أ.م. علي مرد النصراوي / قسم إدارة الأزمات
يمثل التداول السلمي للسلطة إحدى أهم ركائز الديمقراطية، وهذا التداول مبني على أسس عدة يأتي في مقدمتها الانتخابات، وهي الأداة الأكثر شيوعاً في ترسيخ هذا التداول، فضلا عن ذلك موضوع الشرعية، إذ إنَّ هدف الحكام هو الحصول على شرعية التمثيل، ويعرفها (ماكس فيبر) بأنها: قدرة السلطة السياسية على اكتساب الاعتراف بها، وعلى النظر إليها بصفتها المعبرة عن مصالح الأفراد، لأنَّها تشمل مواقف الأفراد تجاه النظام السياسي، وسياسات الحكومة وقوانينها ومؤسساتها، فيمكن أن يكون النظام السياسي على مستوى مرتفع من الشرعية، حينما يرى المواطنون أنَّ الحكومة لها الحق في أن تعمل ما تعمله، ويمكن أن تكون السلطة السياسية على مستوى منخفض من الشرعية، حينما يرون أنَّ الحكومة خاطئة في ما تعمله، فهي في جانبها هذا ترتبط بالقيم والمعتقدات والمبادئ التي يمثلها النظام، والتي يجب أن لا تتعارض مع القيم والمعتقدات التي يحملها المواطنون، لذلك تحتاج الانتخابات إلى تحقيق الشرعية وأن لا تكون شكلية، وهذا يتطلب شروطًا وشرائط لإنجاحها، إذ إنَّ غالبية دول العالم تجري فيها انتخابات، وحتى بعض الأنظمة الديكتاتورية، إلا إنَّها تكون فارغة من محتواها وشكلية، لذلك يصار لإعادة انتخاب ذات الوجوه عبر الترهيب والتزوير، والحديث هنا عن الأنظمة الدكتاتورية .
لذلك في الأنظمة الديمقراطية أو التي هي في طريق التحول، تشتد الحالة عند الانتخابات بعدَّها الوسيلة التي تسهم بفوز جهة على حساب أخرى، والأمر مرتبط بقانون الانتخابات والأحزاب والتعددية السياسية وحرية الرأي وما شابه، وكلما كانت هناك حرية مشاركة وحرية اختيار تحققت نسبة أعلى من الشرعية، والعراق في ظل التحول الديمقراطي بعد عام 2003، شهد عدة عمليات انتخابية وسط تفاوت في نسب المشاركة، واختلاف في القوانين الانتخابية ربما في كل دورة انتخابية، وغياب الاستقرار، هذا سببه انعدام الثقة ما بين الكتل السياسية والقواعد الشعبية، إذ إنَّ كلَّ من فاز في الانتخابات، يحاول تغيير القانون الانتخابي بما يخدم مصالحه، ويضمن له إعادة التمثيل، وهذا يفقد قدرة الناخب على اتخاذ القرار الصائب، تارةً قائمة مغلقة وبعدها مفتوحة ومن ثم دوامة الدائرة الواحدة ومن ثم الدوائر المتعددة ايضاً القانون بحد ذاته مرة سانت ليغو وبعدها سانت ليغو المعدل ومن ثم القاسم الانتخابي وغيرها، فتغيير القوانين الانتخابية يفقد الاستقرار ويفقد الوعي الانتخابي، ومن ثم ينعكس على مخرجات العملية الانتخابية، والدخول بفوضى وصعوبة تشكيل الحكومات، التي تجاوز بعضها مدة عام كامل حتى جرى التوافق على تشكيلها.
والأسباب هنا كثيرة إلا إنَّ حداثة التجربة، وطبيعة التغيير الذي جرى، والتأثير الخارجي، واستيراد تجارب أخرى نجحت في بلدان، لكونها تتلاءم وطبيعة البيئة والمجتمع، ليس بالضرورة أن تنجح في العراق ذات التنوع في كل شيء، فضلا عن كونه لم يشهد استقرارًا منذ زمن، مع كل هذه الحروب والدكتاتورية، والتغيير حدث بعامل خارجي وآلة الحرب، والأفضل هنا هو مراعاة بنية المجتمع العراقي وطبيعته وبيئته، وايجاد قانون انتخابي يولد مخرجات صحيحة، لكون الوضع لا يتحمل المزيد من التراجع، فالقانون الانتخابي العادل يضمن المشاركة السياسية، ويضمن عدالة، ويضمن مخرجات جيدة تسهم في تصحيح الأوضاع، فالعودة إلى قوانين جرى تجربة عدم جديتها، وولدت ردود فعل وتظاهرات لا تخدم طبيعة المرحلة، وقد تعيد العراق لدائرة الاحتجاجات، واستفزاز بعض القوى السياسية ذات الأثر الكبير، والقدرة على تحريك الشارع، فالحل يكمن في قانون انتخابي عادل، يحقق قدرًا كبيرًا من الرضا المجتمعي يتلاءم ووضع العراق، من حيث التجربة والبيئة والفواعل الداخلية.
جدلية القانون الانتخابي الأصلح في العراق
التعليقات على جدلية القانون الانتخابي الأصلح في العراق مغلقة