الناشر: The conversation/ 6 شباط 2023.
الكاتب: دونالد روثويل، أستاذ القانون الدولي، الجامعة الوطنية الأسترالية.
تحليل: م. د هناء جبوري محمد / مركز الدراسات الاستراتيجية – جامعة كربلاء.
ترجمة: أ.م. مؤيد جبار حسن، وحدة الترجمة- مركز الدراسات الاستراتيجية.
هل كان البالون الذي ظهر فجأة فوق الولايات المتحدة الأسبوع الماضي لأغراض التجسس، أم أنَّه كان مجرد مشروع بحث علمي، كما زعمت الصين؟
يبدو أنَّ الإجابات عن هذه الأسئلة قد لا تكون معروفة على الفور، إلا أنَّ هناك أمرًا واحدًا واضحًا، وهو أنَّ قضية البالون الصيني اختبرت حدود القانون الدولي.
كما أضافت هذه الحادثة أيضًا مستوى آخر من التعقيد، إلى العلاقات المتوترة بالفعل بين الولايات المتحدة والصين، إذ تمَّ تأجيل زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين إلى بكين. وقد ردت الصين على إسقاط البالون بغضب دبلوماسي.
اختلف الجانبان منذ فترة طويلة حول وجود سفن حربية أمريكية في بحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان، الذي تدعي الصين أنَّه مياهها الخاصة بها، وتعدّه الولايات المتحدة مياهًا دولية. فهل سيكون الهواء هو المجال التالي الذي ستتنافس عليه القوتان الكبريان؟
تاريخ عسكري طويل:
تعد بالونات الهواء الساخن، بصورة عامة، ذات استخدامات مدنية إلى حد ما، لكن لديها أيضًا تاريخًا عسكريًا طويلًا يمتد إلى العصر النابليوني في أوربا، خلال أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، عندما تم استخدامها في مهام المراقبة والقصف، حتى أنَّ قوانين الحرب المبكرة، تضمنت بعض الإجراءات المحددة المصممة لمعالجة الاستخدام العسكري للبالونات أثناء النزاع المسلح.
وحاليا يبدو أنَّ الأهمية العسكرية الحديثة للبالونات أقل من قيمتها، لاسيما في عصر المركبات الجوية غير المأهولة أو الطائرات بدون طيار، والتي أثبتت فعاليتها خلال الحرب الروسية-الأوكرانية.
ومع ذلك، فالبالونات قد لا تكون ذات قيمة من ناحية قدرتها القتالية الحربية، إلا إنَّها تحتفظ بقدرة فريدة على القيام بالمراقبة، لأنَّها تطير على ارتفاعات أعلى من الطائرات، ويمكن أن تظل ثابتة فوق المواقع الحساسة، ويصعب اكتشافها على الرادار، ويمكن كذلك أن تكون مموهة كمركبة طقس مدنية.
من له السيادة على الهواء:
القانون الدولي واضح فيما يتعلق باستخدام هذه البالونات فوق المجال الجوي لدول أخرى، إذ تتمتع كل دولة بالسيادة والسيطرة الكاملة على مياهها، التي تمتد (12) ميلًا بحريًا (حوالي (22) كيلومترًا) من أراضيها، وبالمثل، تتمتع كل دولة “بسيادة كاملة وحصرية على المجال الجوي فوق أراضيها” بموجب الاتفاقيات الدولية، هذا يعني أن كل دولة تتحكم في كل من يريد الوصول إلى مجالها الجوي، والذي يشمل الطائرات التجارية والحكومية.
لكن الحد الأعلى للمجال الجوي السيادي غير مستقر في القانون الدولي، ففي الممارسة الواقعية، يمتد بشكل عام إلى أقصى ارتفاع تعمل فيه الطائرات التجارية والعسكرية، وهو (45000) قدم (حوالي 13.7 كم). ومع ذلك، عملت طائرة الكونكورد الأسرع من الصوت، على ارتفاع (60) ألف قدم (أكثر من 18 كم)، وأفادت التقارير أيضًا أنَّ البالون الصيني يعمل على مسافة (60) ألف قدم.
لا يمتد القانون الدولي إلى المسافة التي تعمل عندها الأقمار الصناعية، والتي يُنظر إليها تقليديًا على أنَّها تقع ضمن مجال قانون الفضاء.
نعم هناك أطر قانونية دولية معمول بها، تسمح بالسعي إلى الحصول على إذن لدخول المجال الجوي للبلد، مثل (اتفاقية شيكاغو) لعام 1944 للطيران المدني الدولي. كما وضعت منظمة الطيران المدني الدولي قواعد إضافية بشأن الوصول إلى المجال الجوي، بما في ذلك بالونات الهواء الساخن، لكنَّها لا تعدّها أنشطة عسكرية.
فيما تمتلك الولايات المتحدة أيضًا “منطقة تحديد الدفاع الجوي” الخاصة بها، وهي إرث من الحرب الباردة، يتطلب دخول جميع الطائرات المجال الجوي الأمريكي التعريف بنفسها. كندا لديها منطقتها السيادية ايضا. وخلال ذروة توترات الحرب الباردة، كانت واشنطن ترد بشكل روتيني على توغل الطائرات المقاتلة السوفيتية، غير المصرح به في المجال الجوي للولايات المتحدة، ولاسيما في القطب الشمالي.
العديد من البلدان والمناطق الأخرى لديها مناطق تحديد دفاع جوي مماثلة، بما في ذلك الصين واليابان وتايوان. تايوان، على سبيل المثال، ترد بشكل روتيني على الطائرات المقاتلة الصينية، التي تقوم بغارات غير مصرح بها داخل مجالها الجوي.
اختبار المياه – والهواء:
لذلك، بالنظر إلى هذه القواعد الدولية الواضحة، استندت الولايات المتحدة إلى أساس قانوني قوي في ردها على البالون الصيني. إذ لم يكن من الممكن إجراء التحليق إلا بإذن من واشنطن، وهو أمر من الواضح أنه لم يتم السعي إليه.
كما حاولت الصين في البداية أن تشير إلى تعطل المنطاد وانجرافه داخل المجال الجوي الأمريكي، بدعوى وجود قوة قاهرة. إذا كان البالون مستقلاً، كان سيعتمد كليًا على أنماط الرياح. ومع ذلك، قال تقرير في مجلة Scientific American: يبدو أنَّ المنطاد يتمتع بمستوى عالٍ من القدرة على المناورة، لاسيما عندما استمر بالتحليق فوق منشآت الدفاع الأمريكية الحساسة في مونتانا.
لقد أبدت واشنطن الكثير من الصبر في التعامل مع التوغل، إلى أن أعطى الرئيس جو بايدن الإذن للطائرات العسكرية بإسقاط البالون، لكنَّ الأمر استغرق بضعة أيام قبل أن يتم ذلك بأمان، دون تعريض المدنيين على الأرض للخطر.
من الواضح أنَّ حادثة البالون ماهي إلا (بالون اختبار) لإدارة بايدن، ومدى استجابة الولايات المتحدة للتصعيد العسكري الصيني المتزايد.
وتحدث أحداث مماثلة بصورة منتظمة داخل بحر الصين الجنوبي، إذ تجري البحرية الأمريكية عمليات حرية الملاحة عبر المياه المتنازع عليها مع بكين، وهناك تتحدى البحرية الصينية الوجود الأمريكي بشدة، كما ردَّت الصين بقوة على وجود طائرات الاستطلاع الأمريكية فوق بحر الصين الجنوبي، مما زاد من مخاطر وقوع حادث قد يشعل صراعًا أوسع.
اللافت في حادثة المنطاد هو أن الصين أكدت وجودها المادي داخل الحدود السيادية لأمريكا. كيفية رد الطرفين في أعقاب ذلك، ستحدد ما إذا كانت التوترات الصينية الأمريكية تزداد سوءًا، وما إذا كان بإمكاننا توقع استفزازات مستقبلية محتملة بين الجانبين في الجو، وكذلك في البحر.
التــحليل:
يشمل اقليم الدولة، بالإضافة إلى عنصري: البر والبحر، عنصرًا ثالثًا هو الجو، الذي يعلو هذين العنصرين الخاضعين لسيادة الدولة. ولم يبدأ الاهتمام بالجو إلا في مطلع القرن العشرين على أثر نجاح المحاولات الأولى للطيران، إذ عكف الفقهاء على دراسة الوضع القانوني للجو، لتحديد ما للدولة من سلطان عليه. وعليه تباينت آراء الفقهاء حول النظام القانوني لطبقات الهواء، التي تعلو إقليم الدولة الأرضي وبحرها الإقليمي، حيث سادت هذا الموضوع ثلاث نظريات: الأولى هي نظرية ” مبدأ حرية الهواء”، والتي تعدّ الهواء حرًا لا يخضع لسلطان الدولة، ومن ثم تكون الملاحة الجوية حرة لطائرات الدول جميعها، أمّا النظرية الثانية فهي نظرية السيادة المطلقة للدولة على الهواء، والتي تقر بسيادة الدولة على مجالها الجوي، الذي يعلو إقليمها بوصفه جزءًا من هذا الاقليم، وتباشر عليه اختصاصاتها كافة التي تمارسها على إقليميها البري والبحري، ويترتب على ذلك أن يكون من حق كل دولة تنظيم استخدام مجالها الجوي، وفقًا لما تراه متفقًا مع مصالحها، فتسمح أو لا تسمح لغيرها من الدول بالمرور فيه حسب ما يتراءى لها. وأخيرًا نظرية المناطق، والتي تقسم الاقليم الجوي إلى منطقتين، فالمنطقة الواقعة على ارتفاع معين من الأرض تخضع لسيادة دولة الاقليم، أمّا الطبقة العليا فتكون حرة مباحة للجميع. ومهما يكن من أمر هذه النظريات، فإنَّ الاتفاقيات الدولية الثنائية والجماعية، قد اعترفت للدولة بالسيادة على طبقات الهواء التي تعلو إقليمها الأرضي وبحرها الإقليمي. ومنها اتفاقية باريس لعام 1919 واتفاقية شيكاغو لعام 1944. وتعد حادثة المنطاد الصيني أكثر الحوادث صلة بهذا الموضوع، إذ اخترق المنطاد الأجواء الأمريكية من دون إذن مسبق، مما دفع الجانب الأمريكي إلى اسقاطه، حيث يمكن القول ووفق الاتفاقيات الدولية المشار إليها سابقًا، إنَّه في حال اخترقت إحدى الطائرات أو المناطيد الأجنبية، الأجواء الوطنية لدولة ما وتم اسقاطها بمضاداتها الجوية أو بطائراتها، فلا يمكن للدولة مالكة الطائرة أو المنطاد، أن تحتج على استخدام القوة من قبل الدولة التي خُرقت أجواءها، مع الأخذ بعين الاعتبار عدم اسقاط الطائرات المدنية، وذلك حفاظًا على الأرواح البشرية ، أمّا الطائرات الحربية أو المناطيد المستخدمة لأغراض حربية، كما في الحالة الصينية فيتم اسقاطه.
المنطاد الصيني تسبب في توترات دبلوماسية، وزعم الجيشان الأمريكي والكندي، أنَّه كان جهاز مراقبة، في حين زعمت الحكومة الصينية أنَّ منطادها مدني وللأبحاث والارصاد الجوية، خرج عن مساره بفعل الرياح، ومرَّ فوق الاسكا، وغرب كندا، والولايات الامريكية المجاورة، عبر مونتا وميزوري، وبعد التأكد من ثبوت اختراق المنطاد وبشكل لا لبس فيه لمجالها الجوي، قامت القوات الجوية الأمريكية باستخدام القوة لإسقاطه، في 4 شباط بأمر من الرئيس جو بايدن، كونه خرق الأجواء الوطنية.
https://theconversation.com/did-chinas-balloon-violate-international-law-199271