
م.م وسن عزيز فرج
مركز الدراسات الاستراتيجية
قسم إدارة الأزمات
آذار/2025
زادت في السنوات الأخيرة حالات هروب القاصرات، والأسباب متعددة، منها: تعرضهنَّ للعنف داخل أسرهن، أو عدم تلبية رغباتهنَّ، واحتياجاتهنَّ المتزايدة، لما تعانيه بعض الأسر من تردي الأوضاع الاقتصادية، أو قد يكون هروبًا من واقع اجتماعي أسري مفكك، نتيجة انفصال الوالدين، أو نتيجة انعدام ثقافة الحوار داخل العائلة، أو نتيجة التمييز غير السليم بين الأبناء ضمن العائلة الواحدة، إذ تشعر بعض الفتيات بتفضيل الأبناء الذكور عليهنَّ، وبذلك تفقد الرابط العاطفي مع عائلتها. أو محاولة الالتحاق بالحبيب الوهمي، فضلًا عن تأثير صديقات السوء، عن طريق تحريض الفتيات على الهروب، وإقناعهن بذلك.
لذا فإنَّ اتخاذ العديد من الفتيات قرار الهروب، ناجم عن عوامل نفسية، منها: الإحباط، والحرمان، والشعور بغياب معنى الحياة، وقيمتها، بالاستمرار في هذه الأسرة، فضلًا عن الحرمان المادي، لذا تسعى إلى التخلص –كما تعتقد-من السجن الأسري.
فيبدأ التفكير بالهروب من دون النظر في المخاطر، والعواقب، والأضرار النفسية، والجسدية، والاجتماعية، عليها، وعلى عائلتها التي لا تعلم الوجهة التي تقصدها. لذا يعدُّ الهروب بالنسبة لهؤلاء الفتيات، نوعًا من الخلاص من حياة لا تلبي طموحاتهن، إلى حياة أفضل، من دون النظر إلى مرحلة ما بعد الهروب، وما ينتظرهن من عواقب، إلى جانب فشل التربية، وعدم رعاية الأبوين لهن.
وللتطور التكنولوجي، وما شهده المجتمع العراقي من انفتاح كبير على العالم، عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، دور كبير في هروب القاصرات، إذ تفككت الروابط الأسرية داخل العديد من العوائل، وتأثرت بعض الفتيات بما يشاهدنَه في الفضاء الإلكتروني، ومحاولة محاكاة ذلك، من دون النظر إلى الاختلاف بين المجتمعات، سواء من ناحية القانون أو العادات، والتقاليد الاجتماعية، التي لها النصيب الأكبر في تيسير حياة المجتمع العراقي.
ومن الصعب الحصول على البيانات الكافية من الجهات المختصة، لاسيَّما ما يتعلق بالعدد الكلي للفتيات الهاربات, وغالبًا ما يكفى بالإعلان عن الحالة، وبيان الإجراءات المتخذة من قبلهم. علمًا أنَّ أغلب الحالات تبدأ بهروب الفتيات من المنزل، وتنتهي بعثور الأهل على الفتاة قبل الجهات الحكومية، وبكل تأكيد فـإنَّ من يعثر عليها ولي أمرها، قبل الشرطة المجتمعية، تكون نهايتها الموت، وتسجل ضمن جرائم الشرف. في حين تقع الكثير من الفتيات الهاربات بيد عصابات تجار البشر. وعلى الرغم من تلك المخاطر، فإنَّ وسائل الإعلام تشير بشكل مستمر الى هذه الحالة، وتشيد بدور الشرطة المجتمعية في الحد من ذلك.
يلاحظ من تقارير القنوات الإعلامية، أنَّ أغلب الفتيات الهاربات هنَّ من غير المتعلمات، ممن تركنَّ الالتحاق بالمدرسة، وهنا تبرز ضرورة قيام الجهات المتخصصة، بحملات مكافحة التسرب المدرسي، والتشدد في جعل التعليم الزاميًا. فضلًا عن ذلك، لا بدَّ من تقديم الدعم الكافي للعوائل الفقيرة، التي لا تتمكن من إرسال أبنائها للمدارس، كما لا بدَّ من التشديد على مواقع التواصل الاجتماعي، والرقابة على ما يستخدمه الأبناء من البرامج، ومعرفة اصدقائهم خاصة بالنسبة لمن هم في عمر صغير، إذ يتأثر الأطفال بالأسلوب الناعم، والأحلام، والحياة الوردية التي ترسم خلال مواقع التواصل الاجتماعي. وعلى أولياء الأمور ألّا يجعلوا منازلهم سجونًا لفتياتهم، والتعامل الحسن معهنَّ، وعدم التميز بينهنَّ، وبين الاخوة الذكور، وتلبية احتياجاتهن بالقدر المستطاع، وتقديم الدعم الكافي لهنَّ خلال فترة المراهقة، ومساعدتهنَّ على مواجهة المشكلات التي قد يتعرضنَّ إليها في حياتهنَّ اليومية، وتشجيعهنَّ على مواصلة مراحل الدراسة، والاستمرار في تحصيل العلم، والمعرفة، كما يجب حل المشكلات الأسرية بالطرق الودية، والسلمية، حفاظا على نسيج الأسرة، وأفرادها، ليكونوا ملجأ لهن، بدلاً من الأصدقاء الافتراضيين، إذ إنَّ الأسرة هي الأساس في تنشئة الأبناء، لذا فالتنشئة الأسرية السوية للفتيات، ضرورية لتجنب شبح هروب القاصرات. ومما يعزز ذلك تقوية الروابط الأسرية، بالشكل الذي يجنب الفتيات التفكير في الهروب من المنزل.