أ.م.د. حمد جاسم محمد
قسم إدارة الأزمات
مركز الدراسات الاستراتيجية–جامعة كربلاء
تشرين الأول 2023
كانت وما زالت القضية الفلسطينية من القضايا المهمة في العالم ولاسيما في الشرق الاوسط، إذ يعد الشعب الفلسطيني الوحيد الذي يناضل من أجل إقامة دولته المستقلة، وفلسطين الإقليم الوحيد في العالم الذي تم طرد شعبه، ومنح أرضه لشعوب أخرى بحجج واهية. وإنَّ قضية فلسطين ومسلسل التهجير والقتل لا يتوقف على هذه اللحظة، بل يمتد إلى الأيام الأولى لعقد الصهاينة مؤتمرهم الأول في بازل بسويسرا في عام 1897 برئاسة هرتزل، والذي سعى إلى إقامة وطن لشتات اليهود في فلسطين، وبوسائل عديدة بدأت أولا في الهجرة غير الشرعية، ثم دعم الاحتلال البريطاني لهم وتسهيل الهجرة، بعدها اتخذت الحركة الصهيونية وسائل العنف وتأسيس المنظمات الصهيونية المسلحة، أمثال عصابات شتيرن والهاجانا وارجون وغيرها، من أجل ترهيب السكان والضغط على الاحتلال البريطاني، التي اصدرت وعد بلفور المشؤوم بمنح ما لا تمتلك لمن لا يستحق، وقد استخدم الصهاينة العنف والترهيب لتهجير السكان العرب من فلسطين، تحت أنظار العالم كله، وتحت أنظار الدول العربية، ثم بعد ذلك تبنت الولايات المتحدة الأمريكية الكيان الصهيوني ودعمته بالسلاح والمال والمواقف المؤيدة، وقد استمرت الانتهاكات الصهيونية ضد الفلسطينيين بحروب وارتكاب مجازر، حتى وصل الأمر إلى احتلال أراضٍ من دول عربية أخرى، مثل: الجولان، وجنوب لبنان التي تحررت عام 2000، وسيناء التي حررها الجيش المصري عام 1973، وإنَّ آخر هذه الانتهاكات الصهيونية هي الهجوم على غزة، الذي بدأ بعد قيام المقاومة الاسلامية في حماس بهجوم على مواقع العدو في غلاف غزة، وما زال الكيان الصهيوني يرتكب المجازر بحق سكان غزة، وحصار ما يقرب (2.3) مليون نسمة، ومنع الدواء والغذاء والمياه عن القطاع، والأكثر من ذلك إنَّ أغلب الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية دعمت الكيان الصهيوني بالسلاح، فضلا عن إرسال حاملات طائرات وأسلحة وطائرات مسيرة وقنابل موجهة وقوات خاصة، كل ذلك يتم بمرأى ومسمع من الدول العربية.
إنَّ الموقف العربي بشقيه الرسمي والشعبي لم يكن بالمستوى الذي كان معهودًا، في الأقل على مستوى اجتماعات القمة العربية، أو عقد مؤتمرات لدعم القضية الفلسطينية، اذ مع أولى انطلاق أحداث غزة في 7 تشرين الأول 2023، ظهر نوع من الارتباك والصمت العربي العام تجاه العملية التي قامت بها حركة حماس، وبالرغم من التأييد الشعبي في بعض الدول العربية، مثل: العراق وسوريا واليمن ولبنان والجزائر وتونس والأردن، إلا إنَّ الموقف الشعبي في بعض الدول العربية، تراوح بين التأييد الخجول، أو الصمت المطبق، أو التهديد بالاعتقال كما في دول الخليج العربية، إذ إنَّ موقفها الشعبي يعتريه السكوت، بل تحول في الفترة الأخيرة في قطاعات كبيرة منه إلى تأييد العدو الصهيوني، والانتقاد العلني للفلسطينيين واتهامهم بالموالات لإيران، إذ نرى أنَّ الموقف الشعبي الوحيد الذي كان له صدى إقليمي هو الموقف الشعبي العراقي، عن طريق الوقفات الاحتجاجية، والتأييد الرسمي الواضح، والحشود المليونية التي وقفت تحت أشعة الشمس من أجل دعم القضية الفلسطينية، وتقديم كل العون والدعم لها. إنَّ تراجع بعض الدول العربية تجاه القضية الفلسطينية، وأغلبها لها علاقات مع العدو الصهيوني ومطبعة معه، يعود في جزء منه إلى عدم وجود سياسة خارجية مستقلة لهذه الدول، فهي دائما تدور في فلك الولايات المتحدة والدول الغربية، وتتخذ مواقفها تبعا لمواقف هذه الدول، فضلا عن ذلك إنَّ صفقة القرن التي أقرت في عهد الرئيس الأمريكي السابق (دونالد ترامب) في عام 2020، في لقاء صحفي مع رئيس وزراء العدو ( بنيامين نتنياهو)، والتي تضمن إنهاء القضية الفلسطينية، عن طريق إقامة فلسطينية منزوعة السلاح على ما تبقى من الضفة الغربية، بعد أن استقطع منها (30%) للمستوطنات وغزة وجعلها دولة ذاتية الحكم، والتي لن تتأسس قبل أربع سنوات من إنفاذ الخطة، ومنع عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم في داخل فلسطين، أو مطالبتهم بأي تعويضات مستقبلية، ومنحهم خيار العودة إلى الدولة الفلسطينية الجديدة حسب الاستيعاب، أو توطينهم في الدول العربية، كذلك منح أراضٍ من مصر لإقامة مطار ومنشآت أخرى لهذه الدولة عن طريق تأجيرها. اقتصاديا تضمنت الخطة كذلك استثمارات بقيمة (50) مليار دولار لإقامة (179) مشروع أعمال وبنية تحتية، عن طريق مصرف خاص لمنع الفساد، وأغلب هذه الأموال من الدول العربية، ومستثمرين أثرياء من القطاع الخاص، وتقسم الأموال بين الضفة الغربية وغزة، فضلا عن إنفاق (9) مليارات دولار في مصر، و(7) مليارات دولار في الأردن، و(6.3) مليارات دولار في لبنان، وتشمل أيضا بناء معبر سفر يربط بين الضفة الغربية وغزة بطريق سريع وربما سكة حديد، وتوسعة هائلة للمعابر الحدودية، وتطوير محطات الطاقة، وتحسين البنية التحتية لتعزيز السياحة، وإعادة بناء المستشفيات الفلسطينية وعيادات الصحة وتطويرهما، وإنشاء قاعدة بيانات لتسجيل ملكية الأراضي، وتحسين إمدادات المياه القابلة للشرب، ومعالجة مياه الصرف الصحي، وإنشاء جامعة فلسطينية جديدة. وعلى الرغم من ما تضمنته الخطة من إقامة دولة فلسطينية والسيادة وتصريف الشؤون الداخلية، إلا إنَّ ما تضمنته هذه الخطة وأكدت عليه، هو نزع سلاح كل المواطنين في فلسطين، مع بقاء القدس عاصمة موحدة للكيان الصهيوني، هذه الخطة سبقها مؤتمر عقد في المنامة- البحرين عام 2019 تحت شعار (السلام من أجل الازدهار)، حضره عدد من الدول العربية، وهي: (السعودية والامارات ومصر والاردن والمغرب وقطر)، وقد تضمن المؤتمر بوادر الشق الاقتصادي لخطة الرئيس الأمريكي (ترامب)، إذ أيدت كل الدول المشاركة هذه الخطة، بالرغم من عدم حضور أي ممثل عن الفلسطينيين، الذين رفضوا هذه الخطة جملة وتفصيلا، بعدها جاءت صفقة التطبيع بين الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب مع الكيان الصهيوني عام 2020، وإقامة علاقات دبلوماسية معه، والآن تجري مباحثات سرية وعلنية للتطبيع بين السعودية والكيان المحتل، بوساطة أمريكية وفق شروط حل القضية الفلسطينية.
ومن تلك اللحظة إلى ساعة انطلاق العمليات الحربية في غزة، فإنَّ الكيان الصهيوني يضع نصب عينيه تطبيق الشق المتعلق بتصفية المقاومة الفلسطينية المسلحة في غزة، والتي تقف حجر عثرة في تطبيق صفقة القرن، والتي من شروطها نزع السلاح الفلسطيني، لهذا فإنَّ هذه الحرب الأخيرة هي خطة معدة مسبقا من قبل الكيان المحتل، وبالتعاون مع الولايات المتحدة والدول الغربية، والصمت المطبق لبعض الدول العربية، وحتى الموقف المتخاذل لمنظمة التحرير الفلسطينية في الضفة الغربية، والتي أعلن رئيسها (محمود عباس) في اتصاله مع الرئيس الفنزويلي (نيكولاس مادورو)، (إنَّ أفعال حماس لا تمثل الشعب الفلسطيني)، والهدف هو انهاء المقاومة في غزة، بغض النظر عن النتائج التي تسفر عن هذه الحرب، إذ إنَّ إعلان حكومة العدو بإخلاء غزة وتهجيرهم إلى سيناء المصرية ثم إلى الدول العربية الأخرى، وعندما رفضت مصر ذلك عدلت الخطة إلى تهجيرهم إلى جنوب القطاع، من أجل اقتحام شمال غزة بريا وإنهاء المقاومة الاسلامية، إذ إنَّ دعم الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية الكيان الصهيوني بالسلاح وحاملات الطائرات، والتنسيق الأمني في إدارة الحرب، والتهديد للدول التي تحاول مساعدة الفلسطينيين، وإغلاق غزة بالكامل بحرا وجوا وبرا، وفرض حصار مطبق شمل حتى الغذاء والماء والدواء، هو أسلوب اتبع في دول أخرى في المنطقة، والغرض منه إثارة الشارع الغزاوي على حماس والفصائل الأخرى، ومن ثم اسقاطها وإنهاء المقاومة، وتطبيق صفقة القرن التي هي عملية استئصال للشعب الفلسطيني كله وتهجيره مستقبلا من أرضه.
وعلى الرغم من كل الدعم الأمريكي الغربي، وحتى من بعض الدول العربية، وتخاذل قادة منظمة التحرير في الضفة- للكيان الصهيوني، إلا إنَّ ما حققته المقاومة الفلسطينية في الحرب الاخيرة، ودخولها إلى عمق العدو، وأخذ عدد كبير من الأسرى وقتل المئات منهم، وموقف الشعب الفلسطيني المؤيد لحماس، وبدعم من بعض دول الممانعة وفصائل المقاومة الاسلامية الأخرى، والموقف الشعبي في العراق وسوريا ودول أخرى المساند والرافض للتهجير القسري لأبناء غزة، الذين عانوا منه سابقا، سوف يفشل مخططات العدو الصهيوني ومن ورائه، إذ إنَّ صمود المقاومة الفلسطينية والتي ما زالت تقاوم المحتل وما تمتلكه من أسلحة وصل إلى عاصمة الكيان المحتل، جعل المعادلة تتجه حاليا إلى البحث عن دور للتفاوض ووقف الحرب، كذلك التصريحات الايرانية وحزب الله بالتدخل لنصرة أهل غزة، إذ تنطلق بين الحين والآخر عمليات ضد قوات الكيان الصهيوني في شمال فلسطين المحتلة، والتهديد بالتدخل في حالة أي توسع للحرب داخل غزة، ولا يمكن تجاهل الدور الروسي الحالي المناهض للحرب والمندد والمعارض للموقف الأمريكي من الحرب، والذي أصبح عامل ضغط ايضا على العدو الصهيوني لوقف هذه الحرب.
من صفقة القرن إلى حرب غزة مشاريع لتصفية القضية الفلسطينية
التعليقات على من صفقة القرن إلى حرب غزة مشاريع لتصفية القضية الفلسطينية مغلقة