م.م. حوراء رشيد الياسري
باحثة في قسم الدراسات القانونية
مركز الدراسات الاستراتيجية –جامعة كربلاء
أيلول-سبتمبر 2019
زيارتي البحثية الى الامارات العربية المتحدة، جعلتني ارفع القبعة لهذه البلاد التي تسير بخطوات سريعة جدا في طريقة التنمية المستدامة، لتكون نقطة امل في بحر اليأس العربي.
______________
يعد موضوع التنمية باعتبارها فرعاً من فروع العلوم الاجتماعية وسيلة مهمة وأساسية لا غنى عنها للمجتمعات الإنسانية تمكنها من تطوير بناها السياسي والاقتصادي والاجتماعي ، وخاصة بالنسبة للوطن العربي ودول العالم الثالث . وبدأ اهتمام الامارات العربية المتحدة بموضوع التنمية بعد حصولها على الاستقلال، آخذة في حسبانها توظيف الإمكانات المادية والطاقات البشرية للتخلص من التخلف . واتضح بمرور الوقت أهمية الحاجة إلى التنمية الشاملة المتكاملة في كافة مجالات الحياة ، وخاصة تنمية الإنسان باعتباره الوسيلة والغاية في الوقت نفسه.
قبل الحديث عن أهم جوانب التنمية في الإمارات العربية المتحدة ينبغي علينا تحديد مفهوم التنمية نفسه ؛ فقد عرفها ريتشارد وارد بأنها : (منهج علمي وواقعي لدراسة وتوجيه نمو المجتمع من النواحي المختلفة مع التركيز على الجانب الإنساني منه ، وذلك بهدف إحداث التكامل والترابط بين مكونات المجتمع) . بينما عرفها هيجنز بأنها : (عملية استثمار إنساني تتم في المجالات أو القطاعات التي تمس حياة البشر، مثل التعليم والصحة العامة والإسكان والرعاية الاجتماعية ، بحيث يوجه عائد تلك العملية إلى النشاط الاقتصادي الذي يبذله المجتمع ) . ووصفها محيي الدين صابر بأنها : (عبارة عن أسلوب حديث للعمل الاجتماعي يقوم على إحداث تغيير حضاري في طريقة التفكير والعمل والحياة عن طريق إثارة وعي البيئة المحلية بهذا الأسلوب أو تنظيمه وتحريكه ، ثم بدعوة أعضاء البيئة المحلية جميعهم إلى المشاركة في التفكير والإعداد والتنفيذ بالنسبة للمشروعات والبرامج الإنمائية) . في حين قدم محمود الكردي تعريفاً إجرائياً مفاده أنها : (هدف معنوي ، لعملية ديناميكية تتجسد في إعداد وتوجيه الطاقات البشرية للمجتمع عن طريق تزويد الأفراد بقدر من الخدمات الاجتماعية العامة ، بحيث يتيح لهم هذا القدر فرصة للمساهمة والمشاركة في النشاط الاجتماعي والسياسي والاقتصادي المبذول ) .
وعليه فالمقصود بالتنمية هو رفع مستوى الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية من حيث الصحة والتعليم والتطور التكنولوجي والمستوى المعيشي والخدمات بشتى أنواعها ، والاهتمام بتنمية العلاقات والروابط الاجتماعية القائمة في المجتمع لأنها اساس نجاح العملية التنموية .
وان الحديث عن التنمية في الإمارات العربية المتحدة جزء من الحديث عن التنمية في المحيط العربي ودول عالم الجنوب – ان صح التعبير- ، فمنذ أن نالت الدول العربية استقلالها وهي تطرح أهمية التنمية من أجل الخروج من واقعها المتخلف ، إذ لا حل إلا بتوحيد الجهود والتركيز على إيجاد مشروع عربي متكامل للتنمية يأخذ في الاعتبار إمكانيات كل قطر عربي ومدى مساهمته وهناك دعوة لإقامة تنمية بين أقطار مجلس التعاون الخليجي . وتعد تجربة التنمية في الإمارات العربية المتحدة تجربة وحدوية فريدة ونموذجاً يُحتذى به على المستويين الخليجي والعربي .
حيث بدأت خطط التنمية فيها مبكراً منذ أواسط الستينات عندما أقدم مجلس الإمارات المتصالحة ( الامارات العربية المتحدة) ، حاليا وكانت تضم اضافة للأمارات السبعة كلا من قطر والبحرين – على إنشاء العديد من اللجان والهيئات التي أسند إليها مهمة القيام بمشاريع تنموية على مستوى الإمارات في شتى مجالات الحياة ، وجاء صندوق التطوير في العام 1965م ليؤكد بداية مرحلة جديدة من مراحل التنمية . وساهم ظهور النفط فيما بعد في التعجيل بتنفيذ العديد من المشاريع التنموية محدثاً ثورة عمرانية كبيرة وتحولات اجتماعية واقتصادية وسياسية هائلة مّر بها مجتمع الإمارات نتيجة لاكتشافه والاستفادة من عوائده.
وما لاشك فيه أن قيام دولة الاتحاد مع مطلع السبعينات دفع بالمشاريع التنموية إلى الأمام بقوة في مختلف المجالات ، التي شملت التعليم والصحة والإعلام والثقافة والعمران وأيضا التجارة والصناعة والزراعة والبنى التحتية ، وكذلك الرعاية الاجتماعية ومشاريع الإسكان وبناء المؤسسات السياسية والاهتمام بقضية المرأة . وفي غضون سنوات قلائل تحولت الإمارات العربية المتحدة إلى دولة عصرية مزدهرة ، ولم تكن الإمارات العربية المتحدة قبل تأسيس الدولة سوى صحراء قاحلة تناثرت في أرجائها تجمعات سكانية لم توفر لها مقومات كافية للعيش ، فاعتمدت على البحر وما يوفره من قوت ، وعلى الرعي والثروة الحيوانية من الصحراء ، فكانت الانطلاقة من الصفر .
لقد حققت الإمارات في عهد الشيخ (زايد بن سلطان آل نهيان) نهضة شاملة في كل الميادين ، ولا تزال تسير على النهج نفسه في عهد خلفه الشيخ (خليفة بن زايد آل نهيان) رئيس الدولة بشكل متسارع يواكب تطورات العصر، وتخطت التنمية حدود البناء العمراني الظاهر ليصل إلى قلب الإنسان وعقله ليخلق مجتمعاً متماسكاً عقب قيام الدولة في 2/كانون الاول/1971م . وتم رصد ثروات الوطن لتوجيه خطط التنمية وتوفير الإمكانيات اللازمة لتنفيذها ومع قيام الدولة الاتحادية انطلقت عملية تنمية شاملة شملت كل أوجه الحياة معلنة التحول من مجتمع بدائي بسيط شكلت فيه صناعة اللؤلؤ والثروة السمكية الركيزتين الأساسيتين للدخل القومي ، إلى مجتمع نامٍ متطور أصبح فيه النفط الركيزة الأساسية للاقتصاد القومي.
وأنجزت دولة الإمارات خلال العقود الثلاثة من مسيرة الاتحاد بنية أساسية متطورة من شبكات الطرق والجسور والأنفاق والمطارات والموانئ وغيرها من مشاريع الهياكل الأساسية التي تمت إحاطتها بخدمات على مستوى جيد ، كما أنجزت شبكة واسعة من الاتصالات الحديثة توفر أرقى خدمات وتقنيات الاتصالات في العالم . ولم يكن في الإمارات العربية المتحدة عند قيامها عام 1971 سوى ثلاثة مطارات صغيرة ، أما اليوم فإنها تطل على العالم من خلال ستة مطارات دولية . تستوعب طاقتها نحو (16 مليوناً و500 ألف) راكب في العام ، كما توجد على امتداد سواحل الإمارات العشرات من الموانئ البحرية تتعامل مع نحو (70 مليون) طن من البضائع والسلع سنوياً . وتنتشر منذ بضع سنوات تسع محطات للأقمار الصناعية تتبع مؤسسة الإمارات للاتصالات منذ إطلاق أول قمر صناعي عام 1999م ليغطي بخدماته نحو ( 93 دولة) ويوفر ( 2.8 مليون ) خط هاتفي جديد . وتوفر اتصالات قبل أكثر من عشرة أعوام خدمات الهواتف الثابتة لأكثر من ( مليون و20 ألف ) مشترك ، والهواتف المتحركة لـــــ (مليون و 428 ألف) مشترك ، وخدمة الإنترنت لنحو( 250 ألف ) مشترك ، وزادت هذه الخدمات وتنوعت الآن بشكل كبير جداً ومتسارع ، كما توفر الهيئة العامة للبريد الخدمات الحديثة من خلال(61) مكتباً ، و(191) وكالة بريدية في الإمارات العربية المتحدة.
في بداية السبعينات لم يكن حجم الأراضي المزروعة يتعدى ( 118 ألف ) دونم ، ولكنها بلغت في منتصف التسعينات نحو( 724 ألفاً ) مقتربة من تحقيق الاكتفاء الذاتي . وتطور الناتج المحلي الإجمالي في مجال الزراعة والثروة السمكية من ( 116 ألف درهم ) عام 1972م إلى (3328000 درهم ) عام 1994م ، وأصبح في الإمارات العربية المتحدة وقتها ما يزيد على ( 20 مليون ) نخلة ، حيث نجحت الدولة في تحقيق التنمية الزراعية إذ احتلت مكاناً بارزاً في خطط التنمية التي بلور الشيخ زايد استراتيجيتها عام 1973م داعياً إلى التنمية الزراعية ما أدى إلى تحول الإمارات العربية المتحدة إلى دولة زراعية رغم وقوعها في قلب الإقليم الأكثر جفافاً في العالم ، وأسهم القطاع الزراعي بنحو( 7 مليارات ) و( 170 مليون ) درهم في الناتج الإجمالي المحلي وبنسبة (4.4 % ) خلال العام 2001م .
لقد أصبحت تجربة الإمارات العربية المتحدة في الزراعة والتشجير من التجارب الرائدة في العالم من خلال إمكانية تحويل مناطق صحراوية قاحلة إلى أرض زراعية خضراء منتجة ، وأسهمت المشروعات الكبيرة التي نفذتها لحماية البيئة والتشجير وإقامة المحميات الطبيعية في التوازن البيئي ومكافحة التصحر عن طريق مضاعفة المساحات الخضراء وإقامة مشاريع الغابات ، ما أدى إلى توفير بيئة صحية نظيفة وتقليل نسبة الرطوبة وشرعت الدولة في وضع خطط لتنمية الصناعة الوطنية وتنمية استثمار الموارد الطبيعية .
واتجهت الإمارات العربية المتحدة منذ قيامها إلى تطوير الصناعات كأحد المجالات التكاملية المساعدة على نمو الاقتصاد الوطني . ووضع حكام البلاد، قواعد سياسة نفطية تضمن الاستثمار الأمثل لعائداته في عملية التنمية الشاملة ؛ ومع بداية السبعينات شهدت توسعاً في الصناعات الصغيرة والمتوسطة المرتبطة بالحركة الإنشائية والعمرانية ، ثم انتقلت إلى المشروعات الصناعية الكبرى التي تقوم على النفط والغاز الطبيعي كمادة أولية ، وحققت فيما بعد الصناعات التحويلية زيادة مستمرة في الناتج المحلي الإجمالي أدت إلى تكوين قاعدة صناعية تقلل من الاعتماد على عائدات النفط الخام وتقلل من حجم الواردات من الخارج ، ما أدى إلى امتلاك قطاع صناعي متطور استخدمت فيه الأساليب الحديثة منتِجاً مجموعة متنوعة من السلع والصناعات منها : صناعة الإسمنت والطابوق والجير والألمنيوم ، والمياه المعدنية والمشروبات الغازية والأدوية والأسمدة والدقيق ، والملابس الجاهزة ومستلزمات الديكور، وأقامت الدولة المناطق الصناعية وقدمت تسهيلات كبيرة للمستثمرين المحليين والأجانب ، ونجحت سياسة الدولة في بناء اقتصاد متنوع الموارد له مقومات الاستمرارية ، حيث ارتفع حجم الناتج المحلي للقطاعات غير النفطية من( 151 مليار ) درهم عام 1999م إلى( 160 مليار ) عام 2000م . وارتفعت مساهمة الصناعات التحويلية في الناتج المحلي من( 9.5 مليار) درهم في عام 1995م إلى( 34.5 مليار) عام 2000م . وبلغ عدد إجمالي المنشآت الصناعية خلال العام 2001م ما مجموعه 2512 منشأة ، ويصل حجم استثمارها نحو (24 مليار) درهم . وبوجه عام فقد ارتفع الناتج المحلي من( 6.5 مليار ) درهم عام 1972م إلى( 242 مليار) عام 2000م ، وهذا بدوره انعكس على المستوى المعاشي للأفراد .
تعد التجربة الاماراتية في مجال التنمية الشاملة تجربة رائدة على كافة المستويات سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، لما لها من اثار واضحة وشاخصه للعيان من خلال دراسة ومعايشة المجتمع عاشتها الباحثة (م.م حوراء الياسري) ، فتظهر لنا هذه التنمية وخططها بشكل واضح ويشمل جميع مفاصل ومكونات المجتمع دون استثناء وتعد تجربتها الالكترونية – الرقمية – في ادارة مؤسساتها وتوفير الخدمات بكل سهوله ويسر لمواطنيها نقطة انطلاقة لما بعد الالكترونية والمتمثلة بالحكومة الذكية التي قد تسبق بها حتى الدول الاوربية المروجة لمثل هذه المشاريع ، اضافة الى انفتاحه الكامل من اجل ازهار وتنمية بنيتها التحتية بغض النظر عن الدين او القومية او البلد ويعتبر هذا عنصراً اساسياً في نجاح تنميتها الشاملة واهتمامها الاول والاخير بالفرد – الانسان – لكونه الاساس في هذه العملية التنموية الشاملة وهي بذلك قد فاقت العديد من الدول العربي .