أ.م. علي مراد النصراوي / قسم إدارة الأزمات
آذار/ 2024
عن طريق استحضار التجارب لاسيّما السياسية منها، يظهر أن عامل الاستقرار هو من أكثر الأمور التي تشغل حيزاً لدى المهتمين، وفقدانه يؤدي إلى شلل في مجمل الفعاليات الأخرى، لذا عند توافر الاستقرار سواء الأمني أو السياسي أو الاجتماعي، فإنَّ آفاق النجاح تبدأ نتائجها، والعكس صحيح عند غياب الاستقرار تبقى العجلة تدور في المسار نفسه. وأحد أهم صور غياب الاستقرار في العراق، هو عامل القانون الانتخابي العادل، فبعد التغيير السياسي عام 2003، وفي إطار التحول نحو النظام الديمقراطي، والشروع بنقل السلطة للعراقيين عبر التداول السلمي للسلطة، التي طالما انتظرها العراقيون، وأولى تلك الخطوات تكون عبر انتخابات تضمن مشاركة أوسع للشعب في هذا الاستحقاق الدستوري، إلا أنَّ المعضلة الأكبر كانت التخبط والاتفاق على قانون انتخابي، يتكيف والمرحلة الحرجة التي خاضها العراق، والارباك هذا قد أدى إلى غالبية المشكلات التي رافقت العملية السياسية منذ عام 2003 إلى اليوم، وبداية ذلك صار التوجه نحو القائمة المغلقة والدائرة الواحدة، وكانت تجربة شابها الكثير من التشوهات، ليتم بعدها الدفع بتبني القائمة المفتوحة والدائرة الواحدة، إلا أنَّ ذلك لم يعالج جذر المشكلة التي جرى تشخيصها آنفًا، وما إن تمسك جهة أو جهات سياسية زمام السلطة، سرعان ما تتجه نحو تغيير القانون الانتخابي، بما تعتقد أنّه يخدم مصالحها، وهذا الأمر قد أضرَّ كثيراً، لكون أنَّ دولًا عديدة حول العالم، مضت على قانون انتخابي واحد منذ تأسيسها، أو ما بين مرحلة وأخرى، بما تقتضيه المصالح العليا للدولة، أو عند الانتقال من مرحلة إلى أخرى، أمّا العراق ومنذ البداية، لم يضع قانونًا يلائم المرحلة، حتى صار الناخب العراقي ما إن يتكيف مع قانون، إلا جرى تغييره، وهذا ما يفقد الثقة بالعملية الانتخابية، والثقة بالمخرجات، والموضوع ليس له علاقة بنزاهة تلك الانتخابات، بل بالثقة في تلك العملية. فقانون سانت ليغو الذي جرى تعديله في كل انتخابات، عبر التحكم بالمعادلة الرياضية، وربما التغيير الوحيد خارج سانت ليغو في انتخابات مجلس النواب لعام 2021، عبر تبني الدوائر المتعددة، ليتم بعد ذلك العود لسانت ليغو في انتخابات مجالس المحافظات لعام 2023، مع زيادة تقسيم الأصوات الصحيحة على (1.7)، في محاولة لحصد أكبر عدد من الأصوات، وقطع الطريق أمام القوائم الانتخابية الناشئة، عبر تشجيع القوائم الكبيرة والمتوسطة، وهذا بحد ذاته، عليه الكثير من الملاحظات، فكثرة التغيير والتلاعب بطريقة التقسيم، تفقد القانون جوهره وهدفه.
وبعد نتائج انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة، التي أفرزت خريطة سياسية ذات تركيبة لم ترضِ بعضًا من الكتل السياسية، وبطبيعة الحال هذه الكتل أولى طرق المعالجة التي تبادر لها، هي الاسراع في تغيير قانون الانتخابات، بدل أن تراجع سياساتها التي أدت إلى عدم تحقيق النتائج التي كانت تتوقعها، وإجراء مراجعة شاملة بهدف التصحيح، وعلى هذا الأساس فما يطرح اليوم، هو الأقرب أن تتجه الأحزاب والقوى السياسية، نحو إجراء تغيير لقانون الانتخابات، وأبرز ما يطرح اليوم هو العودة نحو الدوائر المتعددة مع ادخال بعض التعديلات.