الفقراء في العراق ومؤسسات التمويل الأصغر

      Comments Off on الفقراء في العراق ومؤسسات التمويل الأصغر

عبير مرتضى حميد السعدي

قسم ادارة الازمات/مركز الدراسات الاستراتيجية

أيار 2016

طرح البنك الدولي تقريرا في عام 2014 بعنوان (الوعود التي لم يحققها النفط والنمو: الفقر والاحتواء والرفاه في العراق 2007-2012) يقيّم فيه الوضع الاقتصادي والاجتماعي في العراق خلال تلك المدة. وأشار التقرير إلى أنه وعلى الرغم من ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 40% والفوائض المالية الكبيرة المتحققة، مازالت هناك نسبة كبيرة من العراقيين يقترب معدل استهلاكهم من خط الفقر، ومازالو معرضين للوقوع في براثن الفقر، وهذا ما أكد عليه أيضا الجهاز المركزي للتخطيط، بأن نسبة الفقر في العراق ارتفعت إلى30% عام 2014، بعدما كانت 19% نهاية 2013. وبيّن التقرير أن زيادة قليلة في أسعار السلع أو انخفاضا قليلا في الدخل، يمكن أن يؤدي إلى تغيير كبير في معدل انتشار الفقر. فزيادة تكلفة الحاجات الأساسية (الغذاء، الوقود، الملابس، المسكن) بمقدار 5% سترفع معدلات الفقر بمقدار 16%، في حين زيادتها إلى 10% سترفع معدلات الفقر إلى 30%. وإن معظم الفقراء في العراق يعتمدون على المساعدات الحكومية نتيجة لنقص فرص العمل وعدم تملّكهم للسكن الدائم، إذ تشكل المساعدات الحكومية والخاصة 36% من إجمالي الدخل للشريحة الدنيا.

وقد يتساءل البعض: ما حال الفقراء في ظل الضائقة المالية التي يمرّ بها العراق من عجز في ميزانية الدولة يقارب 22 مليار دولار وما صاحبها من الآثار سلبية (اقتصادية واجتماعية) على المجتمع العراقي؟.

تمثل مؤسسات التمويل الأصغر إحدى الآليات التي يمكن من خلالها الإجابة على التساؤل السابق؛ لما لها من دور كبير في مساعدة الفقراء من خلال تقديمهم قروض ميسّرة للمشاريع الصغير أو المتناهية الصغر. ومن المعلوم أن مؤسسات التمويل الأصغر هي مؤسسات مالية غير حكومية تدعم من جهات مانحة، تقوم بتزويد العائلات الفقيرة جداً بقروض صغيرة لمساعدتهم في الانخراط بنشاطات منتجة أو لتنمية مشاريعهم المتناهية الصغر، والذين لا يمكنهم الأخذ من مؤسسات التمويل الرسمية التقليدية. واشتهرت هذه القروض في ثمانينات القرن الماضي، إذ أخذت بها كل من بنغلادش والبرازيل.

وقد أوضح تقرير البنك الدولي والمجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء (CGAP) تحليلاً لوضع مؤسسات التمويل الأصغر في العراق، وأهم التحديات التي تواجهها. فقد ظهر أهمّ عائق يواجه مؤسسات التمويل الأصغر، ألا وهو الإطار القانوني والتنظيمي، فضلا عن الضعف الإداري للجهة المراقبة لصناعة التمويل الأصغر، المتمثلة بمديرية المنظمات الأهلية في البلاد، والتي تفتقر إلى المعرفة المتخصصة للتمويل الأصغر، اللازمة لتوفير الإشراف الملائم على القطاع.

وقد طرحت المجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء (CGAP) حلولاً مختلفة من خلال سلسلة مدونات عن الشمول المالي خلال الأزمات، وخاصة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي تعاني من صعوبة تحقيق التنمية في ظل الصراع والعنف وضعف البنية التحتية المالية القوية وقلة القروض الصغيرة التي تساعد الإفراد على مواجهة الصدمات الاقتصادية. وبيّنت المجموعة الاستشارية أن هناك ستة مسارات يمكن استخدامها للتمويل الأصغر لمساعدة الفقراء.

وبينت كذلك أن لمؤسسات التمويل الأصغر عدة مزايا اجتماعية واقتصادية في المجتمع، أهمها:

  1. تؤدي مؤسسات التمويل الأصغر إلى زيادة دخل الأسرة، من خلال استخدامها القروض في إنشاء مشاريع تؤدي إلى زيادة دخل الأسر كما حدث في أوربا الشرقية.
  2. إن الخدمات المالية التي توفرها مؤسسات التمويل الأصغر للفقراء أو العملاء يُمكن أن تساهم في رفع مستويات المعيشة والسكن، فبالإمكان استخدام القروض للحصول على قطعة أرض أو القيام بعمليات البناء أو تحسين السكن أو شراء حيوانات أو سلع استهلاكية أخرى.
  3. يمكن للقروض أن تقلل للفقراء المخاطر الفجائية التي تصيبهم، مثل الفيضانات الموسمية أو الأزمات الصحية والأسرية أو نفقات التعليم.
  4. تساهم القروض في مساهمة المرأة في المجتمع وخاصة في العراق، إذ من المعلوم أن عدد الأرامل والأيتام يتزايد جرّاء الأوضاع الأمنية غير المستقرة.

لذا يتوجب على الدولة الاهتمام بمؤسسات التمويل الأصغر – التي بدأ نشاطها عام 2004، وتخدم الآن 16500 عميل، وتعمل في 18 محافظة عراقية – كونها إحدى الوسائل التي تساهم بشكل كبير في التخفيفمن حدة الفقر، وتعالج الفجوة التمويلية في البلد. وينبغي الاهتمام في هذه المؤسسات في الوقت حالي؛ نظرا للظروف التي يعيشها البلد، وذلك من خلال قيام البنك المركزي بالمراقبة والإشراف على الوضع المالي والخدمات المالية التي تقدمها هذه المؤسسات للإفراد؛ كونه يملك خبرات كبيرة في هذا الجانب، ويسهّل الأطر القانونية والتنظيمية التي تساهم بتشجيع وتعزيز الثقة بين الطرفين في جدية تحقيق أهدافها المرسومة، ويضع قانوناً خاصّاً للتمويل الأصغر؛ لتوفير بيئة قانونية متكاملة ومثالية للمؤسسات العاملة في العراق شأنه شأن باقي الدول العربية الأخرى التي وضعت قوانين وتشريعات خاصة للتمويل الأصغر من حيث تعريفه ومحدداته.