م.د. بلسم عباس حمودي
جامعة كربلاء/ مركز الدراسات الاستراتيجية.
أيلول/ 2022
محمد مهدي الجواهري شاعر عربي عراقي، يعد من بين أفضل شعراء العرب في العصر الحديث، تميزت قصائده بالتزام عمود الشعر التقليدي.
نشأ الجواهري في النجف، في أســـرة أكثر رجالها من المشتغلين بالعلـــــم والأدب، ودرس علوم العربية وحفظ كثيرا من الشعر القديم والحديث ولاسيما شعر المتنبي.
يتصف شـــــعر الجواهري بمتن النســـــج في إطناب ووضــــــوح ولاسيما حين يخاطب الجمـــاهير، لا يظهر فيه تأثر بشيء من التيارات الأدبيـــــة الأوربيــة، وتتقاسم موضــــوعاته المناسبات الســياسيـــة والتجارب الشخصـــــية، وتبدو في كثير منها الثورة على التقاليد من ناحيــــــــــــــة، وعلى الأوضـــــــاع السياسية والاجتماعية الفاسدة من ناحية أخرى.
تعد عينيته (آمنت بالحسين) من عيون الشعر العربي الحديث، ومن أهم القصائد التي قيلت في الحسين (عليه السلام) ومن أجمل القصائد العمودية، ألقاها في الحفل الذي أقيم في كربلاء يوم 26 تشرين الثاني 1947 لذكرى استشهاد الإمام الحســــــين (عليه السلام)، ونشـــرت القصيدة في جريدة (الرأي العام) العدد (229) في 30 تشـــــــــرين الثاني 1947. وقد كتبت بمـــــاء الذهب في مرقد الحسين بن علي (عليه السلام).
قصيده الجواهري بحق الامام الحسين (عليه السلام):
فِدَاءً لمثواكَ من مَضْــجَعِ تَنَــــــــــــــوَّرَ بالأبلَـــــجِ الأروَعِ
بأعبقَ من نَفحاتِ الجِنـانِ رُوْحَاً ومن مِسْكِها أَضْـوَعِ
وَرَعْيَاً ليومِكَ يومِ الطُّفوف وسَقْيَاً لأرضِكَ مِن مَصْـرَعِ
وحُزْناً عليكَ بِحَبْسِ النفوس على نَهْجِكَ النَّيِّـــرِ المَهْيَـــع
وصَوْنَاً لمجدِكَ مِنْ أَنْ يُذَال بما أنتَ تأبـاهُ مِنْ مُبْــــدَعِ
فيا أيُّها الوِتْرُ في الخالدِينَ فَـذَّاً إلى الآنَ لم يُشْــــــفَـعِ
ويا عِظَةَ الطامحينَ العِظامِ للاهينَ عن غَـــــدِهِمْ قُنَّـــعِ
تعاليتَ من مُفْزِعٍ للحُتوفِ وبُــــــورِكَ قبـــرُكَ من مَفْـزَعِ
تلــــــــوذُ الدُّهورُ فَمِنْ سُجَّدٍ على جانبيـــــــــــه ومـن رُكَّـعِ
شَمَمْتُ ثَرَاكَ فَهَبَّ النَّسِـــيمُ نَســـــــــــِيـمُ الكَرَامَـةِ مِنْ بَلْقَـعِ
وعَفَّرْتُ خَدِّي بحيثُ استراحَ خَـدٌّ تَفَرَّى ولم يَضْـــــــــــــــــرَعِ
وحيثُ ســنابِكُ خيلِ الطُّغَاةِ جالتْ عليـهِ ولم يَخْشَـــــعِ
وطُفْتُ بقبرِكَ طَوْفَ الخَيَالِ بصومــعـةِ المُلْهَـمِ المُبْـدِعِ
كأنَّ يَدَاً مِنْ وَرَاءِ الضَّرِيحِ حمراء مَبْتُـــورَةَ الإصْبَـــعِ
تَمُدُّ إلى عَالَـمٍ بالخُنُـــــوعِ وَالضَّيْـمِ ذي شَـــرَقٍ مُتْـرَعِ
تَخَبَّطَ في غابــــةٍ أطْبَقَـتْ على مُذْئِبٍ منـه أو مُسْــبِـعِ
لِتُبْدِلَ منهُ جَدِيـبَ الضَّمِيرِ بآخَـرَ مُعْشَــوْشِـبٍ مُمْـــرِعِ
وتدفعَ هذي النفوسَ الصغارَ خوفـاً إلى حَـــــــــــــرَمٍ أَمْنَــــعِ
تعاليتَ من صاعِقٍ يلتظي فَإنْ تَـدْجُ داجِيَــــــــةٌ يَلْمَـعِ
ولم تَبْذُرِ الحَبَّ إثرَ الهشيمِ وقـد حَرَّقَتْــــــــــــهُ ولم تَـزْرَعِ
ولم تُخْلِ أبراجَها في السماء ولم تأتِ أرضـاً ولم تُدْقِـعِ
ولم تَقْطَعِ الشَّرَّ من جِذْمِـهِ وغِـلَّ الضمائـرِ لم تَنْـزعِ
ولم تَصْدِمِ الناسَ فيما هُـمُ عليهِ مِنَ الخُلُـقِ الأوْضَـعِ
فيابنَ البتـولِ وحَسْبِي بِهَا ضَمَاناً على كُلِّ ما أَدَّعِـي
ويابنَ التي لم يَضَعْ مِثْلُها كمِثْلِكِ حَمْـلاً ولم تُرْضِـــــــعِ
ويابنَ البَطِيـنِ بلا بِطْنَـةٍ ويابنَ الفتى الحاسـرِ الأنْـزَعِ
ويا غُصْنَ “هاشِـمَ” لم يَنْفَتِحْ بأزْهَـرَ منـكَ ولم يُفْــــــــــــــرِعِ
ويا واصِلاً من نشيدِ الخُلود خِتَـامَ القصيـدةِ بالمَطْلَـعِ
يَسِيرُ الوَرَى بركابِ الزمانِ مِنْ مُسْتَقِيـمٍ ومــــــــــــــن أظْلَـعِ
وأنتَ تُسَيِّرُ رَكْبَ الخلـودِ مـا تَسْتَجِـدُّ لــهُ يَتْبَـــــــــــــــــــــعِ
تَمَثَّلْتُ يومَكَ في خاطـرِي ورَدَّدْتُ صوتَكَ في مَسْمَعِـي
وَمَحَّصْتُ أمْرَكَ لم أرْتَهِـبْ بِنَقْـــــــــلِ الرُّوَاةِ ولم أُخْـدَعِ
وقُلْتُ لعـلَّ دَوِيَّ السنين بأصـداءِ حادثِـكَ المُفْجِـعِ
وَمَا رَتَّلَ المُخْلِصُونَ الدُّعَاةُ من مُرْسِلِينَ ومنْ سُجَّـعِ
ومِنْ ناثراتٍ عليكَ المساءَ والصُّبْحَ بالشَّعْـرِ والأدْمُـعِ
لعلَّ السياسةَ فيما جَنَـتْ على لاصِـقٍ بِكَ أو مُدَّعِـي
وتشريدَهَا كُلَّ مَنْ يَدَّلِي بِحَبْلٍ لأهْلِيـكَ أو مَقْطَـعِ
لعلَّ لِذاكَ وكَوْنِ الشَّجِيّ وَلُوعَاً بكُـلِّ شَـجٍ مُوْلـعِ
يداً في اصطباغِ حديثِ الحُسَيْن بلونٍ أُرِيـدَ لَـهُ مُمْتِـعِ
وكانتْ وَلَمّا تَزَلْ بَـــرْزَةً يدُ الواثِـقِ المُلْجَأ الألمعـي
صَناعَاً متى ما تُرِدْ خُطَّةً وكيفَ ومهما تُـرِدْ تَصْنَـعِ
ولما أَزَحْتُ طِلاءَ القُرُونِ وسِتْرَ الخِدَاعِ عَنِ المخْـدَعِ
أريدُ “الحقيقةَ” في ذاتِهَـا بغيرِ الطبيعـةِ لم تُطْبَـعِ
وجَدْتُكَ في صورةٍ لـم أُرَعْ بِأَعْظَـمَ منهـا ولا أرْوَعِ
وماذا! أأرْوَعُ مِنْ أنْ يَكُون لَحْمُكَ وَقْفَاً على المِبْضَـعِ
وأنْ تَتَّقِي دونَ ما تَرْتَئـِي ضميرَكَ بالأُسَّـلِ الشُّـرَّعِ
وأن تُطْعِمَ الموتَ خيرَ البنينَ مِنَ الأَكْهَلِيـنَ إلى الرُّضَّـعِ
وخيرَ بني “الأمِّ” مِن هاشِمٍ وخيرَ بني الأب مِنْ تُبَّـعِ
وخيرَ الصِّحابِ بخيرِ الصُّدُورِ كَانُـوا وِقَـاءَكُ ، والأذْرَعِ
وقَدَّسْتُ ذِكراكَ لم انتحِـلْ ثِيَـابَ التُّقَـاةِ ولم أَدَّعِ
تَقَحَّمْتَ صَدْرِي ورَيْبُ الشُّكُوكِ يِضِـجُّ بِجُدْرَانِـهِ الأَرْبَـعِ
وَرَانَ سَحَابٌ صَفِيقُ الحِجَاب عَلَيَّ مِنَ القَلَـقِ المُفْـزِعِ
وَهَبَّتْ رِياحٌ من الطَّيِّبَـاتِ و” الطَّيِّبِيـنَ ” ولم يُقْشَـعِ
إذا ما تَزَحْزَحَ عَنْ مَوْضِعٍ تَأَبَّى وعـادَ إلى مَوْضِـعِ
وجَازَ بِيَ الشَّـكُّ فيما مَعَ الجدودِ إلى الشَّكِّ فيما معي
إلى أن أَقَمْتُ عَلَيْهِ الدَّلِيـلَ مِنْ مبدأٍ بِدَمٍ مُشْبَـعِ
فأسْلَمَ طَوْعَا ً إليكَ القِيَـادَ وَأَعْطَاكَ إذْعَانَـةَ المُهْطِـعِ
فَنَوَّرْتَ ما اظْلَمَّ مِنْ فِكْرَتِي وقَوَّمْتَ ما اعْوَجَّ من أضْلُعِـي
وآمَنْتُ إيمانَ مَنْ لا يَـرَى سِوَى العَقْل في الشَّكِّ مِنْ مَرْجَعِ
بأنَّ (الإباءَ) ووحيَ السَّمَاءِ وفَيْضَ النُّبُوَّةِ ، مِـنْ مَنْبَـعِ
تَجَمَّعُ في (جوهرٍ) خالِصٍ تَنَزَّهَ عن ( عَرَضِ ) المَطْمَـعِ