أ.م.د. حمد جاسم محمد
قسم إدارة الأزمات
مركز الدراسات الاستراتيجية –جامعة كربلاء
11 كانون الاول 2021
تعد إثيوبيا (الحبشة سابقا) من أكبر دول القرن الأفريقي من ناحية المساحة (أكثر من مليون كم2)، ويقطنها (أكثر من 100 مليون نسمة)، وهي دولة غير ساحلية، فهي امبراطورية قديمة وكانت تسيطر على أغلب المنطقة، وقد تعرضت، حالها حال دول افريقيا، إلى الاستعمار الأوربي الحديث، وتعرضت إلى العديد من الأزمات من مجاعات وحروب داخلية وحروب اقليمية، فقدت خلالها ضحايا كبيرة من السكان، وخسرت موارد ايضا، كما أنَّ استقلال ارتيريا حرمها من ساحل على البحر الاحمر. وما يميزها الان هو استمرار الصراع الداخلي والحروب بين الأقليات الاثيوبية، فمنذ سقوط الملكية وإعلان الجمهورية عام 1974، وهي تعاني من صراع داخلي مدمر، وتغير موازين القوى الداخلية بين الاقليات، فقد اسقطت قوات الجبهة الشعبية الثورية الديمقراطية، والتي تسيطر عليها جبهة تحرير تيغراي، نظام الرئيس (منغستو هيلا مريم) عام 1991، وسيطرت على مفاصل الدول والمراكز المهمة، وعلى الرغم من كل ما وصلت إليه إثيوبيا من تقدم في المجال الاقتصادي والبنى التحتية وتوسع علاقاتها الدولية خلال حكم الجبهة، إلا إنّ الصراع الداخلي استمر، ولاسيما مع استمرار تفرد جبهة تحرير تيغراي بالحكم، وظهور أجيال تطالب بمزيد من الحريات والمشاركة في الحكم، وقد اندلعت مظاهرات ولا سيما في العاصمة، قادت إلى تغيير في الحكم وتولي (ابي احمد) رئاسة الوزراء عام 2018، وهو من المعارضين من أقلية الاورومو، والتي تشكل (34%) من سكان إثيوبيا، وقد انتهج سياسة اقتصادية وسياسية تطويرية حقيقية في إثيوبيا، ووسَّع الحريات، وأتاح الفرصة لمشاركة أبناء الأقليات في الحكم، ومنع احتكار السلطة، وأسَّس حزباً عاماً اسماه (حزب الازدهار) عام 2019، خلفًا للجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية، ضمَّ قادة كل الاقليات القومية، ووسع علاقاته الاقليمية، عن طريق إنهاء النزاع الحدودي مع ارتيريا، وعقد عدة اتفاقيات مع جيبوتي وارتيريا والصومال، حول الاستثمار في الموانيء على البحر الاحمر، لتوفير منفذ بحري دائم لإثيوبيا، كما أنَّه وسَّع ايضا من علاقاته مع دول العالم الأخرى، مثل: الصين وروسيا، ولم يَقصرها على دول الغرب. وقد أصبحت إثيوبيا في عهده دولة مهمة في القارة الافريقية.
وتعد منطقة القرن الافريقي ولاسيما إثيوبيا بموقعها وأهميتها، محط أنظار العديد من دول العالم، فقد كانت ساحة للصراع الامريكي السوفيتي سابقا، واليوم ايضا محط تنافس دولي جديد، دخلت فيه دول جديدة بعضها يريد التقرب منها واقامة علاقات معها، للحصول على استثمارات فيها، والاستفادة من موقعها، ومنع القوى الأخرى من الوصول إليها، وبعضها الآخر يخشى من صعودها وتطورها، لتأثير ذلك في أمنهم القومي.
على المستوى الدولي:
تعد إثيوبيا محط أنظار الولايات المتحدة الأميركية والغرب، وهي حجر الزاوية في سياستهم الافريقية، فقد قامت بدور مهم في محاربة التطرف بدعم من دول الغرب، كما أنّها تعد قاعدة اقتصادية مهمة لهم في حماية مصالحهم في افريقيا، وكانت تحصل مقابل ذلك على مساعدات أمريكية كبيرة, لذا فهي تريد إبعاد نفوذ أي دولة اخرى عنها.
أمّا الصين فقد دخلت إلى افريقيا مؤخرا بدافع البحث عن الموارد والأسواق، وأصبحت إثيوبيا الشريك الاقتصادي الأكبر لها، وهي تملك مئات المشاريع الاقتصادية فيها. وتعد إثيوبيا من وجهة نظر الصين نموذجاً ناجحاً على مستوى القارة السمراء، وتدعم الصين إثيوبيا في مجال التسلح، لهذا تحاول دعم حكومتها من أجل استمرار التعاون معها.
أمّا روسيا وهي وريثة الاتحاد السوفيتي السابق، الذي كان يملك وجوداً عسكرياً في إثيوبيا والصومال واليمن الجنوبي، وهو موقع مهم في البحر الاحمر، لهذا فهي تريد استعادة ذلك الدور، وأن يكون لها موطئ قدم في القرن الافريقي، لهذا تحاول أن تكسب إثيوبيا، عن طريق دعمها في مجلس الأمن، ومنع صدور أي قرار دولي ضد حكومة (ابي احمد)، ودعمها في مواجهة حركة جبهة تحرير تيغراي، وهي تتعاون مع الصين في هذا المجال .
على المستوى الاقليمي:
إنَّ دول الاقليم تتغير مواقفها تبعا لتغير الاشخاص الماسكين في السلطة في إثيوبيا. إذ كانت ارتيريا تنظر بعين الشك والريبة إلى إثيوبيا، ودخلت في حرب معها في ظل حكومة الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية 1991-2018، إلا إنَّ تسنم (ابي احمد) السلطة بعد عام 2018، وانهاء الصراع الحدودي المسلح حسب قرار لجنة ترسيم الحدود، واعادة الارضي إلى ارتيريا التي تغير موقفها، وأصبحت داعماً رئيساً للحكومة الاثيوبية، ولاسيما في الصراع الداخلي، إذ تدخلت مباشرة لمصلحة الحكومة الاتحادية برئاسة (ابي احمد) ضد جبهة تحرير تيغراي.
أمّا جيبوتي فهي دولة ضعيفة، وليس لديها مشكلات أو خلافات حدودية مع إثيوبيا، لهذا فهي عززت التعاون الاقتصادي معها، عن طريق فتح موانئها للاستثمارات الاثيوبية، ومرور البضائع إلى إثيوبيا عن طريقها، لتحقيق مكاسب اقتصادية، فهي دولة لا تملك موارد كبيرة لدعم اقتصادها.
أمّا الصومال فبالرغم من انشغالها بحرب أهلية وتفكك بعض أجزائها، واقتصار حكومتها على العاصمة وأجزاء قليلة، إلا إنّها تنظر لاثيوبيا كعدو تقليدي خاضت معه عدة حروب حول الحدود، لاسيما أنّ الصومال تعد اقليم اوغادين جزءاً لا يتجزأ منها محتلا من قبل اثيوبيا، وتنظر إلى استقرار إثيوبيا وقوتها عاملاً مؤثراً فيها، لهذا فهي تدعم حركة تحرير اوغادين الصومالية من اجل استعادتها.
أمّا مصر فإنَّ خلافاتها مع إثيوبيا لا ترتبط بحكومة معينة بل ترتبط بمياه النيل وتدفقها إلى مصر، فقد كانت ومازالت الخلافات بينهما حول انشاء السدود على روافد نهر النيل التي تنبع اغلبها من الهضبة الاثيوبية، ولا سيما الخلاف حول سد النهضة، الذي بدأ العمل به عام 2011 وهو مستمر إلى الآن، وقد وصلت الخلافات الى حد المواجهة المسلحة بتهديد مصر بضرب السد وتدميره، إذ تنظر مصر الى استقرار إثيوبيا وقوتها عامل عدم استقرار لها، عن طريق وجود دعم دولي واقليمي ولاسيما من جانب الصين واسرائيل، ولاسيما في مجال الزراعة وبناء السدود، التي تعدها مصر عامل تهديد لها عن طريق انخفاض حصتها من مياه نهر النيل، لهذا تضغط من اجل اقتسام عادل لمياه نهر النيل، وعقد اتفاق ملزم بعدم الاضرار بحصة مصر، وترى مصر أنَّ الاحداث في اثيوبيا ستكون عامل ضعف لها، ومن ثم سيجبرها ذلك على التراجع عن موقفها المشدد حيال اقتسام مياه نهر النيل مع مصر والسودان.
السودان من جانبها وعلى الرغم من علاقات الجوار بين الدولتين، وعدم وجود خلافات عميقة بينهم، وتأثير عدم الاستقرار في إثيوبيا السلبي في السودان، إلا إنّ ظهور مشكلة الفشقة المتنازع عليها بين الدولتين، القى بضلاله على علاقاتهما. ففي الوقت التي تعدها السودان اراضي تابعة لها، محتلة من قبل مليشيات اثيوبية منذ خمسينات القرن الماضي، وتخالف قرار لجنة ترسيم الحدود عام 1902، فإنّ إثيوبيا تعدها اراضي اثيوبية يجب انهاء ملفها عن طريق المفاوضات، لهذا فقد تغير الموقف بين الدولتين، وأصبحت نظرة السودان إلى قوة اثيوبيا على أنها عامل مؤثر فيها، لهذا فهناك اتهامات اثيوبية مستمرة للسودان بأنَّ هناك مجموعات مسلحة معارضة تنطلق من السودان لزعزعة الاستقرار فيها.
خلاصة القول، إنَّ إثيوبيا بكل ما تضمه من موارد مختلفة وموقع وسكان، هو رهن سياسات داخلية تتأثر بالدعم الاقليمي والدولي، وإنَّ استقرارها واهميتها يتوقفان على علاقاتها مع محيطها الاقليمي، بإنهاء الخلافات من جهة، وفتح أبواب التعاون من جهة أخرى، كذلك فتح مسارات للمصالحة بين الاطراف الداخلية المتصارعة، وابعاد الشكوك، وبناء الثقة، وهو ما يبعد أي تأثير اقليمي دولي عنها. لهذا فإنَّ القوى الاقليمية والدولية تستغل الصراع الداخلي فيها لإجبار حكومة اديس ابابا على تغيير سياستها تبعا لرغباتهم المختلفة.