أ.م. مؤيد جبار حسن
قسم الدراسات السياسية/ مركز الدراسات الاستراتيجية
أيار 2022
الاحتلال الروسي لأوكرانيا أزمة تتسع كلما طال أمد الحرب، ويتورط فيها العالم أكثر وأكثر، فهل ستدفع الأفعال الاستفزازية زعيم الكرملين، إلى أن ينهج النهج الانتقامي ذاته، الذي قصده قبله الرئيس الأمريكي ترومان قبل (77) عامًا، حين أقرَّ أول هجوم نووي ضد ناكزاكي وهيروشيما، ليكون الهجوم الروسي المتوقع هو الأخير، لكونه سيقدح الحرب النووية الشاملة، التي قد ينخرط فيها الجميع، في مذبحة للجنس البشري على كوكب الارض.
إنَّ حرب الاستنزاف التي أطرافها روسيا من جهة، وأوكرانيا وداعميها من الغرب، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى، مضت عليها الأسابيع من دون حسم عسكري، من طرف ضد طرف آخر، ومن دون التوصل إلى صيغة سلام ترضي أطراف النزاع. وكل ذلك يصب في مصلحة الراغبين، في زيادة معاناة المدنيين الأوكرانيين،واستنزاف الروس بشريًا وماديًا، وزيادة رعب الشعوب الأوربية والأمريكية.
أوكرانيا حاليا أرض حرب ودمار، السيناريو ذاته الذي جرى على الأرض السورية يجري عليها، مع ثبات الفاعلين واختلاف الغايات والنوايا والتوجهات. فالجبهة الأوكرانية تدور في جنباتها رحى حرب ارادات ومصالح، لا ناقة لابن البلد الأصيل فيها ولا جمل، سوى التهجير والفرار من أتون القصف والدمار والقتل المجاني.
وكلما طالت الحرب، وهذا ما يريده البعض، بسكب المزيد من السلاح، داخل الجبهات الأوكرانية الملتهبة، اقتربنا من نهاية صادمة ومؤلمة. فالنظام الروسي لن يتحمل المزيد من العقوبات الاقتصادية، والخسائر العسكرية، والضغط الشعبي الصامت لحد الآن. فإذلال الروس في حديقتهم الخلفية (أوكرانيا)، لن يمر دون ردة فعل عنيفة، قد تتضمن استخدام أسلحة دمار شامل، لتأديب المقاومين الأوكرانيين، ولتعديل كفة الحرب، وإرسال رسالة ملطخة بالدم إلى واشنطن، ودول أوربا الأساسية (لندن، وباريس، وبرلين)، إنَّ الروس سيقتدون بغرمائهم الأمريكان،حين قام رئيسهم انتقاما لكرامة أمريكا، باسقاط قنبلتين على اليابان. ويمكن اعتماد ذات العذر الذياشيع في الداخل الأمريكي، وهو لإنهاء الحرب بأقل الخسائر البشرية.
بالتأكيد لن تكون المدن الأوربية ولا الأمريكية، الهدف الأول للهجوم النووي الروسي المحدود، لكن البداية ستكون في أوكرانيا، وفي مدينة ليست بالرئيسة، وسيكون الهجوم ردة فعل لهجوم سابق، كما في السيناريو الأمريكي، وهجوم اليابانيين على بريل هاربر، لكن التساؤل الأخطر: ماذا ستفعل الدول الغربية حينها؟ هل سترضخ للأمر الواقع، وتفهم جدية الروس في الحفاظ على النطاق الجغرافي لنفوذهم بعيدا عن نفوذ الناتو؟ كيف سيبررون صمتهم امام شعوبهم، بعدما قاموا بتعبئتهم إعلاميا، وكأن القضية بين طرفين، أحدهما يمثل الظلم والدكتاتورية والشيوعية، والطرف الآخر يمثل العالم المتحضر الديمقراطي المسالم! أم سينخرط الجميع في حرب نووية ساحتها الاكبر، في البداية، أوكرانيا، ثم الأهداف الأكثر اهمية حول العالم.
إنَّ الحرب النووية إذا ما وقعت، فلا رابح فيها، والجميع يتشاركون الخسارة نفسها. إنَّه القرار الذي لاعودة بعده، ولا يجدي ندم ولا أسف. وإنَّ انشغالالدول الكبرى في حرب الدمار تلك، سيقوض القوى الصغرى الاقليمية، افتراس ما دونها من الدول والمجتمعات، بعد غياب الرقابة الدولية، واختلال كفة المصالح، وانهيار المثل والمبادئ المتشدق بها. ومما لا شك فيه سيكون العراق، نهبا لدول الجوار، تتقاسمه، كما تتقاسم السباع فرائسها، لأنّه اضعف الحلقات في الشرق الاوسط، ويحمل في داخله عوامل الهدم والتشتت والانقسام والاحتراب، دون مبدأ جامع أو زعيم وطني قائد.
كما سيتحول العالم إلى غابة بالمعنى الفعلي، لا بالمعنى الوصفي الذي نعيشه اليوم. إنَّها حرب الابادة النووية، التي يخشاها مليارات البشر،وزنادها بيد ثلة منهم.