م.م.حوراء الياسري
قسم الدراسات القانونية
تعد المعارضة حالة ايجابية اذا ما وجدت في اي نظام سياسي لكونها تعتبر الجهة المسؤوله عن مراقبة عمل النظام السياسي وتصيب اخطائه وتحديدها بعد ان تمارس دورها الرقابي بما يحقق المصلحة المرجوه من وجودها .
توصف الانظمة السياسية لدول مجلس التعاون الخليجي بأنها أنظمة دكتاتورية لاتعترف بالرأي والرأي الآخر لكونها تمنع التأسيس للجتمع المدني والاحزاب السياسية وتكاد تخلو من وجود معارضة فعلية ؛ فكلما كان النظام الحاكم ديمقراطياً ويسمح بالتعددية ويتيح المجال للرأي الآخر كانت المعارضة فعالة أكثر وتنتهج الأسلوب السلمي ، والعكس صحيح كلما كان النظام مستبداً ويحل القوة محل الحوار، فإن المعارضة تأخذ أشكالاً سرية تميل إلى العنف من أجل إيصال مطالبها .
عند الحديث عن المعارضة في دول مجلس التعاون لابد من الوقوف على امرين : الاول الخلفية التاريخية لنشوء هذه الجماعات المعارضة ، والثانية طبيعة النظام السياسي والثقافي في كل دولة باعتبارها المسؤولة الأولى عن تحديد طبيعة المعارضة ؛ وبالرغم من الطبيعة السياسية والاجتماعية والثقافية لاغلب المجتمعات الخليجية الا أن التشريع القانوني والدستوري يختلف من حيث السماح لها بالمشاركة وابداء الاراء كما في الكويت ، او استخدام القوة والعنف في منعها من ممارسة دورها كما في البحرين والمملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة .
وتعد دول الخليج ليست استثناء من تلك المعادلة السياسية ، فالساحة السياسية الخليجية تشهد وجود معارضة تتفاوت درجة بروزها وتأثيرها من دولة إلى أخرى وكثر الحديث عن المعارضة ووجودها في الفترة الأخيرة خاصة بعد ثورات الربيع العربي ، أذ بدأ البعض تثار لديه مخاوف من وجود بعض رموز المعارضة الخليجية في الخارج من احتمال أن تقدم قوى خارجية على استخدامها وتوظيفها ضد دولها كما حدث في العراق وما يلوح في الأفق في بعض البلدان العربية وفي مقدمتها الامارات العربية المتحدة وخوفها المستمر من الاخوان المسلمين وعودة بروزهم في المجتمع من جديد .
تعود نشأة الجماعات المعارضة في دول مجلس التعاون الخليجي لفترة العشرينيات من القرن الماضي وكانت بدايتها على يد فئات محددة من التجار والأعيان حيث تكونت لديهم أفكار تنويرية نتيجة أسفارهم واحتكاكهم بالشعوب الأخرى ، وقد كان الجار العراقي بالنسبة للكويت والبحرين نموذجاً في إدارة الدولة الحديثة، فقد لعبت الصحافة العراقية والمدارس وإذاعة قصر الزهور دوراً كبيراً في عملية التنوير التي انعكست على مطالب بعض الإصلاحيين عندما ظهرت حركات المعارضة وتشكلت على إثرها الحركات الإصلاحية الاولى في الكويت والبحرين والامارات العربية المتحدة في فترة متقاربة وذلك في الثلاثينات من القرن العشرين ، أذ تنوعت مطالب المعارضة والتي كانت في أول طور لها معارضة التجار وبالأخص تجار اللؤلؤ الذين طالبوا ببعض الإصلاحات الاقتصادية ومن ثم أخذت المعارضة الشكل السياسي حيث طالب المعارضون بضرورة مشاركتهم في اتخاذ القرارات وضرورة إعادة توزيع الثروة على جميع فئات الشعب بدون احتكار وخاصة مع ظهور النفط وقد شكلت تلك المطالب البداية الحقيقية لنشوء الحركة الدستورية والبرلمانية في الكويت والبحرين .
في ضوء ماتقدم تكاد المعارضة السياسية تنعدم في دول مجلس التعاون وان كانت تحاول جاهدة لممارسة دورها حتى وان كان من الخارج اذ عملت اغلب الانظمة السياسية في دول مجلس التعاون الخليجي على ابعاد قوى المعارضة عن العمل السياسي من خلال الحبس والنفي وابعادهم خارج البلاد خصوصاً بعد حركات الربيع العربي التي حدثت في اغلب البلدان العربية وادت في بعضها الى تغيير انظمتها السياسية كما في مصر وتونس ، لذلك دول مجلس التعاون تتوجس خيفة من انتقال هذه الحركات والاحتجاجات اليها كما حدث في البحرين عندما قمعت حركتها الاحجاجية مع التعتيم الاعلامي لها ؛ أضف لذلك ما قامت به الامارات العربية المتحدة من تقديم مساعدات وعقد اتفاقيات مع الجانب المصري من اجل التعاون للقضاء على الاخوان المسلمين ومنع انتقالهم الى الامارات من جديد بعد انهاء نفوذهم داخل الدولة ، وعليه تبقى المعارضة السياسية شبة معدومة داخلياً في الانظمة السياسية لدول التعاون الخليجي ولكن تمارس دورها من الخارج ووفق أطر لايمكن تجاوزها .