الكاتب: م. مؤيد جبار حسن
باحث في قسم الدراسات السياسية -مركز الدراسات الاستراتيجية/ جامعة كربلاء
كانون الأول-ديسمبر 2018
يتواجد في سوريا العديد من القوات المتحالفة والمتضادة على حد سواء، منها القوات الحكومية للبلدان كتركيا وروسيا والولايات المتحدة الامريكية والقوات السورية الحكومية، ومجموعات مسلحة تابعة لجهات مختلفة كالتنظيمات الاسلامية والمليشيات الكردية، فضلا عن مجموعات مسلحة عراقية وايرانية. وهذا الخليط المتنوع من الحلفاء والاعداء تجمعهم بقعة واحدة وتفرقهم الغايات والنوايا والاهداف.
لذا يبدو قرار الرئيس الامريكي الجديد بالانسحاب التدريجي من سوريا، خطوة نحو اعادة التموضع الامريكي في منطقة الشرق الاوسط، مع دخول حاملة الطائرات النووية “جون ستينيس” الى مياه الخليج العربي.
التوجه الامريكي المفاجئ لم يأتي من وزير الدفاع جيمس ماتيس، باعتبار ان الاخير قدم استقالته احتجاجا على هذا الفعل، لكن الرئيس استخدم صلاحياته، وغالى في الامر حين عين بديلا عن ماتيس هو باتريك م. شاناهان.
يهدف الرئيس ترامب الى دفع الحلفاء الاقليميين (من العرب خاصة) الى الانخراط بقواتهم المسلحة، وليس فقط عبر المرتزقة في الصراع السوري، ذلك الصراع الذي تجاوز مساحة سوريا وتعدى هدفه اسقاط نظام بشار الاسد، الى حرب ارادات دولية وصراع مصالح كبرى. رغبة ترامب هذه تواجهها العديد من التحديات وتحيط بها الكثير من المخاطر، ليس اقلها وجود صعوبات تواجه دول الخليج المنخرطة في حرب اليمن، وان كانت تلك الدول قادرة على التضحية بالمال فليس لها القدرة ولا الجرأة للتضحية برجالها أيضا، كذلك مصر، رغم توفر العنصر البشري وبكثرة، الا انها مشغولة بحربها مع داعش في سيناء وبسلامة حدودها مع ليبيا. لذا سيكون من الصعب على الجميع تعويض الوجود الامريكي رغم دعوة الادارة الاميركية للشراكات الإقليمية الثنائية.[1]
ان الانسحاب الامريكي ليس الا اعادة انتشار جديدة، او ربما في النية انشاء قاعدة عسكرية في مكان اخر، كشمال العراق مثلا، تشرف على جميع الدول في المنطقة وتكون أقرب الى بؤرة الصراع. ان البيئة غير العدائية وغير الخطرة في كردستان تغري القوات الامريكية بحيث لا تكون في قلب الصراع إذا ما نشب النزاع بين إيران ودول الخليج، إذ ستكون قاعدة العيديد وباقي المعسكرات الامريكية في الخليج في متناول الصواريخ الايرانية.
تؤشر التحركات الامريكية مطلع العام الجديد نهجا أمريكيا خطيرا قد يدفع الى حدوث تصادم في سوريا بين القوات التركية والعربية المفترض قدومها، فضلا عن اثارة بعض القوى السياسية في العراق من النوايا الامريكية في محاصرة الوجود الايراني وتشديد الضغط العسكري مع دخول حاملة الطائرات الى الخليج، عدا العقوبات الاقتصادية المشددة على طهران.
المنطقة ملتهبة ومن المنتظر ان تشتعل أكثر، مع كل الدعوات والمساعي التصعيدية من جانب واشنطن والقوى العربية التابعة لها وكذلك (اسرائيل). وبوجود هكذا قادة شعبويين كالرئيس ترامب، وزعماء كأردوغان ومحمد بن سلمان، ليس من المتوقع ان تنجو شعوب الشرق الاوسط من المزيد من آثار الحروب والمآسي الانسانية المستمرة.
[1] حلقة نقاشية المعهد الدولي للبحوث، الرابط: https://www.iiss.org/events/2018/10/future-us-policy-middle-east