د. فراس حسين علي الصفار
باحث في قسم إدارة الأزمات
مركز الدراسات الاستراتيجية – جامعة كربلاء
كانون الثاني/ 2024
شهد الاقتصاد العالمي خلال السنوات الثلاثة الماضية، ارتفاع مستويات التضخم في أغلب دول العالم، إذ تلقَّى الاقتصاد العالمي أزمات متتالية في أعقاب جائحة كورونا، وما تلاها على الصعيد الدولي من حرب روسيا وأوكرانيا، مرورًا بارتفاع أسعار النفط والغذاء لاسيما أزمة الحبوب، وبالرغم من ذلك استمر الناتج المحلي الإجمالي العالمي في النمو عام 2023، ولو بشكل متواضع.
تعدُّ سياسات رفع أسعار الفائدة، من أهم سياسات خفض مستويات التضخم والسيطرة عليه، إلا أنَّ زيادة رفع أسعار الفائدة، قد يؤدي إلى ركودٍ اقتصادي شديدٍ، لاسيما إذا كان رفع أسعار الفائدة مستمرًا وبمعدلات مرتفعة.
وبحلول نهاية عام 2023، بدأ الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا بالتقاط أنفاسهم، وأدت الزيادات المستمرة في أسعار الفائدة، إلى انخفاض التضخم عن الذروة التي بلغها عام 2022.
وشهد الاقتصاد الأمريكي انخفاضًا في مستويات التضخم، بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، من دون حدوث حالة من الركود في الولايات المتحدة، إذ واصل أضخم اقتصاد في العالم نموه، وحافظ أصحاب الشركات، مدعومين بإنفاق استهلاكي قوي، على توفير فرص العمل بمعدلات جيدة. في حين بنك إنجلترا لم يرفع أسعار الفائدة شهر ديسمبر، ولم يعِد بخفِضها، على الرغم من أنَّ معدل التضخم انخفض إلى (4.6%) خلال عام 2023، بعد أن كان (11.1%) عام 2022[1].
قرر مجلس محافظي البنك المركزي الأوروبي هو الآخر، الإبقاء على أسعار الفائدة الثلاثة، (4%) و(4.5%) و(4.75%) من دون تغيير، قائلًا: إنَّ معدل التضخم (الأساسي) قد انخفض في الأشهر الأخيرة، لكنَّه على الأرجح سوف يرتفع مؤقتًا على الأمد القريب. ويرى المجلس أنَّ معدل التضخم (الرئيس) لعام 2023 البالغ (5.4%)، سوف ينخفض إلى (2.7%) في عام 2024، ثم إلى (2.1%) في عام 2025، و(1.9%) في عام 2026. معنى ذلك أنَّ هدف البنك ببلوغ معدل تضخم قدره (2%)، لن يتحقق إلا في عام 2026، إذ يبقى معدل التضخم (الرئيس) للعامين المقبلين، أعلى من هدف البنك. أمّا معدل التضخم (الأساسي)، الذي يستثني المواد المتقلبة الأسعار، فإنَّه سيبلغ، حسب التنبؤات، (5%) في 2023 و(2.7%) في 2024، و(2.3%) في عام 2025 و(2.1%) في عام 2026. ويعزو البنك سبب إبقاء أسعار الفائدة مرتفعة، على الرغم من انخفاض معدل التضخم، إلى أنَّ الضغوط السعرية ما تزال عالية، بسبب ارتفاع كلفة وحدة العمل[2].
وعلى المستوى العالمي، لم يلقَ معدل النمو ترحيبًا في السوق، لأنَّ ذلك يعني ضمنًا المزيد من الصعوبات، التي تواجهها البنوك المركزية في معركتها ضد التضخم. وعلى الرغم من تباطؤ وتيرة زيادات الأسعار على مدار العام، فإنَّ محافظي البنوك المركزية رفضوا تخفيف سياستهم النقدية، بل شددوها أكثر في سبتمبر/أيلول الماضي، ما أدى إلى تراجع احتمال خفض الفائدة، الذي كان يأمله المستثمرون.
وتبلورت فكرة خفض الفائدة في الأشهر الأولى من 2024 أخيرًا، في نوفمبر/ تشرين الثاني المنصرم، ما سمح لمؤشرات الأسهم العالمية، بتجربة أفضل شهر لها منذ (3) سنوات، وبانخفاض حادٍ في أسعار الاقتراض في الأسواق. يوضح مستشار إستراتيجية الاستثمار في مجموعة “بيكتيت إيه إم” كريستوفر ديمبيك، أنَّ توقُع السوق أن تخفض المصارف المركزية أسعار الفائدة، دون المرور بمرحلة من الركود الاقتصادي، كان له تأثير مباشر في الأسواق[3].
وأوضحت مجلة الإيكونوميست أنَّ التصدي للأسعار المتزايدة بلا هوادة، كان التحدي الأكبر عام 2023. مشيرة إلى نجاح دول، مثل: اليابان وكوريا الجنوبية في السيطرة على “التضخم الأساسي”، محافظة على الأسعار بشكل مستقر. أما في سويسرا، فقد ارتفع التضخم الأساسي بمعدل (1.3%) على أساس سنوي. وفي أماكن أخرى في أوروبا، ما زالت العديد من الدول تواجه ضغوطا جدية. لكن التضخم الأساسي في المجر، ارتفع بنسبة تفوق الـ (ـ11%) سنويًا، وهو ما تواجهه فنلندا على حد سواء، وتذكر الصحيفة أنَّ تقلصًا طرأ على منحنى انتشار التضخم في العالم، والذي يحسب نسبة ارتفاع أسعار العناصر في سلة المستهلكين، والتي ارتفعت أسعارها بأكثر من (2%) على أساس سنوي وهو أقل من المتوقع. وقالت الصحيفة: إنَّ البنوك المركزية التي رفعت أسعار الفائدة في 2022، كما حدث في تشيلي وكوريا الجنوبية، قبل الكثير من الدول الأخرى، جنت فوائد هذا الرفع في هذا العام، حيث انخفض معدل التضخم[4].
وأجرت المجلة تصنيفا لـ (35) دولة معظمها غنية، بناءً على (5) مؤشرات، بينها: معدلات التضخم، والناتج الإجمالي، والبطالة، وأداء سوق الأوراق المالية.
ومنحت “إيكونوميست” اليونان لقب “دولة العام 2023″، حيث نجحت أثينا في التغلب على
أزمتها الاقتصادية. ووصفت المجلة هذا الإنجاز “بالمذهل”. وفي ما يأتي ترتيب أول (10) اقتصادات عالميًا[5]:
وتتجه الأنظار حالياً إلى العام المقبل، الذي قد يشهد تغيرًا طال انتظاره على مدى عامين، من أجل خفض أسعار الفائدة، دون التسبب في ركود عنيف، إلا إذا كان لأي من العوامل الجيوسياسية رأي آخر، من شأنه عودة ارتفاع الأسعار من جديد.
الهوامش:
[1] (من أزمة البنوك إلى التضخم.. أهم الوقائع الاقتصادية في 2023) مقال منشور على الرابط : https://www.skynewsarabia.com/business/1679449
[2] (الحرب على التضخم بين الإقلاع والهبوط !) مقال منشور على الرابط : https://www.skynewsarabia.com/blog/1678669
[3] (الأسواق العالمية تتجنب الركود في 2023 وتوقع أداء أفضل في 2024) مقال منشور على الرابط : https://www.aljazeera.net/ebusiness/2023/12/22
[4] (أي اقتصادات العالم أفضل أداء في 2023؟) مقال منشور على الرابط : https://www.aljazeera.net/ebusiness/2023/12/19
[5] (الاقتصادات العالمية الأفضل أداء خلال 2023) مقال منشور على الرابط: https://arabic.rt.com/business/1523340-