الكاتب: رانج علاء الدين ، نقلا عن معهد بروكينغز
ترجمة: هبه عباس محمد علي
عرض وتحليل: م. مؤيد جبار حسن
مركز الدراسات الاستراتيجية-جامعة كربلاء
كانون الثاني-يناير 2019
يرى الكاتب، وهو زميلٌ زائر في مركز بروكنجز الدوحة، ومتخصص في الصراعات الداخلية والحوكمة وقضايا الأمن البشري في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ان سحب الولايات المتحدة قواتها من سوريا جاء في مرحلة حرجة من تاريخ المنطقة، الا وهي استعداد الجهات المختلفة المشاركة في الحرب لإنشاء النظام السياسي في مرحلة ما بعد الصراع في سوريا، فضلا عن محاولات القضاء على آخر جيوب مقاومة “داعش”.
ان وجود ما يقرب من ٢٠٠٠ جندي امريكي قد يبدو عددا قليلاً، لكن هناك صورة مهمة وأوسع نطاقا وهي وجود أهمية رمزية للحفاظ على القوات في سوريا، كما يتم تضخيم الوجود الأميركي دائمًا من خلال البنية التحتية العسكرية الكبيرة التي تتمتع بها في المنطقة.
كذلك قد يسمح انسحاب الولايات المتحدة من سوريا بانبعاث داعش في كل من سوريا والعراق، وخلق فراغ من المرجح أن يملئه نظام الأسد وإيران، ويتخلى عن الحلفاء الأكراد والعرب على الأرض.
وهناك مشاكل يصنفها الكاتب قبل مجيء ترامب الى السلطة، اذ عانت التنظيمات الارهابية، الكثير بسبب عمل الولايات المتحدة مع القوات العربية المحلية والمعروفة بأسم “قوات الصحوة” من اجل الرد على الجهاديين و طردهم من العراق، لكن بعد ذلك انسحبت القوات الامريكية عام ٢٠١١ وفقا لتوجيهات الرئيس أوباما، وفي ظرف ثلاث سنوات فقط تمكن الجهاديين من الظهور مرة أخرى من خلال السيطرة على مساحات من الأراضي السورية والعراقية والاستفادة من الحرب الاهلية السورية والتوترات الطائفية في العراق، فضلا عن انهيار الجيش العراقي وإعلان دولته في شهر حزيران ٢٠١٦ .
كما أظهر انسحاب أوباما من العراق في عام 2011 ، أن لدى إيران قدرة مؤكدة وفعالة لملء الفراغات التي خلفتها الولايات المتحدة عبر توطيد وتشجيع وكلاءها، الأمر الذي يضعف بشكل مباشر مصالح وحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة. ففي العراق، أدى ذلك إلى قمع العرب السُنة – بحسب الكاتب- وإنشاء مؤسسات موازية للدولة، وصعود جماعات الفصائل الشيعية الطائفية المدعومة من إيران، والتي خلقت مجتمعة المظالم والشروط التي مكنت “داعش” عام 2014 ، وفقا لرأي الكاتب.
ويجيب الكاتب على تساؤل: ما تأثير الانسحاب الامريكي على تنظيم داعش ؟ فقد يكون التنظيم الارهابي قد فقد دولة “الخلافة” وهو في حالة تراجع ، لكنه بعيد كل البعد عن الهزيمة، اذ لا يزال يشكل تهديدًا خطيرًا لكل من سوريا والعراق. ففي كلا البلدين، أثبت تنظيم داعش الارهابي أنه قوة هائلة ومرنة، مع الحفاظ على جيوب المقاومة ضد القوات المحلية في الوقت الذي تحاول فيه إعادة تأسيس نفسها، وكذلك الشروع في حملة الاغتيالات والابتزاز ضد المجتمعات المحلية.
بعبارة أخرى، يرتكب ترامب نفس الأخطاء التي ارتكبها أوباما، اذ سيسمح انسحابه من سوريا لداعش بتنشيط نفسها في الأشهر والسنوات المقبلة واستعادة السيطرة على الأراضي في بيئات الصراع التي يمكن أن تساعد المجموعة على الصعود لسنوات عديدة قادمة. وسوف يتمتع “داعش ” والمتطرفون الآخرون بحرية أكبر في حشد السوريين المتضررين. وعلى الرغم من أن ترامب قد يعتقد أن روسيا ستتولى مهمة مواجهة “داعش” وأمثاله، لكن سجل موسكو خلال الصراع يوحي بغير ذلك.
وفي خانة الانسحاب بالنسبة لايران، يرى الكاتب ان انسحاب أمريكا سيترك فراغا واسعا يملئه أعداءها، وسيتم تمكين عشرات الآلاف من الوكلاء الإيرانيين في سوريا – أو مزيج من هؤلاء الوكلاء والقوى المتحالفة مع النظام السوري – بعد قرار ترامب.
ففي سوريا، سيكون لدى إيران قدرة لا نظير لها على تشكيل المشهد السياسي نتيجة لانسحاب ترامب، وتؤثر بشكل اكبر في السياسة والاقتصاد والقطاع الأمني في سوريا، فضلاً عن موارد إعادة الإعمار التي قد يضخها المجتمع الدولي في مرحلة ما للبلد. وسيساعد الانسحاب طهران من الناحية الاستراتيجية، ويمنحها مساحة أكبر لمتابعة جسرها البري الذي طالبت به والذي يربط طهران ببيروت والبحر الأبيض المتوسط، على سبيل المثال. بشكل عام، سيؤدي الانسحاب الأمريكي إلى حدوث انعكاسات في جميع أنحاء المنطقة، مما يؤدي إلى إمالة توازن القوى الإقليمي بشكل أكبر لصالح إيران.
كل هذا يأتي في وقت فرضت فيه العقوبات الأمريكية – والتوغلات الإسرائيلية على سوريا – ضغوطا كبيرة على طهران في الأشهر الأخيرة. من خلال بقاء قواتها في الشرق الاوسط، قيدت الولايات المتحدة إيران ومكنت بعض السوريين من الاستراحة من القتال.
اما الانسحاب بالنسبة لحلفاء الولايات المتحدة في سوريا فيعني –بحسب الكاتب- خيانة لحلفائها من المكونات الكردية والعربية للقوى الديمقراطية السورية التي شاركت في القتال، وكان يُنظر الى دعم الأكراد تاريخياً على انه واجب أخلاقي.
والأمر الشائك هو ان وحدات حماية الشعب (YPG) هي وحدات تابعة لحزب العمال الكردستاني (PKK) الذي تعده تركيا والولايات المتحدة منظمة إرهابية، وبهذا أنتج تعاون الولايات المتحدة مع وحدات حماية الشعب في سوريا معضلة شائكة حيال تركيا التي تعد حليفة الولايات المتحدة في حلف الناتو، لكن اللوم يقع على كل من واشنطن وأنقرة بسبب فشلهما في ابتكار استراتيجية مستدامة وقابلة للحياة تجعل وحدات حماية الشعب لاعباً أكثر قبولاً، من خلال تمكين منافسيها وجعل دعم الولايات المتحدة للمجموعة مشروطة برغبتها في تقاسم السلطة مع الجهات الفاعلة الأخرى التي اوجدتها تركيا لتكون أكثر قبولا.
لقد كان أداء الولايات المتحدة ضعيفًا في تطوير وتسخير شراكاتها مع الجهات الفاعلة غير الحكومية في الشرق الأوسط، بما في ذلك الجماعات الكردية والعربية في سوريا والعراق. وعلى عكس منافسيها في المنطقة، لا تـُقدّر واشنطن بما فيه الكفاية أهمية هذه المجموعات على المدى الطويل في محاولاتها للتأثير على المشهد السياسي. كذلك قد تجد واشنطن شركاء أقل رغبة منهم – بما في ذلك خارج بلاد الشام، في أماكن مثل ليبيا وأفغانستان.
بمرور الوقت ستدخل وحدات حماية الشعب على الأرجح في مفاوضات مع النظام السوري لإحباط التوغل التركي الشامل والحفاظ على قدر من الاستقلال الذاتي. بشكل أو بآخر، ستستمر وحدات حماية الشعب باعتبارها لاعبا أساسيا في الهياكل السياسية في سوريا، وفي غضون ذلك، سوف يتضاءل النفوذ الأمريكي او ينتهي.
تحليل:
يتناول الكاتب قرار الرئيس الامريكي دونالد ترامب المفاجئ بالانسحاب من سوريا والذي كرر دائما خطأ الرئيس السابق باراك اوباما بالانسحاب من العراق نهاية عام 2011. ويستعرض تاريخ الانسحاب الامريكي من العراق وما تسبب به من اثار سلبية وكارثية على الوضع الامني في العراق.
اختلف المتتبعين للقرار الامريكي بالانسحاب في تفسير غايات واهداف صانع القرار الامريكي. فمنهم من رأى فيه مجرد تكتيك امريكي ظاهره الانسحاب وغايته اعادة التموضع في العراق وشماله على وجه الخصوص. وهناك رأي اخر يرى انه انسحابا حقيقيا يظهر رغبة القيادة الامريكية في تقليل النفقات والانسحاب من بؤر الصراع غير المجدية في الشرق الاوسط. وقد يكون ما وراء الانسحاب كل ما ذكر وزيادة عليه ترك الساحة لراع ايراني روسي مع اعدائهم من تنظيمات ارهابية وكردية، في حرب مدمرة تنهك الجميع وبخاصة اعداء الولايات المتحدة.
رابط المقال الاصلي: