اضواء على الاقتصاد العالمي واقتصاد الشرق الاوسط (بروية صندوق النقد الدولي)

      Comments Off on اضواء على الاقتصاد العالمي واقتصاد الشرق الاوسط (بروية صندوق النقد الدولي)

اضواء على الاقتصاد العالمي واقتصاد الشرق الاوسط

(بروية صندوق النقد الدولي)][1] [

عرض وتقديم: د. فراس حسين الصفار

رئيس قسم ادارة الازمات

مركز الدراسات الاستخراجية – جامعة كربلاء

تشرين الثاني-نوفمبر 2017

لا يزال الانتعاش الدوري العالمي يكتسب قوة متزايدة منذ منتصف 2016، اذ كان الاقتصاد العالمي يواجه تباطؤا في النمو واضطرابات في الأسواق المالية. لكن الواقع الحالي تغير واصبحت الصورة الحالية تبدو مختلفة للغاية مع تسارع النمو في أوروبا واليابان والصين والولايات المتحدة. فبعد أن بلغ النمو العالمي أدنى مستوياته منذ الأزمة المالية العالمية مسجلا 3.2% في عام 2016، يُتوقع أن يرتفع إلى 3.6% في عام 2017 وإلى 3.7% في عام 2018. وتأتي تنبؤات النمو لعامي 2017 و2018 أعلى مما ورد في عدد إبريل 2017 من تقرير “آفاق الاقتصاد العالمي” بمقدار 0.1 نقطة مئوية. فقد رُفِعت التوقعات على نطاق واسع في منطقة اليورو واليابان وآسيا الصاعدة وأوروبا الصاعدة وروسيا (حيث كانت نتائج النمو في النصف الأول من 2017 أفضل من المتوقع) مما عوَّض وتجاوز حجم التخفيض في التوقعات الموضوعة للولايات المتحدة والمملكة المتحدة. ولا تزال الأوضاع المالية قوية عبر بلدان العالم، كما يبدو أن الأسواق المالية سوف لن تتعرض للعديد من الاضطرابات في الفترة القادمة، بينما يواصل الاحتياطي الفيدرالي استعادة الأوضاع النقدية العادية ويسير البنك المركزي الأوروبي بخطوات وئيدة في نفس الاتجاه.

وتشكل هذه التطورات الإيجابية باعثا جيدا لمزيد من الثقة، ولكن لا ينبغي لصناع السياسات ولا الأسواق أن يركنوا إليها مؤثرين التراخي. ذلك أن النظرة المدققة تشير إلى احتمال أن يكون التعافي العالمي غير قابل للاستمرار، فالبلدان ليست جميعا مشاركة فيه، والتضخم لا يزال في الغالب أدنى من المستوى المستهدف مع ضعف نمو الأجور، والآفاق متوسطة الأجل لا تزال مخيبة للآمال في كثير من أنحاء العالم. ونجد أيضا أن هناك مخاطر كبيرة تهدد التعافي الجاري. ومن ثم فإن الأسواق المالية التي تتجاهلها تتعرض لعمليات إعادة تسعير مربكة، وتبعث برسائل مضللة لصناع السياسات. وصناع السياسات، بدورهم، مطالبين بالتركيز على الامد الطويل في وضع السياسات واغتنام الفرصة السانحة لتنفيذ الإصلاحات الهيكلية والمالية اللازمة بغية تعزيز الصلابة ورفع الإنتاجية والاستثمار. ويرجح ان لا يقوموا بهذا الامر بالشكل المطلوب ( إذ أن الحكومات دائماً ما تنتظر وقوع الأزمات ومن ثم اتخاذ إجراء حاسم للحل ) هو الامر الذي يزيد من المخاطر التي تهدد آفاق الاقتصاد، وتكون عائقا أمام تحقيق نمو أكثر احتوائية وقابلية للاستمرار. ويهيئ التقدم الاقتصادي المحقق مؤخرا بيئة عالمية مليئة بالفرص، وعلى صناع السياسات ألا يضيعوا الفرصة السانحة لهم.

بينما لا تزال آفاق الاقتصاد ضعيفة في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يرجع في الأساس إلى استمرار التكيف مع أسعار النفط المنخفضة والصراعات الإقليمية الدائرة، حسبما يشير آخر عدد من تقرير الصندوق حول آفاق الاقتصاد الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان (MENAP). وينبغي لبلدان المنطقة أن تستفيد من الانتعاش الذي يشهده النمو العالمي حاليا لوضع ماليتها العامة على مسار أسلم وتعجيل الإصلاحات المؤدية إلى خلق فرص العمل وتنويع النشاط الاقتصادي.

وفي هذا الصدد، قال السيد جهاد أزعور، مدير قسم الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي إنه “من المتوقع أن يتسارع النمو بالتدريج على المدى المتوسط في معظم اقتصادات منطقة الشرق الأوسط، ولكنه سيظل دون المستوى المطلوب لمعالجة البطالة المرتفعة في المنطقة ورفع المستويات المعيشية لجميع السكان.”

اذ من المتوقع أن يصل انخفاض النمو الكلي إلى نهايته في البلدان المصدرة للنفط عند مستوى 1.7% في عام 2017، بسبب انخفاض إنتاج النفط وفقا للاتفاق الذي تقوده منظمة أوبك. وفي المقابل، من المتوقع أن يتعافى النمو غير النفطي مسجلاً 2.6% تقريبا في 2017 مع اعتماد وتيرة أبطأ في تخفيض عجز الموازنة.

ورغم التقدم الذي تحقق بالفعل، فقد أدت أسعار النفط المنخفضة إلى استمرار عجز المالية العامة الكبير في كثير من البلدان المصدرة للنفط، مما يبرز الحاجة إلى مواصلة التركيز على تخفيض العجز. فقد قفز عجز الموازنة في البلدان المصدرة للنفط إلى 10.6% من إجمالي الناتج المحلي في 2016، صعوداً من 1.1% من إجمالي الناتج المحلي في 2014. ومن المتوقع أن تنخفض هذه النسبة إلى النصف في العام الحالي بفضل الارتفاع المحدود في أسعار النفط والجهود الكبيرة المبذولة لتخفيض العجز. ولكن بالنظر إلى ما يُتوقع من بقاء أسعار النفط في حدود 50-60 دولارا للبرميل، فسيكون على البلدان المصدرة للنفط أن تواصل الجهود لتخفيض عجز الموازنة – وتكثيف هذه الجهود في بعض الحالات.

كما ينبغي لكل البلدان في منطقة الشرق الأوسط أن تغتنم فرصة التحسن الذي يشهده النمو الاقتصادي العالمي لتنفيذ إصلاحات تخلق مزيدا من فرص العمل. وعلى البلدان التي تحتاج إلى مثل هذه الإصلاحات أن تعالج مستوى البطالة المرتفع حاليا واستيعاب الشباب المتوقع دخولهم سوق العمل بحلول عام 2022 والذين سيتجاوز عددهم 26 مليون نسمة. وتستطيع الحكومات القيام بدور مهم في دعم القطاع الخاص عن طريق تحسين بيئة الأعمال، وزيادة الشفافية والمساءلة في المؤسسات العامة، وتحسين فرص الحصول على التمويل. ومن المهم أيضا تحسين التعليم بحيث يصبح أكثر توافقا مع مهارات العمالة المطلوبة، والدفع نحو مزيد من الحرية في حركة العمالة. وفي نفس الوقت، ينبغي الحفاظ على شبكات الأمان الاجتماعي لحماية الفئات الضعيفة في المجتمع.

وفي المقابل، يوفر التعافي الاقتصادي العالمي فرصة كبيرة لزيادة الصادرات وتعزيز النمو في اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان (MENAP) ومنطقة القوقاز وآسيا الوسطى (CCA) ، إذ تشير الحسابات التوضيحية إلى إمكانية رفع مستوى الدخل بحوالي 5% إلى 10% خلال الخمس إلى عشر سنوات التالية في حالة زيادة الانفتاح التجاري المقترن بتعزيز المشاركة في سلاسل القيمة العالمية أو زيادة تنويع الصادرات أو تحسين جودة المنتجات.

وينبغي أن تركز البلدان المصدرة للنفط على التنويع الاقتصادي بهدف إنتاج وتصدير مجموعة أكبر من السلع والخدمات. وسيكون من المفيد لمعظم البلدان أن تعزز قدرتها على النفاذ إلى أسواق الصادرات من خلال المشاركة في اتفاقيات التجارة والاستفادة من فرص الاندماج الجديدة، مثل مبادرة “الحزام والطريق” الصينية،* ومبادرة “الميثاق مع إفريقيا”**. وربما يلزم تنفيذ إصلاحات هيكلية لتعزيز الاستثمار وزيادة فرص العمل، إلى جانب اعتماد سياسات مالية عامة موجهة بغية الحد من تكاليف التصحيح، وذلك لمعالجة أي تداعيات سلبية قد تنشأ عن زيادة الانفتاح وضمان أن تكون زيادة النمو الناتجة عن هذا التعافي شاملة للجميع قدر الإمكان.

من جانب اخر تكتسب التكنولوجيا المالية في الوقت الحالي زخما في بعض بلدان الشرق الأوسط، بالرغم من بدايتها المتأخرة، اذ من شأن التكنولوجيا المالية التصدي للتحديات الحرجة أمام تعزيز الاحتواء المالي والنمو الاحتوائي وتنويع النشاط الاقتصادي من خلال الابتكارات التي تساعد على تقديم الخدمات المالية للشريحة الكبيرة من السكان التي لا تتعامل مع الجهاز المصرفي، وتسهل إتاحة مصادر التمويل البديلة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة. وتستطيع التكنولوجيا المالية أيضا أن تسهم مساهمة كبيرة في تحقيق الاستقرار المالي من خلال استخدام التكنولوجيا في ضمان الامتثال للقواعد التنظيمية وإدارة المخاطر، ويمكنها تيسير التجارة الخارجية وتحويلات العاملين في الخارج بتوفير آليات تتسم بالكفاءة وفعالية التكلفة للمدفوعات العابرة للحدود، كما يمكن أن يؤدي استخدام وسائل الدفع الإلكترونية إلى رفع كفاءة عمليات الحكومة. ولإطلاق هذه الإمكانات، ينبغي إجراء مزيد من الإصلاحات لسد الفجوات في الأطر المعنية بالقواعد التنظيمية وحماية المستهلك والأمن المعلوماتي فضلا على تحسين بيئة الأعمال، والبنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والتوعية المالية.

 


[[1]]صندوق النقد الدولي تقرير “آفاق الاقتصاد العالمي (تقديم وملخص وافي) منشور على الموقع الرسمي على الرابط : http://www.imf.org/ar/Publications/WEO/Issues/2017/09/19/world-economic-outlook-october-2017

وانظر أيضا: صندوق النقد الدولي تقرير “آفاق الاقتصاد الإقليمي 2017 منشور على الرابط: file:///C:/Users/Uok/Downloads/MCDREO1017-Arabic.pdf

* تقدم مبادرة “الحزام والطريق” الهائلة التي أطلقتها الصين عام 2013 لبلدان آسيا الوسطى وجنوب غرب آسيا والشرق الأوسط فرصا جديدة لتلبية احتياجات البنية التحتية، وتقوية الروابط الاقتصادية والمالية، ودعم التنويع الاقتصادي ونمو الوظائف. وللاستفادة من هذه الفرص، ينبغي تصميم المشروعات وادارتها بشكل جيد والاعتراف الكامل بالتكاليف المستقبلية. ومن شأن مناخ الأعمال المفتوح والتنافسي أن يساعد البلدان على تحقيق أقصى قدر من المكاسب ونشر المنافع.

** تهدف مبادرة الميثاق مع إفريقيا التي أطلقتها مجموعة العشرين إلى مساعدة البلدان على الاستفادة من إمكاناتها لتحقيق النمو المستمر والاحتوائي من خلال تشجيع الاستثمار وتحسين البنية التحتية في إفريقيا. ويقوم صندوق النقد الدولي بدعم المبادرة عن طريق زيادة الدعم المقدم لتنمية القدرات، وتقديم المشورة بشأن السياسات، وادراج الإصلاحات ذات الصلة ضمن تصميم البرامج التي يدعمها الصندوق مع البلدان المشاركة في المبادرة.