بقلم: رئيس التحرير
الهجرة البشرية، سواء أكانت مشروعة أم غير مشروعة، ليست ظاهرة جديدة في حياة البشر؛ فقد عانى منها الانسان منذ أقدم العصور بسبب الخوف من الكوارث على اختلاف اشكالها، بل إن المهاجرين في بعض الأحيان نجحوا في إنشاء امبراطوريات وأمم قوية في المناطق التي هاجروا إليها عندما توفرت لهم الظروف المناسبة، ولعل المثل المعاصر الذي يجب ان لا يغيب عنا هو الولايات المتحدة الامريكية التي تعد أمة مهاجرين. لكن هذه الظاهرة أخذت تتفاقم وتخلق توترات دولية في السنوات الأخيرة، لاسيما من مناطق الحروب والفقر في الشرق الأوسط وأفريقيا جنوب الصحراء وأمريكا اللاتينية وبعض مناطق وسط وجنوب شرق آسيا، ويترافق ذلك مع ظروف صعبة وكوارث محدقة واجهها المهاجرون في طريقهم الطويل أو في المناطق التي هاجروا إليها، وغالبا ما وقعوا في فخ الخداع والاستغلال الوحشي من قبل عصابات الجريمة المنظمة أو عانوا من مشكلة الاغتراب وصعوبة الاندماج مع الاخرين.
إن الإصرار على الهجرة مع المخاطر الجمة المرافقة لها يدل على أن المهاجر فقد رغبته في الحياة في بلده الأصلي بعد أن عجز الأخير عن توفير مستلزمات العيش الضرورية والكرامة الإنسانية؛ فالهجرة قرار خطير لا يقدم عليه الإنسان لو توفرت له المستويات الدنيا من العيش الكريم، ويبدو هول الظاهرة عندما تحدث في بلدان غنية في مواردها وثرواتها مثل العراق وسوريا وبعض بلدان الخليج وغيرها، مما يعكس حجم الفشل لحكوماتها، وخضوعها لإدارات تقليدية عاجزة عن توظيف مواردها وقدراتها لمصلحة شعوبها. فالمهاجرون من هذه البلدان غالبا ما يكونوا من فئة الشباب المتعلم، فتخسر شعوبهم مرتين: الأولى بفقدانها المستمر لطاقتها الشبابية الحيوية، والأخرى لفئة متعلمة كان يمكن توظيفها في خلق الابداع والتقدم داخل بلدانها لو احُسن توظيفها واستثمارها.
واستمرار هذا النزيف البشري يعني استمرار الظروف والأسباب الكامنة خلفه، كما يعني استمرار العقليات الحاكمة على نهجها المعوج العاجز عن تطوير حياة الناس وخلق البيئة الملائمة للإبداع والتقدم. ومخاطر هذا الوضع هو أنه يهدد الجميع بدون استثناء، فإذا سلم بعضهم منه اليوم فإنه لا يوجد ما يمنع معاناة أبنائهم وأحفادهم في المستقبل، مما يعني أن السكوت لم يعد مفيدا بوصفه خياراً مقبولاً اجتماعيا، والتحرك نحو تغيير الظروف السيئة والعقليات البالية لخلق حياة آمنة مستقرة لمجتمعاتنا بات واجب اجتماعي يجب أن ينخرط فيه الجميع، فالهجرة غير الاختيارية الناجمة عن ضغط الظروف السيئة لا يقل خطرها المدمر عن خطر الإرهاب والمخدرات وغيرها من الظواهر السيئة السائدة في دولنا، وقد يجد بعضهم فيها حلا مؤقتا لمشاكله الآنية، لكنه حل تكتنفه المخاطر، ولا توجد ضمانات كافية تحول دون تحوله إلى كارثة إنسانية تجعل الانسان يندم عليها كثيرا.
صفوة القول، إن الفشل الحكومي يمثل المصدر الأول والأكثر تأثيرا في ظهور وبقاء ظاهرة الهجرة، ولا يمكن معالجة هذه الظاهرة ما لم توضع نهاية لوجود الحكومات والحكام الفاشلين في حياة الشعوب.
تشخيص المشكلة:
عندما يترك البلد أبناءه يقررون العيش في بلاد أخرى، فإن هذا الفعل يسمى بالهجرة. وعندما لا يحصل المهاجر على إذن بلده، فإن هجرته تكون غير شرعية.
وفيما يخص العراق، فقد عانى من هذه الظاهرة كثيرا بعد عام 2003؛ إذ هجره عراقيون كثيرون، لاسيّما فئة الشباب، الذين ركبوا البحار، وعرضوا أنفسهم للخطر، وفي الغالب يكون الشباب المهاجر من أصحاب الكفاءات والهمة العالية، والذين بفقدهم، تخسر البلاد ثروتها البشرية، في الوقت الذي يربحها الغير.
وفي هذا العدد من نشرة الراصد القانوني، سنحاول التعرف على ظاهرة الهجرة غير الشرعية، وأسبابها وموقف المجتمع الدولي منها وآليات حلها، ومن الله التوفيق.