م. د حيدر مهدي حداوي
باحث في قسم الدراسات القانونية
مركز الدراسات الاستراتيجية / جامعة كربلاء
ابتداء، إن كان سبب عدم السماح للإدارة بسحب قراراتها السليمة، هو بغية الحفاظ على الحقوق المكتسبة، مع صيانة للمراكز القانونية التي منحها القانون للأفراد, ولكن القضاء الإداري في دول القانون المقارن، كمصر وغيرها، بدوره أجاز سحب القرار الإداري غير المولد للحقوق، أو غير المنشئ لأي مركز قانوني، لأنَّ سحبه لن يمس أحدًا، وستكون رجعية القرار الإداري مجرد رجعية شكلية ظاهرية وليست حقيقية، بل يجوز للإدارة عندها سحب هذا القرار، وفي أي وقت، ومن دون التقيد بميعاد محدد ضمن فترة زمنية معينة تلزم الإدارة للتقيد بها, أي بمعنى أنَّ القرار السليم إن لم يولد حقوقا كمبدأ عام “آثار قانونية للأفراد” يجوز سحبه، ولكن مع ذلك ينبغي لجهة الإدارة هنا عدم التوسع في هذا الباب, لأنَّ فكرة عدم رجعية القرارات الإدارية على الماضي، لا تكون مستندة إلى مجرد فكرة احترام الحقوق المكتسبة والمركز الشخصي فحسب, بل هي كذلك تقوم على اعتبارات أخرى، تتعلق بممارسة الاختصاصات الأخرى الإدارية في حدود القانون, إذ إنَّ ممارسة الاختصاص إنما تكون للمستقبل، ولو فتحنا الباب على مصراعيه فإننا نخشى المحسوبية، بأن يأتي إلينا، في أي وقت من الأوقات، رئيس إداري أو هيئة إدارية، وهو أمر وارد في الوظائف الإدارية، وعندها تكون لهما وجهة نظر معينة في قرار معين، قد فرضه من سبقه في الإدارة، وتقوم بسحبه كسحب قرار إداري صادر بعقوبة موظف لمجرد تمكنه من الترقية، على الرغم من أنَّ وجود تلكم العقوبة كانت مبنية على أسباب جدية لتسوغها, وهنا الباحث بدوره يتفق مع الرأي الفقهي المشار إليه آنفًا، لأنَّ فتح باب سحب القرارات الإدارية بحجة أن لا أحد يتضرر من سحبها، سيفتح الباب واسعا أمام الأهواء والرغبات الذاتية غير الموضوعية، ومن جانب آخر نخشى، وبصريح العبارة، من التحكم الوظيفي والفساد الإداري، ما سيضر من دون شك بمبدأ سير المرافق العامة بانتظام واطراد. ولكون الغاية الأساسية من إقرار نظام انضباط الموظفين، هي ضمان سير المرفق بانتظام وإطراد، بغية تقديم أفضل الخدمات للأفراد