بعد أكثر من (20) سنة من الاضطرابات السياسية والأمنية والعسكرية في منطقة الشرق الأوسط، نتيجة الإطاحة بالنظام العراقي السابق، نرى أنَّ دول الشرق الأوسط بدأت تتجه نحو نوع من الاستقرار، ابتدأ بخفض التصعيد بين إيران والمملكة العربية السعودية، كذلك خفض التوتر والتصعيد بين دول مجلس التعاون الخليجي، وأيضا خفض مستوى التصعيد بين المملكة العربية السعودية واليمن، عن طريق هدنة مازالت مستمرة. إنَّ خفض التصعيد جاء نتيجة ادارك هذه الدول أنَّ هناك ملفات أهم يجب الالتفات إليها، إذ إنَّ تلك الملفات تهدد أمن المنطقة برمتها وليس دولة دون أخرى، ومن أهم تلك الملفات: ملف المياه والتغير المناخي والاحتباس الحراري، إذ يلاحظ في الآونة الأخيرة أنَّ دول الشرق الأوسط، بدأت تعتمد على نفسها في حل مشكلاتها بعضها مع بعض بعيدًا عن سياسية المحاور والاقطاب.
إنَّ توجه دول المنطقة إلى الالتفات لمصالحها فقط (وإن كان بصورة نسبية)، دفع دول أخرى لمحاولة الدخول إلى المنطقة من بوابة الاقتصاد، لاسيما بعد أن أسهم اسقاط النظام العراقي السابق، في تآكل مفهوم القوة الغربية المطلقة. تُظهر المبادرات الدبلوماسية الأخيرة من قبل الصين، استثمار بكين العميق في مواصلة تطوير العلاقات مع دول الشرق الأوسط. في عام 2022، عقدت الصين أول قمة للصين والدول العربية، وأول قمة للصين ودول مجلس التعاون الخليجي، مما أظهر التزامها بتعزيز الشراكات الاستراتيجية في المنطقة، وتعزيز التنمية الاقتصادية بما يتجاوز مصالحها التقليدية في مجال الطاقة. تعد المشاركة المتزايدة للصين في الشرق الأوسط عاملًا مهمًا في تشكيل المشهد الجيوسياسي للمنطقة، وله آثار كبيرة في السياسة العالمية، وهو دليل على أنَّ المصالح الاقتصادية والسياسية للصين قد توسعت عالميا، في إطار جهودها لتأمين الوصول إلى الموارد والأسواق الحيوية في الشرق الأوسط.
فضلا عن ذلك، وسّعت بكين أيضا مشاريعها الاستثمارية في الشرق الأوسط، عن طريق مشروعها الموسوم بـ(مبادرة الحزام والطريق(BRI))، الذي أصبح أداة حيوية للسياسة الخارجية الصينية. يعدّ الشرق الأوسط مهمًا بشكل خاص للعنصر البحري في مبادرة الحزام والطريق (MSRI)، نظرًا لاعتماد الصين على واردات الطاقة. في الواقع، وفقا لتقرير الاستثمار الصيني لمبادرة الحزام والطريق لعام 2021، استهدفت غالبية المشاريع الاستثمارية لمبادرة الحزام والطريق الصينية في عام 2021، منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
إدراكا من مركز الدراسات الاستراتيجية لأهمية الدور الصيني في المستقبل القريب، وتأثيره في مجمل التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، فقد خصص مركز الدراسات الاستراتيجية – قسم الدراسات السياسية – نشرته لشهر تموز، لمناقشة واقع تطوير التعاون بين دول الشرق الأوسط والصين وآفاقه، مركزًا في محاولة الإجابة عن تساؤل مهم: (ماذا تريد دول الشرق الأوسط من الصين، وماذا تريد الصين من دول الشرق الأوسط؟). في سبيل الإجابة عن التساؤل المتقدم ذكره، تم تناول موضوع تحديات بناء السلام في الشرق الأوسط، لكون السلام أصلًا في تحقيق عملية التنمية الاقتصادية، ثم تناول دور الصين المتزايد في الشرق الأوسط التداعيات على الديناميكيات الإقليمية والدولية، ومناقشة توجهات الصين نحو الشرق الأوسط، وأخيرا تم تناول تنامي دور الصين في قطاع الطاقة العراقي.
لتحميل العدد كاملاً اضغط هنا