م.م. حوراء رشيد الياسري
باحث في قسم الدراسات القانونية
مركز الدراسات الاستراتيجية –جامعة كربلاء
أيار-مايو 2019
لقد ادت التقنيات الحديثة للمعلومات والاتصالات الى احداث تطورات كبيرة في الحياة العامة سواء على مستوى تطلعات الافراد ورغبتهم في الحصول على الخدمات ، او على مستوى المؤسسات والهيئات القائمة على تقديمها ؛ حيث اصبح ادخال المعلومات في كافة الاعمال الحكومية هو هدف العديد من الدول التي تسعى للتطور والتقدم وعلية ارتبط استخدام تكنولوجيا المعلومات في الاجهزة الحكومية بظهور مصطلح الحكومة الالكترونية او الادارة الالكترونية ، حيث يقول المفكر ( ألفن توفلر ) المهتم بالمستقبليات أن العالم مر بثلاث موجات أساسية تتجه نحو التغيير ، الموجة الأولى تمثل الثورة الزراعية ، وتتبعها الموجة الثانية وهي الثورة الصناعية ، ثم نصل الى الموجة الثالثة المتمثلة بالثورة المعلوماتية والتقنية والتي تتميز عن سابقاتها بالتغيير السريع الذي يؤثر على كافة أفراد المجتمع .
وتواجه الدول التي ترغب بتطبيق الحكومة الالكترونية عددا من التحديات التي تعتبر بمثابة عراقيل تحول دون عملية الانتقال الى العمل الالكتروني وتتمثل هذه التحديات بما يلي :-
1- التحديات الادارية : تتخذ بعض الدول اساليب إدارية تقليدية – البيروقراطية – في ادارة اعمالها ومعاملاتها ومما لا شك فيه ان هذه الاساليب تعتبر غير فاعلة مع مقتضيات تطبيق الحكومة الالكترونية ، وان انعدام التخطيط والتنسيق على مستوى الادارة العليا لبرامج الادارة الالكترونية وعدم وجود الهياكل التنظيمية التي تغطي كافة الانشطة وان انعدام هذه الامور سيؤدي الى تغيير علاقة الجهاز الحكومي مع بيئته الداخلية والخارجية مما يستوجب اعادة العملية الادارية التي يتعامل معها ذلك الجهاز الاداري وبالتالي صعوبة التحول الالكتروني .
2-التحديات التكنولوجية: يستوجب عند تطبيق الحكومة الالكترونية استخدام الشبكات المتقدمة للاتصالات مع ضرورة امكانية توفير التكنولوجية الحديثة من اجهزة وبرامج وتطبيقات معاصرة لتنفيذ الاعمال والمهام في الدول التي تسعى لتطبيق الحكومة الالكترونية والتي تفرض بدورها تحديا صعبا لضمان فاعلية التحول الالكتروني .
3- التحديات المالية : وتتمثل في الحاجة الى الامكانيات المادية الكبيرة من اجل توفير التقنية على مستوى الدولة ككل وان هذه التقنية متكاملة ومتشابكة مما يصعب التدرج فيها ويجب توفيرها جميعا في وقتا واحد ، اضف الى ذلك قلة الموارد المتاحة وتحديد اوجه الانفاق بسبب الارتباط بميزانيات ثابتة مع محدودية المخصصات المالية (الخصخصة) لتدريب العاملين وارتفاع تكاليف توفير البنية التحتية المتمثلة بشراء الاجهزة والبرامج التطبيقية وانشاء المواقع وربط الشبكات .
4- التحديات القانونية : ان التقدم السريع يمثل عائقا امام الجهات القانونية من حيث صعوبة مواكبة تطوير القوانين والتشريعات وعليه لابد من تدريب مجموعة مناسبة من القضاة والمحامين وفق ما يحتاجه التعامل الالكتروني بالتنسيق مع الجهات الحكومية لسن القوانين والتشريعات اللازمة ، وعليه فأن الدول التي تسعى الى تطبيق الادارة الالكترونية تجد نفسها تتعامل مع قوانين متعددة تختلف مع قوانينها الخاصة أو تجد نفسها تعمل في ظل قوانين يتعارض بعضها مع البعض الاخر.
6- تحديات الامن المعلوماتي: يعتبر من اهم التحديات التي تواجه تطبيق الحكومة الالكترونية حيث هناك اساليب لاختراق المنظومة المعلوماتية التي من مظاهرها سرية المعلومات وسلامتها وضمان بقائها وعدم حذفها وتدميرها التي ستؤدي الى فقدان خصوصية المواطنين وسريتهم ، وقد تتمثل هذه الصعوبات في اوجه عديدة منها :-
- التطور التقني المتسارع.
- ظهور ثغرات امنية عديدة.
- تنامي التهديدات بالتعامل مع تلك التقنيات سواء بطول فترة الاستخدام او عن طريق اختراع تقنيات جديدة.
7-السداد الالكتروني: تعتبر بطاقة الائتمان العامل الاساسي في هذه العملية وهي بحد ذاتها تمثل احيانا عقبة امام بعض المواطنين الغائبين عن التطور والساكنين في المناطق البعيدة حيث ان غالبيتهم يفتقر الى المعرفة حول استخدام بطاقة الائتمان .
8-الفجوة الرقمية: تعد الفجوة الرقمية من اهم التحديات التي تحول دون التحول الالكتروني ويقصد بها حرمان بعض الافراد من الوصول واستخدام الانترنت بسبب مجموعة عوامل سياسية منها واقتصادية واجتماعية ويندرج ضمن هؤلاء الافراد الفقراء وغير المثقفين والمحرومين من الحقوق السياسية ، وعلية نحن نعاني من مشكلة انعدام او ضعف البنية التحتية للاتصالات على الرغم من التحسن النسبي في هذا المجال ولكن هذا لا يكفي بسبب وجود حالة من التخلف التقني والمعلوماتي .
تعد ظاهرة الفساد ظاهرة قديمة قدم المجتمعات الانسانية حيث ارتبط وجود هذه الظاهرة بوجود الانظمة السياسية والتنظيم السياسي وانها لا تقتصر على شعب دون اخر او دولة دون اخرى ، ولكنها تتفاوت من حيث الحجم والدرجة ما بين مجتمعا واخر ، وتعتبر هذه الظاهرة ظاهرة عالمية واسعة الانتشار وذات جذور تأخذ ابعادا واسعة وتتداخل فيها عواما مختلفة وتختلف درجة شموليتها من مجتمع الى اخر ؛ ولكن تؤكد الدراسات ان الفساد المالي والاداري قليل جدا في الدول ذات الاقتصاد القوي والمستوى المعاشي المرتفع ، بينما ترتفع معدلاته في الدول الفقيرة ذات المستوى المعاشي المنخفض .
ان مظاهر الفساد المالي والاداري متعددة ومتداخلة وغالبا ما يكون انتشار احدها عاملا مساعدا على انتشار المظاهر الاخرى، وتعتبر ظاهرة الفساد المالي والاداري حاله حال الظواهر الاخرى التي تظهر في المجتمعات – وان كانت تختلف في تأثيرها من مجتمع الى اخر – تشترك في ظهورها مجموعة من الدوافع والاسباب التي ساعدت على نشؤها، حيث حدد البنك الدولي الاسباب التي ساعدت على ظهور الفساد المالي والاداري وتتمثل ب :-
1-تهميش دور المؤسسات الرقابية – التي قد تكون هي نفسها تعاني من الفساد -.
2-وجود البيروقراطية في مؤسسات الدولة .
3-وجود فراغ في السلطة السياسية ناتج عن الصراع من اجل السيطرة على مؤسسات الدولة.
4-ضعف مؤسسات المجتمع المدني وتهميش دورها.
5-توفر البيئة الاجتماعية والسياسية الملائمة لظهور الفساد.
ان للفساد المالي والاداري اثارا كبيرة ومؤثرة على الدولة في عدة جوانب وتتراوح هذه الاثار ما بين القوة والضعف وذلك تبعا لدرجة مساسها بالنظام الاداري وتندرج هذه الاثار كالاتي:
1-تأثيرها على الايرادات الحكومية: حيث تخسر الحكومة مبالغ كبيرة من الايرادات المستحقة عندما تتم رشوة موظفي الدولة لكي يتجاهلوا جزء من الواردات والدخل في تقويمها للضرائب المستحقة على هذه النشاطات الاقتصادية.
2-تأثير الفساد على النمو الاقتصادي: حيث تشير العديد من الدراسات الى ان الفساد المالي والاداري له اثار سلبية على النمو الاقتصادي حيث ان خفض معدلات الاستثمار وحجم الطلب الكلي سيؤدي الى تخفيض معدل النمو الاقتصادي.
3-تأثير الفساد على مستوى توزيع الدخل: ان الفساد سيؤدي الى توسيع الفجوة ما بين الفقراء والاغنياء في المجتمع من خلال :-
- تراجع مستويات المعيشة.
- تهرب الاغنياء من دفع الضرائب من خلال ممارسة سبل ملتوية للتهرب كالرشوة.
- زيادة كلفة الخدمات الحكومية كالتعليم والسكن وان تقليلها سينعكس سلبا على الفئات الاكثر حاجة لها .
ان تعزيز نظم المساءلة والرقابة لمكافحة الفساد الحكومي بمشاركة الادوات المجتمعية ووسائل الاعلام والمواطنين ومؤسسات المجتمع المدني ، اصبحت من الاجراءات الحاسمة لتحسين الاداء الحكومي ومنحها الثقة والشرعية لممارسة مهامها حيث برزت الكثير من المؤسسات والاليات الجديدة التي تعمل في نطاق مساءلة الحكومات ومراقبة اداءها ومكافحة الفساد المالي والاداري فيها .
وفي ظل الاعتماد المتزايد على شبكات الانترنت وتنامي ظاهرة الحكومة الالكترونية عالميا وبفضل التوسع العالمي في سياسة ادخال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في العمليات الادارية داخل الحكومة تبين ان هناك العديد من الحكومات قد حققت درجات عالية من الشفافية والانفتاح في اعمالها الحكومية وزيادة التفاعلية ما بين المواطن والحكومة مما ساهم في تحقيق تطور نوعي في تنفيذ المساءلة ومكافحة الفساد الحكومي في العديد من هذه البلدان .
فقد اصبحت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من الوسائل الاساسية في خطط الحكومة الامريكية الفيدرالية والمحلية حيث تنظر هذه الادارة الى الحكومة الالكترونية بانها مدخل لإعادة اختراع الحكومة ووسيلة عصرية لرفع كفاءة الادارة العامة وفعالية العمليات الديمقراطية، حيث استخدمت الوسائل الالكترونية بشكل متزايد لترسيخ المواطنة وجعل الافراد في حالة تواصل دائم مع صانعي القرار .
ولغرض تطوير المساءلة ومكافحة الفساد الحكومي بشكل فعال يجب وضع مقومات من ضمن الاهداف التي من شانها ان تؤدي الى المزيد من الشفافية والمحاسبة ، ومن ابرز هذه المقومات الارادة السياسية ووضع القوانين والتشريعات واعادة هيكلة العمليات الادارية ، وعليه فان اول ما تطبقه الحكومة الالكترونية هو ايصال المعلومات وبالتالي ضمانة الشفافية وتطبيق القوانين .
ويبقى السؤال عن الآلية التي تسمح للحكومة الإلكترونية في الحدّ من ظاهرة الفساد؟
1-الشفافية / ان تطبيق الادارة الالكترونية يسهل من وضوح الاهداف والغايات والخطط اضافة الى المساعدة في تسهيل الاجراءات وسرعة تدفق المعلومات ، وسهولة نشر التقارير الادارية والمالية مع اصحاب المصلحة عبر الوسائل الالكترونية، وهي قريبة جدا من نظام الرقابة الالكترونية والتي توفر استخداما فعالا لأنظمة المعلومات وتوفير قاعدة بيانات عن اداء وانشطة الجهات التنفيذية لتكون جاهزة عند حاجة الادارة العليا لاتخاذ قرار معين .
2-المساءلة / تسهم في توفير هيكل تنظيمي مناسب للمؤسسة يسهل من عملية مساءلة المستويات الادارية المختلفة ، ويساعد المعنيين سواء كانو منتخبين او معينين في تقديم تقارير دورية منتظمة عن نتائج اعمالهم ومدى نجاحـــــــهم في تنفيذها .
3-تبسيط الاجراءات / من خلال سهولة الوصول الى المعلومات والبيانات المطلوبة وعدم الاحتكاك ما بين الفرد والموظف.
ولغرض تطوير المساءلة ومكافحة الفساد الحكومي بشكل فعال يجب وضع مقومات من ضمن الاهداف التي من شانها ان تؤدي الى المزيد من الشفافية والمحاسبة ، ومن ابرز هذه المقومات الارادة السياسية ووضع القوانين والتشريعات واعادة هيكلة العمليات الادارية ، وعليه فان اول ما تطبقه الحكومة الالكترونية هو ايصال المعلومات وبالتالي ضمانة الشفافية وتطبيق القوانين .