تختلف المجتمعات في معتقداتها وتاريخها القيمي بحسب طبيعة كل مجتمع، وتسير مناسباتها وتحولاتها التاريخية وفق قوالب تلك المعتقدات، وأغلبها تكون ثابتةدون تغيير، وإن حدث تغيير فقد يكون نسبي ومحدود جدا.
أما زيارة الأربعين وهي إحدى المناسبات ذات المعتقد الثابت والمتغير في آن واحد، إذ إنَّ ما يميزها عن غيرها أنّها في نمو وتطور و وتوسع دائم مع ابتعاد الزمن، لعدة أسباب، منها: العمق العقائدي الذي يجذر وجود تلك المناسبة، والموقف الاجتماعي الإنساني الذي يتمحور حول مساعدة القادمين لأدائها، والذي يسهم بأدائها بتكلفة محدودة، كذلك العفوية الكبيرة التي تتميز بها تلك المناسبة، والناتجة عن الموقف الاجتماعي المؤيد والمساند لها.
فعلى الرغم من اختلاف هويات الاشخاص المشاركين فيها من مختلف أنحاء العالم، إلا أن وحدة الجنس البشري الاجتماعية تطغى على ذلك الاختلاف، ويدخل جميع الحاضرين في بوتقة الإطار الإنساني الذي دعا إليه صاحب المناسبة الامام الحسين (عليه السلام)، حتى يصل ذلك التمازج إلى اللاوصف، وتقف أمامه جميع التعبيرات التي تحاول وصفه، وهنا يكمن دور وحدة المجتمع في بناء نفسه وتطوير قدراته، إذا ما أراد أن يبني كيانه الفعلي، داخل بلده، فنجد في هذه المناسبة العظيمة الإخلاص، والوفاء، ونكران الذات، والعمل الدؤوب دون كلل أو ملل، والبذل بمختلف مسمياته، والتسامح،والتعاون بين الجميع، وهذه جميعها دروس أراد لها صاحب المناسبة (عليه السلام) أن تتحقق داخل المجتمع،ليس فقط المسلم إنما جميع البشرية، واستشهد من أجلها، وهو القائل: ” إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ دينٌ، وَكُنْتُمْ لا تَخافُونَ الْمَعادَ، فَكُونُوا أحْرارًا في دُنْياكُمْ“.فالحرية هنا أن يختار المجتمع الطريق السليم الذي يرتقي به ويساعده في تحقيق أهدافه، حتى وإن لم يكن له دين، وإن يكن له دين فهو في أفضل حال.
إنَّ انعكاسات تلك المناسبة اجتماعيا كبيرة جدا، ولها أبعاد قيمية كبيرة يستطيع المجتمع ان يستفيد منها، وأن يتمسك بها دون نسيانها بمجرد انتهاء مدتها، إذا ما أراد كل فرد أن يتمعن بدقة ما يشاهده من صور أخلاقية وتعاونية، ويطبقها في حياته اليومية مع عائلته ومجتمعه، وأن يكون متأطرا بعدة سلوكيات هي: الدين وأحكامه،والخوف من يوم المعاد، والأعراف الاجتماعية، والحرية الذاتية، ونبذ العبودية للغير. فإذا لم يكن للإنسان دين يقوّم سلوكه الاجتماعي، فهناك أعراف اجتماعية، واذا لم تكن له أعراف فله حرية شخصية، فكثير من السلوكيات والأقوال يتنصل عنها الإنسان الصالح، حتى ولو لم ينه عنها الدين أو المجتمع؛ وبذلك نجد بعض الأفراد يمتنعونعن السلوكيات المنبوذة نتيجة ما يفكرون به من تفكير إيجابي، وبحرية مطلقة فيميز الحق من الباطل، والخير من الشر، والصواب من الخطأ؛ فيترفعون عن كثير من المساوئ والعيوب() .
ولو كانت تلك المناسبة دون إحياء وبقيت حبيسة التاريخ لما استفاد منها المجتمع، وان كانت الفائدة نسبية، وفق المحددات الاجتماعية المرجوة في الوصول إلى المدينة الفاضلة، ومن تلك الفائدة تنبع أهمية إحيائها، والمشاركة بها؛ ليرى المرء تلك الصور الإنسانية المهولة التي تساعد في تقويم سلوكه اليومي، ومن ثَمَّ يتحقق الإصلاح المجتمعي والأهداف الفعلية من ثورة عاشوراء المباركة.