م.م. سندس عمران الطريحي
جامعة كربلاء/ مركز الدراسات الاستراتيجية
حزيران/ 2023
نحن نعلم أنَّ الله عزَّ وجلَّ أنزل على البشرية شرائع وبرامج، لتحريرهم وتكاملهم وايصالهم إلى السعادة، فعند ظهور حالات مخالفة للفطرة الإنسانية التي فطرنا الله عليها، يجب الوقوف عندها ومعالجتها. فقد ظهرت في الآونة الأخيرة من تسعينيات القرن الماضي، ظاهرة الكلاب البشرية والخنازير البشرية وظواهر التشبه بالحيوانات، إذ وصل عددهم إلى (10) الآلاف فرد في بريطانيا فقط، واستمرت بالانتشار حتى وصلت إلى الوطن العربي، في مصر والجزائر والسعودية. هو عالم غريب لا يعرف عنه الكثير، بدأ انتشاره في دول أوروبا لاسيما في أمريكا وبريطانيا. بشر بالغون يرغبون، بمحض إرادتهم، أن يكونوا (حيوانات) كالكلاب ثم ظهرت الخنازير البشرية، يرتدون أزياء الحيوان المصنوعة من اللاتكس أو الجلد، ولديهم علاقة مع عمال من البشر، من المتحمسين لهم، وهي ليست دائماً مسألة جنسية، ولكنهم يريدون فقط أن يعيشوا حياة الكلاب، إذ صرّح أحد المنخرطين في هذه الظاهرة في جريدة (جارديان البريطانية)، مسوغًا أنَّها حياة مريحة، فليس عليهم أي مسؤولية من الذهاب للعمل، ولا يتألمون بسبب أنواع المشكلات الإنسانية، وليس لديهم أي إحساس بالمستقبل، إذ ينامون (16) ساعة في اليوم. ونلاحظ أنَّ معظم المنظمين لهذه الظاهرة، هم ممن تعرضوا لمشكلات نفسية في صغرهم، سواء حالة تنمر أو حالة من عدم الثقة بالنفس، فيبحثون عن حياة جديدة تعتمد على الخضوع. ومن المتشبهين بالحيوانات من يعيشون جزءًا من حياتهم كأناس طبيعيين، والجزء الآخر من حياتهم يعيشونه ككلاب بشرية. وبعد زيادة أعدادهم في الآونة الأخيرة، أصبحوا أمرًا مفروضًا في الواقع، فوضعت لهم محلات لبيع مستلزماتهم، ومدربون يوفرون لهم مستلزمات العيش ككلاب، ولم يقتصر هذا الأمر على هذا الحد، بل وصل إلى تنظيم مسابقات للنباح، ومسابقة أوروبية على مستوى القارة باسم (مستر أوربا لأفضل كلب بشري)، وأصبح عدد المنخرطين بتلك الظاهرة مخيفة سواء على الانسان أو على المبادئ الأخلاقية العامة، الخاصة بمعتقداتنا الإسلامية، ولاسيما بعد وصولها إلى الوطن العربي، في دول عربية تعد من أعلى الدول من حيث الكثافة السكانية، مثل: مصر والجزائر والسعودية، وذلك بسبب التبادل الثقافي الكبير مهما كان حجم السوء به، إذ إنَّ هذه الظاهرة قد تزداد إذا لم يتم تشخيصها، والتعرف إلى الأسباب التي أدت إليها، ومكافحتها ووضع القوانين المجرمة لها، وعمل برامج صحية توعوية، وعلاجات نفسية في بدء ظهورها في عالمنا، للتعريف بأسباب التشبه وآثاره، والحكمة في تحريم التشبه في مذاهب أهل البيت (عليهم السلام)، ويجب تحريمها بالقوانين الوضعية سواء الدولية أم الوطنية، لأنَّ أولى أولويات مبادئ القانون الدولي هي الحفاظ على حقوق الانسان، والتعرف على حقيقة هذا التشبه، والوقوف على تأثيره وعلاجه كمرض أو وباء يغزوا العالم، بقيام بعض من الذكور من المنخرطين بهذه الظاهرة، بالعيش حياتين بالوقت نفسه، حياتهم الطبيعية، وحياتهم بعد انتهاء التزاماتهم اليومية من عمل وغيره، بطريقة الكلاب أو الخنازير البشرية، ليتلذذوا بما يعيشون من ذلّ خلال ممارستهم تلك الظواهر. لذا سنتطرق إلى بعض المحاور التي نعدّها مهمة، للتعرف على الأسباب، وما تأثيرها، وما يجب فعله للحد منها أو القضاء عليها، وتحصين الأمة الإسلامية منها، فهي ظاهرة سلبية اجتماعية- غير صحية- منافية للقانون. ومن أسباب التشبه بالكلاب أو الخنازير الآتي:
– تعرض أصحابها وهم صغار إلى ظاهرة التنمر والتعنيف وزرع الخوف وعدم الثقة بالنفس، إذ وجدوا الحلول القصيرة من وجهة نظرهم، لما يسميه علماء النفس والمتخصصون بـ(مساحة رأس الكلب).
– ويرجح المتخصصون أنَّ من أهم الأسباب لظاهرة التشبه بالحيوانات احتياج المتشبهين للمال والجنس، لأنَّ المتشبه يتقاضى مبالغ قد تصل إلى أكثر من (70) ألف دولار.
– إنَّ بعض المتشبهين ينحدرون من عائلات ثرية، وقد أشار أطباء علم النفس في جامعة لندن إلى أنَّ هؤلاء المتشبهين مصابون بمرض يدعى (اضطراب الشخصية الاجتنابي)، ومن أعراضه احتقار الذات، وتعذيب النفس وتعنيفها (المازوخية) فضلا عن شعورهم بالدونية، وعجزهم عن الدفاع عن أنفسهم، والتحسس من آراء الآخرين السلبية، والانطوائية والوحدة، ويشعرون أنَّهم غير مرحب بهم من قبل الآخرين.
إنَّ تناول وطرح هكذا موضوع مهم للغاية، حتى يتبصر الناس، ويتعرفوا على أحكامه الالهية والوضعية. إذ إنَّ اتساع دائرة علاقة الانسان بالعالم، ولاسيما مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، والموجودة في كل بيت، وكذلك الاختلاط الإيجابي والسلبي وتقارب الأمم والشعوب، حيث أصبح العالم قرية صغيرة في عالم صغير، لا يبالي لرصانة المبادئ، لاسيما أنَّ أغلب الوسائط الإعلامية المؤثرة في العالم بيد من ثقافاتهم بعيدة كل البعد عن ثقافات الأمة الأخلاقية وأفكارها وحضاراتها وآدابها وأخلاقها، حيث الأمم الغربية هي الغالبة، وتعمل جاهدة على فرض أفكارهم وذوقهم على سائر الناس، فيريدون المحاكاة في كل شيء، وأن يذوبوا في شخصيتهم، فلا يبقى لأحد كيان مستقل، ولا يكون لأحد وجود مؤثر خارج نطاقهم، فيكونوا مؤثرين غير متأثرين، وهذه هي الأزمة، فالمجتمعات لا تخلوا من الفساق، و(الطبع سرّاق)، والناس كأسراب القطا جبلوا على تشبه بعضهم ببعض، فكان لابد من بيان هذه الأحكام، ولابد من طرح الموضوع، من أجل أن يكون الانسان محصّنًا حصانة المسلم الذي أراد الله له الكمال والسعادة، والخوف عليه من الوقوع في المتاهات، وهو لا يشعر. ومفهوم التشبه يعني: محاكاة الغير بقوله أو فعله أو في سائر شؤونه، فإنَّه أصبح يشبهه، وفي معناه الشرعي: هو محاكاة من تقصد مباينته في شيء من خصائصه مطلقاً، وفي غير ما يختص به قصداً، فالمحاكاة قد تكون في العقائد والعبادات أو العادات المختصة وغيرها من أنماط السلوك، التي ينفردون بها دون غيرهم، والتي صارت شعارًا لهم. فالقضايا الدينية لا يجوز أن نشابههم بها بأي حال من الأحوال، لأنَّ الله سبحانه وتعالى رضي لنا الإسلام ديناً، فلا تشبيه فيه، أمّا القضايا العادية فإنَّها قسمان: الأول: لا يجوز التشبه في الأمور التي تعدُّ شعارًا لهم أو التي يفعلونها دون غيرهم، وهي من خصائصهم في العادات والأزياء، فهذا أمر يحرم محاكاتهم فيه. أمّا الثاني: الأمور الأخرى أصل الأعمال هي الإباحة ويجوز للناس أن يفعلوها، لكن بشرط أن لا يكون بقصد محاكات الغير، وذلك فيما ليست من خصائصهم، فلو انتشرت مثلاً موضة من الموضات بين الناس، والتي تعدُّ من خصائصهم، مثلاً عبدة الشياطين وما يرتدونه في وجوههم من حلقات، فلا يجوز لبسها حتى إن انتشرت، وغلبة الفعل على الناس، وكذلك نعرف أيضاً في قضايا العادات، يتغير الحكم معها بالانتشار ولا تتعلق بدينهم، إذا صارت من غير ما يختص بهم، فإنَّه يجوز للناس أن يفعلوها، لأنَّ ذلك لم يعد مما يميز به الآخر. ويمكن القول إنَّ الحكمة من تحريم التشبيه هي إنّ الله حكيم عليم خبير يعلم بواطن الأشياء، وإنّه لطيف يعلم دقائق الأشياء، فالله عزّ وجلّ لا يخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، يعلم ما كان وما يكون، ومالم يكن لو كان كيف يكون، فالله حكيم في أقداره وحكيم في شرائعه وأوامره الدينية، فينبغي للمسلم أن يسلّم لأحكام الله الكونية، كأن وقعت به مصيبة فعليه أن يرضى، وينبغي للعبد أن يسلّم لله عزّ وجلّ في أحكامه الشرعية، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾(النور51) فهذا هو الواجب على المسلم سواء عرف الحكمة من وراء هذا التشريع أو لم يعرف، إذ يتميز المسلم عن الكافر بشخصيته، لذلك حرّم الله التشبه بأي حال من الأحوال، للمحافظة على تفرده وسمات الشخصية الإسلامية التي تفرقه عن غيره، ومن ثم المحافظة على سمات الأمة الإسلامية وخصائصها وسيادتها، وعلى تفردها في الكمالات، فهي أمة متبوعة لا تابعة، قال تعالى: ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾(البقرة143)، أي: عدولاً، إذ إنَّها أمة إسلامية مميزة، لها مقوماتها وخصائصها بما تنفرد به عن سائر الأمم الأخرى، فعدم المخالفة للمتشبهين الذين يشعرون بالذل والصغر، تؤدي إلى أنّهم ينتفشون وتتضخم نفوسهم ويتعالون، ولا نجد أصدق من قوله تعالى: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا﴾(الجن:6)، فالحكمة من النهي عن التشبه بالحيوانات، هي المحافظة على مقتضى الفطرة التي فطر الله كل واحد من الجنسين، فالإنسان فطره الله على الفطرة القويمة وخلقه في أحسن تقويم، وهذا يشمل هيبته الظاهرة، كما نشاهد رأسه للأعلى وأكله متميزاً يأكل بيده وهيئته تخالف هيئة الحيوانات، قال تعالى:﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾(التين: 4) أي في هيئته الظاهرة والباطنة، فاذا جعل يرسم على نفسه الرسومات أو يلبس في وجهه وجه حيوان وما إلى ذلك، فهذا انتكاس للفطرة، وهبوط ونزول لا يليق به. وهذا عرض من الناحية الشرعية، أمّا من الناحية القانونية فإنَّ التشبه بالحيوان جزء من العنف، سواء تعنيف الانسان لنفسه أو لغيره، كما أكدت عليه الكثير من المواثيق الدولية والمعاهدات والاتفاقيات، للمحافظة على حقوق الانسان، ويجب أن تحصن الأمة نفسها وتأخذ بأسباب القوة، لتكون أمة قوية، ويجب وضع تشريعات وقوانين تضم ضوابط وآليات وإجراءات رادعة لمثل هكذا حالات، ومصحات نفسية بضوابط قانونية معدّة سابقاً.
فالناحية القانونية مرتبطة بالشخص ومفهومه وصفته وبتجرد فله عواقب قانونية، فالقانون وضع بشري ينظم مجموعة العلاقات بين جنس البشر والعالم المحيط به، فهو يهدف إلى تعريف الأشياء أو الأشخاص ونطاقهما، لأنَّ الأشخاص هم موضوع القانون، ويمتلكون امتيازات محدّدة، مثلاً: هوية ومنزلاً وحقوقاً عديدة، ولاريب إنَّ الحيوانات هي ايضاً كائنات حساسة، ومختلفة عن الأشياء الجامدة، فتطور القانون يسلك بهذا الاتجاه، فلا يمكن أن تنسب الحيوانات بمفهوم الشخص بمعناه القانوني، فهناك شخص وهو امتداد للذات الإلهية وهم البشر، والشخص المعنوي الذي هو مجموعة من المصالح، فإنَّ وجود شخص حيواني هو محط نقاش قانوني- ديني، وقد حاول بعض الفقهاء أن يحددوا ما قد يعنيه الشخص الحيواني في القانون، كما اعتقد نقيب المحامين الفرنسي البرت بونوا، أنَّ من الممكن أن تنسب إلى الحيوانات نوعاً من الشخصية القانونية، وأقرَّ أنَّ مثل هذا الاجراء سيفرض بلا شك عددًا من المشكلات، ويذكر ضمنًا نوعًا من الحيوانات الأكثر تطوراً كالحيوانات المنزلية، ولكنَّه لا ينوي شمول الشمبانزي أو الاسفنج، ويقول ممكن وضع قانوني آخر لهذه الشخصية القانونية: أي الحالة المدنية والمنزل وتدابير الحماية، ومن ثم تختلف هذه الشخصية بوضوح عن شخصية بني البشر الطبيعية والمعنوية (مجموعة المصالح)، حيث أقر أنّها عاجزة عن الدفاع عن حقوقها، ويطلب جعل وسيط انساني من بني البشر محامٍ عنها، وهذه النظرة إذا أثبتت للكلاب البشرية الشخصية الحيوانية، يفترض أن تسحب جميع الحقوق المعطاة للشخصية الطبيعية والعكس بالعكس.
ولعلاج التشبه والانبهار بالآخرين ذوي الديانات والعقائد الزائغة المحرفة، ينبغي لنا أن نعرف أنّنا بحاجة إلى بيان كمال الشريعة، وإنّها لا تحتاج إلى تكميل، وإنَّ الله ما نهانا عنه إلاّ أمَرَ بما ينفعنا مما يكفينا عنه، ومن العلاج ايضاً إعادة بناء الثقة بالنفس لأنَّ التشبه من الانهزامية، ورفع الاعتزاز بما يمتلكه الانسان من أفكار ولغة كاملة لانقص فيها، وغيرهما من الأمور الحضارية، حتى نحصل على إنسان متمسك بعقائده، ومطبق لقوانينه، وذي مبادئ أخلاقية رصينة، ويقوم بدينه حقَّ القيام.