أ. م. د. حيدر خضير مراد اليساري
باحث مشارك في قسم الدراسات السياسية
مركز الدراسات الاستراتيجية/ جامعة كربلاء
أيلول 2022م
لقد حملت الثورة الحسينية المباركة العديد منالقيم والمبادئ والمعاني والدلالات الانسانية الخالدة، فهي ليست تلك الثورة التي حصلت وقائعها وأحداثها قبل ما يقرب من 1400 عام، وانتهت بشكل طبيعي كما تنتهي أغلب الثورات والمعارك التي حصلت على مر التاريخ الانساني، والتي انطوت صفحتها واندثر ذكرها في الأعم الأغلب، بل هي تمثل استمراراً لخط النبوة المقدس وبها ثبات واستقامة القيم والمبادئ الإنسانية وحقوق الأمة بعد أن عمل المبطلون على إزالتها، ومن ثم فهي ثورة وحركة تصحيحية لإنقاذ الدين وإحياء الشريعة واصلاح الأمة الاسلامية وفق مبادئ وتعاليم الرسالة المحمدية، إذ أدرك الامام الحسين (عليه السلام) بثاقب بصره، أنَّ مستقبل البشرية جمعاء يتوقف على شهادته ودمائه التي روت الأرض بالجهاد والإيثار والتضحية، لتنبت في كل الأزمنة أشخاصًايسيرون على الدرب نفسه الذي سار عليه، لا يرضون بالظلم ولا يقبلون الذل، إذن فالنهضة الحسينية أزلية في استمراريتها، تدعو في أهم مضامينها إلى ضرورة السعي وحتميته نحو الاصلاح، حتى إن بلغت التضحيات ذروتها في كل زمان ومكان، فهي ثورة اصلاحية بكل معانيها ودلالاتها.
وقد أشار الامام الحسين (عليه السلام) إلى هذا الأمر بوضوح تام حينما قال: ” إنّي لم اخرج اشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، أريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي”(1). والإصلاح فيه رؤية عميقة وبعيدة المدى إلى مستقبل الأمة الإسلامية الذي كان الحسين (عليه السلام) يقرأه ويعرف عدم إمكانية الوصول إليه إلا من خلالالتضحية والشهادة، فكان جهاده وتضحيته في العاشر من محرم في كربلاء عام 61هـ/ 680م مناراً للأجيال في مختلف الحقب التاريخية بما جسدته من مبادئ ومثل عليا للإنسانية جمعاء، لذا فالثورة الحسينية تعدّ وبحق أعظم ثورة إصلاحية عرفها التاريخ البشري على سطح الكرة الأرضية، لأنها أحيت المبادئ والقيم الانسانية في نفوس الأجيال المتعاقبة وعقولهم، وتركت أثارها وبصماتها في الفكر الانساني بشكل عام، ولم تنحصر آثارها بطائفة دون أخرى ولا بزمان دون غيره، بل شملت كل أحرار العالم على اختلاف دياناتهم ومعتقداتهم.
وما احوجنا اليوم إلى الإصلاح بمستوياته كافة، بدءاً من إصلاح أنفسنا، وإصلاح مجتمعنا الذي استشرت فيه العديد من الظواهر السلبية، التي تحتاج إلى معالجة حقيقية وفعالة، والتي كانت من نتائج الغزو الثقافي الغربي، والانفتاح الكبير على العالم الخارجي بفعل تطور وسائل التواصل والاتصال كالإنترنت وغيره، وذلك بالتمسك بالقيم والتقاليد والمبادئ الإسلامية الاصيلة، التي عملت مدرسة أهل بيت النبوة (عليهم السلام) على إرساء أسسها، والتأكيد عليها من أجل اصلاح المجتمع وتحقيق الخير والسعادة له.
الهوامش: