أ.م. علي مراد النصراوي / قسم إدارة الأزمات
خاض حزب الله معارك عدة مع الاحتلال الاسرائيلي، وصولاً إلى حرب عام 2006 وما نتج عنها من استعراض للقوة، ودخول الصواريخ على خط المواجهة، التي عدّها الحزب أحد أهم عوامل الردع، مع ذلك وبالرغم من حدوث مناوشات حدودية في الجنوب اللبناني، إلا إنَّها سرعان ما يجري احتوائها في توجه نحو التهدئة من الطرفين، في حين يستمر الاحتلال الاسرائيلي بتعزيز الجبهات وتكثيف المراقبة ورصد أي نشاط عسكري في المنطقة، وقد جرى استهداف العديد من الشاحنات التي يعتقد أنّها تنقل أسلحة من سوريا إلى حزب الله، لاسيما إنَّ الحزب كان قد دخل في الحرب السورية إلى جانب النظام ما بعد 2011، عاداً الأمر منع توجه الارهابيين نحو لبنان وخط مواجهة متقدم، وبالرغم من المشكلات السياسية، وغياب الاتفاق على تشكيل الحكومة، والدخول في فراغ دستوري وسط تراجع للخدمات، وانهيار العملة واستنزاف للكثير من قادة حزب الله في معارك سوريا، عبر الاستهداف الاسرائيلي أو نتيجة للمواجهات هناك، إلا إنَّ الحزب وللمرة الاولى قد فاجأ الجميع بتنظيمه مناورات عسكرية كبيرة في 22 من شهر أيار في بلدة عرمتي، التي تقع على مسافة (20) كيلو متر من الخط الازرق الذي يفصل ما بين لبنان واسرائيل، واللافت للنظر حضور وسائل الإعلام التي تنوعت ما بين المحلية والدولية، وشارك في المناورة (200) من عناصر الحزب الذين استخدموا الأسلحة الحية والثقيلة، واستعرضوا راجمات الصواريخ، فضلا عن محاكاة افتراضية لعملية اقتحام أراضي الاحتلال، عبر تفجير الجدار الفاصل واختطاف جنود، وهنا يمكن ملاحظة أمور عدة، أولها: إنَّ محاكاة اقتحام مستوطنة اسرائيلية قد يتحول الأمر من الدفاع إلى الهجوم، وهذا ما هدد به الحزب لمرات عدة، وانتقال التركيز من الدفاع إلى الهجوم، أما مشهد تفجير جدار أمني ربما هو رسالة أنَّ المعركة القادمة قد تكون شاملة وفي أي مكان، أمّا المشهد الثالث هو دخول الطائرات المسيرة، والتي لها دور كبير ومؤثر قد تحدث نقلة نوعية في المعارك، وتصل لأهداف حيوية ومهمة.
وعلق بعض المسؤولين الاسرائيليين بأنَّ حزب الله على وشك ارتكاب خطأ، والخوض في مغامرة جديدة، في إشارة إلى نية الحزب بدأ جولة جديدة من الحرب ما بين الطرفين، والمتابع لوسائل الإعلام الاسرائيلية يرى أنَّ ردود الفعل كانت كبيرة ومتباينة، لاسيما تصريح الشيخ نعيم قاسم نائب الامين العام لحزب الله، بأنهم يمتلكون قدرات استثنائية لأي معركة تفرض عليهم من قبل اسرائيل، وإنَّ ما تم عرضه خلال المناورة، هو مجرد عينة بسيطة للأسلحة والصواريخ التي تمتلكها المقاومة، ورسالة الحزب من هذه المناورة هو ايصال رسالة عن مدى الجاهزية والاستعداد، يذكر أن هذه المناورات قد سبقت ما أعلنه الجيش الاسرائيلي عن نيته بإجراء مناورات كبيرة تحاكي حرب شاملة على عدة جبهات، منها: سوريا ولبنان وحتى داخل فلسطين المحتلة، ويشير الكثير من المتابعين إلى أنَّ الحرب القادمة ستكون مفتوحة على جبهات عدة، لاسيما أنَّ تهديدات اسرائيل بتوجيه ضربة لإيران، أو أنّها لا تسمح لإيران بالاستمرار ببرنامجها النووي، كما أنَّ ملف المفاوضات ما بين ايران والولايات المتحدة حاضر في أي تصعيد، أي إنَّ أوراق الضغط الايرانية ما زالت تمثل جزءاً كبيراً من الملف بما يعرف بسياسة الاذرع الايرانية، وموضوع مضيق هرمز وملف العراق وسوريا واليمن ناهيك عن لبنان، وفي إطار ترابط الأحداث أعلنت إيران مؤخرًا عن تجربة اطلاق صاروخ فتاح، وهو تطور خطير لكون الصاروخ هو فرط صوتي قادر على اختراق الدفاعات المضادة، وقادر على تغيير مساره، فضلا عن كونه يعمل بالوقود الصلب، الأمر الذي أثار حفيظة الولايات المتحدة، وسرعان ما أعلنت عن حزمة من العقوبات استهدفت بعض الشخصيات الايرانية، وإذا ما ثبت نجاح هذا الصاروخ، فهذا يعدّ نقلة نوعية، إذ إنَّ خمس دول فقط على مستوى العالم تمتلكه.
لذلك مناورات حزب الله ومناورات اسرائيل، وتوقعها بشن حرب على جبهات عدة، وتجربة ايران لصاروخها فتاح، هي سلسلة من الأحداث قد توحي بقرب حصول حرب جديدة، والأقرب الجنوب اللبناني والاحتلال الاسرائيلي.