الولايات المتحدة الامريكية وحرب غزة .. الموازنة بين مصالحها وحماية اسرائيل

      التعليقات على الولايات المتحدة الامريكية وحرب غزة .. الموازنة بين مصالحها وحماية اسرائيل مغلقة

 

أ.م.د. حمد جاسم محمد

قسم ادارة الازمات

مركز الدراسات الاستراتيجية –جامعة كربلاء

ايار 2024

كانت ولا زالت منطقة الشرق الاوسط ذات اهتمام كبير للعديد من دول العالم، فهذه المنطقة وبما تحويه من موارد للطاقة (نفط وغاز) وموقع استراتيجي يتوسط قارات العالم وسوق واسعة للشركات العالمية اصبحت ساحة تنافس بين الولايات المتحدة ودول الكبرى الاخرى مثل روسيا والصين، لهذا فهي لا تتوانا بين فترة واخرى من طرح مشاريع وعقد اتفاقيات مع دول المنطقة بل وصل الامر الى الاحتلال العسكري كما في حالة افغانستان والعراق، او التواجد العسكري بحجج واهية كما هو الحال في سوريا، وبعد انسحاب بريطانيا من منطقة الخليج العربي في سبعينات القرن العشرين حلت محلها الولايات المتحدة الامريكية واصبحت المنطقة احدى ركائز القوة الامريكية، ولأهميتها نشرت الولايات المتحدة عشرات القواعد العسكرية اضافة الى دعم الانظمة السياسية في المنطقة بغض النظر عن شكلها ومقبوليتها لدى شعوبهم، اضافة الى ذلك اصبحت الولايات المتحدة الامريكية الداعم الاساس للكيان الصهيوني في المنطقة ودخلت بشكل مباشر في كل الحروب التي خاضها في المنطقة من خلال امداده بالأسلحة والاموال والدعم الدبلوماسي في المنظمات الدولية، بل وصل الامر الى الضغط على دول المنطقة كما في ( الامارات والبحرين) والسعودية حاليا  للتطبيع مع الكيان الصهيوني من اجل تشتيت جهود المقاومة العربية والاسلامية وضرب وحدتها، بل عملت بالتعاون مع الكيان الصهيوني على تشكيل اكبر منظمة ارهابية عرفتها البشرية وهي داعش الارهابية تحت مسميات اسلامية وزجها في المنطقة من اجل دعم تواجدها العسكري الغير الشرعي.

ان اندلاع احداث غزة في 7 اكتوبر 2023، وما تلاها من احداث دموية ومأساوية، اذ وصل عدد الشهداء الى عشرا ت الالاف والجرحى الى اكثر من 80 الف جريح والمفقودين والمقابر الجماعية وتدمير البنى التحتية والمستشفيات، والمدارس، ومنذ اليوم الاول للحرب فان الادارة الامريكية حركت اساطيلها البحرية وقواتها العسكرية بالقرب من الكيان الصهيوني وذلك لمنع اي قوة من الدخول في المواجهة الى جانب الفلسطينيين، اضافة الى الدعم العسكري والمالي الذي وصل الى مئات المليارات من الدولارات والدعم الدبلوماسي، اذ منعت صدور قرارات وقف اطلاق النار في غزة وصوتت ضد ادخال اي مساعدات انسانية بل وصل الامر الى تهديد المنظمات الدولية مثل محكمة العدل الدولية والجنائية الدولية من اصدار اي قرار ضد الكيان الصهيوني وقادته، وكل ذلك كان تحت انظار ومسامع الحكام العرب.

ان تطور الاحداث في حرب غزة المستمرة لأكثر من نصف عام، وتداخل احداث في المنطقة معها جعل مصالح الولايات المتحدة في خطر حقيقي واجبر صناع القرار فيها على البحث عن موازنة بين حماية مصالح الولايات المتحدة الامريكية وبين حماية الكيان الصهيوني، اذ ان تطور الاحداث في حرب غزة وتبعاتها اعادة تفكير الادارة الامريكية وسعيها للبحث عن حماية مصالحها، ومن هذه الاحداث هي:

  • عدم تحقيق اي هدف اعلنه قادة الكيان المحتل ولا سيما اطلاق سراح الرهائن وتدمير حماس، بل وصل الامر الى الاضرار بسمعة الولايات المتحدة والدول الغربية نفسها وعدها شريك في هذه الجرائم، اذ ان تقديم نيكاراكوا دعوة امام محكمة العدل الدولية ضد المانيا لدعمها الكيان الصهيوني بالسلاح بعد دعوى جنوب افريقيا ضد الكيان نفسه وكسبها القضية، كذلك ان الدعوى المقدمة امام المحكمة الجنائية الدولية ضد قادة الكيان الصهيوني واحتمال اصدار القاء قبض بحقهم لارتكابهم جرائم حرب وابادة جماعية ضد شعب غزة.
  • دخول حزب الله في لبنان وانصار الله الحوثيين على خط المواجهة من خلال توجيه ضربات مستمرة الى داخل الكيان الصهيوني وضرب كل سفينة متجه الى موانئه وما سببه من شلل للتجارة الدولية عبر البحر الاحمر والمحيط الهندي ووصول التهديدات الى استهداف السفن التجارية في البحر الابيض المتوسط، اذ ان فتح جبه جديدة مع حزب الله الذي يمتلك ترسان اسلحة اكثر فتكا وتطورا سوف يكون ضربة موجعة للكيان الصهيوني وخطر كبير على المصالح الامريكية في المنطقة.
  • يضاف اليه وصول المواجهة بين ايران والكيان الصهيوني الى حافة الحرب المباشرة بعد احداث استهداف القنصلية الايرانية في دمشق ورد ايران المباشر على الكيان الصهيوني وما قد تقود له المواجهات الى ضرب استقرار وتوسع الحرب الى مناطق اخرى وما يسببه ذلك من دخول مبار للولايات المتحدة الحرب وتبعاتها على مصالحها في المنطقة، ان وصول الصواريخ والطائرات الايرانية بصورة مباشرة الى قلب الكيان الصهيوني هي ضربة استراتيجية للولايات المتحدة الامريكية وتحدي مباشر لهيمنتها كذلك تهديد مباشر لمصالحها في الخليج العربي التي هي على بعد كيلو مترات من ايران.
  • اندلاع المظاهرات والاحتجاجات في الجامعات الامريكية ولا سيما في جامعات عريقة ومهمة، وطريقة تعامل الادارة الامريكية وقوات الشرطة معها من اقتحام الحرم الجامعي واعتقال الطلبة بشكل تعسفي، سلط الضوء على خطورة عدم استقرار الداخل الامريكي وشوه صورة امريكا ونها بلد الديمقراطية كما تدعي، ويذكر كذلك بأيام حرب فيتنام وكيف كان لهذه الجامعات دور في انسحاب الولايات المتحدة منها وانهاء الحرب، كذلك وقوف بعض اعضاء مجلس النواب والشيوخ علنا ضد الدعم الامريكي المتواصل للكيان الصهيوني رغم المجازر في غزة، فقد ادرك عدد من اعضاء الادارة الامريكية وصناع القرار فيها ان التركيز يجب ان يكون على حماية المصالح الامريكية وسمعتها في المنطقة واستمرار تواجدها بقوة لحماية هذه المصالح.
  • كثرت الدعوات الاقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967، سوى على مستوى الامم المتحدة والمنظمات الدولية الاخرى، او على دول العالم الاخرى ولا سيما الدول الغربية وحلفاء الولايات المتحدة في مناطق اخرة والتي تشكل اهم حلفاء الولايات المتحدة الامريكية، بل ان اغلب دول العالم اعلنت تعاطفها مع القضية الفلسطينية ومع اقامة دولتهم المستقلة، اذ كان الرفض الامريكي باستخدام الفيتو في مجلس الامن ضد اقامة دولة فلسطينية ضربة كبيرة للجهود الدولية والاقليمية لإنهاء الحرب ووقف المجازر، واصبحت الولايات المتحدة وحدها في ميدان الحرب الى جانب الصهاينة.
  • تعد روسيا من اكثر الدول التي استفادت من الحرب في غزة، فهي من جهة اصبحت تدعم القضية الفلسطينية علنا وتدعوا الى اقامة الدولة الفلسطينية، كذلك ان ظهور الوجه الحقيقي للولايات المتحدة ودعمها للمجازر الصهيونية امام العالم قد حول الانظار من حرب اوكرانيا الى غزة وما يدور فيها، كذلك ان الدعم الامريكي الغربي العسكري لأوكرانيا قد انخفض الى مستويات متدنية جدا وهو ما عزز من موقف روسيا العسكري وتحقيقها مكاسب هامة على جبهات القتال، كل ذلك اصبح خطر يهدد اوروبا من جهة والمصالح الامريكية فيها من جهة اخرى، وهو ما جعل الادارة الامريكية تبحث عن حلول سريعة لإنهاء الصراع في غزة والتركيز على جبهة اوكرانيا.
  • التنافس الامريكي الروسي في افريقيا وصل الى مديات خطرة واصبح ينذر بمواجهة عسكرية مباشرة محتملة، اذ اصبح التراجع الامريكي في افريقيا واضح للعيان بعد طلب قادة الانقلاب في كلا من النيجر ومالي وبوركينا فاسو اضافة الى تشاد من القوات الامريكية المتواجدة فيها الى مغادرة اراضي دولهم واحلال قوات روسية محلها وهي قوات فاغنر التي اصبحت تنتشر في اغلب الدول الافريقية جنوب الصحراء، بل ان رهان الولايات المتحدة على حلفاءها في دول المجموعة الاقتصادية لغرب افريقيا (ايكواس)، لإنهاء الانقلابات في دول النيجر ومالي وبوركينا فاسو قد فشل وقد الغت هذه المجموعة العقوبات الاقتصادية التي فرضتها، كما ان دخول قوات روسية الى قاعدة جوية امريكية (القاعدة 101) في النيجر وتمركزهم فيها الى جانب القوات الامريكية لحين انسحاب الاخيرة منها، وهو ما شكل تهديد مباشر لهم.

ان تراجع النفوذ الامريكي الواضح في بعض مناطق الصراع في اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية اضافة الى حالة الغضب في العالم الاسلامي من سياساتها الداعمة للكيان الصهيوني المحتل، جعل منها تركز على اهم منطقة لديها وهي الخليج العربي وتحاول بكل السبل تامين مصالحها، اذ ان زيارة وزير الخارجية الامريكية (انتوني بلينكن) في 29/4/2024 الى السعودية وعقد لقاء قمة مع دول قطر ومصر والاردن والسعودية، ومن اهداف الزيارة مناقشة حرب غزة والضغط على رئيس الوزراء الصهيوني وحركة حماس للقبول بخطة وقف اطلاق النار، كذلك بحث التطبيع السعودي مع الكيان الصهيوني، اضافة الى مناقشة التعاون الاستراتيجي الامريكي السعودي حول القضايا الدولية والاقليمية، والقضايا الثنائية مثل الحماية الامريكية لها وتزويدها بالأسلحة المتطورة كذلك دعم مسعى الرياض في بناء مفاعلات نووية سلمية، التعاون الاقتصادي، كذلك زيارة مدير المخابرات المركزية الامريكية (وليام بيرنز) الى القاهرة ولقاءه المسؤولين المصريين وارسال حركة حماس وفدا عنها الى القاهرة لبحث مقترح وقف اطلاق النار مع (بيرنز)، كل ذلك يكشف عن سباق الادارة الامريكية لتدارك الامر والتركيز على مصالحها في الشرق الاوسط ومنع اي انزلاق للأوضاع يضر بمصالحها وحمايتها، وان لا يكون الدعم المقدم لإسرائيل يكون على حسابها بل ان تسيرا في نفس الاتجاه على اقل تقدير.