م.م. علي زكي كامل
قسم الدراسات القانونية
جامعة كربلاء/ مركز الدراسات الاستراتيجية
كانون الثاني/ 2024
يمكن أن تكون إدارة المؤسسات هي أحد أكثر جوانب العمل تحديًا، إلا أنّها تكون مجزية في أغلب الأحيان، إذ لا بدَّ التساؤل حول ما إذا كانت هناك حاجة كبيرة، لخلق بيئة عمل مناسبة، كما أنَّ مكان العمل المستدام ضروري اليوم أكثر من أي وقت مضى، ولاسيما إزاء الكثير من الأزمات التي يتعرض لها العالم، والتي تؤثر سلبًا في انتاجية العمل، لذا فإنَّ محاولة إيجاد التوازن الصحيح بين جميع العاملين في المؤسسات، أصبحت حاجة ملحة في تنمية القدرات، لمواجهة الصعاب وبمختلف أنواعها، إذ تشير أغلب الدراسات الحديثة في التنمية المستدامة، إلى أنَّ مكان العمل المستدام هو المكان الصحي الذي ينتج عمالًا متحمسين وأكثر سعادة، مما يزيد من إنتاجية الموظف الدائمة، فإذا ما أرادت المؤسسات أن تكون ناجحة على المدى الطويل، فيجب إزالة الحواجز التي تعوق تنفيذ التنمية المستدامة، وينبغي أن يبدأ ذلك في مكان العمل.
الاستدامة في مكان العمل، هي نهج يتطلب القيادة والوصول إلى أهداف، تتجاوز القواعد واللوائح السطحية، فلقد تبنت العديد من المؤسسات في جميع أنحاء العالم، طريقة التفكير في هذه الاستدامة، لغرض استخدامها في عرض قيم الشركة، ووزن التأثيرات والنتائج، والتميز بشكل تنافسي، وتحسين أعمالها. وإنَّ دمج الاستدامة في المؤسسات، يوفر للمديرين والموظفين الفرصة لتحسين أعمالهم، وحماية العاملين لديهم، وتحقيق الاستدامة لمؤسستهم بأكملها، كما تعدّ الإدارة المستدامة للموارد الطبيعية ضرورية، لأنَّها تدعم الاستخدام الواعي والحذر للموارد، دون إساءة الاستخدام أو المساس باحتياجات الأجيال القادمة، فهناك إذاً ترابط عميق بين المؤسسات والمجتمع والبيئة في الواقع، إذ لا يمكن تحقيق تحسن طويل الأمد في الأداء الاقتصادي للمؤسسات والبلدان، إلا إذا تمت حماية الناس وكرامتهم، وتعزيز الرعاية الاجتماعية، وإدارة الموارد الطبيعية بشكل صحيح، والدفاع عن البيئة العالمية، وتشجيع نزاهة الأعمال. وفي الوقت نفسه، ستكون عن طريقه المؤسسات عاملًا ميسرًا إيجابيًا للتغييرات، من أجل تطورات النمو الاقتصادي والعلاقات الاجتماعية، والحفاظ على البيئة بطريقة متوازنة حقيقية. لذلك عندما تستخدم المؤسسات سلطتها لإحداث تغيير ملموس، فإنَّ ذلك يؤثر في حياة الآلاف من العاملين فيها، فضلًا عن تحسين مدى استيعابهم للعمل، ومن ثَمَّ يجعل ذلك التغيير أكثر سهولة وفعّالية، لأنَّ التنمية المستدامة مهمة للغاية بالنسبة للمديرين ومؤسساتهم، التي تعدّ جزءًا من قيمهم، وكجزء من إنتاجهم. يمكن تعزيز حلول الاستدامة على جميع مستويات الإدارة، ونتيجة لذلك فإنَّ الاستدامة في مكان العمل، تشرك الموظفين، وتقلل التكاليف، وتزيد الإنتاجية، وتعزز سمعة العلامة التجارية، وتجذب الموظفين، وتقلل من الهدر، فضلا عن الآثار المترتبة على صنع السياسات والاستراتيجيات، فإنَّ تشكيل أصحاب العمل الحاليين بعمليات وتقنيات مستدامة للشركات عبر مختلف الصناعات، سيؤدي إلى تحسين الإنتاج والعمل والمجتمع، وعليه فقد أصبحت الاستدامة جانبًا مهمًا من جوانب الأعمال، فأخذت الكثير من المؤسسات وفي جميع أنحاء العالم، تدرك أنَّها عن طريق معالجة القضايا البيئية والاجتماعية، ستحقق نموًا أفضل، ووفرة في القيمة، وتحسن شركاتها وسمعتها، وتعزز العلاقات التجارية، فيجب أن تكون هذه الخطة قادرة على تنمية الأعمال التجارية، وفي الوقت نفسه فعّالة بما يكفي، للحفاظ على البيئة الانتاجية للعمل وحمايتها.
وعليه لا يوجد هناك شيء اسمه مكان مثالي أو وظيفة مثالية، ولا يمكن لأي مؤسسة أن تحقق حقاً كل آمال موظفيها ورغباتهم، لذا من المفيد معرفة جوانب العمل الأكثر أهمية بالنسبة للعمال. وعلى الرغم من صعوبة ذلك، فقد حققت بعض المؤسسات في جميع أنحاء العالم، تقدمًا بالفعل بفضل حكم القادة، وخلق التوازن بين المصالح والوقت والاهتمام والمسؤولية، فيجب إذاً على المديرين التنفيذيين للمؤسسات، أن يسمحوا للعاملين بضرورة الاهتمام بالتنمية المستدامة، وتطويرها في مجال الأعمال، حتى يطلقوا تدفق المعلومات، ويوسعوا نقاط قوة العاملين، وينظروا إلى ما هو أبعد من مكاسب الربح الشخصية، ويثبتوا أنَّ العمل الجاد يستحق العناء، ويضعوا القواعد التي يمكن للناس أن يؤمنوا بها حقاً. وينبغي أن تكون المعايير المذكورة آنفًا، بمنزلة نقاط رئيسة لأولئك الذين يرغبون حقاً، في خلق بيئة عمل منتجة وشاملة ومجزية، ويمكن القيام بذلك بعدة طرق:
أولاً- قبل كل شيء، يمكن للقادة تحويل مكان العمل، عن طريق إنشاء علاقة مفتوحة بين الموظفين، بإنشاء مناسبات اجتماعية، وندوات لتطوير تعلم الموظفين، وخلق ثقافة التحسين المستمر، والترحيب بالأحداث للإدخالات الجديدة، لأنَّ الموظفين يحتاجون إلى أن يتذكروا أنَّهم بشر، وليسوا آلات، وأنَّ هناك العديد من الأشياء التي يمكن التحدث عنها مع الزملاء، والتي تتجاوز الموضوعات المتعلقة بالعمل.
ثانياً- لا تعمل التنمية المستدامة على تعزيز البيئة فحسب، بل تفيد المؤسسات وتساعد على تطوير علاقة إيجابية مع العملاء أيضًا.
ثالثاً- للاستدامة تأثير إيجابي في ولاء العملاء والموظفين، والسمعة، والابتكار، وإدارة المخاطر والعمليات، وكفاءة الموارد. وفي حين تدرك المؤسسات أنَّ الاستدامة تمثل فرصة للنمو، فإنَّها قد تصبح في نهاية المطاف قاعدة لاستثمارات أكبر.
رابعاً- إنَّ أهداف التنمية المستدامة هي أداة رائعة، وضعت لتوجيه المؤسسات، وتنبيههم إلى المستقبل، من أجل تطوير بيئة العمل، لأنَّ الاستدامة لا تكتمل في مرحلة رسمية، ولكنَّها تتجاوز ذلك، فهي تتعلق بكيفية تحقيق الأشياء. ولكي تكون أي مؤسسة مستدامة حقًا، يجب عليها التركيز في المدى الطويل، لأنَّ هناك جانبًا قويًا متجذرًا إلى جانب الاستدامة، وهو الإبداع والابتكار والتحديث، فالطريقة الوحيدة التي يمكن للمؤسسة أن تزدهر بها ولسنوات عديدة، هي التجديد المستمر وإعادة اختراع نفسها، بطرق تعزز الاستدامة والنمو، بشكل يحادث الأوضاع الجارية في البلاد، وطبيعة الأعمال التي تقوم بها المؤسسات.