د. فراس حسين علي الصغار
باحث في قسم إدارة الأزمات
مركز الدراسات الاستراتيجية/ جامعة كربلاء
29 كانون الاول 2021
سيكون عام 2022 في الأغلب عامًا صعبًا على الصعيد الاقتصادي، إذ ستتعرض دول العالم لضغط شديد نتيجة السياسات الجديدة لأكبر اقتصادَين في العالم، هما: سياسة نقدية أميركية أكثر تشددًا، وتباطؤ للنمو في الصين، وقالت مجلة “إيكونوميست” (The Economist) البريطانية، في تقرير لها: إنَّ كلا من الولايات المتحدة والصين تتربعان على عرش الاقتصاد العالمي، وتمثلان معا (40%) من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بسعر صرف السوق، لكن هذين العملاقين يميلان إلى التأثير في الاقتصادات الأخرى بطرق مختلفة.
يعدّ النمو الاقتصادي القوي في أميركا لدى العديد من البلدان الناشئة سيفا ذا حدّين، وغالبا ما يطغى التأثير التوسعي لإنفاق الأسر الأميركية على تأثير سياستها النقدية، نظرا إلى الدور الحاسم للدولار وسندات الخزانة في النظام المالي العالمي، كما ترتبط السياسة النقدية الأميركية الأكثر تشددا في معظم الأحيان بانخفاض شهية المخاطرة عالميا، وتميل تدفقات رأس المال نحو الأسواق الناشئة إلى الانحسار، ويقلل الدولار القوي التدفقات التجارية بسبب دوره في إصدار الفواتير. في المقابل، يعدّ تأثير الصين في الاقتصاد العالمي أكثر وضوحًا، فبكين تصنّف -بهامش كبير- المستهلك الأول عالميا للألمنيوم والفحم والقطن وفول الصويا ومواد أخرى، والمستورد الرئيس لسلع عديدة، لذلك فعندما تتعثر يشعر المصدّرون في أنحاء العالم بالألم.
وترى المجلة أنَّ العام المقبل لن يكون المرة الأولى التي تضطر فيها اقتصادات العالم إلى الإبحار في مياه غادرة كهذه، ففي منتصف عام 2010 تعرضت الأسواق الناشئة الضعيفة للضغط بسبب ارتفاع الدولار، حين سحب الاحتياطي الفدرالي الدعم النقدي المقدم خلال الأزمة المالية العالمية، في حين أدت جولة سيئة من تحرير الأسواق المالية وتشديد الائتمان، إلى حدوث ركود في الصين، لذلك تراجع النمو في هذه الأسواق، باستثناء الصين، من (5.3%) عام 2011 إلى (3.2%) في عام 2015.[i]
يتوقع أن تستمر حالة عدم اليقين في الاقتصاد العالمي خلال العام 2022، إذ يواجه الاقتصاد العالمي تحديات جديدة بدأت تتشكل معالمها الرئيسة في نهاية عام 2021، ولربما تستمر إلى أعوام لاحقة، وسط مخاوف من تفاقم بعضها. وتشير توقعات صندوق النقد الدولي إلى اتجاه الاقتصاد العالمي لتحقيق نسبة نمو تصل إلى (4.9%) خلال العام 2022، مقارنة بنسبة نمو قدّرها الصندوق بـ (5.9%) في 2021.[ii]
وعن أبرز التحديات التي تنتظر الاقتصاد العالمي في العام المقبل، يبرز المتحور “أوميكرون” الذي تسبب في اضطرابات متجددة في العالم، والنشر البطيء للقاحات كورونا، لاسيما في البلدان ذات الدخل المنخفض والدول النامية. والتضخم المستمر الذي دفع البنوك المركزية في مختلف انحاء العالم إلى اتخاذ اجراءات نقدية عاجلة للتقليل من هذا الحدث، وعدَّه حدثًا مؤقتًا سينتهي بوقت قصير، وتشير التوقعات إلى أنّ الاقتصاد العالمي ليس بمنأى عن التباطؤ مجددا رغم الزخم، بسبب أزمة الامدادات التي عانى منها الاقتصاد العالمي خلال الفترة السابقة، كذلك تُضاف إليها التحدي الآخر المتمثل بتوفير مستلزمات المحافظة على البيئة.
- التحديات الصحية:
حافظ الاقتصاديون على توقعاتهم للعام المقبل، لكنهم حذروا من أنَّ متحورات كورونا يمكن أن تعرقل النمو، وشددوا على الحاجة الملحة إلى تطعيم الغالبية العظمى من سكان العالم بسرعة. ففي تشرين الثاني، تلقت الأسواق العالمية صدمة جديدة أدت إلى تأرجحها، وهي انتشار متحور “أوميكرون” الجديد، الذي تكمن خطورته في عدم التأكد بعد من فاعلية اللقاحات المضادة لفيروس كورونا في مواجهته، وقدرتها في السيطرة عليه. وقالت جيتا جوبيناث، كبيرة الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي: “إذا كان للفيروس تأثير ممتد – على المدى المتوسط - فقد يخفض الناتج المحلي الإجمالي العالمي بمقدار تراكمي (5.3) تريليون دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة بالنسبة لتوقعاتنا الحالية”. وأضافت أنّ الأولوية القصوى للسياسة يجب أن تكون ضمانًا لأن يتم تطعيم (40%) من السكان في كل بلد بشكل كامل بحلول هذا العام، و(70%) بحلول منتصف عام 2022. حتى الآن، تم تحصين أقل من (5%) من السكان في البلدان منخفضة الدخل بشكل كامل.[iii]
- ازدياد مستوى التضخم:
تسبب نقص المواد الخام والمدخلات، إلى جانب ارتفاع أسعار الطاقة، في دفع التضخم في منطقة اليورو والولايات المتحدة إلى أعلى مستوياته منذ سنوات عديدة، مما أثار فزع المستثمرين العالميين الذين يخشون أن تضطر البنوك المركزية إلى رفع أسعار الفائدة قبل الأوان لتعديل الأسعار المرتفعة.
من جهته، حذر رئيس الاحتياطي الفدرالي الأميركي جيروم باول، بأنَّ العوامل التي ترفع التضخم في الولايات المتحدة “ستستمر لفترة طويلة العام المقبل”. وتعكس التصريحات التي أدلى بها أمام الكونغرس الامريكي، تزايد قلق رئيس الاحتياطي الفدرالي بشأن الارتفاع الحاد في التضخم هذا العام، والذي أكد مرارا أنَّه مؤقت. وأشار إلى أنَّ التضخم “أعلى بكثير” من هدف بنك الاحتياطي الفدرالي البالغ (2%)، إذ يشير المقياس الذي يعتمده الاحتياطي إلى بلوغه (5%) على امتداد (12) شهرا حتى تشرين الأول. ولفت إلى أنَّ مشكلات سلاسل التزويد جعلت من الصعب على المنتجين تلبية الطلب القوي، ولا سيما على السلع، كما أنَّ الزيادات في أسعار الطاقة والإيجارات تدفع التضخم إلى الارتفاع. وفي أوروبا، أظهرت البيانات الأولية لمكتب الإحصاءات الأوروبية (يوروستات)، تسارع نمو معدل التضخم السنوي بمنطقة اليورو إلى (4.9%) في تشرين الثاني الجاري، عند أعلى مستوى منذ (25) عامًا. وأوضح المكتب في تقرير أنَّ معدل التضخم السنوي في دول المنطقة (19 دولة) ارتفع إلى مستوى (4.1%) في تشرين الأول الماضي. وسجلت أسعار الطاقة ارتفاعًا بنسبة (27.4%) على أساس سنوي في تشرين الثاني الجاري، مقابل زيادة (23.7%) في الشهر السابق.[iv]
- أزمة الامدادات:
[i] (ما الذي يهدد انتعاش الاقتصاد العالمي مجددا؟) مقال منشور على الرابط :
https://www.aljazeera.net/ebusiness/2021/12/2
[ii] (الاقتصاد العالمي في 2022.. “بشائر” و”محاذير” تلوح في الأفق) مقال منشور على الرابط : https://www.skynewsarabia.com/business/1486599
[iii] (في 2022.. الاقتصاد العالمي على أعتاب 5 مشكلات حقيقية) مقال منشور على الرابط: https://www.almayadeen.net/news/economic
[iv] (أوميكرون يزيد المخاطر على نمو الاقتصاد العالمي.. فماذا عن سلاسل التوريد والتضخم؟) مقال منشور على الرابط : https://www.aljazeera.net/ebusiness/2021/11/30