م.م. علي زكي كامل
مركز الدراسات الاستراتيجية/ قسم الدراسات القانونية
شباط / 2024
بداية، لا بدَّ من معرفة ماذا يقصد بالذكاء الاصطناعي، الذي أخذ حيزًا كبيرًا جداً في هذه الفترة، وشغل العالم بأسره، عن طريق حجم الخدمات التي يحل محلها، في كثير من المجالات العلمية والعملية والمهنية الأخرى.
ويقصد بالذكاء الاصطناعي الذي يرمز له بالرمز (AI)، هو التكنولوجيا التي تمكن أجهزة الكمبيوتر والأجهزة الرقمية، من التعلم، والقراءة، والكتابة، والتحدث، والرؤية، والإبداع، واللعب، والتحليل، وتقديم التوصيات، والقيام بأشياء أخرى يفعلها البشر، فضلا عن ذلك، يشير الذكاء الاصطناعي إلى مجال علوم الكمبيوتر، الذي يركز في تطوير هذه التقنيات، ومع ذلك فإنَّ الذكاء الاصطناعي، في أبسط صوره، هو مجال يجمع بين علوم الكمبيوتر ومجموعات البيانات القوية، لتمكين حلّ المشكلات، ويشمل أيضًا مجالات فرعية للتعلم الآلي والتعلم العميق، والتي يتم ذكرها كثيرًا بالتزامن مع الذكاء الاصطناعي، تتكون هذه التخصصات من خوارزميات الذكاء الاصطناعي، التي تسعى إلى إنشاء أنظمة متخصصة، لإجراء تنبؤات أو تصنيفات بناءً على بيانات الإدخال.
ولكن تقدم التكنولوجيا بوتيرة سريعة، لدرجة أنَّ العديد من الوظائف أصبحت قديمة، يمكن أن يكون احتمالًا مخيفًا لدارسي العلوم الاكاديمية، الذين يحاولون اتخاذ قرار بشأن برنامج، للحصول على درجة علمية، حيث لا أحد يرغب في إنفاق الكثير من الوقت والمال على دراسته، ليجد، بعد كل شيء، أنَّ مهاراته ليست مطلوبة في سوق العمل، بسبب تطور الذكاء الاصطناعي، ودخوله في أغلب المجالات العلمية والأكاديمية وغيرها، على الرغم من أنَّه لا يوجد شيء مضمون، إلا أنَّ بعض المسارات الوظيفية ستكون مطلوبة دائمًا، وفيما يأتي بعض الخيارات التي تعدّ رهانات آمنة، عند اختيار ما يدرس مستقبلاً، بعيداً عن تدخلات الذكاء الاصطناعي، الذي لا يمكن أن يحل محل هذه التخصصات:
اولاً- الرعاية الصحية:
ليس هناك شك في أنَّ الذكاء الاصطناعي والأتمتة، يكتسبان شعبية في مجال الرعاية الصحية، ومع ذلك، فهي مناسبة بشكل أفضل لمهام، مثل: إدخال البيانات، وحفظ السجلات، وصرف الأدوية، وتتبع العلامات الحيوية للمرضى. ومن غير المرجح أن يتم استبدال المهام الأخرى، مثل: بناء علاقة بالصبر وتقديم الدعم العاطفي، وهذا يعني أنَّ درجات الرعاية الصحية للمهن، التي تنطوي على رعاية الأفراد والأسر والمجتمعات، ستظل دائمًا ذات قيمة، فهناك الكثير من الخيارات المهنية في مجال الرعاية الصحية، التي تتطلب ذكاءً اجتماعيًا أو عاطفيًا، فضلا عن التواصل البشري الذي لا تستطيع التكنولوجيا توفيره بعد.
ثانياً- العلاقات العامة:
يعد الذكاء الاصطناعي أمرًا جيدًا، لتوفير البيانات حول سلوك الجمهور، ولكن لا تزال هناك حاجة إلى متخصصين في العلاقات العامة للحصول على رؤاهم، إذ لا تزال العوامل البشرية، مثل: الإبداع، والتعاطف، ومهارات إدارة الأفراد، تؤدي دورًا أساسيًا، ومن غير المرجح أن تتم أتمتتها في أي وقت قريب تتغير الاتجاهات الثقافية باستمرار، ومتخصصو العلاقات العامة أفضل من الذكاء الاصطناعي، في معرفة كيفية استجابة الجمهور لدورة الأخبار اليومية، ومن المؤكد أنه يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي، كأداة لتسهيل عمل خبراء العلاقات العامة، ولكن في الوقت الحالي، على الأقل، ستكون هناك حاجة دائمًا إلى اللمسة الإنسانية.
ثالثاً- التعليم:
اكتسبت التكنولوجيا شعبية كبيرة في قطاع التعليم، لكنها بشكل عام تساعد المعلمين بدلاً من استبدالهم، ويمكنها التعامل مع مهام محددة، مثل: تخطيط الدروس، ووضع الدرجات، والتواصل، بشكل أكثر كفاءة باستخدام التكنولوجيا، ومع ذلك فإنَّ جزءً أساسيًا من التعليم لا يزال يتمثل في بناء العلاقات مع الطلاب، وتقديم الدعم العاطفي للطلاب المتعثرين في التعليم، إذ لدى الطلاب احتياجات عاطفية وتنموية مختلفة، فالإنسان هو أفضل بكثير في تحديد هذه الاحتياجات، والتكيف معها من الذكاء الاصطناعي.
رابعاً- القانون:
كانت هناك زيادة في استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في القانون، ولكن هذا يحدث بشكل رئيس في المجال شبه القانوني، وينطوي المجال القانوني على كمية هائلة من الوثائق، ولكن من غير المرجح أن يتولى الذكاء الاصطناعي، أدوار المحامين والقضاة والمستشارين القانونيين وغيرهم من المهنيين. يمكن أتمتة جوانب، مثل: البحث القانوني، وتحليل العقود ومع ذلك يجب أن يتمتع المهنيون القانونيون أيضًا، بمهارات إبداعية في حلّ المشكلات، ومهارات تواصل مقنعة، وقدرات على اتخاذ القرار الأخلاقي، إذ تتضمن الصناعة القانونية التعامل مع الكثير من البيانات السرية، وهناك العديد من قضايا الخصوصية، والأخلاقيات المتعلقة باستخدام الذكاء الاصطناعي، للتعامل مع هذا النوع من البيانات، وستكون هناك حاجة دائمًا إلى الإشراف البشري، لضمان التعامل مع العناصر المهمة والدقيقة بشكل صحيح.
خامساً- الطب النفسي:
في الطب النفسي يمكن للذكاء الاصطناعي المساعدة بطرق مختلفة، ولكن لا يمكنه أن يحل محل الطبيب النفسي المرخص بشكل كامل، إذ إنَّ القدرة على فهم الحالات النفسية المعقدة، والتعاطف عند التعامل مع المرضى، لا تزال بعيدة عن متناول الذكاء الاصطناعي، وتتضمن هذه المهنة أيضًا الكثير من السرية، والموافقة المستنيرة، وحالات الطوارئ المحتملة، التي من الأفضل التعامل معها من قبل البشر. يستطيع الأطباء النفسيون إلقاء نظرة شاملة على صحة مريضهم، وهو ما سيواجه الذكاء الاصطناعي صعوبة في تفسيره بالطريقة الدقيقة نفسها، فضلا عن ذلك، يحتاج المرضى الذين يحتاجون إلى رعاية نفسية، إلى الشعور بأنَّهم موضع فهم ودعم، وهو أمر صعب عند التعامل مع الذكاء الاصطناعي.
سادساً- إدارة الأعمال:
لقد كانت درجات إدارة الأعمال دائمًا، من بين مجالات الدراسة الأكثر شعبية وقيمة، وحتى مع ظهور الذكاء الاصطناعي، سيستمر هذا الاتجاه، وينطبق هذا بشكل خاص على المناصب القيادية في مجال الأعمال، إذ إنَّها تعتمد على الخبرة العملية، ومهارات التعامل مع الأشخاص، إذ ستكون اللمسة الإنسانية مطلوبة دائمًا في عالم الأعمال. ومع استخدام الذكاء الاصطناعي، يمكن لمن يشغلون مناصب قيادية، التركيز بشكل أكبر في إدارة الأشخاص وبدرجة أقل على الجانب الإداري للأشياء.
وعليه يمكن القول: إنَّ من الضروري أن نكون جميعنا مستعدين بشكل مناسب للمستقبل، إلا أنَّه من المستحيل التنبؤ بدقة، بالوظائف التي سيكون الطلب عليها وأيها قد ينخفض، على سبيل المثال، قلة قليلة من الناس يمكنهم التنبؤ، بأنَّ الذكاء الاصطناعي سيؤثر بشكل كبير في المجالات الإبداعية، مثل: الفن، والرسوم المتحركة، أو عند اختيار ما سيتم دراسته، لذا فإنَّ اختيار المجال الذي ستستمتع به، وتجد فيه الرضا لا يزال مهمًا، ومع ذلك قد يكون من المفيد أيضًا دراسة موضوعات، مثل الذكاء الاصطناعي، حيث سيصبح استخدامه سائدًا في جميع المجالات تقريبًا، وقد يكون فهم كيفية تسخيره لاستخدام الوظيفة، أمرًا لا يقدر بثمن، والذي لا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحل هذا المحل في هذه المجالات، مهما تطور العلم الاصطناعي بذلك.