الكاتب: کیهان برزگر
الناشر: مركز الابحاث العلمية والدراسات الاستراتيجية في الشرق الاوسط/ واشنطن
المترجم: م. خالد حفظي التميمي
تحليل: م. مؤيد جبار حسن
طرح الكاتب كيهان برزگر، أستاذ العلاقات الدولية ورئيس مركز الدراسات الاستراتيجية في الشرق الأوسط في طهران، استفهاما في مقالته مفاده ” هل هناك نظام إقليمي في عالم الفوضى الواقعية؟”، وذلك في المؤتمر السنوي لمنتدى فالدي للشرق الأوسط في موسكو والذي عُقد تحت عنوان “الشرق الأوسط: مشهد جديد، مشاكل قديمة” في شباط عام 2019. واكد على النقاط الآتية:
النقطة الأولى: أن الشرق الأوسط متجه نحو نظام أمن دولي جديد وهو أمر لا مفر منه، ولكن يجب الأخذ بعين الاهتمام التطورات الحالية في المنطقة ومنها الانتقال الجيوسياسي والانتقال السياسي، وليكون النظام الامني الجديد فعالا، هناك شرطين: –
الشرط الأول، ينبغي أن يكون هناك نظام أمن دولي مصمما وفقا للحقائق والاحتياجات السياسية والاقتصادية الحالية للمنطقة. فالخصائص الاجتماعية التاريخية للبلدان تؤشر أن لكل دولة مفهومها “الفردي” الخاص بها حول كيفية تحقيق المصالح الوطنية والقضاء على التهديدات الأمنية، وبالتالي، لا يمكن اعمام قضايا وسياسات الدول بشكل واسع. على سبيل المثال، يختلف مظهر التيارات السياسية الحالية مع ديناميكيات دور روسيا والولايات المتحدة في المنطقة، أو على ما تستند عليه السياسة الإيرانية في العراق وسوريا وأفغانستان من حقائق جغرافية وتاريخية حالية، وهي تختلف بطبيعة الحال عن بعضها البعض. وينطبق ذلك على الدول الأخرى أيضًا. لذلك من الضروري أن تتوصل البلدان أولاً إلى فهم مشترك للتعريفات والمفاهيم في مجالات مثل الأمن والتهديدات الخارجية والتنمية الاقتصادية وما إلى ذلك، لا سيما في مجال القيم المشتركة، مثل مكافحة الإرهاب.
الشرط الثاني، الحقيقة أن الطريق نحو تحقيق نظام أمن دولي في المنطقة هو من خلال “الاستقرار الوطني والأمن القومي للدول”. في هذا الصدد، ولتعزيز “النظم الوطنية” في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية وحتى العسكرية أمر ضروري حتى تستطيع البلدان المساهمة وبشكل “فردي” في الأمن الإقليمي.
ولتحقيق ذلك، من الضروري أيضاً صياغة إجماع سياسي في مجال السياسة الداخلية من أجل إقناع التيارات السياسية والرأي العام بأن المصالح الوطنية والأمن القومي يعتمدان على التعاون الدولي الإقليمي. على سبيل المثال، بعد أن انتهى انسحاب الولايات المتحدة (من الاتفاق النووي) وعدم الثقة في السياسة الداخلية، ضعف منطق التعاون الإقليمي لدى الإيرانيين. وكان لهذا التعاون أن يكون أكثر فائدة للولايات المتحدة والغرب، التي تحاول صياغة نظام أمن دولي إقليمي لصالح التيارات المؤيدة لسياستها وعلى حساب المصالح الجيوسياسية لإيران.
النقطة الثانية: بسبب القيود الاستراتيجية للبلدان في حل الأزمات الإقليمية الحالية، أصبح من الحتمي الدخول في نظام أمني دولي خاص بالمنطقة. ولكن يجب أن يتم استدامة مثل هذا النظام في عملية حل الأزمات، بحيث يكون تشكيل مثل هذا النظام في إطار الجهد الجماعي. تجربة الحرب في أفغانستان عام 2001 والعراق عام 2003 أثبتت ان النصر في ساحة المعركة لا يعني بالضرورة نهاية الأزمة واتمام عملية بناء الدولة في مرحلة ما بعد الصراع وكيفية الاستمرار في التحالف الشامل، الأمر الذي يتطلب التعاون الوثيق بين الدول الرئيسة المشاركة في الأزمة. بعبارة أخرى، لا يعني الفوز في ساحة المعركة بالضرورة الفوز في مجال السياسة ومع ذلك، فإنه يجب على الفائزين السعي الى حل سياسي للأزمة وفي نهاية المطاف، يجب التوصل إلى حل سياسي دائم عبر اتفاق جماعي.
واشار الكاتب، ان انسحاب القوات الامريكية من العراق وسوريا يتطلب بالضرورة الاتفاق على وجود هذه القوات في سوريا وأفغانستان ليس من اجل الولايات المتحدة فحسب، وإنما حدود التأثير الاستراتيجي للجيوسياسية للولايات المتحدة وكفاءتها وفعاليتها في ساحة الصراع، امام منافسيه الإقليميين. حقيقة أن الجهات الفاعلة الأخرى تضع نفس القيود استراتيجيا بأشكال مختلفة في حل الأزمات الفردية لصالحها، وخاصة في إطار تحقيق حل سياسي بسبب القيود الاقتصادية المتاحة لإعادة بناء اقتصادات معرضة للأزمات.
مع هذا الوضع فأن النظرة الواقعية، وتشكيل نظام الأمن الدولي يمكن أن يكون في نهاية الأزمة ومن ثم تحقيق الخطوات التالية: وقف الحرب على الأرض، وتسريع الحل السياسي والانتخابات، ووضع الدستور، وتشكيل حكومة شاملة، وتعزيز نظام الدولة، وسحب القوات الأجنبية، وفي نهاية المطاف دخول الأطراف الإقليمية في تشكيل نظام أمن دولي إقليمي مستدام.
لقد كانت التجربة غير ناجحة في محادثات جنيف للسلام بخصوص حل الأزمة السورية وهي مثال واضح في هذا المجال. وفي المقابل، فان النجاح النسبي لملف (استانة) وبمشاركة إيران وروسيا وتركيا، اعتمد على الحد الأدنى من اتفاق الاطراف على التهديدات الشاملة للأزمة السورية لمصالحها الوطنية وأمنها القومي. وفي هذا الصدد نجحت -ومن خلال عدة مراحل -في دفع عملية السلام في هذا البلد.
النقطة الثالثة: تتعلق بنظرة إيران حول إنشاء نظام أمن دولي إقليمي. وبطبيعة الحال، فان البلدان تمتلك الرغبة في تعزيز التعاون الإقليمي على أساس الخصائص المحلية، إلا أن إيران كانت دائما تسعى لتشكيل نظام أمن دولي داعم للأمن الإقليمي، لكن الواقع هو أن التحالف المعادي لإيران في ذلك يسمى “محور التهديد ” وهذا يعني أن تحالف (ترامب -نتنياهو-بن سلمان) جعل من منظور إيران للتعاون الإقليمي أكثر تعقيدا، ونتيجة لذلك، فإن إيران تميل إلى تعزيز أدوات الردع في المنطقة.
ان الرأي السائد في خروج ترامب من الاتفاق النووي هو للطعن في المواقف الإقليمية وتقييد أنشطة الصواريخ الايرانية التقليدية واضعاف القوة الدفاعية والردع الإيراني وبالتالي تهيئ الظروف للهجوم على إيران، أو على الأقل يمهد الى الانهيار من الداخل أو ما يسمى ب “تغيير النظام”.
ولكن الحقيقة هي أن سياسة ترامب قد زادت من شرعية أنشطة إيران الصاروخية في السياسة الداخلية والرأي العام الإيراني وحتى ادى إلى الاسراع بتقوية هذه الأنشطة، وهذه هي علامة فارقة في تطوير مفهوم “مساحة أوسع للأمن ” في دبلوماسية الدفاع الإيرانية.
ويرى الكاتب ايضا ان دعم مواقف إيران الإقليمية في الزيارة الأخيرة لظريف إلى لبنان، وكذلك مواقفه بشأن أهمية الحفاظ على الردع والدفاع الصاروخي عن البلاد في مؤتمر ميونيخ الأخير للأمن، هو علامة على هذا التطور الجديد.
التحليل:
يقترح الكاتب انشاء نظام أمن دولي داعم للأمن الاقليمي في المنطقة، مع السعي لتفهم الحاجات الخاصة بكل دولة. وهنا يفهم من كلامه ان الشرق الاوسط بحاجة الى صيغة جديدة للعلاقات الدولية تستطيع ان تستوعب النمو والتمدد للنفوذ الايراني في المنطقة، باعتبار الاخير حق طبيعي لكل امة تمتلك مقومات القوة والاقتدار. ويحذر الكاتب من ان الاسلوب الامريكي في مواجهة إيران (الانسحاب من الاتفاق النووي) سوف يؤدي الى ضعف التعاون الاقليمي من طرف الايرانيين، وهذا ما لا تريده الاطراف الدولية الباقية.
ويؤشر هذا الحديث الى الخلل في النظام الدولي بسبب تربع بعض الدول على قمة التنظيم الدولي متمثلة في مجلس الامن ليس لشي الا لامتلاكها القوة وتحقيقها الانتصار في الحرب العالمية الثانية. فمنذ إنشاء منظمة الأمم المتحدة، ساد اعتقاد بأن ميثاقها قد جاء بنظام محكم للأمن الجماعي، اغلقت كل الثغرات التي كانت تعيب نظام الأمن في عصبة الأمم، ونتيجة لنهوض الأمم المتحدة بأعباء الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، يتمتع مجلس الأمن بأهمية متميزة نتيجة نهوضه بهذا الدور، وبناءً عليه ورغبةً في تمكين هذا الأخير من أداء المهام المسندة له خوله الميثاق سلطات عديدة. وتأسيسا على هذا الواقع الدولي غير المنصف الذي يعطي لدول دون اخرى حق تقرير مصير العالم وحفظ أمنه كما يتماشى ومصالحها ونفوذها الاقليمي والدولي.
ان الاندفاع الايراني صوب الهيمنة والنفوذ الاقليمي يصطدم بمصالح باقي دول الجوار العربي وكذلك الدول الاخرى كتركيا وإسرائيل والولايات المتحدة، فالحديث ليس حول ضعف التعاون من عدمه وانما سيادة ومصالح دول يجب ان تحترم والا العواقب وخيمة.
رابط المقال الاصلي
https://www.cmess.ir/Page/View/2019-02-24/2477