م. د روافد الطيار
باحثة في قسم الدراسات القانونية
مركز الدراسات الاستراتيجية/ جامعة كربلاء
أيلول-سبتمبر 2019
مفهوم الكوتا ليس بالمفهوم جديد الظهور، حيث يعود اصله التاريخي الى مفهوم نظام المحاصة، كما يطلق عليها البعض من المختصين بالقانون الدستوري، أو الكوتا إلى مصطلح (الإجراء الإيجابي) AFFIRMATIVE ACTS والذي أستخدم لأول مرة في الولايات المتحدة الامريكية كنوع من السياسة التعويضية للجماعات أو الفئات المهمشة أما من قبل السلطات الحاكمة أو من قبل أصحاب العمل في القطاع الخاص . وقد كان في الأصل ناجما عن حركة الحقوق المدنية ويتصل بالأقلية السوداء في أمريكا وقد أطلقه لأول مرة الرئيس الامريكي (كنيدي) سنة 1961 وتبعه الرئيس جونسون في برنامجه الذي كان يمثل جزء من الحرب على الفقر في بداية عام 1965، فتم تطبيق نظام حصص نسبية (الكوتا) يلزم الجهات تخصيص نسبة معينة من الطلاب المقبولين فيها الذين ينتمون إلى أقليات أثنية، ثم طالبت به جماعات أخرى مثل الحركة النسائية ، كما أنتشر في بلدان أخرى كانت تشعر فيها الأقليات بأنها محرومة من حقوقها.
ويمكن استنادا لما سبق تعريف نظام المحاصة أوالكوتا التمثيلية (بأنه تخصيص عدد من مقاعد المجالس التمثيلية الوطنية والإقليمية والمحلية للفئات التي تعد محرومة من حقوقها السياسية، أي أن يكون لهذه الفئات حصة في عضوية السلطة التشريعية والتمثيلية على سبيل الوجوب والإلزام بحيث لا تكتسب هذه المجالس النيابية الصفة الدستورية والمشروعية ما لم يكن بين أعضائها عدد منهم) .
واستنادا إلى قانون انتخابات مجالس المحافظات والاقضية رقم (12) لسنة 2018 المعدل فقد أخذ المشرع العراقي بنظام المحاصة أو الكوتا لفئتين: الاولى المكونات الدينية والتي تعد من الاقليات في العراق كالمسيح والايزيدين والصابئين وفق المادة (15/اولا) ” أولاً:- تخصص المقاعد الآتية للمكونات المبينة ازاء كل مكون ضمن مقاعد مجالس المحافظات غير المنتظمة في اقليم :-
أ. (٣ ) ثلاثة مقاعد للمسيحيين والصابئة المندائيين والكورد الفيليين لكل مكون مقعد واحد في بغداد .
ب. (٣ ) ثلاثة مقاعد لكل من المسيحيين والايزيديين والشبك لكل مكون مقعد واحد في نينوى.
جـ. (١ ) مقعد واحد للمسيحيين في البصرة .
د. (١ ) مقعد واحد للكورد الفيليين في واسط .
هـ. (١ ) مقعد واحد للصابئة المندائيين في ميسان “.
وبذلك تعد هذه المقاعد مخصصة للأقليات في المجتمع العراقي وذلك للحفاظ على حقوقها، وضمان تمثيلها في مجالس المحافظات. فهم أدرى بمطالب تلك الفئات ومشاكلها، لذلك كان من الضروري تخصيص مقاعد لهم داخل مجالس المحافظات.
أما الفئة الثانية التي ذكرها المشرع العراقي هي النساء والذي أطلق عليها مصطلح (الكوتا النسائية) وهذا ما سنبحثه بشكل موسع ومن أكثر من جانب وكما يأتي :
– مبررات نظام الكوتا النسائية:
يمكن الرجوع لأكثر من مبرر أو سبب يساند تطبيق نظام الكوتا النسائية في المجالس المنتخبة وهي:
- العدالة، فعدد النساء في أي مجتمع يقترب من النصف إن لم يكن يزيد في بعض الحالات، ولذلك فإنه ليس من العدالة في شيء أن يحرم نصف المجتمع من التمثيل في المجالس النيابية على كافة مستوياتها.
- تمثيل المصالح، الذي ينطلق من تصور النظام السياسي بكونه ينقسم إلى جماعات ذات مصالح متباينة، وأن دور الهيئات النيابية هو إفساح المجال للتعبير عن هذه المصالح، وإيجاد السبل الخاصة للتوفيق بين هذه المصالح.
- إن تخصيص مقاعد للنساء في المجالس النيابية يعطي أنموذجا للمشاركة السياسية الفعالة جدير بالإقتداء يكمن بدوره في زيادة المشاركة السياسية للنساء .
وفي دراسة قيمة أعدها الاتحاد البرلماني الدولي عام 1992، حول ممارسة النساء للسلطة السياسية، وردت الإشارة إلى أن التشريع الداخلي لكافة الدول تقريبا يؤكد على حق المرأة في الترشيح والانتخاب، وبدون أي تمييز عن الرجل.
وقد اقترح نظام “المحاصة أو الكوتا” خلال المؤتمر العالمي الرابع للمرأة، في بكين عام 1995، كآلية يمكن إستخدامها كحل مرحلي لمشكلة ضعف مشاركة النساء في الحياة السياسية وعزوفهن عن المشاركة في مراكز صنع القرار، وللحد من الإقصاء وعدم تمثيلهن أو ضعف هذا التمثيل.
وبالرغم من ذلك فما تزال النساء يعانين من التفرقة والتمييز في غالبية المجتمعات للعديد من الأسباب الاجتماعية والثقافية والاقتصادية وحتى الدينية، ومن هنا كانت التوصية بتبني مفهوم التمييز الايجابي والذي مؤداه أن تعطى النساء نوعا من المساعدة المؤسسية – ضمن غيرها من المساعدات – للتعويض عن التمييز الفعلي الذي يعانين منه، على أن يكون ذلك بصورة مؤقتة حتى يتم تحقيق التوازن العادل بينهن وبين الرجال.
– أشكال أنظمة الكوتا:
يطبق نظام الكوتا، بأكثر من شكل لتخصيص نسبة للمرأة في التمثيل السياسي، وعلى وجه العموم هناك أربعة أنظمة رئيسة للكوتا وهى الكوتا الدستورية والكوتا القانونية للبرلمان والكوتا القانونية للمجالس المحلية والكوتا الحزبية:
- الكوتا الدستورية:
وهو نظام تخصص بموجبه مقاعد للنساء في البرلمان وينص على ذلك في الوثيقة الدستورية للدولة ويأتي العراق وفرنسا والأرجنتين ورواندا ضمن 14 دولة تأخذ بهذا النظام، وبه حققت رواندا أعلى نسبة تمثيل للمرأة في البرلمان في العالم بنسبة (48.5%).
- الكوتا القانونية:
في هذه الحالة تحدد نسبة النساء في البرلمان بنص في قانون الانتخابات دون ذكرها في الوثيقة الدستورية للدولة ، والدول الأربعة عشر التي تأخذ بنظام الكوتا الدستورية تقع ضمن 32 دولة صدرت فيها قوانين تنص على تخصيص نسبة من المقاعد في البرلمان للنساء ومنها العراق وفرنسا.
- الكوتا القانونية في المجالس المحلية:
هذا النوع من الكوتا ينص عليه في الدستور أو بالقانون، بتخصيص عدد من المقاعد التمثيلية في المجالس المحلية ، وهو مطبق في العراق و فرنسا، حيث خصص نسبة النصف (50%) للنساء في قوائم الأحزاب إذا كان عدد المقاعد ستة مقاعد أو أكثر، حيث تجري الانتخابات المحلية بنظام القوائم، وهذا ما أشار إليه قانون تعزيز المساواة في الوصول للمرأة والرجل الى الولايات الانتخابية والوظائف الانتخابية الصادر عام 2000 في المادة (4 ) منه والتي تشير إلى إن ” كل القوائم تشمل 50 ٪ للمرشحين لكل من الجنسين” والمادة 5 التي تشير إلى ” قائمة كل يوم، فإن الفجوة بين عدد المرشحين من كل جنس قد لا تتجاوز واحد داخل كل مجموعة كاملة من ستة مرشحين من أجل عرض من قائمة وينبغي أن تشمل على عدد متساوي للمرشحين لكل من الجنسين ” .
- نظام الحصة الحزبية:
وفق هذا النظام تلتزم الأحزاب بترشيح نسبة معينة في قوائمها من النساء، وهو التزام اختياري دون تشريع في بعض الدول كايطاليا والنرويج، وإلزامي في الدول التي تجري فيها الانتخابات بنظام القوائم كألمانيا والسويد، ويعد العراق من الدول العربية التي أخذت بهذا النظام بالنسبة للقوائم الانتخابية بالاضافة إلى المغرب والجزائر وتونس.
- المعالجة التشريعية لنظام الكوتا النسائية:
أشار الدستور العراقي لسنة 2005 في المادة 49/ رابعا” إلى الكوتا الدستورية لمجلس النواب العراقي ” يستهدف قانون الانتخابات تحقيق نسبة تمثيل للنساء، لا تقل عن الربع من عدد أعضاء مجلس النواب ” وطبق نظام الكوتا لأول مرة في العراق سنة 2005 على مستوى مجلس النواب العراقي.
إلا إنه لم يذكر في الدستور تحقيق نسبة مماثلة للنساء في المجالس المحلية لذلك نجد الاساس القانوني لهذه الكوتا في القوانين الانتخابية ذاتها، فقد أشار قانون انتخابات مجالس المحافظات والاقضية الحالي إلى الكوتا النسائية في المادة (15) منه ” توزع المقاعد على مرشحي القائمة ويعاد ترتيب المرشحين استناداً لعدد الاصوات التي يحصل عليها المرشح ويكون الفائز الأول هو من يحصل على اكثر عدد من الاصوات ضمن القائمة المفتوحة وهكذا بالنسبة لبقية المرشحين على ان تكون امرأة بعد نهاية آلثلاثة فائزين بغض النظر عن الفائزين مـن الرجال” .
مع أن نسبة الربع المثبتة في القانون المذكور لا ترقى إلى النسبة التي حددها برنامج المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة والقاضي بتحقيق نسبة لتمثيل النساء في أجهزة الدولة العليا لا تقل 30% إلا أن قانون الانتخابات التمثيلية العراقية أوجد طفرة نوعية في مجال تمثيل النساء في المجالس النيابية والتمثيلة للدولة قياسا” بنسبة تمثيلها في برلمانات الدول النامية وحتى المتطورة منها.
– موقف الفقه من نظام الكوتا النسائية
ثار الجدل بين المختصين بالقانون الدستوري بصدد نظام المحاصة أو الكوتا النسائية إلى اتجاهين الأول يعارض هذا النظام والثاني يؤيده ولكل فريق حججه وأسانيده التي تدعم وجهة النظر التي تبناها:
الاتجاه الأول: وهو الاتجاه الأكثر تأييدا، يرى أنصاره أن نظام الكوتا النسائية غير مقبول وذلك لأنه يخل بمبدأ المساواة الذي أقرته الدساتير والوثائق الدولية.
فإذا كان المشرع الدستوري العراقي قد آمن بمبدأ أن لا تقدم للمجتمع العراقي بدون المرأة العراقية واعتنق فكرة تكريم المرأة، حيث تظهر حالات إعلاء شأن المرأة في عدد كثير من النصوص الدستورية . منها ما ورد في ديباجة الدستور العراقي لعام 2005، حيث نصت على ” نحن شعب العراق… عقدنا العزم برجالنا ونسائنا… على احترام قواعد القانون وتحقيق العدل والمساواة… والاهتمام بالمرأة وحقوقها ” إضافة إلى مبدأ المساواة المقرر في المادة 14 ” العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية…” .
إلا أن الدستور قد خالف مبدأ المساواة الذي ذكره عندما منح للنساء في المادة (49 ) منه (كوتا) بحيث لا يكون مجلس النواب دستوريا” ومؤهلا” للقيام بواجباته ما لم يتضمن نسبة 25% من عدد أعضائه من النساء على الأقل .
ومن جهة أخرى يرى معارضو الكوتا النسائية أن المشرع الدستوري إذا كان قد ضمن للمرأة نسبة تمثيل في المجالس النيابية فإنه لم يضمن الالتزام بمعايير الكفاية والخبرة والإخلاص للوطن والقدرة على خدمة البلاد عند اختيار أي مرشحة للبرلمان، وبالتالي فإن فرض هذه النسبة قد يؤدي إلى تراجع تدريجي في مستوى تقبل المجتمع لمشاركة المرأة في العمل السياسي .
أما الاتجاه الثاني فيرى أن اعتماد هذا النظام لمرحلة مؤقتة أقصاها خمسة عشر عاما” في الدول والمجتمعات التي ما تزال تتصف بأنها في مرحلة التحول والانتقال إلى الحداثة كدول العالم الثالث له أهميته في الإسراع بتحسين أوضاع المرأة سياسيا” وإبراز وجودها في مواقع صنع القرار.
وإن نظام الكوتا النسائية يساهم في تعزيز وتفعيل دور المرأة في المجتمع بشكل عام وفي الحياة النيابية التمثيلية بشكل خاص من خلال إعداد كوادر نسائية متمكنة في مجال عمل البرلمان، لأن مجتمعات دول عالم الجنوب مازالت تعاني من قصور في جانب الكوادر النسائية ولا سيما في المجالس النيابية.
وقد لاقى هذا الرأي تأييد المجتمع الدولي، لذلك فقد دعت اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة لعام 1979 إلى اعتماد مبدأ التمييز الايجابي (الكوتا) لصالح المرأة وذلك على اعتبار أن التمييز الايجابي لصالح الفئات الأقل حظا” لا يعد تمييزا” مجحفا” بحق الفئات الأخرى بقدر ما يساعد على الوصول إلى تحقيق المساواة والعدالة بين جميع فئات المجتمع.
ولقد دعا المجلس الاقتصادي والاجتماعي لمنظمة الأمم المتحدة في قراره رقم 15 لسنة 1990 إلى مشاركة المرأة في هياكل السلطة ومواقع صنع القرار بنسبة 30% ، والعمل على تعبئة المجتمع رجالا ونساء وتوعيته للقيام بتغيير المواقف السلبية التميزية ضد المرأة ودورها في صنع القرار وتبني آليات وإجراءات تمكنها من ذلك .
وقد أكد تقرير البعثة الدولية للانتخابات العراقية لمجلس النواب العراقي في 15 كانون الأول 2005. تأييده لهذا النظام قائلا ” أن هذا التشريع يعد من بين التشريعات الأكثر تقدما” في العالم حيث أدى إلى حصول النساء على 25%من مقاعد مجلس النواب ” .
ومن الناحية العملية أدى تطبيق نظام الكوتا في الدول إلى رفع نسبة النساء في البرلمانات، ففي المغرب ارتفعت النسبة من 1% عام 1995 إلى 11% عام 2003 بحيث أصبحت هناك 35 سيدة في البرلمان، وفي الأردن تضاعفت النسبة إلى 2.5% للمدة ذاتها، وفي تونس ارتفعت النسبة من 6.8% إلى 11.5%
من وجهة نظرنا فإن نظام الكوتا النسائية كان خطوة ضرورية ومهمة للعملية السياسية العراقية بعد تغيير النظام السياسي عام 2003 كون ابتدأ عهد سياسي انتخابي جديد وكون المجتمع العراقي انذاك لم يتقبل وجود المرأة في السلطة السياسية والمجالس التمثيلة مع العلم إن النساء تشكل أكثر من نصف سكان العراق وبالتالي فهم يمثلون فئة كبيرة من المجتمع وهذه الفئة لديها مصالح ومتطلبات وحقوق تحتاج لمن يعبر عنها من داخل هذه الفئة.
أما اليوم وبعد مضي أكثر من خمسة عشر عام على العملية السياسية في العراق، فالسؤال الذي يطرح هنا: هل مازال المجتمع العراقي لايتقبل وجود المرأة في مواقع صنع القرار؟ وهل مازالت المرأة بحاجة للكوتا للوصول للمجالس النيابية بغض النظر عن حقيقة كفائتها وفعاليتها في العملية السياسية؟
اليوم وبعد مضي أكثر من خمسة عشر عام وهي فترة كافية لأثبات فكرة إن المرأة جزء أساسي من العملية السياسية لا يمكن أن تنجح بدون وجودها وهي تدور وجودا وعدما معها، إلا إن الامر الذي أصبح غير مقبول من الشارع العراقي هو وجود نساء غير كفوات في العملية السياسية. والكوتا هي السبب الوحيد لوجودها في العملية السياسية، لذلك نقترح على المشرع العراقي أن يراجع تشريعاته الانتخابية بما يضمن وجود كل شخص كفوء في العملية السياسية سواء كان رجلا أم أمرأة.