م.مؤيد جبار حسن/ قسم الدراسات الدولية/ مركز الدراسات الاستراتيجية
لا يختلف اثنان على محورية القضية الفلسطينية في ضمير ووجدان الانسان العربي المعاصر، لكن هذا الاجماع شابته السياسة بشوائبها واصبح مذاهب شتى تتبع جهات ومصالح متنوعة ، قد يكون اخر هم ، بعضها ، القدس ودم الفلسطينيين المهدور منذ عشرات السنين.
ان الانتفاضة الاخيرة ، التي ابتدأت بالاعتصام في ردهات القدس الشريف ، مرورا بتهجير اهالي حي شيخ جراح من بيوتهم ، انتهاءا بحرب الصواريخ المتبادلة، تؤشر لعدة نقاط يمكن ايجازها بالاتي:
- القضية الفلسطينية حية في نفوس الفلسطينيين والعرب جميعا ، ولن يزيدها الاجرام الاسرائيلي الا توقدا ، رغم ما تمر به الشعوب العربية من ظروف واحوال سياسية واقتصادية واجتماعية سيئة.
- لا زال الكيان الاسرائيلي يعتمد على حلفائه التقليديين (كالولايات المتحدة ) لمساندته في جميع قراراته ومنها قرار الحرب، يضاف لهم هذه المرة حلفاء خليجيين ، اصحاب صفقة التطبيع الاخيرة ، والذين لاذوا بالصمت وعدم التنديد المعتاد في هكذا مناسبات، وفي بعض الاحيان التنديد بموقف حماس الاخوانية وجلبها الويلات على الشعب الفلسطيني .
- المساندة العربية الجماهيرية تجاوزت العالم الواقعي حيث المظاهرات الداعمة والتجمعات قرب الحدود المشتركة، الى العالم الافتراضي ، حيث تصدرت الهاشتاكات المؤيدة للقضية الفلسطينية والرافضة للعدوان الاسرائيلي، وفي ذلك أشارة واضحة الى أهمية ساحة التواصل الاجتماعي لكسب التعاطف والتضامن .
- اثبتت المعركة الاخيرة ، نجاح حركة حماس في حيازة هذه الكمية الكبيرة من الصواريخ وامتلاكها المبادرة في اطلاقها متى تشاء، ومن طرف اخر ، نجحت اسرائيل ومن خلال القبة الحديدية ، في صد وتدمير الهجمات الصاروخية الفلسطينية بنسب كبيرة جدا، كذلك في توجيه ضربات جوية لاهداف فلسطينية مهمة.
- مع عجز العرب عن مد يد المساعدة المباشرة الى الفلسطينيين ، فقد اعتاد هؤلاء الاعتماد على انفسهم، وهناك بوادر العصيان المسلح في بعض المدن المشتركة ، قد يتصاعد الى ما يشبه حرب العصابات، والتي لن تكون سهلة على الطرفين ، خاصة وان كلا المجتمعين، الفلسطيني والاسرائيلي، قد اعتادا الحرب وتمرسا على السلاح.
- ان الاستخدام السياسي للقضية الفلسطينية من قبل الانظمة في المنطقة (العربية وغير العربية) قد اضر بالقضية اكثر مما نفعها ، فنرى مثلا دولا ترتبط مع دويلة اسرائيل بروابط تجارية عميقة بلغت مليارات الدولارات لكنها تنتقدها سياسيا وتدعوها بالدولة الارهابية، التصريحات الخاصة بالاستهلاك المحلي ، تظهر ايضا لدى العديد من الدول العربية ، المجاورة لاسرائيل والبعيدة عنها كذلك.
ان الهدنة الاخيرة ، تبدو انتصار لكل الاطراف ، الفلسطيني والاسرائيلي ، حتى للطرف المصري الذي توسط لحل النزاع ، باعتباره عودة لدبلوماسية القاهرة وموقعها المحوري من النزاع في الشرق الاوسط. اما النجاح الفلسطيني فهو القدرة على مواجهة ضربات العدو وآلته الحربية والتمكن من تسديد ضربات صاروخية مكثفة ، ان لم تلحق ضرر كبير في البنية الاسرائيلية الا انها زرعت الرعب والخوف في نفوس اليهود في مدنهم ومستوطناتهم التي ظنوها أمنة وبعيدة عن يد حماس وباقي فصائل المقاومة، فتوازن الرعب مكسب كبير ولو جاء على حساب عشرات القتلى الفلسطينيين من اطفال ونساء . اما من الجانب الاخر، فالقبة الحديدية أثبتت نجاحها الكبير في التصدي للهجمات الصاروخية ، ولولاها لسقط عدد كبير من الاسرائيليين .
هذه الهدنة قد لاتكون الاخيرة ، بحكم بقاء الوضع على ماهو عليه، فهناك طرف يحتل ويستولي ويتمدد كل يوم على حساب طرف اخر ، هو الاخر يظن نفسه مالك للارض وله الاسبقية عليها.
