م.د سعدي الابراهيم
رئيس قسم الدراسات القانونية/ مركز الدراسات الاستراتيجية بجامعة كربلاء
نيسان 2019
الحرية تصبح عيبا عندما تتجاوز حدودها
**********
تعرف الحرية على انها مقدرة الانسان على فعل اي شيء . لكن ما جرت عليه اعراف الدول، ان الحرية تقف عندما تصدم بحريات الاخرين . وعلى هذا الاساس نجد ان المجتمعات المتقدمة، قد تمكنت من عقلنة الحرية و وضعها ضمن قوانين المجتمع ومصالحه ولم تجعلها مفتوحة الابواب او مطلقة العنان ، لأن كل شيء يخرج عن المعقول سيكون فيه مضار اذا ما قلنا خطر على عموم الحياة .
العراق بعد عام 2003، اتجه نحو الحرية بمختلف انواعها، ومن بينها الديمقراطية السياسية . وهذه القفزة النوعية جاءت بعد عهود طويلة من اللاحرية ، اي ان الدولة والمجتمع لم تمر بمرحلة انتقالية او وسطى، بل انتقلت بشكل شبه مفاجئ . هذا التحول المستعجل، على الرغم من الايجابيات الكبيرة التي احتواها، ا لا انه قد ولد حالة من عدم الاستقرار او عدم الانسجام ، نتج عنه بعض السلوكيات التي يمكن اعتبارها تطرفا في الحرية . فمع كل احتفال وطني او انساني ، سرعان ما تنتشر ظاهرة بيع الخمور وشربها في كل مكان من العراق، وبالأخص العاصمة بغداد . ولا يتعلق الأمر بتعاطيها في الاماكن المخصصة او المجازة ، او حتى المخفية ، بل ان الامر يتم بشكل علني وعشوائي دون حسيب او رقيب ، الشجار والصراخ والعبث، والتراشق بزجاجات الخمر ، وتكسيرها في الشوارع والاماكن العامة ، صارت مشهدا طبيعيا في بعض مناطق بغداد .
ان هذه الظاهرة المتطرفة، باتت تؤذي اغلب العوائل وتجعلها تجلس في بيوتها حتى في المناسبات، وذلك خوفا من ان تمر بمثل هذه المشاهد او ان تتعرض للاعتداء سواء بالفعل او بالكلمات الطائشة التي تطلق من المتعاطين للخمر الذين، لا يكفون عن التحرش بالمارة بمختلف الطرق.
ان الامر لا يتعلق بهذه المظاهر فحسب، لكنه قد يتطور الى ما هو اوسع، بحيث تنتشر افات اخرى في المجتمع، مثل البغاء وتجارة الاعضاء البشرية وتجارة الرقيق الابيض، والمخدرات، والسرقة وغيرها. وما ستجره من ويلات على البلاد، كانتشار السرقة وحوادث القتل. بالاخص وان هناك بيئة عوامل على ذلك، حيث ان البلاد تعاني من البطالة والفقر، وكل ذلك يساعد العصابات المنظمة التي قد تكون مرتبطة بجهات خارجية، على تنفيذ اجندات مغرضة في البلاد هدفها ضرب قيم المجتمع العراقي وثقافته.
ما مطلوب من الدولة والنخب المثقفة والمتعلمة، هو عقلنة الحرية وتنظيمها، ومحاربة التطرف فيها . وهذا يحتاج الى جهود كبيرة وطويلة، والى سياسات عامة وقرارات حكومية. ولربما ان الاستعانة بالخبرات الاجنبية يعتبر امرا ضروريا بالأخص تلك الدول التي سبقت العراق في مجال ضبط ايقاعات الحرية وعدم التطرف فيها.