م. حمد جاسم محمد الخزرجي
باحث في قسم ادارة الازمات
مركز الدراسات الاستراتيجية – جامعة كربلاء
اذار-مارس 2019
على الرغم من اتباع تركيا خلال السنوات الأخيرة توجهاً تركياً جديدا ًتمثل بسعي الحكومة التركية الحالية لتطبيق سياسة (تصفير الأزمات) مع الدول المجاورة، والتي أرسى دعائمها وزير الخارجية التركي أحمد داوود اوغلو، إلا أن العلاقات العراقية-التركية، استمرت باتجاه التعاون من جانب والتراجع من جانب آخر، لاسيما أن المتغيرات التي تتحكم في العلاقات العراقية – التركية، تتمثل بأربعة مواضيع رئيسية تتلخص في (المشكلات السياسية الأمنية، وموضوع المياه المشتركة، وموضوع النفط الخام والغاز الطبيعي، وموضوع التبادل التجاري). ويمكن تلخيص هذه المواضيع بما يأتي:
المتغيرات الداخلية:
اولا: المشكلات والسياسية
1- النظرة الفوقية لتركيا حيال الدول العربية ومنها العراق، اذ انها تحاول اعادة الامجاد العثمانية من خلال اعادة توسعها الجديد.
2- التدخل في الشؤون الداخلية للعراق، خاصة باتهام (رئيس وزراء تركيا (اوردوغان) عام 2012، للحكومة العراقية بالطائفية واثارة الحرب الطائفية في العراق، وايواء تركيا مطلوبين للقضاء العراقي، وعقد مؤتمرات لما يسمى بالمعارضة العراقية في الخارج، والتعامل مع الاقليم خارج اطار الدولة الاتحادية، خاصة في مجال عقود الشركات في مجال النفط والغاز وتصديرها عبر تركيا، والتعامل التجاري والزيارات المتبادلة بين الاقليم وتركيا، بدون علم حكومة بغداد الاتحادية. وزيارة المسؤولين الاتراك لبعض محافظات العراق بدون علم الحكومة الاتحادية كما حدث في زيارة وزير خارجية تركيا (احمد داوود اوغلو) عام 2012 لكركوك.
3- القضية الكردية: بعد عام 2003 بدأ الوضع القائم في شمال العراق يتحول إلى وضع جديد من خلال اعلان اقليم في شمال العراق، فضلا عن تحول النظام في العراق من نظام الشمولي إلى نظام تعددي كل هذا شكل تحدياً للأساس الأيديولوجي للدولة التركية فأي تغيير في بنية الدولة العراقية سيحفز فعليا على إحداث تأثير داخل تركيا الذي يتمخض عنه مطالبات لأكرادها، اذ ان تعزيز الأنموذج الفدرالي في شمال العراق يزيد من احتمالية حدوث التحول نفسه للدولة التركية، وهو ما يعد متغير مؤثر على العلاقات بين الدولتين.
4- حزب العمال الكردستاني: تواجه تركيا ومنذ سنوات طويلة خلت، التحركات العسكرية لحزب العمال الكردستاني التركي المعارض، والتي ينطلق قسم منها من المناطق الحدودية المشتركة مع العراق، والتي تستهدف المؤسسات المدنية والعسكرية التركية، مما يؤدي إلى قيام تركيا بين الحين والآخر بقصف مناطق داخل الأراضي العراقية في المحافظات الشمالية داخل إقليم كردستان، وانتهاك سيادة العراق واختراق الحدود العراقية مستغلتا وضع العراق بعد 2003، بحجة ملاحقة حزب العمال الكردستاني، وهناك خمس قواعد عسكرية تركية في شمال العراق خاصة في دهوك، واهم هذا التواجد هو في مدينة الموصل (بعشيقة) العراقية عام 2015، (150 جندي مع 20 دبابة) وهو يعد خرقا للسيادة العراقية، وهو ما يعد تهديد للأمن القومي العراقي، خاصة وان مجلس النواب العراقي قد صوت عام 2012على الغاء كل اتفاقيات التواجد الاجنبي على اراضيه.
5- الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003، جعل تركيا تخشى من يتحول العراق الى مقر رئيسي للمصالح الامريكية في المنطقة لامتلاكه عدة ميزات استراتيجية واقتصادية، يحقق مصالح امريكا بدلا من تركي في المنطقة.
6- الحدود: تم توقيع معاهدة ثلاثية بين العراق وتركيا وبريطانيا في الخامس من حزيران 1926 اعترفت بموجبها ببقاء منطقة الموصل جزءاً من العراق، والتنازل عن ادعاءاتها بشأنها مقابل منحها 10% من عائدات النفط المستخرج من منطقة الموصل لمدة خمسة وعشرين عاماً. إلا أن تركيا كانت ولا تزال تنظر الى اطماع لها في الموصل وتسعى لاستثمار ظروفها، وتثار من قبل المسؤولين الاتراك أو الصحافة التركية بين فترة وأخرى، وترددت في فترات قريبة ماضية، وتزداد كلما تعرض أمن العراق لتهديدات أو مخاطر داخلية وخارجية. وتأتي هذه التحركات الاخيرة، ولا سيما العسكرية، لتثير الهواجس والمشاكل، حتى ان تركيا ترصد ميزانية وهمية للموصل سنويا.
7- محاربة الارهاب: في الوقت الذي طالب العراق كل دول العالم بالوقوف الى جانبه لمحاربة الارهاب الداعشي، فان تركيا كانت ولا زالت دولة الممر لعبور المقاتلين والاسلحة الى المجموعات المسلحة الارهابية مثل النصرة وداعش في العراق وسوريا، وتصدير النفط المهرب من العراق عبر اراضيها وبسعر 10 دولار للبرميل، بل لم تنظم الى الجهود الدولية لمحاربة داعش، وهو محاولة تركيا لفرض امر واقع في المنطقة بعد 2014.
8- قضية التركمان: هي من القضايا التي واجهت العلاقات التركية العراقية بعد 2003، فقد بدأت تركيا تسليط الأضواء على أوضاع تركمان في العراق ، وخاصة مسالة كركوك، وذلك لأهميتها الاستراتيجية والاقتصادية، وتعدهم تركيا من الشعوب التركية التي تناصرها، كما ان كركوك كانت تتبع الموصل قبل عام 1918، ويتهم العراق تركيا بمحاولة استغلال مسالة التركمان للتدخل في شؤون العراق الداخلية وخاصة بمحاولة اثارة التركمان في العراق، ليس قوميا بل طائفيا من تقسيمهم الى شيعة وسنة.
ثانياً: المياه المشتركة
1- بدأت مشكلة المياه بين تركيا والعراق مع بداية ستينات القرن الماضي عندما بدأت تركيا بتأسيس مشروع (الكاب)، والذي بدأ بحجز كميات كبيرة من مياه نهري دجلة والفرات عقب بنائها (22) سداً لأغراض الري وتوليد الطاقة الكهربائية مما شكل تهديداً خطيراً للعراق جراء تناقص الكميات المائية له من 18مليار م3 سنويا إلى 9 مليارات م3 سنويا ( بعد اتفاقية عام 1987 التي سميت بقاعدة أل 500 م3/ ثا بين تركيا وسوريا) وحاجة العراق الفعلية 11مليار م3 سنويا والمستقبلية تقدر بنحو 14 مليار م3 سنويا ، ، وفي عام 2008 وافقت كل من تركيا وسوريا والعراق على تنشيط عمل اللجنة الثلاثية المشتركة لتدارس موضوع إدارة الموارد المائية بين الدول الثلاث، وخلال عام 2009 وافقت تركيا على زيادة تدفق مياه الفرات، مقابل زيادة العراق لتجارته النفطية مع تركيا ومنع حزب العمال من الانطلاق عبر الحدود العراقية، الا ان قضية المياه لاتزال أحد المواضيع المثيرة للجدل بين العراق وتركيا.
2- كذلك مشروع انابيب السلام الذي سوف يوفر لتركيا ملياري دولار سنويا من بيع الماء لدول الشرق الاوسط، والذي كان مخطط له ان يمر من خلال العراق وسوريا الى كلا من الاردن واسرائيل ودول الخليج العربية.
ثالثاً: المتغير الاقتصادي
1- النفط الخام والغاز الطبيعي: يعد العراق ممول رئيسي لتركيا بمصادر الطاقة فاحتياج تركيا هو (650) الف برميل يوميا، وقد تم بناء خط أنبوب لنقل النفط الخام بطول (981) كيلومتراً انجز عام 1984، لضخ ما يقارب مليون برميل من النفط الخام من حقول العراق إلى ميناء جيهان التركي على البحر الأبيض المتوسط، وبذلك أصبح مجموع الطاقة الإنتاجية التي تنقل عبر تركيا مليوناً ونصف المليون برميل يومياً، وتسبب إهمال تشغيل الأنابيب بين العراق وتركيا بسبب الحصار وإجراءات الاحتلال الأمريكي في انخفاض الكمية المصدرة حالياً إلى (400) ألف برميل يومياً، وتوقفها نهائيا بعد دخول داعش الارهابي للعراق عام 2014، الا ان هناك اتفاقية بين البلدين لإعادة التصدير من خلال مد خط الأنابيب جديد عبر فيشخابور الحدودي بطول(400) كليو متر لزيادة الكميات المصدرة عبر تركيا إلى مستواها السابق، وخاصة أن هناك تهديدات بإغلاق مضيق هرمز تشكل دافعا قويا لزيادة الكميات المصدرة عبر خطوط الأنابيب العراقية-التركية ، وتأمل تركيا ان تأمن احتياجاتها من نفط العراق.
2- التبادل التجاري: تزايدت أهمية العلاقات الاقتصادية بين تركيا والعراق، ولدرجة أن كلاً منهما أصبح معتمداً على الآخر في السنوات الأخيرة. وتأمل الحكومة التركية بأن يؤدي الاستقرار الأمني التدريجي في العراق إلى زيادة الطلب على البضائع والخدمات والمواد التركية، والتي ستؤدي إلى زيادة فرص عمل الشركات التركية في العراق. وباستثناء قطاع النفط، تُعد تركيا من أكبر المُستثمرين التجاريين في العراق ، حيث تزود الشركات التركية العراق بمختلف البضائع الاستهلاكية والصناعية والخدمية، وبحسب إحصائيات وزارة التجارة التركية، فإن حجم التعاون التجاري بين تركيا والعراق، وارتفع من(940) مليون دولار عام 2003، إلى 5 مليار عام 2008، و (6) مليارات دولار عام 2010، و(12) مليار عام 2014، تراجع الى 7 مليار عام 2016 ، وتسعى تركيا الى رفع التبادل الى 25 مليار دولار مستقبلا، وبذلك احتل العراق المستوى الخامس عالمياً لشركاء تركيا التجاريين، كما تعمل حالياً في العراق (117) شركة تركية في قطاعات الزراعة والصناعة والخدمات، وتحرص تركيا على تطور العلاقات الاقتصادية مع العراق نحو الأفضل في السنوات اللاحقة.
المتغيرات الاقليمية والدولية:
1- التواجد الامريكي في العراق وعقد اتفاقيات عسكرية بين الدولتين تعتبره تركيا امر على حساب امنها القومي، خاصة بعد حدوث توتر بين تركيا وامريكا حول قضايا عديدة في المنطقة، مثل ازمة قطر والازمة السورية.
2- موقف العراق وتركيا من الازمة السورية، ان موقف العراق الرسمي من الازمة السورية هو الحل السلمي وعدم التدخل العسكري، بينما تركيا تقوم بعمليات عسكرية واحتلال عدة مدن سورية بحجة محاربة قوات سوريا الديمقراطي الكردية والارهاب، وهو ما يعد عامل قلق للعراق من احتمال توسع تركيا على حساب سوريا والعراق مستقبلا.
3- موقف تركيا من النفوذ الايراني في العراق، فعلى الرغم من متانة العلاقة بين ايران وتركيا على كافة المستويات، الا ان هناك منافسة قوية بين الدولتين حول العراق، وان أي تواجد ايراني في العراق تراه تركيا عامل تهديد لمصالحها في العراق، ويتطلب تدخل تركي مماثل، مما جعل العراق ساحة للصراع الاقليمي، وهو ما يعد متغير مؤثر على العلاقات بين العراق وتركيا.
4- تحسن علاقات العراق العربية: اذ ان تركيا تنظر للعلاقات العربية العراقية وخاصة مع السعودية انه سيكون على حساب علاقاتها مع العراق، خاصة بعد توتر العلاقات بين تركيا وكل من مصر والسعودية والامارات حول قضية دعم الاخوان المسلمين، وان علاقات العراق مع الدول العربية سوف تعزز العلاقات الاقتصادية والسياسية وخاصة في مجال التجارة وتصدير النفط وهو ما ينعكس على حساب تجارة تركيا مع العراق.
5- العلاقات التركية الاسرائيلية: اذ ان علاقات تركيا مع اسرائيل عامل قلق دائم للعراق، خاصة وان العراق من الدول العربية التي لم تقيم علاقات مع اسرائيل او تعترف به، لهذا فان التواجد الاسرائيلي على حدود العراق الشمالية سيشكل عامل ضغط على العراق ويساعد من تغلل نفوذها الى العراق.
المتغيرات المؤثرة في العلاقات بين جمهورية العراق والجمهورية تركيا
التعليقات على المتغيرات المؤثرة في العلاقات بين جمهورية العراق والجمهورية تركيا مغلقة