زيارة محمد بن سلمان إلى سلطنة عمان ومسارات السلام في اليمن

      التعليقات على زيارة محمد بن سلمان إلى سلطنة عمان ومسارات السلام في اليمن مغلقة

أ.م.د. حمد جاسم محمد
قسم إدارة الأزمات
مركز الدراسات الاستراتيجية –جامعة كربلاء
أيلول 2023
إنَّ انطلاق ما يسمى بثورات الربيع العربي عام 2011 شمل من ضمن دول عربية عديدة جمهورية اليمن، والتي أدت إلى تنازل الرئيس الراحل (علي عبدالله صالح) عن الحكم في عام 2012، وتسلم (عبد ربه منصور هادي) حكم اليمن، والذي لم يستمر طويلا، إذ تمكَّن الحوثيون من السيطرة على صنعاء، وتقديم الرئيس (منصور هادي) استقالته من الحكم عام 2015 وذهابه إلى عدن، التي شكل بها حكومة جديدة بدعم من السعودية ودول خليجية أخرى، وقد استقال (منصور هادي) عام 2022 وشكَّل مجلسًا رئاسيًا لإدارة البلاد من سبعة أعضاء، ثم انطلقت بعد ذلك الحملة العسكرية السعودية وحلفاؤها على اليمن، أو ما تسمى حينها عاصفة الحزم، والتي استهدفت بشكل أساس قوات الحوثيين وحلفائهم، وحصر أماكن وجودهم في شمال اليمن أو (اليمن الشمالي سابقا)، وعلى الرغم من استمرار الحرب بين الطرفين، وسقوط مئات الآلاف من الضحايا والجرحى، وتدمير البنية التحتية في اليمن، وعلى الرغم من الدعم الذي تلقته السعودية من الغرب ودول عربية واسلامية، وتفوق تسليحها على اليمن والخسائر الكبيرة في الأرواح والممتلكات في اليمن، إلا إنَّها لم تحقق أيًا من أهدافها، ولاسيما عودة الشرعية المتمثلة بحكومة هادي، وإنهاء حكم الحوثيين، وحماية المدن السعودية التي تعرضت إلى العديد من الغارات والقصف الذي وصل مداه إلى العاصمة الرياض والامارات العربية المتحدة، وقد توالت الوساطات من أجل إنهاء هذه الحرب، أو في الأقل وقفها ووقف نزيف الدم والدمار، وهذه الجهود تكللت عن عقد هدنة في اليمن هي الأولى، تبدأ من شهر نيسان 2022 إلى حزيران 2022، بوساطة المبعوث الخاص للأمم المتحدة في اليمن (هانس غرونبرغ)، والتي نصت على وقف كل الأعمال العسكرية، وتشغيل رحلتين في اليوم إلى مطار صنعاء، وتسهيل حركة المدنيين في المدن التي تشهد عمليات عسكرية. وقد رحبت العديد من الأطراف الدولية بهذه الهدنة، ومنهم أطراف مشاركة مثل إيران والسعودية، وقد تم تمديد الهدنة مرة أخرى، وما زالت الهدنة صامدة إلى الآن.
وبعد العديد من الوساطات الاقليمية والدولية لإنهاء هذه الحرب ورغبة الطرفين في ذلك، تأتي الزيارة الخاصة لولي عهد المملكة العربية السعودية (محمد بن سلمان) إلى عمان يوم 11 أيلول 2023، والتي استمرت لعدة أيام، ولقاءه سلطان عمان (هيثم بن طارق)، وشملت الزيارة حسب التصريحات، عقد اتفاقات تجارية وأمنية بين الطرفين، وتبادل وجهات النظر حول تطورات المنطقة، ووجود توترات في المنطقة والعالم، ومنها التوتر في الخليج بين إيران والولايات المتحدة الامريكية، كذلك وجود تحركات بحرية دولية في البحر الاحمر ومضيق عدن، مثل: تحرك الأسطول الـ45 الصيني، والتدخل الأمريكي في محافظة حضرموت والمهرة، إلا إنَّ أغلب التحليلات أكدت على أنَّ الأزمة اليمنية كانت حاضرة على جدول الأعمال، لاسيما إنَّ لسلطنة عمان دورًا محوريًا في العديد من اللقاءات بين ممثلي المملكة العربية السعودية والحوثيين، إذ سهَّلت عمان للسفير السعودي زيارة صنعاء في نيسان 2023، وعقد لقاءات مع القيادات الحوثية بحضور ممثلين من سلطنة عمان، من أجل تثبيت دائم للهدنة وتبادل الأسرى وعقد حوار يمني يمني للوصول إلى حل سياسي للازمة، لهذا جاءت الزيارة في وقت مهم وشائك، من أجل ايجاد حل للأزمة اليمنية في ظل تطورات عديدة، منها:
1- الادراك السعودي وحتى اليمني والاقليمي بالإسراع في عقد لقاءات تشاورية بوساطة اقليمية، من أجل حل الأزمة وبمشاركة كل الأطراف الاقليمية، وذلك لتجنب تدخلات دولية والتي قد تقود إلى حرب شاملة في المنطقة، ولاسيما في ضوء التهديدات الاسرائيلية والامريكية لإيران، فضلا عن الخسائر المادية الكبيرة لهذه الحرب، والتي بدأت ترهق الموازنة السعودية، لاسيما إنَّ الانفتاح السعودي الأخير، ورؤية ولي العهد السعودي لتطوير المملكة العربية السعودية، تحتاج إلى استقرار داخلي وإقليمي، وتوجيه الموارد الاقتصادية لتحقيق هذه الرؤية.
2- إنَّ إعادة العلاقات بين إيران والسعودية بوساطة الصين في آذار 2023، والتي أنهت سنوات من القطيعة والتنافس والحرب بالوكالة بين الطرفين، إذ كانت اليمن إحدى ساحات الصراع بين الطرفين، لهذا كان من ضمن بنود إعادة العلاقات بينهم، هو إيجاد حلّ للأزمة اليمنية.
3- ادركت السعودية أنَّ ملف اليمن بدأ يبتعد عن يدها شيئا فشيئا، ولاسيما بعد التدخل الإماراتي في اليمن بعيدا عن السعودية ودعمه الجنوبيين، وهو ما عقَّد الأزمة اليمنية بدخول أطراف أخرى فيها، مثل: الحراك الجنوبي، فضلا عن انتشار القاعدة في عدد من محافظات جنوب اليمن، وهو ما شكَّل خطرا على الأمن القومي للسعودية، وجعلها تبحث عن حل وتسوية سياسية في اليمن بعيدا عن الصراع العسكري.
4- زيادة التدخلات الإقليمية والدولية في الأزمة اليمنية، قد يقود إلى حرب إقليمية أوسع تكون السعودية أول المتضررين منها، إذ إنَّ اندلاع الصراع مجددا الحرب، وانتقاله إلى داخل الأراضي السعودية، قد تكون له تداعيات كبيرة على أمن المملكة ووحدتها واستقرارها.
5- كذلك تريد القيادة السعودية أن تتفرغ لملفات مهمة أخرى في المنطقة، مثل: القضية الفلسطينية والتطبيع مع إسرائيل الذي ما زال في مراحله الأولى.
6- إدراك الحوثيين أنفسهم أنَّ الحل السياسي لأزمة اليمن، هو القرار الأخير والصائب، وأنَّ التدهور الاقتصادي والتشرذم وظهور حركات انفصالية ومجموعات ارهابية، بات يشكل خطرًا على وحدة البلد واستقرارها، حتى أنَّ إيران باتت تبحث عن حلّ سياسي لهذه الأزمة، والحفاظ على ما حصلت عليه من مكاسب قد تفقدها إن استمر الصراع العسكري.
بهذا فإنَّ حلَّ الأزمة اليمنية وعقد اتفاق بين المكونات اليمنية، يعد مفتاح الاستقرار في المنطقة، وبدء مرحلة جديدة من التعاون بين دوله، بعيدًا عن التدخلات الخارجية.