أ.م.د. حمد جاسم محمد
قسم إدارة الأزمات
مركز الدراسات الاستراتيجية –جامعة كربلاء
كانون الأول/ 2023
للبحر الأحمر أهمية كبيرة في الاستراتيجية الدولية، فهو صلة الوصل بين الشرق والغرب، إذ يمر عبره آلاف السفن التجارية، وحوالي (13%) من التجارة العالمية، و(10%) من امدادات الطاقة العالمية، وتشكل هذه الطاقة (60%) من احتياجات الطاقة الاوربية، و(25%) من احتياجات الطاقة الأمريكية، كذلك ممر مهم للقوات البحرية لعدد من الدول، مثل: روسيا والولايات المتحدة وبعض الدول الاوربية، فضلا عن وجود عدد من القطع البحرية العسكرية لبعض دول المنطقة، مثل: إيران. ويتميز البحر الأحمر بطول سواحله وبساطتها، ووجود موانئ مهمة فيه لرسو السفن، فهو مهم للدول المطلة عليه ولدول العالم الأخرى.
إنَّ الأحداث في منطقة البحر الأحمر ليست جديدة، فقد كانت المنطقة وما زالت محط أنظار قوى دولية طامعة من جهة، كذلك كثرة الحروب والتوترات فيها، لهذا فإنَّ التدخل العسكري لبعض الدول، كالولايات المتحدة ودول أوربية ليست جديدة. وقد جاءت أحداث اليمن منذ 2011 إلى اليوم، وحرب غزة حاليا كأسباب لعسكرة المنطقة، إذ مع بداية ما تسمى بثورات الربيع العربي عام 2011، وامتدادها إلى اليمن، مكَّن ذلك الحوثيين من السيطرة على العاصمة صنعاء في عام 2014، وهروب الرئيس (عبد ربه منصور هادي) إلى عدن ثم إلى السعودية، وسيطرتهم على أغلب مدن ما كان يعرف باليمن الشمالي، عندها أصبح لهم امتداد على ساحل البحر الأحمر، وقريب من مضيق باب المندب، وبما إنَّ لهذه المجموعة علاقات استراتيجية (سياسية وعسكرية واقتصادية) مع ايران، ادركت بعض الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من الدول الغربية، ودول الخليج العربية، خطورة سيطرة الحوثيين، وإنَّهم سيشكلون خطرًا أيضا على الملاحة الدولية في البحر الأحمر، وقد دخلت السعودية بحرب ضد الحوثيين تحت اسم التحالف العربي، والذي استمر من عام 2015 إلى عام 2023، وعلى الرغم من كل الدعم الأمريكي والخليجي للسعودية، والخسائر التي تعرض لها اليمن في الأرواح والممتلكات، إلا إنَّ هذه الحرب لم تحقق أهدافها المعلنة، بإعادة الشرعية وإنهاء حكم الحوثيين، وقد دخلت السعودية عام 2023 في مفاوضات مع الحوثيين، تمخض عنها عقد وقف اطلاق النار بين الطرفين.
إنَّ اندلاع الصراع في قطاع غزة الفلسطيني، بين الكيان الإسرائيلي وفصائل المقاومة في 7 تشرين الأول 2023، وما تبعه من تداعيات عسكرية من جانب الكيان الاسرائيلي على قطاع غزة، وارتكابه الجرائم بحق المدنيين، وسقوط عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى، والدمار الذي لحق بالبنى التحتية من مستشفيات ومدارس ومنازل، والتهجير القسري للسكان، كل هذا تحت صمت عربي واسلامي وعالمي مطبق، إلا من بعض الأصوات الحرة التي انطلقت من دول في المنطقة وخارجها، لهذا فإنَّ الحوثيين أعلنوا تضامنهم مع المقاومة في غزة، عن طريق استهداف الكيان الاسرائيلي بشكل مباشر، أو عن طريق احتجاز أو استهداف السفن التجارية التي لها علاقة بهذا الكيان، إذ إنَّ (50%) من تجارة هذا الكيان تمر عبر البحر الأحمر، وقد تمكن الحوثيون من السيطرة على عدد من السفن التجارية واستهداف بعضها. هذه الأعمال كان لها تأثير كبير في الملاحة في البحر الأحمر بشكل عام، ولاسيما في تجارة الكيان الاسرائيلي، هذه الأعمال عدَّت من طرف بعض الدول، كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، أعمال قرصنة وتضر بالاقتصاد الدولي، لهذا دعت إلى تشكيل قوة بحرية دولية لمواجهة هذه الهجمات، كما أنَّ إسرائيل أعلنت أنَّها سوف تحرك بعض سفنها الحربية إلى البحر الأحمر، لحماية السفن التجارية العائدة لها، هذا العمل جوبه بمعارضة بعض الدول، مثل: إيران والحوثيين في اليمن، وعُدَّ عملًا غير مدروس، وسوف يقود إلى عسكرة البحر الأحمر، وسيكون له أضرار على التجارة الدولية على أوسع نطاق، ولن يقتصر على السفن الاسرائيلية.
إنَّ عسكرة البحر الأحمر بوجود السفن البحرية والقوات العسكرية بشكل كبير للولايات المتحدة وحلفائها، وحدوث مواجهات عسكرية مع الحوثيين، سيكون له عواقب ونتائج كبيرة على الاستقرار الأمني، والاقتصاد لدول المنطقة والعالم، منها:
- إنَّ أي استهداف لقوات الحوثيين بشكل مباشر، سيقود إلى تجدد الصراع اليمني السعودي من جديد، لاسيما أنَّ الولايات المتحدة هددت الحوثيين بأنَّها سوف تنهي الهدنة المعقودة بين الحوثيين والسعوديين، ويقود إلى فتح جبهة جديدة في المنطقة، تضر دولها والمصالح الأمريكية بشكل مباشر.
- إنَّ فتح جبهة جديدة في المنطقة، سيكون له عواقب أيضا على حرب غزة، لاسيما أنَّ إسرائيل والولايات المتحدة تتجنب، بأي وسيلة، فتح أي جبهة جديدة لأنَّ ذلك سيقود إلى تشتيت جهدهم وإضعاف قوتهم العسكرية، وهو ما يقود ايضا إلى توريط أمريكا في حرب جديدة، وهو ما تسعى إليه روسيا لإبعادها عن أوكرانيا، ووقف المساعدات العسكرية الغربية عنها، وهو ما بدأ بالفعل من توقف المساعدات العسكرية، أو إنَّها أصبحت رمزية لا تفي بالغرض المطلوب بسبب حرب غزة.
- إنَّ أي عسكرة للبحر الأحمر أو حدوث مواجهات فيه، ستقود إلى تبعات اقتصادية مثل ارتفاع تكلفة التأمين على السفن، لأنَّها سوف تغير سيرها إلى أماكن أكثر أمنًا وأبعد مسافة، إذ وصلت نسبة التأمين لبعض الشركات إلى (200%)، وإنَّ توقف نصف التجارة الاسرائيلية سيقود إلى تدهور الاقتصاد الاسرائيلي، الذي يعتمد بشكل كبير على التجارة الدولية من جهة، وعلى الدعم المالي الأمريكي من جهة أخرى. وقدرت بعض المصادر أنَّ الدعم المالي الأمريكي لإسرائيل وصل إلى (14,3) مليار دولار، فضلا عن مختلف أنواع الأسلحة، إذ تمول الولايات المتحدة (16%) من الميزانية العسكرية الاسرائيلية.
- إنَّ توقف التجارة في البحر الأحمر بالتزامن مع حرب أوكرانيا، وتوقف صادرات الحبوب منها، سيقود إلى حدوث أزمة اقتصادية عالمية كبيرة، لا سيما أنَّ معظم الدول الاوربية تعاني من تراجع اقتصادي، وحدوث تضخم وارتفاع الأسعار بسبب حرب أوكرانيا. وأيضا فإنَّ الأزمة الاقتصادية ستقود إلى حدوث اضطرابات سياسية، كما حصل من انقلابات في بعض الدول الأفريقية، أو إلى حدوث مواجهات عسكرية شاملة تقود إلى حرب إقليمية أوسع، تضع الجميع قبالة تحدٍ حقيقي، وخطر كبير على العالم أجمع.
- هناك دول في المنطقة ومنها إيران، أصبح لها نفوذ ووجود عسكري بحري في البحر الأحمر، وقد رفضت أي وجود عسكري مكثف في المنطقة، وهددت أنَّها سوف تقاوم هذا الوجود بالقوة المناسبة. لهذا فإنَّ القوة التي يملكها أنصار الله الحوثيون، لم يظهر منها إلا القليل، وهي قادرة على التأثير في الملاحة في البحر الأحمر، وهنا ستكون هناك حرب مفتوحة بشكل مباشر، ضد أي سفينة تجارية وليس السفن الإسرائيلية فقط، وهو ما يسبب أضرارًا اقتصادية تشمل دول المنطقة والعالم.
- إنَّ عسكرة البحر الأحمر سيقود إلى واقع أكثر تعقيدًا، عن طريق احتدام الوجود العسكري الدولي والمنافسة بين الدول، عن طريق الادعاء بحماية الملاحة الدولية، لا سيما أنَّ المنطقة تضم عشرات القواعد العسكرية من دول مختلفة.
إنَّ تصاعد حدة التوترات والصراع في المنطقة، وعدم وجود إدارة دولية حقيقية تطبق العدالة والحق في المنطقة، فإنَّ المنطقة التي تمثل شريانًا حيويًا لنقل الطاقة والتجارة ستكون في خطر، وإنَّ زيادة الوجود العسكري سيقود حتما إلى توسع الصراع والحرب في المنطقة.