الكاتب: سي انتوني فاف (C. Anthony Pfaff)
المجلس الاطلسي/ واشنطن 20/10/2023
ترجمة: د. حسين أحمد السرحان
يهدد الهجوم العسكري لحركة حماس ضد اسرائيل في 7 تشرين الأول الجاري، بتعطيل ما هو أكثر من مجرد تطبيع العلاقات مع إسرائيل. قبل الهجوم، كانت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على خطى بطيئة باتجاه الاستقرار. الدول العربية واسرائيل كانت قد بدأت لتسوية خلافاتها، استأنفت السعودية العربية علاقتها مع إيران، وكان الصراع في اليمن قريبًا من نهايته. وفي العراق، كانت الآفاق الاقتصادية تتحسن ببطء بعد انكماش اقتصاده بسبب الوباء، والذي تفاقم بسبب الاحتجاجات المستمرة المناهضة لإيران والصراع الطائفي. فضلا عن ذلك، أكد معهد ستوكهولم لبحوث السلام الدولي في آذار الماضي، أنَّ العراق يتمتع بأكثر فتراته استقرارا منذ عام 2003. كذلك شهدت العلاقات الأمنية بين العراق والولايات المتحدة تحسنا، بعد دعوة البرلمان العراقي لانسحاب القوات الأميركية عام 2020. في آب الماضي، كلا البلدين من جديد التزامهما بزيادة التعاون الأمني.
ربما تكون هذه الفترة من الاستقرار النسبي على وشك الانتهاء، وبعد أن ردت إسرائيل على هجوم حركة حماس، خرج العراقيون إلى الشوارع في احتجاجات حاشدة مؤيدة للفلسطينيين، واحرقوا الأعلام الاسرائيلية، ورددوا شعارات مناهضة للولايات المتحدة. وأعرب رئيس الوزراء العراقي محمد السوداني عن تضامنه مع القضية الفلسطينية، ووصف الرد الإسرائيلي بـ ”العدوان الصهيوني الغاشم”. وردد أسلافه، بمن فيهم: مصطفى الكاظمي وحيدر العبادي وعادل عبد المهدي ونوري المالكي، تضامنهم مع موقف السوداني، مضيفين أنَّ هجمات حماس كانت “ردًا طبيعيًا” على “الاستفزازات والانتهاكات الإسرائيلية”. وأعربت الميليشيات العراقية المدعومة من إيران، مثل: منظمة بدر وعصائب أهل الحق وكتائب حزب الله، عن دعمها لهجمات حماس ضد إسرائيل، وأعلنت استعدادها لمهاجمة أهداف أمريكية في حالة تدخل الولايات المتحدة في الحرب على غزة.
وكما يشير أمير الكعبي ومايكل نايتس من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، فإنَّ الكثير من ردود الفعل العراقية هي مسرحية. وكانت العديد من تهديدات الميليشيات ربطت تدخلها بأحداث غير متوقعة، مثل التدخل المباشر من قبل الولايات المتحدة أو التصعيد. وتستخدم هذه التهديدات أيضاً القليل من الغموض الاستراتيجي، فما يمكن اعتباره تدخلاً مباشراً أو غير مباشر يخضع للتفسير. في الواقع، يصف الكعبي ونايتس الرد العام، حتى من قبل الميليشيات الأكثر عنفاً في العراق، بأنه “حذر”، وفي بعض الحالات، “صامت”. وليس من المستغرب أيضاً أن يكون رد الفعل العراقي مؤيدًا لحماس بأغلبية ساحقة. وبينما كانت الدول العربية الأخرى تقوم بتطبيع العلاقات في عام 2022، سن العراق قانونًا يجعل إقامة العلاقات مع إسرائيل جريمة يعاقب عليها بالإعدام أو السجن مدى الحياة. وإنَّ المشاعر المعادية لإسرائيل عميقة، ومن غير المرجح أن يتردد صدى الحقائق المتعلقة بوحشية الهجوم الذي شنته حماس على المناطق الاسرائيلية.
ومع ذلك، فإنَّ الوضع يطرح العديد من الصعوبات بالنسبة للولايات المتحدة. أولاً، مع استمرار الرد الإسرائيلي وتدهور أوضاع الفلسطينيين في غزة، سيكون هناك ضغط متزايد على الميليشيات لحملها على التحرك. وإذا توسع مثل هذا التدخل، فسوف تتزايد احتمالات التصعيد، ومن ثمَّ دور أكبر للولايات المتحدة. ثانياً، قد يكون الغموض الاستراتيجي سلاحاً ذا حدين، فإذا نجحت جهود إسرائيل في هزيمة حماس، فإنَّ الميليشيات قد تخفض معيار ما يمكن عدّه تدخلاً، مما يهيئ الظروف للتصعيد مرة أخرى.
وربما الأمر الأكثر صعوبة بالنسبة للولايات المتحدة، هو أنّه قد لا يكون من مصلحتها هذه المرة أن تتجاهل هذا الرد المتوقع، حتى إن كان صامتًا، المؤيد لحماس، وذلك نظراً لوحشية الهجوم الأخير الذي شنته حماس. وفي الواقع، من مصلحة الجميع تخفيف معاناة الشعب الفلسطيني، ومن المعقول التعبير عن القلق، بل والغضب، إزاء تدهور أوضاعه. ومع ذلك، لا ينبغي التسامح مع ارتكاب الفظائع، حتى عندما يكون هناك سبب عادل.
وكما يشير دانييل هيننجر من صحيفة وول ستريت جورنال، فإنَّ الهجمات المباشرة ضد المدنيين أصبحت “الوضع الطبيعي الجديد”. وفي حين كانت هجمات حماس صادمة بشكل خاص، فقد هاجمت روسيا عمدا المدنيين في حربها ضد أوكرانيا، مما أسفر عن مقتل نحو عشرة آلاف شخص. ولعكس هذا الاتجاه، هناك خيار محدود لإيجاد طرق لمحاسبة الجهات التي تشارك في جرائم الحرب. وفي حالة روسيا، تدخلت الولايات المتحدة نيابة عن أوكرانيا، وفرضت، إلى جانب حلفائها الأوروبيين، عقوبات على روسيا. وإذا أخذنا رد فعل الميليشيات العراقية على محمل الجد، فإنَّ تدخلاً مماثلاً في غزة قد يؤدي إلى تصعيدٍ، من شأنه أن يقوض علاقات الولايات المتحدة مع العراق.
على سبيل المثال، لا تحظى هجمات كتائب حزب الله ضد القوات الأمريكية في العراق وسوريا، بدعم كبير من الشعب العراقي. لكن المحاولات الأمريكية للدفاع عن نفسها تمكن هذه الميليشيات من حشد احتجاجات كبيرة، عندما تحدث تلك العمليات الدفاعية في العراق. ومع ذلك، فإنَّ عدم الاهتمام الشعبي العراقي بما يعدّونه صراعًا خارجيًا قد شكل عقبة أمام التصعيد. ومع ذلك، وبالنظر إلى المشاعر المعادية لإسرائيل والمؤيدة للفلسطينيين إلى حد كبير لدى الشعب العراقي، فمن المرجح أن تحظى هجمات الميليشيات ضد أهداف أمريكية، كجزء من الدفاع عن الشعب الفلسطيني، بتأييد شعبي. علاوة على ذلك، فإن القدرة الضئيلة التي تملكها الحكومة العراقية لكبح مثل هذه الهجمات سوف تختفي.
وما يجعل الأمور أكثر تعقيدا، هو حقيقة أنَّ التصعيد لا يعتمد ببساطة على التصرفات الإسرائيلية والأمريكية. فبعد تدمير المستشفى المعمداني في غزة يوم 17 /تشرين الأول الجاري، عزا السوداني ذلك على الفور إلى العمل الإسرائيلي ودعا إلى حداد رسمي. وبعد ذلك بوقت قصير، استخدمت جهات مجهولة طائرات بدون طيار لمهاجمة القوات الأمريكية. ومن المرجح أنَّ تدمير المستشفى بسبب تصرفات حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، لن يؤثر في الرأي العام العراقي، ولا على موقف الحكومة العراقية، مما يعني تزايد احتمالات التصعيد.
لذا فإنَّ الطريق أمام الولايات المتحدة ليس واضحًا. إنَّ الرسالة البسيطة التي مفادها أن المدنيين الأبرياء لا ينبغي أن يتعرضوا للقتل والاختطاف والتعذيب، سوف تخفت مع فرار المدنيين الفلسطينيين من منازلهم وارتفاع عدد الضحايا، حتى لو كانت العمليات الإسرائيلية متوافقة مع قانون الحرب. ومع ذلك، فإنَّ الولايات المتحدة تستطيع أن ترسم طريقاً للمضي قدمًا، عن طريق الضغط على شركائها الإقليميين، بما في ذلك العراق، لإدانة الهجمات الوحشية التي شنتها حماس.
وينبغي على الولايات المتحدة أيضًا أن تكون عاملًا مؤثرًا في الصراع، وأن تجد طرقًا لتجنب التصعيد، مع تمكين جهود إسرائيل للدفاع عن نفسها ضد حماس وحلفائها. وفي حين أنَّ القيام بذلك سيكون صعبًا، إلا إنَّ الولايات المتحدة يمكنها أن تبدأ بتعبئة الإغاثة الإنسانية للمتضررين من الصراع. وينبغي لها أيضًا أن تراقب الصراع عن كثب تحسبًا لأي تصعيد محتمل من أي جانب، وأن تجعل المساعدة لأي شريك مشروطة بالتعاون لتهدئة الصراع. بالنسبة للحكومة العراقية، فإنَّ تأثيرها في الميليشيات محدود، إذا أرادت التدخل. ومع ذلك، يمكنها الشراكة مع الولايات المتحدة لضمان توصيل نوايا الولايات المتحدة بشكل فعّال، والحفاظ على سوء الفهم عند الحد الأدنى لتجنب التصعيد.
إنَّ اتخاذ هذه الخطوات لن يغير بشكل جذري ديناميكيات الصراع، ولن يخفف الضغط على إسرائيل لتدمير حماس. لكنه قد يخلق فرصًا للتخفيف من الضرر الذي قد يلحقه الصراع باستقرار الشرق الأوسط ونفوذ الولايات المتحدة.
رابط المقال الاصلي:
https://www.atlanticcouncil.org/blogs/menasource/gaza-israel-hamas-us-iraq-relations /