الاطماع الصهيونية في العراق
الكاتب: م. مؤيد جبار حسن/قسم الدراسات الدولية / مركز الدراسات الاستراتيجية
يعد النفط او الذهب الأسود منذ ان وعى الانسان الى أهميته الاستراتيجية ودخوله في تسيير عجلة الصناعة والتطور والعمران، سلعة مطلوبة لا تقوى حتى القوى العظمى عن الاستغناء عنها ، وهنا دخلت الى عالم السياسة بما فيه من صراعات وحروب دامية .
نهم المحتلين الصهاينة لم يتوقف على الاستيلاء على فلسطين فقط بل امتد الى اقاليم باقي الشعوب المجاورة ، كسيناء المصرية التي لم تغب أبدًا عن الفكر الصهيوني، هذا الفكر الذي بدأ يأخذ أشكالاً مؤسسية منذ القرن التاسع عشر، في محاولةٍ لإحياء أرض الميعاد المزعومة. لقد احتلت مصر بشكلٍ عام ـ وسيناء بشكلٍ خاص، موضعًا متميزًا في الفكر التوراتي؛ فمصر هي الأرض التي أتى إليها إبراهيم ويوسف وموسى، أما سيناء على وجه الخصوص فهي أرض التيه ـ دلالة على تشتت اليهود وتيههم في أرض سيناء بعد خروجهم من مصرـ هذا الحدث التاريخي الذي يعبر عنه الفكر التوراتي الصهيوني بأنه تغرُّب بني إسرائيل في سيناء لمدة أربعين سنة وضياعهم في بلاد “التيه”، أي سيناء، حتى وصولهم إلى أرض فلسطين. لذلك يحرص الفكر الصهيوني دائمًا على ادعاء التواجد اليهودي استمراريته في سيناء منذ العهد القديم.
كذلك الجولان السورية التي عدت عمقا إضافيا للدويلة اليهودية بالإضافة الى ما تتمتع به خيرات طبيعية لا غنى عنها .
الاطماع الصهيونية لم تتوقف عند احتلال الأراضي العربية ، بل توسعت نحو الثروات المائية ، اذ إقدام الكيان الصهيوني على مشروعه لتحويل مياه نهر الأردن الذي انعقدت القمة العربية التي دعا لها الرئيس الراحل “جمال عبد الناصر” رداً عليه ، بهدف ري المشروعات الزراعية «الإسرائيلية» في فلسطين ، لا بل ينحدر من الخمسينيات، واستشعار مخاطر التهديد الصهيوني للمياه اللبنانية (مياه نهر الليطاني)، وهو ما كشفت عنه مراسلات ”بن غوريون”، ”موشي شارين” الشهيرة، والتي تضمنت، من جملة ما تضمنت ـ مشاريع «إسرائيلية» للسيطرة على نهر الليطاني وتحويل مجراه إلى شمال فلسطين.
هذا التوجه الفكري العدواني الاقصائي ، المتمثل في الاستيلاء على ثروات الاخرين ونهبها ، كما يفعل قطاع الطرق، حاول اليهود المتصهينين، ربطه بدوافع ووصايا دينية جاءت في كتبهم ومخطوطاتهم .
وفي سبيل تحقيق ذلك ، سعى الكيان الصهيوني الى تمزيق الدول العربية الكبرى ، والتي تجاوره ، عبر شتى سبل ، كبث الخلافات وتغذيتها بين الشعب الواحد ، كالطائفية والقومية والمناطقية، وهذا ما جرى في مصر وسوريا وليبيا والعراق أخيرا .
اما في العراق، فمنذ ان تم اكتشاف النفط فيه منذ نهاية عشرينات القرن الماضي وهو ما تواكب مع تصاعد اهتمام اليهود الصهاينة بإيجاد وطن لهم في قلب العالم الإسلامي أي في فلسطين، زاد الاهتمام الدولي بأهمية بغداد الاستراتيجية.
ومن بين القوى التي اهتمت بالمكانة الاستراتيجية للعراق ، اللوبي اليهودي ، الذي وضع نصب عينه ، التحدي العسكري الذي مثله الجيش العراقي خلال حروب العرب مع الصهاينة ، فكانت القطاعات العراقية رقما صعبا في الهجوم والاستبسال، كذلك التطور العلمي الذي تمثل في الطاقة النووية، مفاعل تموز الذي تم استهدافه أيضا. بالإضافة الى الإرث التاريخي القديم والإسلامي، المتمثل في ان العراق كان منطلقا للهجمات العسكرية التي دمرت مملكة يهودا مرتين ، والعراق أيضا قبلة الإسلام وفيه مراقد ابطال العرب الذين ذلوا اليهود ودكوا حصونهم ، فيما مضى. وسيستمر التركيز اليهودي على العراق عبر ادعاء دعم فئات قومية معينة ، بدعوى تقرير المصير، وهذه تتحكم بالثروات النفطية وتصدرها دون اذن المركز ، والاهتمام سيتزايد فيما لو تم ضم مدن نفطية أخرى لسلطة هؤلاء.
تل أبيب رغم تباهيها بالسلام والتطبيع مع الدول العربية ، الا انها لا تدرك جيدا ان تلك الممالك الخليجية ليست الا اقطاعيات عائلية قبلية لم ولن تشكل أي تهديد حتى لو كان افتراضي على أمن إسرائيل. لكن العراق ، رغم جميع مراحل الضعف التي يمر بها ، الا انه يعد مفتاح التصالح مع جميع العرب والمسلمين ، واذما طبع العراق مع إسرائيل ، لن يبقى لمناهض وثائر ضد الصهيونية من عذر او دافع للمقاومة والوقوف بوجه الاحتلال والعدوان ؛ وهذا ما يعرفه الصهاينة ويؤمنون به .