الكاتب: امبرين زمان
الناشر: صحيفة المونتيور، 3/تشرين الثاني/ 2022
ترجمة : أ.م. مؤيد جبار حسن
أوضاعا غير مستقرة يشهدها إقليم كردستان العراق، تتزامن مع استهداف عسكري متكرر من إيران وتركيا، في الوقت الذي تسعى فيه حكومة بغداد لإعادة سيطرتها على ملف النفط والغاز في الإقليم. فيما يدفع الفساد المستشري وانعدام الفرص الاقتصادية عددًا متزايدًا من شباب أكراد العراق إلى الفرار من البلاد. وزاد الأمور سوءا هناك، تنامي الصراع بين أكبر حزبين سياسيين – الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود بارزاني والاتحاد الوطني الكردستاني الذي أسسه الراحل جلال طالباني – الخلافمرة أخرى على السلطة والمال، مما أثار مخاوف تجدد الصراع الأهلي الذي هزَّ المنطقة في منتصف التسعينيات.
الملاحظ اليوم أنَّ الأطراف ليست فقط على خلاف بعضهم مع بعض، بل هي غارقة أيضًا في تنافسات داخلية. السيد لاهور طالباني، عضو الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي قاد أجهزة استخبارات محافظة السليمانية، ومجموعة مكافحة الإرهاب المدربة في الولايات المتحدة، أطيح به من قبل أبناء عمومته بافل وقوباد طالباني، في الصيف الماضي، وكان هذا أكثر مظاهر الخلافات الأسرية علنية، والتي ما زالت تغلي داخل سلالتي الطالباني والبارزانيوبينهما.
السيد لاهور طالباني: هو مهندس تحالف الولايات المتحدة مع الأكراد السوريين في الحرب ضد تنظيم داعش الارهابي، ويُنظر إليه في الأوساط الغربية بوصفه شريكًا واضحًا وفعالًا، على الرغم من أنَّه قاسي بعض الاحيان. وعلى الرغم من الانتكاسات الأخيرة، يعتقد البعض أنَّ حياته السياسية قد انتهت، ويراهن آخرون على عودته للحياة السياسية، باعتبار أنّه لا يزال يتمتع بدعم شعبي في مسقط رأسه السليمانية.
وكان أن التقت وكالة المونتيور بالسيد الطالباني، وذلك عندما التقى بالمسؤولين البريطانيين في لندن هذا الأسبوع، وألقى كلمة في مجلس العموم في 1 /تشرين الثاني أمام جمهور حاشد من الأكراد العراقيين بشكل أساسي، وكانت تلك أول مقابلة له مع وسائل الإعلام منذ تخليه عن السلطة، شارك طالباني وجهات نظره حول مجموعة واسعة من القضايا، من الاحتجاجات في إيران إلى التوترات المستمرة في سنجار التي يهيمن عليها الإيزيديون. كما تبادل رئيس المخابرات السابق رؤى فريدة حول قائد فيلق القدس الإيراني المقتول قاسم سليماني وقيصر المخابرات التركي هاكان فيدان. وفيما يأتي النقاط البارزة في المقابلة التي تم تحريرها بشكل طفيف من أجل الوضوح:
1-المونيتور: بصفتك مسؤولاً رفيعًا في جهاز الاستخبارات في حكومة إقليم كردستان، فقد عملت على ملف إيران لسنوات طويلة، وعشت في إيران عندما كنت أصغر سنًا، وتعرف إيران عن كثب. كيف تقيمون الاحتجاجات المستمرة في إيران التي بدأت في أيلول/2022 بعد وفاة المرأة الكردية “ زينا أميني “ على يد شرطة الأخلاق التابعة للنظام؟ هل يمكن أن يؤدي ذلك إلى أي تغيير جوهري في النظام الإيراني وسلوكه؟
طالباني: بالتأكيد هناك فرق بين هذه التظاهرات والتظاهرات السابقة، إنهم متعددو الأعراق، وهم منتشرون في جميع أنحاء البلاد، ويقود النساء والشباب الاحتجاجات، لكن عدم وجود معارضة قوية وموحدة يمكنها توجيه المظاهرات،والعمل كمظلة تجعلها غير مستدامة. إذا رأى النظام هناكأن هذه المظاهرات قد تخرج عن نطاق السيطرة، فسوف يتخذ إجراءات أكثر صرامة.
2-المونيتور: لكن يبدو أنهم بدأوا بالفعل في اتخاذ إجراءات صارمة، ومع ذلك المظاهرات مستمرة.
طالباني: إنهم لا يتصرفون بالقسوة نفسها التي فعلوها في الاحتجاجات السابقة، لأن هناك نساءً وشبابًا منخرطينفي الاحتجاج. لا أعتقد أنَّ النظام أظهر جميع أوراقه بعد. إذا تمكنوا من الحفاظ على استمرار المظاهرات للأشهر القليلة المقبلة، فقد تتمكن المعارضة من تثبيت أقدامها. فأنا أرى بالفعل نوعًا من التعاون بين جماعات المعارضة الكردية، الناس الذين لم يتحدثوا مع بعضهم بعضا، الآن هم يتواصلون ويلتقون. كما أفترض أن هناك أشخاصًا في الخارج يتواصلون بعضهم مع بعض، أكراد وفرس، لكن هذا يعتمد على ما إذا كان بإمكانهم مواصلة التظاهرات على مدى فترة طويلة. هذا هو المفتاح.
3-المونيتور: هناك آليات مختلفة تتحكم بالمشهد هنا. فمن ناحية، هناك غضب عام يشعر به عدد كبير من الإيرانيين تجاه النظام، ويطالبون بالحرية. ومن ناحية أخرى، لديك مظالم خاصة بأكراد إيران. بأي طرق تتقاطع وتتباعد هذه المظالم؟
طالباني: لطالما كانت هناك مظالم في كردستان إيران. لطالما تم قمع الأكراد. لكن الأكراد لم يكونوا قادرين على تغيير الأمور بأنفسهم. لذا فهذه الاحتجاجات تعد فرصة للجميع أن يجتمعوا.
4-المونيتور: هل هناك بعض أوجه الشبه مع ما جرى في العراق عام 1991 ، عندما لعب الأكراد دورًا قياديًا في تنظيم المعارضة؟
طالباني: أيضا كان للشيعة دور قيادي، فالجمر ما زال تحت الرماد.
5-المونيتور: لكن الاختلاف في ذلك الوقت هو أن الأمريكيين كانوا منخرطين إلى حد كبير في جهود تغيير النظام. هل ترى أي احتمال لتدخل غربي في إيران إذا استمرت هذه الاحتجاجات؟
طالباني: بعد عشرة أشهر، ربما. لكن في الوقت الحالي، هناك مفاوضات نووية جارية. لا توجد معارضة موحدة. من سيحل محل النظام الحالي في إيران؟ لا أعتقد أنَّالأمريكيين يريدون المزيد من الفوضى بعد ما حدث في سوريا والعراق. إيران تختلف، وأي اضطراب سيؤثر فيالمنطقة بأكملها. وهنا الجميع الكثير على المحك.
6-المونيتور: من شعارات هذه الاحتجاجات هو “حرية حياة المرأة” وقد صاغه أتباع عبد الله أوجلان وحزب العمال الكردستاني أثناء القتال ضد تنظيم داعش الارهابي. نحن نعلم أنَّ حزب العمال الكردستاني ينشط داخل إيران ولديه فرع إيراني يسمى بيجاك. هل يشارك حزب العمال الكردستاني في المظاهرات؟ هل تحشد المتعاطفين معها ضد النظام؟
طالباني: نعلم أن هناك علاقات بين حزب الحياة الحرة الكردستاني وحزب العمال الكردستاني، وهذا معروف للجميع، على الرغم من أنَّ حزب العمال الكردستاني ينفيه. حزب الحياة الحرة الكردستاني منظم بشكل جيد للغاية داخل البلدات والقرى الكردية داخل إيران. هم على الأرجح الأكثر تنظيماً. يمكن أن يكون هناك تورط حزب الحياة الحرة الكردستاني. لكني لا أتحدث عن الوحدات المرسلة من الجبال إلى المدن. هؤلاء أشخاص موالون لحزب الحياة الحرة الكردستاني يعيشون داخل كردستان الإيرانية ويشاركون في المظاهرات.
7-المونيتور: ما التداعيات المحتملة على كردستان العراق؟ لقد ضربت إيران جماعات المعارضة الكردية الإيرانية داخل كردستان العراق، وفي ذلك رسالة قوية: بأنَّها لن تتسامح مع أي إجراءات لزيادة تعبئة الناس ضد النظام. إلى أي مدى ستكون إيران مستعدة للنيل من تلك الجماعات خارج إيران؟
طالباني: لقد مارسوا بالفعل الكثير من الضغط، وأنا أعلم أنه تم استدعاء فريق من كردستان العراق للذهاب إلى طهران. وكان من بينهم وزير داخلية حكومة إقليم كردستان. الإيرانيون يريدون نزع سلاح هذه الجماعات، وأن يتجمعوا في معسكرات بعيدة عن المدن. على طول الطريق، يريدون تسليمهم إلى دول أجنبية بالطريقة نفسها التي كانت بها منظمة مجاهدي خلق إلى ألبانيا على سبيل المثال. سيكون من المحزن جدًا أن تسلك حكومة إقليم كردستان هذا الطريق، وسيكون من الصعب بالفعل الانسحاب من الناحية اللوجستية. لكن الإيرانيين عنيدون ولاسيما الباسداران [فيلق الحرس الثوري]. لقد حددوا موعدًا نهائيًا لحكومة إقليم كردستان لاتخاذ هذه الخطوات. إنهم عدوانيون للغاية كما رأينا. من الواضح جدا الرسالة التي بعثوها بهجمات الصواريخ والطائرات بدون طيار. ويمكنهم استغلال التوترات المتصاعدة بين الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، لأخذ زمام الأمور بأيديهم مرة أخرى، حيث تنتشر المعارضة الكردية الإيرانية في المناطق التي يسيطر عليها كلا الحزبين.
8-المونيتور: لنتحدث عن تلك التوترات. تحدثت في خطابك في مجلس العموم عن خطر تجدد الصراع الأهلي بين الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني. ماذا يحدث هنا؟
طالباني: هناك خلاف كبير على أسلوب حكم كردستان. لم تعد تجرى هناك اجتماعات سياسية بين الطرفين. كاك قوباد [طالباني] يتحدث ضد كاك مسرور [بارزاني] في المنتدىنفسه. (ملاحظة: يشير إلى منتدى نظمه معهد أبحاث الشرق الأوسط، وهو مركز أبحاث مقره أربيل، انتهى في 2 تشرين الثاني).
انظر، كانت هناك دائمًا مشكلات حقيقية بين الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، لكنني كنت كبش فداء طوال الوقت، حيث ادعى كلا الجانبين أنني كنت المشكلة. بمجرد أن ابتعدت عن الطريق، تم الكشف عن المشكلات الحقيقية، وأدرك الناس أنَّها كانت أعمق من لاهور.
لطالما كان الاتحاد الوطني الكردستاني غير سعيد بالطريقة التي حكم بها الحزب الديمقراطي الكردستاني ولديه اليد العليا في كل شيء. حددنا هذه القضايا في الماضي، وحاولنا حلها عن طريق الحوار مع الحزب الديمقراطي الكردستاني. لكن كان هناك فريق داخل الاتحاد الوطني الكردستاني، كان أقرب إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني، كان يحاول دائمًا إلقاء اللوم على الاتحاد الوطني الكردستاني. لذا فإنَّ هذه الجهود لم تحقق أي شيء.
9-المونيتور: عذرًا، هذه المسألة غير مفهومة، تقول: ألقت مجموعة داخل الاتحاد الوطني الكردستاني اللوم على الاتحاد الوطني الكردستاني؟
طالباني: نعم، بقيادة كاك قوباد، الذي كان مقربًا في ذلك الوقت من فريق الحزب الديمقراطي الكردستاني، وحاول إلقاء اللوم على الاتحاد الوطني الكردستاني. الآن، أخيرًا يعود الأمر إلى أخيه [بافل]، الذي لا يتفق أيضًا مع الحزب الديمقراطي الكردستاني. شعر كاك قوباد أنَّ هذا يقربه من مقصده، لذلك بدأ يتحدث عن هذه المشكلات.
10-المونيتور: هل يمكنك أن تكون أكثر تحديدًا؟ ما المشكلات الرئيسة بين الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني؟
طالباني: هناك نقص في الأموال في السليمانية حاليا. الاتحاد الوطني الكردستاني يلوم الحزب الديمقراطي الكردستاني، لأنه لا يوجد دخل كافٍ من الحدود. والظاهر أنه تم الاتفاق على تخصيص (43٪) من عائدات النفط لأجور موظفي القطاع العام في السليمانية ومناطقها، و (57٪) لأربيل ودهوك. يجب أن تأتي الزيادة في الأجور من الدخل الذي يجمعه المحافظون من الحدود، ومن الإيرادات التي يتم تحصيلها عن طريق الكهرباء والمرافق الأخرى. أعتقد أنَّ الاتحاد الوطني الكردستاني ربما أخطأ في تقدير الأمور عند الموافقة على هذه الصفقة، لأنهم يشعرون أنه لا يوجد دخل كافٍ. لقد توقفت مئات المشاريع في السليمانية بسبب عدم وجود أموال كافية.
كانت هذه اتفاقية بين كاك مسرور وكاك قوباد في الماضي،لكن كاك مسرور يدرك الآن أنَّ الأموال التي يتم جمعها على الحدود على جانب السليمانية، لا تأتي إلى التجمع المركزي لإعادة التوزيع، وأن الكثير منها لم يُحسب. لذلك يقول كاك مسرور: “حسنًا، لست على استعداد لتغطية نفقاتالسليمانية عن طريق الدخل القادم من أربيل ودهوك. الأموال التي يتم جمعها في السليمانية تحتاج إلى أن تعود إلى جيوب الحكومة”. وهذا يجعل الاتحاد الوطني الكردستاني يبدو سيئا للغاية في منطقة السليمانية. يتم دفع الأجور في وقت متأخر، حتى عندما يتم دفعها في الوقت المحدد في أربيل. هذا لم يحدث ابدا في الماضي.
كما كان هناك بعض الأموال في بنوك السليمانية، ربما أكثر من (400) مليون دولار فُقدت واستُبدلت بشيكات أصدرتها البنوك في الماضي، كضمانات لرجال الأعمال الذين تدين لهم البنوك بأموال. لا يوجد مال في البنوك. لقد ذهب!
ثم هناك قضية ضابط المخابرات الكبير الذي تم تفجيره مع زوجته وأولاده في أربيل. قام مجلس الأمن التابع لحكومة إقليم كردستان بالتحقيق مع بعض الأشخاص ومحاسبتهم، وللأسف ثبت أن بعضهم أعضاء في جهاز مكافحة الإرهاب في السليمانية. الاتحاد الوطني الكردستاني غير سعيد بهذا الأمر وأراد حجب المعلومات المتعلقة بالتحقيق عن الجمهور. لكن تم الإعلان عنه في الليلة التي سبقت انتخاب الرئيس [للعراق] مع ظهور الجناة المزعومين على شاشات التلفزيون وقالوا من يقف وراء عمليات القتل. إنَّ مجلس الأمن يسير بكامل طاقته في توجيه اتهامات بأن القتل كان عملاً إرهابياً.
11-المونيتور: هناك من يقول إنَّك أصبحت متعجرفًا، لأنك شعرت أنَّ الأمريكيين يقفون وراءك تمامًا، وأنَّك تصرفت بطريقة غير محترمة، ولا سيما تجاه مسعود بارزاني، الذي هو بعد كل شيء الشخصية القيادية في كردستان العراق.
طالباني: لم أعتمد قط على الأمريكيين في الأمور السياسية. أبداً. من أجل مكافحة الإرهاب. في الحرب ضد الإرهابيين، اعتمدنا بالطبع بشدة على الأمريكيين. لكن في السياسة، حاولت ألا أعتمد أبدًا على أي قوى خارجية. انظر، أعتقد أنَّ زانياري كرئيس [وكالة مخابرات الاتحاد الوطني الكردستاني] ومجموعة مكافحة الإرهاب الأولى كانت تثير استعداء الكثير من الناس، والبلدان المجاورة؛ تركيا وإيران، قد أكون أنا أيضا قد استعديت أناس في الحزب الديمقراطي الكردستاني بمن فيهم كاك مسعود لاكون صادق معك. لكنني شعرت أنه من حقي. كان الاتحاد الوطني الكردستاني يمر بأوقات صعبة للغاية. مام جلال [طالباني] كان مريضا. كانت لدينا مشكلات داخلية. انشقاق الدكتور برهم [صالح] عن الاتحاد الوطنيالكردستاني. خلال كل تلك الفترة، إلى جانب المهمة الصعبة التي كان علي القيام بها في حماية إقليم كردستان وروج آفا [شمال شرق سوريا الخاضع للسيطرة الكردية]. لقد حملت ذلك الوزن الثقيل من الاتحاد الوطني الكردستاني على كتفي، لأنه في ذلك الوقت لم يكن كاك قوباد منخرطًا في أي أمور سياسية، لم يكن كاك بافل حتى في البلاد وكانت والدة بافيل مريضة. لقد تركت مع كل عبء التعامل مع المشكلات الداخلية للاتحاد الوطني الكردستاني، والضغط الخارجي من الحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي عدَّنيتهديدًا، لأنني تجاوزتهم وسافرت إلى روج آفا عندما أغلقوا الحدود مع روج آفا.
12-المونيتور: قلت إنَّك أغضبت بعض جيرانك. عندما قُتل قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في كانون الثاني/ 2020، كانت هناك تكهنات واسعة النطاق بأنك قدمت المعلومات الاستخبارية التي سمحت لهم بالقيام بذلك،وأنَّ هذا هو ما يثبت فشلك.
طالباني: أنا أرفضها تمامًا ورفضتها في السابق. كانت هذه المزاعم جزءًا من حملة تلطيخي وكسب دعم الإيرانيين. وحتى الأتراك اشتركوا فيها بالفعل لهذا بسبب دعمي لروج آفا وأرادوا التأكد من بقاء الإيرانيين إلى جانبهم عندما يتعلق الأمر بمعارضة الأكراد السوريين. لنكن حقيقيين. هل تحتاج الولايات المتحدة حقًا إلى تزويدها بمعلومات استخبارية عن قاسم سليماني؟ طار من بيروت إلى سوريا ومن سوريا إلى العراق. إنه بعيد المنال. أنا أرفض هذه المزاعم تمامًا وأعتقد أن الإيرانيين يدركون أنه لا علاقة لي بها الآن، بالرغم من أنَّ البعض منهم أراد أن يعتقد أنه كان ممكنًا في ذلك الوقت. أعرف أشخاصًا تحدثوا إلى الإيرانيين وهم يعرفون القصة كاملة. يعرفون كيف حدث ذلك.
13-المونيتور: ما تأثير رحيل سليماني على التوازنات الإقليمية؟ هناك فرق بعد مقتله؟
طالباني: نعم! هناك فرق كبير. كان قاسم سليماني مطلعًا جدًا على المنطقة. كان يعرف الناس على أساس فردي. كان يأتي عبر البلاد ، ويطرق أبواب الناس. تحدث اللغة نفسها. على سبيل المثال، كاك مسعود ومام جلال، عرفهما لأكثر من (30) عامًا. إذا جاء عبر المنطقة وسعى للحصول على خدمة شخصية فلن يتمكنوا من رفضها. ليس الأمر نفسه بدونه. وينطبق الشيء نفسه على السياسيين العراقيين الآخرين أيضًا. كان يعرفهم بالاسم.
14-المونيتور: كيف كانت علاقتك به؟
طالباني: التقيت به أربع مرات فقط. في ثلاث من تلك المناسبات تشاجرت معه. في اللقاء الرابع، قبل أسابيع قليلة من وفاته، التقينا في منزل الدكتور برهم في بغداد. كنت صريحًا جدًا معه وقلت “لن يعجبك ما أقوله”. كان برفقة أبو مهدي المهندس وبافل، وكذلك أخي آراس والدكتور برهم. قلت: “لقد كنت صديقا جيدا لعمي [جلال طالباني]، ولكن في المرة الأولى التي تعرفت فيها عليك، تم وصفي بالخائن بين الشعب الكردي بسبب ما حدث في كركوك [في عام 2017]. الطريقة تم تصويره بأننا ساعدنا الجماعات المسلحة العراقية والإيرانيين على أخذ كركوك [من أكراد العراق]، والتزمتم الصمت حيال ذلك. كان من المفترض أن تدعموا الاتحاد الوطني الكردستاني لاستعادة ولاية كركوك، لكنكم لم تفعلوا. وعقدتم صفقة مع مسعود بارزاني، حتى أنك منعت الاتحاد الوطني الكردستاني من الحصول على أي مناصب في الحكومة في بغداد في انتخابات 2018“. أعطيته أمثلة أخرى عندما وقف ضد الاتحاد الوطني الكردستاني. قلت: “عندما ترشح كاك برهم لرئاسة الجمهورية حاولت منعه من المنصب“. كان كاك برهم مضحكًا، فقال: “لا، لا، كان السيد قاسم سليماني داعمًا”، فقال سليماني عني: “لا، إنه محق. كنت ضدك. ثم نهض سليماني وقال إنه آسف لي ثلاث مرات وقال: “كل ما قلته كان صحيحًا” والتفت إلى المهندس، وقال: “عليك أن تذهب إلى السليمانية وتصلح الحواجز مع هؤلاء الرجال”. كانت تربطه به علاقة جيدة لأكون صادقًا معك. كان يضغط من أجل أن يكون الدكتور برهم أمينًا عامًا للاتحاد الوطني الكردستاني، وأن يكون بافل نائباً له. لم أكن حتى في القائمة. هذا جعلني غاضبًا أيضًا، لا يحق له أن يأتي ويقرر من يصبح الأمين العام للاتحاد الوطني الكردستاني ومن يصبح نائباً، بينما كنت أقوم بكل الأعمال.
15-المونيتور: هل يأتي سليماني جديد ويخبرك كيف تدير حزبك؟
طالباني: لا أحد يمكن أن يكون سليماني الجديد، مثلما لن يكون هناك مام جلال آخر. إنه مجرد واحد من هؤلاء الرجال الذين لا يمكن تعويضهم.
16-المونيتور: قلت إن الجار الإقليمي الآخر الذي أغضبتَه هو تركيا. وصفت في محادثتنا السابقة كيف ذهبت إلى أنقرة وتحدثت إلى رئيس المخابرات الوطنية التركية، هاكان فيدان، حول تطوير العلاقات مع الأكراد السوريين؟
طالباني: عندما انخرطت في روج آفا بنصائح من الأمريكيين أيضًا، حاولت إبقاء تركيا على اطلاع بما يحدث. أخبرتهم أن هذه المجموعة من الأكراد السوريين لن تشكل تهديدًا لاستقرار تركيا أو حدودها الوطنية، وأنه سيكون من الأفضل إذا حاولنا بناء علاقة بين الأكراد في روج آفا وأنقرة، والتطلع إلى فتح معبر حدودي بينهما. ولقد أحرزنا بعض التقدم. إذا كنت تتذكر أن [الزعيم الكردي السوري] صالح مسلم كان يذهب بحرية إلى تركيا، ويعقد اجتماعات مع المسؤولين الأتراك خلف الأبواب المغلقة، كانت هناك محادثات بين وحدات حماية الشعب (وحدات حماية الشعب الكردية السورية) في ذلك الوقت والمخابرات العسكرية التركية. لقد نجحنا في ذلك حتى انتخابات 2015 البرلمانية في تركيا، عندما خسر [الرئيس التركي رجب طيب] أردوغان الانتخابات، ولم يكن حزب الشعوب الديمقراطي [الموالي للأكراد] مستعدًا للانضمام إلى أردوغان لتشكيل حكومة. أتذكر آخر مرة كنت في أنقرة أخبرني فيها السيد هاكان فيدان أن الأمر انتهى، وأنهم يرون هؤلاء الأشخاص على أنهم فرع من حزب العمال الكردستاني. لا يوجد فرق.
17-المونيتور: كانت لديكم رسالة لافتة للنظر في مجلس العموم لكل من الأكراد العراقيين والسوريين، مفادها: أن مستقبل أكراد سوريا يكمن في دمشق ومستقبل أكراد العراق في بغداد.
طالباني: أنا أؤمن بذلك لأننا جربنا كل شيء ولم ننجح. حاولنا إجراء استفتاء [على الاستقلال الكردي في 2017] وأدى ذلك إلى نتائج عكسية علينا. لقد فقدنا شركائنا الرئيسين في المنطقة، الصداقات التي بنيناها على مر السنين. لقد فقدنا ثقة شعبنا في الطريقة التي نحكم بها والطريقة التي نتخذ بها قرارات معينة. أعتقد أن مستقبلنا مع العراق، شئنا أم أبينا. هذه حقيقة. إذا أراد بعض السياسيين الترويج لهذه الفكرة القومية، فأنا أختلف معهم تمامًا. أعتقد أنه يتعين علينا الآن التركيز على سبل عيش شعبنا. كيف يمكننا تقديم خدمات أفضل ومعالجة البطالة وتوفير أمن واستقرار أفضل، أعتقد أننا نستطيع تحقيق ذلك عن طريق العراق رغم الخلل السياسي. لا يزال لدينا برلمان نشط للغاية في العراق، ونظام قضائي مستقل على عكس ما في كردستان، للأسف.
18-المونيتور: لكنها أيضًا حكومة موالية لإيران، وكانت هناك فرصة للحصول على شيء مختلف.
طالباني: انظروا، الأكراد تماشوا مع الأمور ولعبوا معها بسبب الديناميكيات الإقليمية وما يحدث في كل مكان من حولنا. أعتقد أنها كانت خطوة حكيمة من قبل الجميع للمشاركة في هذه الحكومة، سواء أكانت مؤيدة لإيران أم لا. كما قلت، فإنَّ الضغط الذي تمارسه تركيا، والضغط الذي تمارسه إيران، والأكراد على الأقل جزء من الحكومة يمكن أن يساعد في تخفيف بعض هذا الضغط.
19-المونيتور: نتحول إلى سنجار، لأنها بؤرة مشتعلة، حيث توجد مجموعة من القوات، بما في ذلك إيران وتركيا، في المعارضة ولا يوجد حل واضح في الأفق. ما الذي يمكن فعله لإصلاح المشكلة وإحلال السلام في سنجار، وقبل كل شيء للشعب اليزيدي الذي طالت معاناته؟
طالباني: أنت تعلم أنه كان هناك اتفاق سنجار بين حكومة إقليم كردستان وبغداد والأمم المتحدة. ولم يشمل اليزيديين الذين يعيشون في سنجار. كانت محاولة عقد صفقة بين بغداد وحكومة إقليم كردستان بشأن سنجار بدون اليزيديين خطأً كبيراً. حاولت نقل هذا إلى (رئيس الوزراء العراقي السابق) مصطفى الكاظمي. قلت له “عليك التعامل مع الناس على الأرض هناك. لا تنسى ما حدث في سنجار عام 2014 عندما هاجمت عصابات داعش. هؤلاء الأشخاص أصيبوا بجروح عميقة ويلقون باللوم على المسؤولين من كردستان لما حدث، والآن أنت تسعى إلى جلب المسؤولين من كردستان لعقد صفقة بشأن سنجار باستثناء ابناء سنجار.. من المستحيل تنفيذها”.
20-المونيتور: هل يعني ذلك إشراك حزب العمال الكردستاني؟
طالباني: ليس حزب العمال الكردستاني، أهل سنجار. حسنًا، حزب العمال الكردستاني موجود هناك لأن حزب العمال الكردستاني هو الوحيد الذي وقف مع سنجار وساعد أبناءها. هربنا من الحكومة الكردية وتركنا اليزيديين بمفردهم. من أخرجهم؟ بقي بعض عناصر حزب العمال الكردستاني وبعض عناصر وحدات حماية الشعب مع الأيزيديين وساعدوهم. كان حزب العمال الكردستاني على استعداد لسحب قواته من سنجار، إذا تم إدراج أهالي سنجار في الصفقة، وقد قمت بنقل هذه الرسالة إلى السيد الكاظمي.
21-المونيتور: هل تعتقد أن تركيا يمكن أن تستولي على سنجار في مرحلة ما مع استمرار التهديد بها؟
طالباني: وكلاء إيران في المنطقة سيجعلون الأمر صعبًا للغاية. إنهم معادون لتركيا وقد أوضحوا ذلك بكل بساطة. لكن ذلك يعتمد على الديناميكيات في المنطقة. إذا استقر العراق سياسيًا فسيكون من الصعب جدًا على تركيا. لكن إذا كان هناك فراغ أمني، فراغ سياسي، فإنَّ تركيا دائمًا ما تكون متمكنة في الاستفادة من هذه الفجوات.
22-المونيتور: هل هاكان فيدان قاسم سليماني الجديد؟
طالباني: هاكان متعلم جيداً وله تأثير كبير في المنطقة. أعتقد أنه يقوم بهذا الدور وأنت تعلم أنه كان صديقًا جيدًا لقاسم سليماني. لقد أعجب بقاسم سليماني.
23-المونيتور: حقًا؟
طالباني: حدثني بنفسه. قال لي ذات مرة “لو كان قاسم سليماني أفضل تعليماً لكان قاد إيران”.
يؤدي هاكان دورًا رئيسًا لتركيا.
24-المونيتور: السؤال الأخير: ماذا ينتظر لاهور طالباني؟
طالباني: خطتي المستقبلية هي مستقبل الشعب الكردي في كردستان. لم أتركهم ورائي رغم كل ما حدث لي من:اتهامات ومحاصرة منزلي [من قبل قوات الأمن] لمدة أربعة أشهر والطلب مني مغادرة البلاد. ما جعلني أتخلف عن الركب هو المعاناة التي يتحملها الأكراد. أنا هناك من أجل الناس، وليس من أجل نفسي. أرى نفسي أقلب الأمور من أجل الشعب الكردي بطريقة أو بأخرى.