) تظهر أن هناك 6981 طلعة هجومية في عام 2014 – على شكل دعم جوي / مرافقة / اعتراض) و 1411 طلعة وجهت ضربات واطلقت ذخائر، وهذا يفيد بأن طلعة جوية واحدة من بين 5 طلعات كانت توجه ضربات جوية وكان لها اثر في القتال، إذ كان هناك 2164، فأنه فقط طلعة واحدة من (6.5) طلعة من العدد الاجمالي (9,145) كانت تقذف ذخائر.

إن بيانات الأشهر التسعة الأولى من العام 2015 تبيّن أن 5560 طلعة هجومية أطلقت ذخائر من بين 16200 طلعة جوية او ما نسبته طلعة واحدة إلى (3) طلعة. ومع ذلك، فقد زادت الطلعات الجوية التي أنفقت الذخائر لتكون 5560 من بين اجمالي 23329 طلعة جوية شكلت ما نسبته 1 إلى 4.2. وقد اشارت التقارير الصحفية إلى أن الضربات الجوية لطائرات الولايات المتحدة زادت من ما نسبته 25٪ في أكتوبر/تشرين الاول 2014 إلى ما نسبته 67٪ في أكتوبر/تشرين الاول 2015.

ومن غير الواضح أيضا أن عددا كبيرا من هذه الطلعات الجوية كان لها تأثير على القتال في المناطق المأهولة بالسكان، ولاسيما في قلب المناطق الخاضعة لسلطة وسيطرة تنظيم “الدولة الاسلامية داعش” والمسماة بـ “اراضي الخلافة”، ومن المؤكد أن القوات الحكومية العراقية لم تمارس عمليات تقدم رئيسة في تحرير الرمادي الأقل اهمية بالنسبة لنينوى. والحقيقة هي أن نشر الولايات المتحدة لمقاتلات (A-10 و F-15) في تركيا اثناء خريف العام 2015 لدعم القوات البرية الكردية والعربية في مواجهة “داعش” يشير إلى أن القوة الجوية لم يكن لها سوى تأثير محدود حتى ذلك الوقت.

أن قوات التحالف تقدم المساعدة، غير أن نطاق وفعالية هذا الجهد غير واضحة، إذ لم تكن هناك أية بيانات مفصلة عن دور قوات التحالف الجوية مع مرور الوقت، ولكن التقارير المقدمة من قبل “بي بي سي” وصحيفة “نيويورك تايمز” عن مصادر في وزارة الدفاع الأمريكية تؤشر أن طلعات طيران قوات التحالف يقدر بـ 30٪ من أصل 5100 طلعة جوية في سوريا بين كانون الاول 2014 وأيلول 2015، على الرغم من أن طلعاتها تبدو أقل من 5٪ من أصل 2700 طلعة جوية في سوريا – حيث فرنسا واستراليا هم الشركاء الرئيسيين. ولا يوجد هناك بيانات موثوق بها حول اهداف تلك الطلعات وفاعليتها، ولكن، لاحظت الولايات المتحدة ايضا أن القوات الجوية السعودية والاماراتية والاردنية ابتعدت عن القيام بطلعات جوية في العراق منذ أن أصبحت كلا من (الامارات والسعودية) مشتركة في الحرب في اليمن.

اللعنة على ما لم يحدث، بدلا من الثناء على ما تحقق فعلا:

من المهم أيضا ملاحظة أن الكثير في المنطقة ينظر للجهود الجوية الأمريكية بأنها غير فعالة على الرغم من عدد الطلعات المذكورة، وليس لديهم فكرة عن مدى وحجم جهود الولايات المتحدة. فهم يركزون أكثر بكثير على ما لم تفعله الولايات المتحدة، بدلا من التركيز على ما قامت به فعلا، إذ لم تستعمل الولايات المتحدة القوة الجوية في اثنتين من المناطق.

واحدة من هذه المناطق هي منطقة حظر الطيران المذكورة أنفاً، وأن العديد من الأتراك والعرب الذين يركزون على الأمن الإقليمي يعتقدون بأنه فيما لو فرضت الولايات المتحدة الحظر الجوي على سوريا كما فعلت في العراق، فأن الأسد لم يكن بإمكانه البقاء في السلطة، ويعتقدون ايضا من الممكن أن لا يكون هناك ما يقرب من 8 ملايين نازح من المدنيين داخل سوريا، وما يقارب من 5 مليون لاجئ خارجها، كالذي حدث في أواخر عام 2015، أو عدد الضحايا المدنيين، الذي كان من الممكن أن تسهل كثيرا إنشاء قوات المتمردين العربية الأكثر اعتدالا والتفاوض على حل سياسي من شأنه أن لا يتيح لروسيا أن تقوم بنشر وحداتها الجوية في سوريا.

وهذا لا يعني أن هؤلاء المنتقدين يتفقون على الكيفية التي ينبغي أن تُحدد وفقها منطقة “حظر الطيران”، وما يجب أن تفعله، وما هي الحدود التي ينبغي أن تكون عليها، وما هو الامتداد الذي ينبغي أن تشمله جوانب “الحظر” للمنطقة في ليبيا. لكن غالبا ما يُفترض أن منطقة الحظر ستقدم – بطريقة أو بأخرى- مقدرة كبيرة على استيعاب اللاجئين والمشردين داخليا، وتتيح قواعد فعالة لتدريب المتمردين، غير أن القيام بذلك من دون أي تقييم لكيفية الدعم الذي يأتي للمدنيين السوريين أو لماذا سيبقون في مثل هذا المنطقة؟ أو ما هي العناصر المتمردة التي سوف تستفيد من منطقة الحظر؟ ولماذا لن يشمل الجماعات المتطرفة مثل تنظيم النصرة؟.

هم يفترضون ضمنا أن الأسد لن يشن حربا جوية كبيرة في الرد على مسألة منطقة الحظر الجوي، ولا يحاولون تقدير حجم وتكلفة جهود الولايات المتحدة، أو تحديد الدور الذي ينبغي أن تضطلع به تركيا أو الدول العربية، كما أنهم لم يتناولوا الرد الروسي المحتمل، ومع ذلك، تبقى الحقيقة في أن أكثر المنتقدين في المنطقة يميلون إلى إلقاء اللوم على الولايات المتحدة بعدم خلق منطقة حظر جوي بدلا من فهم وتصديق ما قامت به الولايات المتحدة بالفعل.

 

وينطبق الشيء نفسه على المنطقة الثانية من حيث الانتقادات حيث تعود إلى حقيقة عدول الولايات المتحدة عن شن الغارات على نظام الأسد بعد أن وافق الأسد على التخلي عن الأسلحة الكيميائية، وأن العديد من المنتقدين يشعرون أن لو كان الرئيس أوباما قد تصرف ضد نظام الأسد بعد تجاوزه للخطوط الحمراء التي وضعها بعدم استعمال النظام السوري للأسلحة الكيميائية في 20 أغسطس 2012 – ولو اطلقت الولايات المتحدة صواريخ كروز على نظام الأسد بعد أن استعمل بشكل واضح الأسلحة الكيميائية في الهجمات على المدنيين وضد المتمردين المتمركزين في منطقة بالقرب من دمشق في أغسطس 2013 – فأن ذلك سيكون له تأثير كبير في إسقاط نظام الأسد مرة أخرى، وأن عددا قليلا يمكنهم الاتفاق على كيفية أن يحصل هذا، كما أن بعض هؤلاء المنتقدين هم أكثر استعدادا لإلقاء اللوم على الولايات المتحدة لقيامها بالتصرف في العراق وفي الوقت نفسه يتم انتقادها لعدم التصرف في سوريا.

ومع ذلك، فأن كلتا المجموعتين من الانتقادات تسلطان الضوء معاً على محدودية الاندفاع التدريجي في استعمال الولايات المتحدة للقوة الجوية، والحقيقة الواضحة هو أنها لم يكن لها أي تأثير حاسم على المعركة البرية وعموم الحالة الأمنية في العراق أو سوريا.

الافتقار إلى البيانات المجدية حول فعالية وعدم فعالية التدرج الاستراتيجي

إن المشاكل في تقييم الولايات المتحدة للبناء التدريجي للقدرات الجوية والبرية معقدة بشكل كبير بفعل ضعف الشفافية في التقارير التي يقدمها كل من البيت الابيض ووزارة الدفاع، وأن البيانات الرسمية حول فعالية الجهود البرية والجوية تتصف بأنها مبهمة بدءا من التقارير حول الجهود الجوية إلى التقارير المخادعة بالنسبة للجهود البرية بدلا من تبرير الجهود العسكرية الأمريكية ، الذي يبدو مصممة لطمس الاثر الاستراتيجي لتلك الجهود.

البيانات الجوية عديمة المعنى

بيانات الضربات الجوية الصادرة عن وزارة الدفاع على أساس يومي لا تذكر شيئا عن التأثير العام للحملة الجوية أو استراتيجيتها، كما أن خرائط الضربات الجوية التي تُظهر المواقع التي تستهدفها الغارات الجوية وعدد تلك الغارات التي تصدر بصفة منتظمة من قبل هيئة الإذاعة البريطانية – التي من الواضح لديها دعم من وزارة الدفاع الأمريكية – لا تعكس فاعلية تلك الجهود بشكل عام وإنما تعكس زيادة في الغارات الجوية استجابة للأولويات التكتيكية المباشرة في دعم القوات العربية والكردية، بدلا من استراتيجية جوية واضحة.

البيانات الموجزة حول الاهداف المدمرة / المتضررة الصادرة عن وزارة الدفاع الأمريكية – الموضحة في الشكل الثاني – أفضل بقليل.

شكل (2) الأهداف المدمرة بالضربات الجوية لغاية 8 تشرين الثاني 2015

الدبابات/       119                                           عربت هامفي/ 340

منصات اطلاق/   510                                         البنايات/ 3262

مواقع قتالية/   2577                                     البنية التحتية النفطية/ 196

اهداف اخرى/     3680

اجمالي الاهداف : 10,684

المصدر:

Source: http://www.defense.gov/Portals/1/features/2014/0814_iraq/Operation-Inherent-Resolve-August7.jpg

هذا العنوان “الاهداف المتضررة/المدمرة” يمكن أن يعني أي شيء. بعض البيانات الأكثر تحديدا – مثلا الدبابات والبنية التحتية للنفط – تعود لأشهر ولا توضح النسبة المئوية أو أثر الخسائر. معظم هذه الخسائر هي غامضة وبذلك لا يكون لها معنى: 520 “منصات اطلاق” 3262 “المباني”، 2577 “مواقع قتالية”، و3680 “أهداف أخرى” ماذا يعني بالضبط؟ مجموع الاهداف 10039 من 10684 تم وصفها بمصطلحات أو بنود هي في الحقيقة يمكن وصفها فقط بأنها “هراء احصائي”.

تضليل البيانات البرية الميدانية:

البيانات الرسمية حول التأثير الاستراتيجي للحملة البرية هي أسوأ من ذلك، فلم تقم الولايات المتحدة علنا بالربط فيما بين بطء التدريب والمساعدة من جهة، وبين تفاصيل تأهيل عناصر القوات العراقية والسورية بحيث تصبح أكثر فاعلية في القتال من جهة اخرى.

والاسوأ هو اصدار مسؤولين كبار في الإدارة الأمريكية بيانات غامضة – على غرار حالة فيتنام – حول عدد قتلى المتمردين، وفيما يتعلق بالحملة الجوية الأمريكية، فيبدوا أن الأرقام تخفي قدر كبير من الغموض وتقدم لنا تخمينات تؤشر عدم وجود أحد في أي من أجهزة الاستخبارات الاميركية أو الجيش بشكل خاص على استعداد للتصديق بها.

وهي – أي التخمينات والبيانات – لا تتعلق اطلاقا بأحراز تقدم في الحرب البرية، وكانت في بعض الأحيان أرقام مرتفعة تصل إلى (مقتل اكثر من 10,000 إلى 20,000 من متمردين داعش). وهذا صحيح عندما ذكرت مصادر البنتاغون نفسها التي أعلنت الرقم 20,000 في تشرين الاول 2015 أن القوة الكلية او الاجمالية، كما قال المسؤول الأول، لا يزال على ما كان عليه عندما بدأ القصف: 20,000 إلى 30,000 مقاتل.

وقليل من الادعاءات الملموسة حول مكاسب الحرب البرية تبدو ناقصة المصداقية، من اي وقت مضى منذ نيسان 2015، فقد اظهرت وزارة الدفاع الأمريكية خريطة مضللة تدعي بأن:

الخطوط الأمامية لتنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) في شمال ووسط العراق تراجعت إلى الوراء منذ آب/2014، ولم يعد يمكن للتنظيم أن يقوم بعملياته بحريه في نحو 25-30 % من الاراضي المأهولة بالسكان من الاراضي العراقية. وهذه المناطق تشكل مساحة ما يقارب 13000 إلى 17000 كيلو متر مربع ، أي ما يعادل 5000 إلى 6000 ميل مربع. على اية حال، وبسبب الطبيعة الديناميكة للصراع في العراق وسوريا، فأن هذا التخمين قد يزيد أو يخفض الاعتماد على التقلبات اليومية في خطوط المعركة. ولاتزال منطقة نفوذ داعش في سوريا لم تتغير إلى حد كبير مع مكاسبه في مناطق السويداء، ريف دمشق، حمص يقابله خسائر في حلب والحسكة.

الشكل (3)

figure3

العراق وسوريا: انحسار مناطق عمليات داعش اعتبارا من نيسان 2015

المصدر:

www.defense.gov/Portals/1/features/2014/0814_iraq/20150410_ISIL_Map_Unclass_Approved.pdf.  

هذه الخارطة موضحة في الشكل 3 ، والعديد من الامور حول هذا النهج في مسرح العبث وهي:

  • لم يجرِ تحديث تلك البيانات منذ نيسان 2015 وبقيت على موقع وزارة الدفاع الأمريكية الالكتروني كما ملاحظ في 3 تشرين الثاني 2015
  • لم توضح المكاسب الكبيرة التي حققها الاكراد السوريين وعناصر العشائر العربية في شمال سوريا وعلى طول الحدود مع تركيا.
  • مساحات كبيرة من الخارطة غير مأهولة بالسكان. والخريطة لم تعكس المساحة الحقيقية المسيطر عليها وأغلبها هي صحراء فارغة.
  • معالم الخريطة مختارة كتقدم مؤقت لقلة من مقاتلي داعش، وباختصار فأن تلك المعالم تعظم مكاسب داعش وتبالغ في حجم المناطق المستردة من سيطرة داعش.
  • لم تغطِ الخريطة مناطق غرب سوريا حيث حصل أعنف قتال بين تنظيم داعش وقوات القبائل العربية والاكراد السوريين.
  • كما أنها لا تسلط الضوء على عدم احراز أي تقدم من قبل قوات المعارضة العربية التي قامت الولايات المتحدة بتدريبها في سوريا.
  • كذلك لم توضح الخارطة بأن مناطق القتال في سوريا انقسمت إلى منطقة لنظام الاسد، ومنطقة للمتمردين العرب، ومنطقة للأكراد، ومنطقة يسيطر عليها تنظيم داعش وتنطوي على مقاومة موحدة لتنظيم داعش في البلاد التي مزقتها الحرب الاهلية اذ تسبب نظام الاسد بسقوط اغلبية الضحايا المدنيين، واللاجئين، والافراد النازحين في الداخل، وتخريب اغلب المرافق العامة والاقتصادية.
  • أنها –اي الخريطة- لا تُظهر الاختلافات المماثلة بين المناطق التي يسيطر عليها الاكراد العراقيين، والحكومة العراقية المركزية، والفصائل الشيعية، وابناء العشائر السنية، وقوات داعش. كما أنها لا تعكس الحجم الاجمالي لمكاسب الكرد العراقيين، أو النقص الواضح في التقدم من قبل الحكومة العراقية المركزية، والفصائل الشيعية، وقوات القبائل السنية.

وهناك مجموعة واسعة من الجهود – وهي أفضل بكثير بهذا الخصوص- توجد على المواقع الالكترونية لمنظمات غير حكومية (NGO) مثل معهد دراسة الحرب، مجلة الحرب، نيويورك تايمز، الواشنطن بوست، رويترز، بي بي سي(BBC) … الخ . بعض هذا الجهد – خصوصاً من قبل النيويورك تايمز – يسلط الضوء على البعد الاكثر أهمية في الحرب من وجهة نظر استراتيجية الولايات المتحدة وهو عدم احراز أي تقدم تدريجي – التي اعطتها الولايات المتحدة أولوية واضحة – باستثناء الكرد. وهذا يطابق حقيقة أن القتال الاكثر اهمية في سوريا حتى الأن بين نظام الاسد وحركات التمرد العربية الاخرى من غير داعش.

ومن الممكن أيضا أن نشير إلى نقطة وهي عدم وجود تقدم ذو معنى في التقارير عن الحرب البرية من قبل حكومة الولايات المتحدة الأمريكية تتطرق إلى المناطق الكردية في العراق وسوريا حيث ساعد دعم الولايات المتحدة في تحقيق مكاسب مهمة ضد تنظيم داعش، والخطورة هي أن المكاسب الكردية أوجدت ظروف لمستقبل التوتر بين الكرد والعرب اذا هُزم داعش.

ومن هذه المكاسب تلك التي وصفها نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي(أنتوني ج. بلنكن) كما في ادناه في مؤتمر المنامة الامني في اكتوبر 31/ تشرين الثاني/ 2015:

(( انضمت الكثير من الدول العربية والعشرات من الشركاء حول العالم معنا في التحالف لمكافحة داعش وفي النهاية هزيمته، وامتزجت حملتنا العسكرية مع جهود شاملة لعرقلة تدفق المقاتلين الأجانب، والتصدي لروايته وقطع تدفقات تمويله.

أربعة عشر شهرا مضت، وهذا التحالف لم يعد موجود، منذ وقت قصير يضم التحالف 65 دولة قامت بأكثر من (7700) غارة جوية، اجبرت داعش على تغيير الطريقة التي تدير بها عملياتة العسكرية، وعرقلة القيادة والسيطرة، ومواجهة ماكنته الدعائية، وحرمان التنظيم 30% من الاراضي التي سيطر عليها قبل عام واحد.

من المدينة الحدودية الحرجة كوباني في سوريا إلى تكريت في العراق، استطاع التحالف الدولي تحرير مجتمعات عدة ومكن العديد من العودة إلى مدنهم في شمال سوريا ، وتمكن التحالف الدولي من تأمين 85 % من الحدود التركية – السورية، ونحن عززنا جهدنا وحملتنا العسكرية على الارض للمساعدة في دفع داعش إلى خارج ما تبقى (70 ميل) المتبقية التي يسيطر عليها وغلق الطريق الاكثر حيوية لتدفق المعدات والمقاتلين الأجانب. ونحن ايضا نقدم الدعم لمقاتلي المعارضة المعتدلة لمساعدتهم على تعزيز المكاسب التي حققوها في الضغط على داعش في الرقة العاصمة التي نصّب داعش نفسه عليها )).

لم تتطرق تصريحات بلينكن إلى حقيقة أن جميع هذه المكاسب تقريبا كانت مكاسب كردية جرت أو تحققت على حساب السيطرة العربية، مدعيا أن المكسب الحقيقي المؤقت على المدى القصير افضل من تعيين المكسب او الهدف الذي لم يتحقق ابدا ولكن لديه حدود خطرة، كما أنه يسلط الضوء مرة اخرى على الحد الاكثر اهمية للهيكل العام للاستراتيجية الأمريكية. وانعدام وجود اي خطة اوسع لتحقيق الاستقرار في سوريا او العراق، ومن الممكن جدا أن هذه المشاكل ربما تقود في النهاية إلى مشاكل جدية حقيقية بين الكرد والعرب وتركيا.

لا بيانات حول فاعلية الجهود البرية والجوية:

لا يبدو أن الولايات المتحدة قادرة على ربط الزيادة المحدودة في القوات الخاصة مع الاكراد والمتمردين العرب في شمال سوريا مع الزيادة في الطلعات الجوية، واستعمال المقاتلات الهجومية مثل (A-10) من قاعدة انجرليك الجوية او القواعد الاخرى في تركيا. ومن الملفت للنظر ، على اية حال، أن السرد العام للولايات المتحدة لم يتطرق بجدية لإجراءاتها او سلوكياتها في العراق أو سوريا من حيث الحرب المشتركة أو محاولة ايجاد اي معايير جوية-أرضية لإحداث التأثير.

وقد يكون ذلك أمر حتمي نظرا لحقيقة هي أن الولايات المتحدة لم يسبق لها أن ربطت علنا الزيادات الاضافية في تدريب ومساعدة الافراد مع الاداء القتالي العراقي او السوري، أو وفرت أي تفاصيل حول كيفية تخصيص الدعم الجوي واستراتيجيتها الشاملة للعمليات الجوية كي تميزها عن البيانات الغامضة الهدف في الشكل (2). ومع ذلك فأنه لايزال يثار مزيدا من الاسئلة حول فاعلية الاندفاع التدريجي، ولاسيما في ضوء حقيقة هي أن نشر 10 طيارين حديثا يثير شكوى على وسائل الاعلام وشبكة الأنترنت من أن قواعد الاشتباك جامدة وهذا يؤدي إلى حرمانهم من المقدرة على تنفيذ مهامهم القتالية على ارض الواقع وتكون فعالة.

ربما يكون الاندفاع التدريجي أقل كلفة لكنه بعيد كل البعد عن التكلفة الفعالة:

البيانات حول تكلفة الاندفاع التدريجي ليس افضل من البيانات حول فاعليته العسكرية. بيانات الكلفة لوزارة الدفاع الأمريكية لأجل عملية الحزم موضحة في الشكل (4). تكلفة العمليات الحركية او التكتيكية – العمليات الجوية إلى حد كبير- بالكاد تكون رخيصة، ولكن حتى الأن هي أقل تكلفة من مشاركة الولايات المتحدة بنشاط في القتال على الأرض. وافادت وزارة الدفاع أن التكلفة الاجمالية من وقت بدء الولايات المتحدة غاراتها الجوية في 8 اب 2014 إلى 15 تشرين الاول 2015 بلغت (4.75) مليار دولار اي بمعدل (11) مليون دولار يوميا لـ (434) يوم من العمليات القتالية.

الشكل (4)

figure4

تقرير تكاليف القتال ضد تنظيم داعش لغاية 15 تشرين الاول 2015

Source: http://www.defense.gov/Portals/1/features/2014/0814_iraq/docs/ISIL_Master_Report_-_15Oct15.pdf

ليس واضحا – على أية حال – ما اذا كانت بيانات التكاليف هذه تغطي كل العمليات الحركية أو القتالية – أي تتضمن عمليات القوات الخاصة وعمليات الوكالة- او حتى ما اذا كانت تتضمن كل الطلعات الجوية، والاختلاف يمكن أن يكون حادا اذا لم تتضمن بيانات الكلفة تكاليف نقل المقاتلين من وإلى الولايات المتحدة إلى العراق وسوريا.

علاوة على ذلك، الـ(4.75) مليار دولار هي فقط الكلفة لغاية تشرين الاول 2015. وأن تحليل وزارة الدفاع للميزانية المخصصة للعمليات تعكس تكاليف أعلى بكثير، والتقرير الربع سنوي للمفتش العام لعمليات الطوارئ في الخارج OCO (Overseas Contingency Operations) حول عملية الحزم في ربيع 2015 يؤشر الآتي:

في 10 تشرين الثاني 2014 اقترح الرئيس اوباما على الكونغرس ميزانية لعمليات الطوارئ في الخارج OCO تبلغ(5.6) مليار دولار بطلب تعديل للسنة المالية 2015 لدعم استراتيجية الولايات المتحدة لهزيمة داعش، متضمنة العمليات العسكرية كجزء من عملية الحزم الحتمية OIR (Operation Inherent Resolve), وطلب الميزانية هذا تضمن (5) مليار دولار لوزارة الدفاع الأمريكية و(520) مليون دولار لوزارة الخارجية (DoS) والبرامج الدولية الاخرى (OIP)، وتتضمن تمويل للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) .

في كانون الاول 2014 تم توفير (5.0) مليار دولار لميزانية عمليات الطوارئ بالخارج تمول وزارة الدفاع المرتبطة بعملية الحزم الحتمية. وما يقرب من نصف هذه المبالغ يخصص لدعم تدريب وتجهيز قوات الامن العراقية وقوات البيشمركة الكردية للقتال ضد داعش. وهذه تتضمن (1.6) مليار دولار لتمويل صندوق تدريب وتجهيز العراق (Iraq Train and Equip Fund (ITEF)) وما يقارب من (800) مليون دولار لعمليات الجيش وأموال الصيانة لدعم مهام صندوق تدريب وتجهيز العراق (Iraq Train and Equip Fund (ITEF)).

مخصصات أو اعتمادات وزارة الخارجية للسنة المالية 2015 لم تنص على تخصيص اضافي للتمويل يتعارض مع تعديلات موازنة السنة المالية لعام 2015 باستثناء الزيادة في المساعدات الإنسانية وتمويل حكام مجلس الاذاعة (the Broadcasting Board of Governors (BBG))، ومع ذلك الفاتورة لا توفر تمويل لأنشطة منتظمة ومستمرة لدعم كامل لأنشطة وزارة الخارجية والوكالة الأمريكية للتنمية، بما في ذلك أنشطة دعم استراتيجية مكافحة داعش او أنشطة الاستجابة للازمة السورية. فقد اخبرت وزارة الخارجية بأن – كما في 31 اذار 2015 – اغلب تخصيصاتها او اعتماداتها المالية لم يُفرج عنها.

وقد حددت وزارة الخارجية تمويلا ضمن تخصيصات ميزانيتها الأساسية لمعالجة الكثير من اكاذيب مكافحة داعش ، ولكن التقارير التي تفيد بعدم وجود تخصيصات اضافية لوزارة الخارجية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لهذه الاغراض سيعني جهد محدود أكثر من المتوخى اصلا وتعويض أي مكان في العالم.

طلب التمويل للسنة المالية 2016 يبلغ 8.8 مليار دولار. طلب وزارة الدفاع الأمريكية (5.3) مليار دولار ، تشتمل على (0.7) مليار دولار لصندوق تدريب وتجهيز العراق (ITEF) و (0.6) مليار دولار لصندوق تدريب وتجهيز سوريا (STEF) لتدريب وتجهيز قوات المعارضة السورية.

ويتضمن طلب الميزانية ايضا (3.5) مليار دولار لنشاطات وزارة الخارجية والوكالة الأمريكية للتنمية لتقوية الشركاء الاقليميين، ومكافحة داعش، توفير المساعدة الإنسانية، وتقوية قوات المعارضة السورية المعتدلة لتوفير الظروف لانتقال سياسي عن طريق التفاوض.

وسمى الرئيس صناديق اخرى لمكافحة داعش متضمنة صندوق الشراكة لمكافحة الارهاب CTPF (Counterterrorism Partnerships Fund ) الذي يدعم تدريب وبناء القدرات الاخرى للدول الشركاء والتي هي على خطوط المواجهة لمكافحة التهديد الارهابي المشترك. في السنة المالية 2015 وفر هذا الصندوق مبغ (1.3) مليار دولار لوزارة الدفاع الأمريكية وما يقارب (2.5) مليار دولار طلبت من قبل (CTPF) في السنة المالية 2016 متضمنة (2.1) مليار دولار لوزارة الدفاع و(390) مليون دولار لوزارة الخارجية.

هذه البيانات تؤشر بأنه من المرجح أن تصل الكلفة الحقيقية للاندفاع التدريجي إلى (14) مليار دولار في السنة المالية 2015 والسنة المالية 2016، او يمكن أن يُقدر بأربعة اضعاف الـ(4.4) مليار دولار أنفقت خلال السنتين الماليتين 2015 و 2016. مع ذلك هذا يسبق فتح قواعد في تركيا ، واضافة طائرات ، وبعض الاضافات في القوى العاملة.

كذلك هذه لا تتضمن كلفة المساعدة الطارئة لسوريا. وذكرت الوكالة الأمريكية للتنمية بأن ذلك بلغ (4.5) مليار دولار بين السنة المالية 2012 و 2015 ، وكانت الولايات المتحدة اكبر جهة مانحة لجهود الاغاثة الطارئة التي قادت إلى انخفاض محدود ومؤقت في المعاناة والتي وصلت كلفتها اكثر (1.2) مليار لعام 2016 فقط.

واذا ما اُخذت هذه التقارير بنظر الاهتمام – وهم لم يفعلوا شيئاً لمعالجة المشكلة طويلة الاجل للتعافي في سوريا ، فأن الكلف الاجمالية في الاجل القصير للاندفاع الاستراتيجي ستبلغ اكثر من (22) مليار دولار في نهاية 2016.

أما بالنسبة للكلف في الدم والضحايا حتى تاريخه، فتقارير وزارة الدفاع حول الوفيات محدودة جدا حتى الأن، ومن غير الواضح ما اذا كان يتم الابلاغ رسميا عن اي خسائر في بعثات وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) والقوات الخاصة، ولكن حتى الأن، تقارير وزارة الدفاع البنتاغون افادت بأن عملية الحزم الحاسمة نتج عنها 10 قتلى في 1 تشرين الثاني 2015، وواحد من هؤلاء فقط قُتل في العمليات. وهذا المجموع منخفض بشكل ملحوظ في المدى الموضح في الشكل رقم 1 حيث أن الامريكان في مناطق آمنة في العراق والدول المجاورة تواجه الاخطار المحتملة من العناصر المعادية في قوات المتمردين والقوات الحكومية العراقية والمليشيات الشيعية…الخ .

الحاجة إلى استراتيجية أوسع

لهزيمة “داعش”، وتحقيق الأمن والاستقرار في مرحلة ما بعد “داعش”

أكثر من أربع سنوات مضت منذ بدء الاضطرابات في سوريا وثلاث سنوات منذ بداية واحدة من أسوأ الحرب الاهلية في العالم، وما يقارب من أربع سنوات منذ أن انسحبت القوات الأمريكية من العراق، وما يقارب من سنتين منذ أن اصبح داعش التهديد العسكري الرئيس في كل من العراق وسوريا، وحتى الأن جهود ادارة الرئيس اوباما في الاندفاع التدريجي حققت منجز قليل، اكثر من أن توضح بأن الموارد الضئيلة تسفر عن نتائج قليلة.

قد يكون متأخر جدا بالنسبة لإدارة الرئيس اوباما أن تعمل تغيير في استراتيجيتها، والاسوأ من كل ذلك يجعل من المرجح استمرار الوضع في العراق وسوريا والمنطقة في التدهور بشكل مطرد حتى منتصف 2017. ونأمل أن يكون للإدارة الجديدة وفي اقرب وقت تأثير كبير خلال العامين الاخيرين كان الحذر واضحا من أن التكلفة الإنسانية لسنتين اخريين من الاعمال او الاجراءات غير الفعالة ستكون مرتفعة جدا.

تأثير الاندفاع التدريجي

حتى الأن، واقع استراتيجية الولايات المتحدة في الاندفاع التدريجي في احسن الاحوال احتوت داعش جزئيا، ولم تفعل شيء لتحجيم نمو الانقسامات الداخلية سواء في سوريا أم في العراق. فتركت سوريا مفتوحة أو متاحة امام التدخل الروسي ، وفشلت في دمج الجهود الأمنية للولايات المتحدة بفاعلية مع جهود تركيا وحلفاء الولايات المتحدة من الدول العربية، واثبتت أن اجراءاتها ردة فعل لذلك تتجاوز الاحداث باستمرار كل زيادة جديدة في النشاط العسكري الأمريكي, وبأحسن الاحول عالجت جزء من التحدي الاستراتيجي تاركة السياسيات في سوريا والعراق والحكام للانكسار والفساد والاقتصاد، واثر الضغط السكاني وانتفاخ” طبقة الشباب لينموا بشكل سيء في كلا الدولتين.

وإذا كان هناك مزايا للاندفاع التدريجي، فهي تتألف إلى حد كبير من السلبيات، والاندفاع التدريجي ليس اسوأ من استراتيجيات ونشاطات جيران العراق وسوريا ، وهو اقل تهديداً للشعب السوري من روسيا وايران، والاندفاع التدريجي محدود التأثير بفعل الانقسامات الداخلية في العراق وسوريا اكثر منه بسبب نقص الجهود الأمريكية .

ويمكن لأحد أن يجادل بأن الاندفاع التدريجي اقل كلفة بكثير على المدى القصير من كلفة التدخل العسكري الكبير والتدخل المدني في العراق من 2003-2011 ، او التدخل المستمر في أفغانستان، ومع ذلك فأن خفض الكلفة في الامد القصير والذي يقود إلى الفشل لا يشكل ضمانة فيما يخص التكاليف المستقبلية، والشكل الاقل كلفة للفشل قلما يُعد مقياس للنجاح.

هذا لا يعني بأن القفز من الاندفاع التدريجي إلى التدخل الكبير و “الصدمة والرعب” يرجح أن يكون اكثر نجاحاً، إذ إن ارسال قوات برية امريكية إلى داخل الدول العربية المقسمة بشدة في مواجهة العداء الايرأني وفي وسط الصراع الكبير حول مستقبل الاسلام لا يرجح أن يكون اكثر نجاحا في المستقبل مما كان عليه في العراق، كما أن السنوات القليلة الماضية جعلت من الواضح جدا أن الحلول قصيرة الامد للمشاكل الكبيرة في العراق وسوريا ليس جيدة.

ولا تحتاج الادارة الأمريكية إلى نشر قوات عسكرية كبيرة، لكنها بحاجة إلى بلورة استراتيجية أمنية شاملة ذات مغزى للعمليات البرية – الجوية في كل من العراق وسوريا وللتعامل مع حلفائها في المنطقة. كما تحتاج إلى اتصالات استراتيجية لتوضيح هذه الاستراتيجية بمصداقية وعلنا للشعب الأمريكي، والكونغرس والحلفاء. كما تحتاج لتأسيس مستوى واضح من الظروف المناسبة لقواتها العسكرية وجهود المساعدة كذلك تحتاج إلى التعامل مع العراق وحلفائها في المنطقة كشركاء حقيقيين، كما تحتاج الولايات المتحدة إلى قبول حقيقة مفادها أن اقصى ما يمكنها تأمله بالنسبة للتعامل مع روسيا وايران هو التعايش المضطرب ومواجهتهم عند الضرورة.

تشكيل الاستراتيجية الامنية لعملياتها الارضية – الجوية

الخطوة الاولى لتحقيق هدف وضع الاستراتيجية الامنية ستكون توفير صورة واضحة لماهية الاستراتيجية الأمريكية لتساعد في هزيمة داعش وتحقيق الامن في العراق وسوريا بشكل حقيقي. والشيء الوحيد هو أن نتحدث عن الشفافية وشيء آخر لتحقيق الأمن في العراق وسوريا. وتوفير تقارير شهرية و غير شهرية او ربع سنوية إلى الكونغرس بأن المعالجة الحقيقية للوضع الامني في العراق في التقييم الصافي، قدمت صورة واقعية لحجم الجهد الأمريكي، وقدمت كلف حقيقية واقعية، ناقشت التقدم العسكري للولايات المتحدة وحلفائها من المقاييس الواقعية التي قد تكوّن البداية، كما أنها قد تُظهر ما اذا كان للولايات المتحدة استراتيجية ذات مغزى تعتمد على خبرة مثبتة بدلاً من الامل في المستقبل من عدمها.

كذلك تحتاج الولايات المتحدة إلى استعمال مثل هذه التقارير والتصريحات العامة لبعث الامل وللضغط على حلفائها في العراق وبين الثوار السوريون والدول المجاورة. والاخفاق في المعالجة المشاكل بصورة واضحة في التعامل مع حكومات البلدان والمكونات المضيفة، وفي التعامل مع الحلفاء، ربما يكون دبلوماسيا سيحرم الولايات المتحدة من النفوذ ويجعلها هدفا للانتقاد.

والفشل بشكل صريح في وضع شروط الحصول على الدعم الأمريكي حتى الأن قاد إلى فشل في وضع المستوى المطلوب من الضغط على الدول والفصائل التي تسعى الولايات المتحدة لدعمها، وسبب الفشل هو تسليط الضوء على درجة فشلهم في العمل. والمعالجة السلبية للأدوار السلبية لإيران وروسيا بنفس القدر من الاهمية. فايران وروسيا لم يذهبوا باتجاه أن يصبحوا شركاء استراتيجيين بل أنهم ذاهبون إلى الاستمرار في استغلال اي ضعف يمكن أن يُلاحظ.

انشاء مهمة ذات مغزى للتدريب والمساعدة

الشيء الملموس اكثر، هو أن الولايات المتحدة تحتاج إلى حجم وهيكلية جهود المساعدة والتدريب القصوى والتي لها الفرصة لتحقيق النجاح الحقيقي. والاخبار الجيدة هو أن تنظيم داعش ليست قوة عسكرية بشكل خاص، وفيه ما يقارب (20,000) إلى (33,000) مقاتل – مع تدريب قليل واسلحة خفيفة. والاخبار السيئة هي أن معارضة داعش لا تزال ضعيفة جدا، وأن عددا كبيرا جدا من القوات العراقية بقيت ضعيفة ومنقسمة طبقا للانقسامات الطائفية والاثنية وتحتاج إلى جهود كبيرة جدا في مجال التدريب والمساعدة على مستوى الوحدات العسكرية، وقوات الحكومة الاتحادية في العراق تحقق تقدم بطيء ولاتزال سنية بشكل كبير، اما القوات الكردية فهي الأن تواجه مشاكل كبيرة في التمويل، وتحتل مناطق جديدة متنازع عليها مثل كركوك التي ستوفر شرعية للتوتر المستقبلي مع العرب ولا يمكن أن تقود إلى تحشيد الجهود لتحرير محافظة نينوى، والتقارير التي تتحدث عن وجود (5000) من مقاتلي العشائر السنية الفعالة في الأنبار تبدو مبالغاً فيها كثيرا.

وقد اندثرت جهود الولايات المتحدة لخلق قوات عربية سورية معتدلة مستقلة تقاتل داعش فقط، وانقسمت قوات الثوار العرب السوريين بعمق، واشتملت على عناصر متطرفة سنية كما هو داعش وتركز على الاسد، وتنسيق جهود الولايات المتحدة لأنشاء قوات عربية سورية مع جهود تركيا والحلفاء العرب لاتزال تبدو ضعيفة وفقيرة وغير مؤكدة، وأجبِرت الولايات المتحدة على الاعتماد على الاكراد السوريين بالطرق التي يمكن من خلالها ترك ميراث التوتر او الاقتتال العربي – الكردي.

وبينما التفاصيل غير واضحة، فأن تقييم القوات العراقية جعلت الجنرال (دأنفورد General Dunford) خلال زيارته الاخيرة إلى العراق قد خفض نقاط الخلاف في الولايات المتحدة التي تأمل اعادة البناء في الامد القصير والمتوسط، وظهرت اسئلة كثيرة حول الحاجة إلى هيكلية قيادة عراقية فعالة اكثر، وتنسيق استخباراتي ، ومزيد من الوقت وتموين وتعزيزات عسكرية اكثر فاعلية، وتحديد التداخلات السياسية العراقية – الإيرانية في سلسلة القيادات. هذا التقييم يبدوا ايضا أنه اظهر سلسلة اشكاليات حول فاعلية كبح الفصائل الشيعية العراقية عندما تنفذ عمليات خارج المناطق الشيعية، وسرعة بناء قوات عشائرية سنية مقبولة، والقدرة على تمويل قوات البيشمركة في مواجهة مشاكل التمويل الكبيرة والصراع السياسي الداخلي في حكومة اقليم كردستان.

أن نشر عدد محدود من القوات الخاصة داخل سوريا هي بداية متعثرة في تشكيل اي مجموعة من القوات الفعالة ضد تنظيم داعش، ولن يفعل شيئاً لمعالجة المشاكل الطائفية والاثنية في كل من العراق وسوريا. واذا قامت الولايات المتحدة بمهام تدريب ومساعدة فعالة، فعليها – على اية حال- أن تعمل اكثر من نشر (50) من القوات الخاصة. ويجب عليها أن تنشر فرق التدريب والمساعدة (عناصر قتالية) ضمن القوات الحكومية العراقية في الفصائل السنية وتحاول خلق قوة فعالة مع البيشمركة العراقية ، ومع العناصر العربية المتمردة الرئيسة في سوريا بالإضافة إلى الاكراد السوريين.

وإن خلق وحدات قتالية فعالة تتطلب نشر مدربين مقاتلين أمريكان ودعم الخبرات القتالية الفعلية والتركيز على خلق قيادات ووحدات مقاتلة فعلياً، وليس مجرد توليد او تكوين قوات، وهذا يعني توفير الخبرة من ارض الواقع التي يمكنها تقييم ما الذي يمكن أو لا يمكن أن يؤدي إلى توفير معلومات استخبارية ذات مغزى تنعكس ايجابا على القدرة القتالية، ولتوفير خبرات ذات مصداقية في الدعوة للاستهداف الجوي، وتقديم طلبات للإمداد وتعزيز التسليح. واعداد هؤلاء المستشارين المنتشرة مع كل وحدة قتالية رئيسية يمكن أن تكون صغيرة نسبيا. القضية هي الجودة وليس الكمية.

كذلك تحتاج الولايات المتحدة إلى أن تقرر مع من الفصائل تستطيع أن تعمل، ومن الواضح أنه لا يتم الاختيار على اساس طائفي او عرقي، وخلق ضغط حقيقي على حلفائها العرب وتركيا بشأن الكيفية التي تمول بها الفصائل ومساعدة الفصائل المختلفة في العراق وسوريا.

معظم المقاتلين والفصائل الرئيسة في كل من العراق وسوريا تورطوا في الصراع على السلطة المدنية او حرب اهلية مفتوحة بما يكفي ليكون الاستقطاب على اسس طائفية او عرقية، وماض مشكوك فيه او تاريخ واضح من الانتهاكات الإنسانية، و يكون لها علاقات مع دول وحركات اخرى حيث لدى الولايات المتحدة سبب وجيه لنبذها وعدم الثقة بها. المشكلة أنه لا يوجد اقلية صغيرة تكون مسيطرة، ويكون لها خيارات صعبة بين أولئك الذين يستطيعون القتال فعلاً. وهذا يعني أنه يجب على الولايات المتحدة في الغالب دعم ما هو جيد بالكاد بدلا من السيء بوضوح.

ولا تحتاج الولايات المتحدة إلى مواجهة مفتوحة مع ايران ، لكنها تحتاج أن تجعل من الواضح بأنها ستستغرق بعض الجهد في حالة التدخل الإيراني، ودعم نشاط الفصائل العراقية الاكثر تطرفاً، او وضع مستشاريها والمتطوعين والقوات التي يقودها حزب الله التي تزيد من تقسيم العراق وسوريا او تتداخل مع عمل عسكري امريكي. والاستهداف بهدوء افضل من اي اعتراضات دبلوماسية صاخبة او تقاعس سلبي.

استعمال القوة الجوية الفعالة

إذا استعملت الولايات المتحدة الأمريكية القوة الجوية القتالية بفاعلية، فلا يمكن أن يكون امامها الا السراب. والأن يبدوا أن الولايات المتحدة تنتظر بروز القوات العراقية البرية الفعالة التي يمكنها خلق وحدة العراق وكذلك هزيمة داعش لتحاول بعدها – الولايات المتحدة – استعمال القوة الجوية الحاسمة في العراق، وببساطة ليس من الواضح ما هو الهدف من استعمال القوة الجوية الأمريكية في سوريا لاسيما أن الولايات المتحدة تواجه الجهد الروسي الذي يهاجم بقوة عناصر المعارضة والمتمردين وتدعم الاسد ولاتهدف إلى القضاء على داعش.

تحتاج الولايات المتحدة أن تجري الكثير من التغيرات الرئيسة في طريقة استعمالها للقوة الجوية، وهي:

       خلق حملة قصف استراتيجية ودقيقة وفعالة ضد داعش والفصائل المتطرفة الأخرى مثل جبهة النصرة، والتوسع في عدد الأهداف يجعل من الصعب على تنظيم داعش البقاء فاعلاً والاستمرار في وظائفه.

       توفير مزيج من المراقبة الجوية الجريئة، وتدريب ومساعدة الموظفين والذي يسمح للولايات المتحدة بالطيران اكثر لتوفير الدعم الجوي القريب ومهام الاعتراض في دعم الحكومة، والسُنة، وعناصر القوات البرية الكردية العراقية. وتوفير نفس الدعم للعرب السوريين والمتمردين الاكراد في المناطق التي يسيطر عليها داعش حيث قوات الاسد ليست موجودة.

       وضع مجموعة محددة بوضوح من التكتيات الجوية لمهاجمة المناطق الحضرية والمبنية التي تجعل المفاضلة افضل بين الفعاليات العسكرية وخطر سقوط ضحايا من المدنيين وأضرار جانبية، ويسمح بدعم جوي قريب افضل لتقدم القوات العراقية والسورية في مهاجمة المناطق المسيطر عليها من قبل داعش.

       مواجهة كل من نظام الاسد وروسيا عبر الطيران، وبهكذا مهام تدعم فصائل المتمردين المعتدلة الرئيسة في المناطق التي يتواجد فيها قوات الاسد. وتزويدهم بعناية بعدد من الدفاعات الجوية قصيرة المدى لإطلاق النار على الطائرات السورية المقاتلة وطائرات الهليكوبتر وتقليل تحليق الطائرات الروسية.

       النظر في وضع خط أحمر لطائرات الهوليكوبتر السورية والطائرات المقاتلة التي تهاجم الاهداف المدنية. تشكل تهديداً لمنطقة “حظر الطيرأن” المحدودة مثل التهديد للرد على استعمال الاسد للأسلحة الكيمياوية الذي لن يُفرض اذا توقف الاسد عن الهجمات الجوية على المدنيين.

       خلق منطقة أمنية جوية مشتركة على طول الحدود التركية والتي يمكن من خلالها استهداف داعش أو الحركات المتطرفة الاخرى عبر الحدود وخلق “منطقة آمنة” على الجانب السوري التي تمكن من مهاجمة الطائرات القادمة او الطائرات المسيرة بدون طيار قبل أن تصل إلى الاراضي التركية.

       اعادة تقييم بعض الخيارات بشكل تام وحقيقي لمنطقة “حظر الطيران” الاوسع التي لا تعتمد بطريقة او بأخرى على تحويل المنطقة المتضررة في القتال على نطاق واسع في نطاق ضيق على طول الحدود السورية مع تركيا ليقدم بطريقة او بأخرى منطقة آمنة للمتمردين والنازحين او اللاجئين، ودراسة خيارات تقييد النشاطات الجوية السورية بالمجال الجوي المحدود مباشرة فوق المناطق التي يسيطر عليها نظام الاسد.

       وبالنسبة لروسيا، الغارات الروسية ضد داعش مقبولة. الا أن فقدان الطائرات الروسية التي تحلق فوق المتمردين السوريين يدعم الولايات المتحدة.

في هذه العملية ربما تحتاج الولايات المتحدة إلى تغيير القيود الحالية التي فرضتها على الاستهداف والتوضيح للعالم أن الحرب هي الحرب – رغم أن بعض التقارير تؤشر بأن الولايات المتحدة زادت من حدة نسبة الغارات الجوية التي تسقط الذخائر في عام 2015. ولا يمكن للولايات أن تستمر في وضع قيود كثيرة جدا على الغارات الفعلية لأنها تقلل الخسائر في صفوف المدنيين على المدى القصير بالطرق التي تؤدي إلى زيادة حادة في عدد المدنيين الذين يموتون او يعانون من الصراع الممتد طول الوقت.

ولايمكن للولايات المتحدة السماح لداعش او اي فصيل اخر استعمال الدروع البشرية إلى درجة حيث تصبح تحقق الضربات الجوية الفعالة صعبة إلى مستحيلة. هذه بعض التفضيلات القاتمة التي يمكن تخيلها. لكن الحرب هي اعمال مروعة في جوهرها. وتقييد الغارات الجوية المنفردة إلى درجة غير واقعية لا يخدم اي هدف أنسأني اوسع.

رؤية ما بعد أمنية للاستراتيجية العظمى

يجب على الولايات المتحدة ايضا القيام بمعالجة قضايا الاستراتيجية الكبرى التي أثيرت في بداية هذا التحليل، فالقضاء على داعش سيجلب قليل من الامن والاستقرار اذا لم يك مرتبطا بجهود للتعامل مع التوترات الاثنية والطائفية الاوسع في كل من العراق وسوريا، وترتبط بجهود لمساعدة القادة في كلا البلدين ليحققون الاصلاحات في السياسات، وشؤون الحكم، والاقتصاد التي يمكن أن تحقق الانتعاش والتنمية على نطاق اوسع.

والعديد من جوانب التوتر الطائفي في العراق وسوريا تصاعد بشكل اسوأ بكثير بعد نشوب القتال في كلا البلدين منذ عام 2011، وجعلت من الصعوبة اي شكل دائم للاستقرار والامن، وإذا لم تعالج هذه القضايا في الوقت الحاضر، سيكون هناك سلسلة من المخاطر التي ربما يشكل داعش البداية لمشاكل اكثر خطورة بكثير.

وفي الحالة العراقية، قد ينتهي القتال في تقسيم العرب السنة والشيعة حيث اصبحت الوحدة مستحيلة، وهذا ينزع بالفعل إرثا من التوتر وتصارع الاهداف الاقليمية بين العرب والاكراد التي ستقسم العراق على اسس طائفية، والتفرقة الطائفية مشكلة متنامية في المناطق العربية، وقسمت البلاد على نحو متزايد إلى اقتصادات منفصلة: مناطق السنة وداعش في الغرب، الاقتصاد الكردي في حكومة اقليم كردستان، والاقتصاد الزراعي المختلط في شرق وشمال بغداد، والاقتصاد الحضري المختلط حول بغداد، والاقتصاد النفطي ذي الاغلبية الشيعية بشكل كبير في الجنوب الشرقي.

العراق يحتاج إلى ما هو اكثر من المساعدات العسكرية، وتدابير مكافحة الفساد، او نهج بسيط نحو الفيدرالية. يحتاج إلى الحكومة المركزية التي تستجيب إلى الانقسامات الطائفية والاثنية وقادة يمثلون فعلا الدوائر الانتخابية بدلا من القوائم الحزبية. كما يحتاج العراق إلى اتفاق حول طريقة ذو مغزى لاقتسام الثروة النفطية في البلاد، واتفاق حول اصلاح حكومته، قطاع شركات مملوكة للدولة، وقطاع زراعي متطور يزيد معدلات تشجع خلق فرص العمل والاستقرار.

والعراقيونفقط هم من يستطيع في نهاية المطاف تشكيل والتوافق على مثل هذه الخطط، لكنهم يحتاجون المساعدة في تحقيق ذلك، وهم بحاجة لذلك في اقرب وقت ممكن. وهنا اظهرت الولايات المتحدة نقصها للكفاءة الاساسية في اطار الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) لإدارة هذا التخطيط، كما أن الامم المتحدة وبعثة الامم المتحدة في العراق (UNAMA) فشلت في أفغانستان. مع ذلك، يبدوا أن البنك الدولي لديه هذه القدرات والجهد الأمريكي الرئيس لدعم هذا الجهد المساعد في دعم العراق يمكن أن يساعد القادة السياسيين العراقيين بدون فرض الجهد الأمريكي غير المؤكد.

أما في حالة سوريا، المشكلة معقدة بشكل كبير لأن الحقيقة اكثر من نصف السكان أما نازحين في الداخل أو لاجئين والمستويات الهائلة من الضرر نجم عن الحرب الاهلية، بل هو أيضا نقص هائل لمركز سياسي معتدل ذو مصداقية فصيل يشكل مصدر مقبول للحكم الفعال واعادة البناء الاقتصادي والانتعاش الاقتصادي. الأن سوريا مقسمة وتفتقر إلى الوحدة والقيادة الفعالة التي تكون خياراتها الوحيدة في الوقت الحاضر هو وقف اطلاق النار، والمفاوضات، التي لا يمكن أن تؤدي إلى نتائج مستقرة دائمة، او شكل من اشكال الحريق الذي يؤدي إلى السلام الغائب و الميت. وهزيمة داعش لا تقود إلى التعامل مع هذه المشاكل.

والتقدم الحقيقي يعتمد على مستوى المبادرة السورية، والقيادة، والتعاون من وسط المشاكل حتى الاكثر خطورة مما عليه في العراق، ولا يمكن أن يجري ذلك في ظل وجود الاسد، الا أن من غير الواضح كيف تتفق الفصائل واي من الفصائل له قدرة سياسية، وقابلية على ادارة الحكم، والقدرة على التخطيط الاقتصادي لاقتراح البرنامج الذي يقدم الامل الحقيقي. وليس كحال العراق، لا تملك سوريا الثروة النفطية الحقيقية وهذا يعني أن سوريا ستحتاج إلى مزيد من المساعدة في التخطيط من العراق ومساعدات اكثر بكثير.

ومرة اخرى، لم تستطع الولايات المتحدة النجاح في “بناء أمة” أو “اعادة بناء أمة” عندما فشل قيادات وشعوب تلك الدول في التوحد حول مثل هذه الاهداف. علاوة على ذلك، جيران العراق وسوريا من الدول العربية عليها مسؤولية – أو أكثر- لمساعدة كلا البلدين كما هو حال مسؤولية الولايات المتحدة.

مع ذلك، حتى الأن ادارة الرئيس اوباما لم تبيّن او لم تضع مجموعة واضحة من الخيارات لمساعدة العراق وسوريا للتعامل مع المشاكل الاوسع نطاقاً، ولم تسعَ لبعض الجهد لإيجاد حلول في اطار الامم المتحدة وصندوق النقد والبنك الدوليين او المؤسسات الدولية الاخرى.

حتى الأن، لم يُظهِر احد في ادارة الرئيس اوباما اي استراتيجية شاملة للولايات المتحدة التي تربط جهود الولايات المتحدة لهزيمة داعش مع خطة مقبولة ذات مصداقية للإطاحة بالأسد، وجلب شكل من الاستقرار والوحدة/او الفيدرالية إلى العراق وسوريا، واعادة بنائهما، والمضي بهما نحو التنمية.

ذكر نائب مستشار الامن القومي الأمريكي (أنتوني ج. بلنكن Anthony J. Blinken) في خطابة في مؤتمر المنامة للأمن في 31 / تشرين الثاني/ 2015 بأن:

في نهاية المطاف … السلام والاستقرار الدائم في المنطقة لا يمكن أن يُفرضا من الاعلى، أو من الخارج أو بالقوة، فالسلام والاستقرار يحتاج أن يكون بناؤهما من الداخل من خلال الحكومات التي تكون شاملة، وقابلة للمسائلة أمام مواطنيها، ومترابطة ومتواصلة مع العالم. والمساعدات الأمنية وحدها لا يمكن أن تخلق الحكومات هناك (في المنطقة). فكلاهما –الأمن والاستقرار- يتطلبا تسوية سياسية لتأكيد الحرية والكرامة والامن لكل المواطنين.

… تبقى الحرب الاهلية في سوريا التحدي الحالي الأكثر تعقيدا للمنطقة، وكارثة المهجرين هو ثمرة انتقام الاسد من شعبه، وهي كلفة الصراع المتصاعد كل يوم لتتحملها المنطقة وأروبا، ولكن أغلب اللاجئين من السوريين، وليس هناك نهاية في المشهد بدون أن تكون الأطراف موحدة، وهذا هو بالضبط ما يعمل عليه وزير الخارجية جون كيري بجد، ومنها في جنيف هذا الأسبوع حيث جاءت الأطراف جنبا إلى جنب مع شعور جديد بالاستعجال لحل الازمة، وكانت المناقشات بناءة وكل المجتمعين وافقوا على عدد من الأمور بما في ذلك الضغط من أجل وقف اطلاق النار، ومواصلة عملية الانتقال السياسي الذي يضمن وحدة سوريا، واستقلالها، وسلامة أراضيها، وطابعها العلماني. وكما قال الوزير كيري: ” هذه هي البداية لعملية سياسية جديدة وليست الفصل الاخير”.

… نحن نتقاسم مصالح مهمة عديدة مع روسيا، هزيمة داعش الذي يشكل تهديدا لنا جميعا، والمحافظة على سوريا موحدة، ودولة ذات سيادة، وذات طابع علماني وحكومة غير طائفية، ومؤسساتها سليمة، ويمكننا وينبغي علينا التكاتف حول تحقيق هذه الأهداف المشتركة، وهذا يتطلب عملية انتقال سياسي تؤدي إلى مغادرة الاسد لأنه لا يمكن تحقيق هذه الاهداف طالما الأسد باقٍ. وكما قال الوزير كيري، فأن روسيا لها خيار الأن حول المضي قدما ونود الترحيب في اتخاذ الخيار الصح لمصالحنا المشتركة، ولدينا مقدرة على كسر فكرة – بتشجيع من الاسد وداعش- أن الخيار الوحيد لدى السوريين ما بين الاثنين الاسد او داعش. والمستقبل المختلف ليس ممكن فقط بل هو واجب.

والسؤال الحاسم هو ما اذا كانت ادارة الرئيس اوباما يمكنها أن تخلق البداية الجدية في معالجة هذه القضايا الواسعة النطاق خلال الوقت المتبقي لها في السلطة او حتى أنتاج جهد مشترك للبنك الدولي والامم المتحدة والذي يمكنهما أن يقترحا حل أو اصلاح ويقدما شكل ملموس للأمل.

وفي النهاية ليس هناك استراتيجية عسكرية ذات مغزى غير مرتبطة بالاستراتيجية العظمى في الجوانب المدنية – العسكرية. كل من “داعش” والاسد هما اعراض اكثر مما هما امراض بكثير.

الرابط// http://goo.gl/pucFGl