م. د حيدر فوزي الغزي
باحث في قسم الدراسات القانونية/مركز الدراسات الاستراتيجية / جامعة كربلاء
آذار-مارس 2019
يشوب العلاقات العراقية الاردنية (التجارية عبر الحدود) ، شيء من الغموض وعدم الوضوح منذ عشرات السنين، بسبب مشاكل العراق المستمرة وخصوصاً في فترات الحروب التي خاضها العراق مع ايران تارة (حرب الخليج الاولى) والكويت تارة اخرى (حرب الخليج الثانية)، حيث اصبح طريق الاردن وميناء العقبة الاردني ومنفذ طريبيل البري هو شريان العراق الرئيسي ابان حرب العراق مع ايران طوال (8) سنوات بسبب استهداف الملاحة في شط العرب من جراء الحرب، وبالمقابل كان الاردن يحصل على المساعدات وعلى النفط العراقي باسعار مخفضة جدا، واستغلت الاردن ظروف العراق أبان الحصار الاقتصادي الذي فرض على العراق للفترة من (1990-2003) وبدت توجهاتها تصب في مصلحتها من خلال السماح بتصدير النفط العراقي عبرها وبناقلات حوضية مقابل تعرفة عالية جداً وصلت الى (50%) من قيمة الصادرات او حتى مجاناً في احيان كثيرة، وقد حاولت الحكومات العراقية المتعاقبة منذ عهد صدام حسين والى يومنا من استرضاء المملكة الاردنية لاجل فتح المنافذ الحدودية بوجه الاستيراد العراقي للبضائع عبر خليج العقبة الدولي والذي يعتبر المنفذ البحري الثاني والمهم بالنسبة للعراق بعد الخليج العربي.
وقبل كل ذلك، ينبغي ان لا ننسى ان النظام الملكي العراقي قد حاول في مناسبات عديدة اجراء وحدة دولية بين الدولتين الجارتين استنادا الى صلة الرحم بين الملكين الشقيقين فيصل الاول ملك العراق وعبد الله ملك الاردن ابناء الشريف علي بن الحسين زعيم الثورة العربية، من خلال مشروع الهلال الخصيب الذي تبناه العراق ومشروع سوريا الكبرى الذي تبناه الاردن، وقد اتحد العراق والاردن فعلا في عام 1958 وفق ما سمي (بالاتحاد بين مملكتي الاردن والعراق) بين ابناء العم الملك فيصل الثاني بن الملك غازي والملك الحسين بن الملك طلال احفاد الشريف علي بن الحسين، الا ان الاتحاد لم يدم طويلا واستمر خمسة اشهر فقط بسبب قيام ثورة 14/ تموز/ 1958 ومقتل العائلة الهاشمية المالكة وقيام النظام الجمهوري بزعامة عبد الكريم قاسم، وساءت العلاقة بين البلدين بسبب هذا الموقف خلال فترة الستينات والسبعينات لكنها عادت في الثمانينات بسبب دعم الاردن لحرب العراق مع جارته ايران.
بعد عام (2003) وسقوط النظام السياسي في العراق استفادت الاردن من تدريب كوادر الشرطة والجيش الجديد على اراضيها ولكن ذلك لم يدم كثيراً بسبب قيام تنظيم القاعدة الارهابي بقطع الطريق على القوات الامنية وتنفيذ مجازر بحق المتدربين وحتى المدنيين، ولم تتعاون الحكومة الاردنية مع النظام السياسي العراقي الجديد بعد عام (2003) فيما يخص تسليم الهاربين من اعوان النظام البائد (ومن ضمنهم افراد اسرة صدام حسين) من الذين قادوا عمليات التفجير الدموية بحق الشعب العراقي، وكذلك عدم الاكتراث بانطلاق قيادات القاعدة من اراضيها امثال ابي مصعب الزرقاوي من محافظة الزرقاء الاردنية.
الاتفاق التجاري الاخير الذي ابرم بين رئيس الوزراء العراقي الدكتور عادل عبد المهدي ورئيس الوزراء الاردني الدكتور عمر البزاز في (29-1-2019) والذي دخل حيز التنفيذ في (2-2-2019) تضمن عدد من القطاعات كان أبرزها مد انبوب لنقل النفط الخام من البصرة الى ميناء العقبة والذي هو محور حديثنا، وقد تضمنت باقي بنود الاتفاق ما يأتي:
– فتح معبر الكرامة الحدودي (طريبيل) بين البلدين امام البضائع السريعة التلف والالبان، وهذه النقطة بالذات فيها ضرب للمصالح الاقتصادية الايرانية في مجال تصدير الالبان والمواد الغذائية، فالعراق اليوم وفي كربلاء خصوصا اتجه الى فتح معمل البان كاله وبطاقة انتاجية تصل الى (1000) طن يومياً، اما البند الثاني فهو منح خصماً كمركياً للبضائع العراقية المستوردة تصل الى (75%) من الرسوم في ميناء العقبة، مقابل اعفاء (371) سلعة اردنية من الرسوم الكمركية في العراق، والتي في غالبها من مناشئ اسرائيلية وسيئة السمعه، وفي المقابل فرض رسوم كمركية على البضائع العراقية المستوردة بنسبة تصل الى اكثر من (30%) من قبل الحكومة العراقية.
-اتفق مجلسي الوزراء على تخصيص مساحة من الارض في المنطقة الحدودية بعمق (2 كم) وبطول (6 كم) لاقامة منطقة صناعية عراقية اردنية تتم ادارتها على مبدأ (BOT-BUILD OPERATE TRANSFER) البناء والتشغيل والنقل، وهو بناء وادارة المشاريع وفق قاعدة الاستثمار بعيداً عن اموال الدولة، وهذا الاسلوب ينفع في الدول التي ليست لديها موارد كبيرة.
– الاتفاق على ربط الشبكة الكهربائية بين الاردن والعراق وتجهيز العراق والاردن بالطاقة والتبادل بين الطرفين، وهذه النقطة فيها ضرب للمصالح الايرانية في موضوع تصدير الطاقة الكهربائية الى العراق على اعتبار ان ايران محاصرة اقتصاديا ولا يمكن للعراق تسديد فواتير استيراد الطاقة الكهربائية لمناطق البصرة وديالى، فمن خلال انشاء محطات توليد الطاقة الكهربائية في المنطقة الحدودية العراقية الاردنية بشكل الاستثمار فهذا يعني الاستعاضة بهذه المحطات عن استيراد الطاقة الكهربائية من ايران، مادامت الفرصة سانحه من خلال الشبكة الحلقية (الرنك) التي تجهّز المدن العراقية.
-اضافة الى الانفتاح في مجال الزراعة وتبادل الخبرات والتدريب على الاستخدام الامثل للمياه، ونقل التجارب الاردنية في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، مع السماح بمرور سعات الانترنت من الاردن الى العراق.
-اما الجانب الاهم في هذه الاتفاقية فهو انبوب النفط العراقي -الاردني من البصرة الى ميناء العقبة المقابل لميناء ايلات الاسرائيلي وعلى نفقة الحكومة العراقية بما فيها المسافة التي سيمر بها الانبوب في الاراضي الاردنية وخلال مدة الربع الاول من عام (2019)، اي ان الاردن سينتظر كل هذه المكاسب دون بذل اي مجهود او اموال، وستجلس اللجان الفنية من كلا الطرفين لتحديد سعر التعرفة على النفط الخام العراقي.
-بهذه البنود من الاتفاقية يبدو لنا واضحا بان المستفيد هو الطرف الاردني لان العراق لديه منفذ بحري عن طريق شط العرب ولديه العديد من الموانئ (ميناء ام قصر، وميناء المعقل، وخور عبد الله) وغيرها اضافة الى ميناء الفاو الكبير قيد الانشاء، ولو جرى تفعيل هذه الموانئ بالشكل الصحيح دون وضع القيود عليها لكان اكثر فائدة من هذه الاتفاقية، لان الحكومة العراقية بالمقابل ومن خلال موظفي الموانئ قد اهملت ميناء ام قصر بدلا من تفعيله من خلال تركه بيد مافيات الميناء التي اساءت في استخدامه في محافظة البصرة ولم تعد الحكومة تسيطر على هذه العصابات، وان التصدير البحري هو في متناول الحدود العراقية بدلا من تصديره لمسافة (1226) كم من البصرة الى ميناء العقبة.
حيث سيصبح العراق هنا مستوردا من الدرجة الاولى من الاردن لبضائع سيئة المنشأ وغير خاضعة لمعايير الجودة والتقييس، وبالمقابل سيلتزم العراق بتصدير كميات من نفطه عبر الاردن من خلال انبوب ناقل الى ميناء العقبة الاردني وبسعر تعرفة عالي جدا ستستفيد الاردن منه أكثر من الجهة المصدرة.
في حين ان النية واضحة جدا وهي تفعيل المنفذ الحدودي الكرامة-طريبيل استعدادا لقطع الطريق امام الاستيراد من الجمهورية الاسلامية او على اقل توقع استعداداً لضرب الجمهورية الاسلامية اقتصاديا بعد ان بدا الحظر الاقتصادي عليها امرا واقعاً وان على العراق الالتزام به وعدم قدرته على تسديد الفواتير.
لكن بالمقابل فان العراق سيتمكن من تصدير نفطه عبر انبوب على غرار تصديره للنفط عبر انبوب جيهان عبر الاراضي التركية، وسيتمكن من المناورة مع هذه الدول بدلا من الاعتماد على تصديره بالناقلات البحرية او البرية والذي يعرضها للمخاطر والتهريب على اعتبار ان الانبوب النفطي تسيطر يمكن السيطرة عليه من خلال عدادات لحساب الكيمات المصدّرة.
وهنا نبدأ التحليل:
فهل العراق بحاجة الى ان يتكبل بكل هذه الاموال من اجل تصدير نفطه ؟؟ ام ان هناك جهات اخرى ستستفيد من هذا الخط النفطي ؟؟ وانا هناك من تكفّل بالضغط على الحكومة العراقية من اجل انجاح ابرام هذه الاتفاقية في هذا الوقت بالذات ؟؟
علينا العودة بالذاكرة قليلا الى الوراء لمتابعة الاحداث، ففي رأينا ان الاحداث الدولية والاقليمية كانت سبباً في عقد هذه الاتفاقية ومن اهم الاسباب هو الانسحاب الامريكي التدرجي من المناطق السورية الكردية ودخول القوات الى المنطقة الكردية العراقية، ومحاولة الولايات المتحدة الضغط على ايران لتحجيم نفوذها في سوريا والعراق ولبنان واليمن بدفع من المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة وباقي دول الخليج لتبديد مخاوفها من ايران، والتهديدات الايرانية المستمرة والتلويح باستخدام القوة امام المصالح الامريكية في منطقة الخليج خصوصاً القدرة العسكرية الايرانية امام ناقلات النفط الامريكية والاوربية التي تمر عبر مضيق هرمز ومضيق باب المندب، وتفاعل امريكا مع هذه التهديدات من خلال نشر الغواصات والطرادات وحاملات الطائرات التي تجوب البحر الاحمر وخليج عدن والبحر المتوسط لتأمين مرور أهم مصادر الطاقة، كل ذلك له علاقة بهذه الاتفاقية العراقية الاردنية، فالانبوب النفطي سوف يختصر المسافة من الخليج العربي الى خليج السويس والابتعاد عن كل هذه التهديدات من الطرق الخطرة في حال نشوب نزاع عسكري بين اسرائيل وايران وهو ما يهدد المنطقة منذ سنين.
-هناك مشروع كبير اقدمت عليه اسرائيل وهو العمل من اجل فتح (قناة بن غوريون) التي تربط بين خليج العقبة والبحر المتوسط من اجل الاستغناء عن المرور بقناة السويس، وبكلفة تخمينية (14) مليار دولار بقرض من المصارف الامريكية يتم تسديدها من قبل اسرائيل لمدة (30) عام وبفائدة (1%)، ومدة العمل لانجاز المشروع (3) سنوات، وستكون القناة باتجاهين (ذهاب واياب) دون الحاجة لانتظار البواخر وناقلات النفط لايام واسابيع من اجل العبور من والى البحر المتوسط كما يحصل في قناة السويس الاحادية المرور، وسوف تكون القناة بمواصفات حديثة ويتم تجهيزها بمضخات بقدرات عالية لضخ المياه الصالحة للشرب الى البواخر والسفن التي تمر عبرها وتجهيزها بالوقود لمحركاتها، علاوة على بناء الفنادق والمطاعم والملاهي الليلية والتي ستكون ارخص من (4%) عن قناة السويس، وسوف تجني اسرائيل من هذه القناة كتخمين اولي (4) مليار دولار سنوياً، وسوف يؤثر ذلك سلباً على قناة السويس التي يصل مدخولها السنوي (8) مليار دولار سنوياً، في حين سوف تتمتع قناة بن غوريون بمواصفات عالية جداً خلافاً لقناة السويس بالرغم من طول المسافة التي تصل الى (318) كم في حين ان طول قناة السويس يبلغ (165) كم، وهنا يأتي السؤال الجوهري ؟؟
ما هو الضامن من عدم استفادة اسرائيل من هذا الانبوب النفطي؟؟
ولماذا لانقول بان استعادة المملكة العربية السعودية لملكية جزيرتي تيران وصنافير من مصر التي تربطها باسرائيل-اي المملكة العربية السعودية علاقات هادئة واللتان تقعان في مدخل خليج العقبة من جهة البحر الاحمر هما تمهيداً لقناة بن غوريون لضمان عدم اعتراض مصر على القناة المقترحة؟؟