أ.د. أحمد كاظم بريس
مدير مركز الدراسات الاستراتيجية
مقال شهر كانون الثاني _ 2024
عندما يسعى الأفراد العاملين في المنظمات وعلى اختلاف أنواعها، إلى تحقيق مصالحهم الشخصية سواء بصورة صريحة أو ضمنية، على حساب زملائهم أو المنظمات التي يعملون فيها، فإنَّهم بذلك يسلكون سلوكًا سياسيًا معينًا. إنَّ إيجابية السلوك السياسي أو سلبيته، تعتمد اعتمادًا كبيرًا على وجهة نظر الفرد الذي يدرك هذا السلوك، وهذا الأمر بالتأكيد يعتمد على المخزون المعرفي، والمنظومة الأخلاقية التي يعتنقها الفرد. ولأنَّ السلوك السياسي فعليًا لا يمكن التخلص منه بشكل كامل، بل يعدّ في أحيان كثيرة مهمًا لديمومة العمل الوظيفي، فإنَّ قادة المنظمات لا يسعون إلى التخلص منه بشكل كامل، بل يحاولون التخفيف من آثاره السلبية في الأفراد والمنظمات التي يقودونها.
إنَّ السلوك السياسي يتضمن السلوكيات (الايجابية أو السلبية) التي يمارسها الفرد، ولكنَّها ليست من ضمن المتطلبات الوظيفية، وتظهر هذه السلوكيات عندما يسود الغموض عملية اتخاذ القرار، أو محدودية الموارد التي تمتلكها المنظمات، أو ضعف النمط القيادي السائد في المنظمة، أو امتلاك الفرد الذي يمارس السلوك السياسي مفاتيح قوة معينة (معرفية أو شخصية أو وسائل ضغط خاصة)، تمكّنه من التأثير في القرارات التنظيمية، وحرفها نحو مصلحته الشخصية، أو مصلحة مجموعته (قسم معين)، علمًا أنَّ هذا الإجراء قد يدرك على أنَّه سلوك سلبي، أو قد يدرك على أنَّه سلوك إيجابي.
في سبيل زيادة إدراك السلوك السياسي في المنظمات، حاول الباحثون تقسيمه إلى عناصره الرئيسة، فكان من نتيجة ذلك أن تم تقسيمه إلى نوعين:
- السلوك السياسي العام: يشير إلى السلوك السياسي الذي يهدف إلى تحقيق منافع شخصية وبصورة علنية، على سبيل المثال نشر الاشاعات عن بعض الزملاء، أو عن المنظمة التي يعمل فيها الفرد.
- السلوك السياسي غير المباشر: يقصد به السلوك السياسي الذي يعتمده الفرد، عن طريق التوافق مع السلوكيات السياسية التي يتخذها الآخرون، وعدم معارضتها، على أمل تحقيق منافع شخصية، أمّا عن طريق مجارات الأشخاص في سلوكهم، أو أنَّ النتيجة النهائية لتلك السلوكيات، ستفتح لهم منافع شخصية.
وقد يبرز تساؤل حول الآثار السلبية للسلوك السياسي داخل المنظمات. بشكل عام، يشكل السلوك السياسي تهديدًا مباشرًا لكفاءة المنظمات وفاعليتها، فإذا تغلغل السلوك السياسي في منظومة صنع القرار، فإنَّ ذلك سيدفع بمتخذ القرار إلى التحيز لطرف على حساب الآخر، الأمر الذي سيدفع الكفوئين إلى مغادرة وظائفهم، فضلا عن شيوع حالة من التذمر بين العاملين، وانخفاض انتاجيتهم، وزيادة حالات التغيب، وانعدام الأمن الوظيفي.