الباحثة : م. هناء جبوري محمد / جامعة كربلاء –مركز الدراسات الاستراتيجية
2/2/2022
إنَّ إنشاء المجلس الدستوري يعد حدثًا ديمقراطيًا،ومنعطفًا دستوريًا في مسار الحياة النيابية، وخطوة مهمة على طريق ترسيخ دولة القانون والمؤسسات، ووسيلة فعّالة لضمان الحقوق والحريات العامة والمبادئ الديمقراطية. وإنَّ إقرار إنشاء المحكمة الاتحادية العليا في العراق، يثبت موافقة السلطة التشريعية على إخضاع القانون للقاعدةالسامية المرسومة في الدستور، على غرار ما عرفته الأنظمة السياسية في الدول العريقة بديمقراطيتها، صونا للدستور وحماية للأقليات السياسية من طغيان الأكثرية، التي بإمكانها تجاوز الحق سواء عن قصد أو عن غير قصد،وذلك لأنّ الديمقراطية ليست حكم الأكثرية ولكنها حكم القانون. إنّ الأسباب التي دعت إلى إنشاء المحكمة الاتحادية العليا في العراق، هو الحاجة إلى توفير المزيد منالضمانات، لحماية الحقوق والحريات التي ينص عليها الدستور، والتي كانت موجودة في الدساتير السابقة، إلّا أنّ وجودها لم يَحُل دون الإخلال بها، ولهذا ظهرت الحاجة إلى إدخال نص في الدستور، يفرض إنشاء هيئة تراقب دستورية القوانين، وتحمي الحقوق والحريات من كل عبث أو إهمال أو انحراف، وكذلك تحصين نظامنا البرلماني والديمقراطي الاتحادي بضمانات دستورية، على غرار الأنظمة العصرية المتطورة، والسعي إلى إقامة دولة القانون في العراق. والسبب الآخر الذي شجع على قيام المحكمة الاتحادية العليا، هو الحرص على مواكبة التيارات والمستجدات الدستورية في العالم، إذ إنَّ الرقابة الدستورية هي من هذه المستجدات، فكل دولة عصرية تملك دستورا ومجموعة من القوانين، يخضع لها الحكام والمواطنون. ولمّا كان الدستور هو الوثيقة الأسمى في الدولة، فإنّ جميع التشريعات التي تصدرها، يجب أن تخضع له وتستمد قواعدها من أصوله ومبادئه. إنّ دولة القانون والمؤسسات التي يطمح إليها العراقيون، تتطلب في المرتبة الأولى ضبط عملية التشريع، والبعد عن المصالح الضيقة عند صياغة القوانين، كما تتطلب ضبط العمليات الانتخابية، وبخاصةالانتخابات النيابية التي تنبثق منها السلطة التشريعية ولاسيما مجلس النواب، إذ إنَّ التقييد بأحكام الدستور والمبادئ الدستورية، وحماية حقوق المواطنين وحرياتهم العامة، يفترض التوسع في الرقابة على دستورية القوانين. لذلك يمكننا القول، بصفة عامة، إنّ المجالس الدستورية أخذت حجما كبيرا في ديمقراطيات ما بعد الحرب العالمية الثانية، كحكم بين السلطتين: التشريعية والتنفيذية، فضلا عن كونها تحول دون قيام السلطة التشريعية بتجاوزها الدستور، كقاعدة وحدود لا تجيز لنفسها ولا لأي سلطة أخرى أن تتجاوزها. والقاضي الدستوري له الريادة في هذه المهمة باجتهاداته، إذ إنّ مساهمة القضاء الدستوري في ضبط مسار القوانين، يكون ضمن الضوابط والضمانات الدستورية، فعن طريق الدور الجديد للقاضي الدستوري، برز مفهوم آخر للدستور كضامن لحقوق المواطنين وحرياتهم، إذ عن طريق هذه الرقابة أصبح الدستور يشكل حجر الأساس في بناء صرح الحريات والحقوق للمواطنين، هذه المتغيرات المتسارعة التي فرضها القاضي الدستوري،عن طريق رقابته الساعية إلى حماية حقوق الإنسان وحرياته. وقد أناط دستور العراق الحالي لعام 2005، مهمة الرقابة على دستورية القوانين، إلى محكمة اسماها المحكمة الاتحادية العليا، ولم يحدد عدد أعضائها، والشروط الواجب توفرها في عضو المحكمة، وأناط الدستور تحديد عددهم وتنظيم طريقة اختيارهم، وكيفية عمل المحكمة إلى قانون يسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب، حسب المادة (92/ثانيا) من دستور 2005، إذ ذكر العموميات المتعلقة بالمحكمة، وترك الأمور التفصيلية المهمة إلى قانون يصدرها لاحقا، ولم يحدد النص الدستوري طريقة تعيين أعضاء المحكمة ورئيسها، ولم يحدد الجهة المختصة بالترشيح، والجهة التي تملك صلاحية تعيينهم، ونرى أنّه كان من الواجب التطرق إلى الأمور المذكورة آنفا في نصوص الدستور، وتوضيحها توضيحا دقيقًا، لأهميتها وخطورتها، لأنّها تتعامل مع أعلى وثيقة قانونية في البلد،وهو الدستور.