م. د. وسام حصن جواد
باحث في قسم إدارة الأزمات
جامعة كربلاء/ مركز الدراسات الاستراتيجية
تشرين الأول/ 2024
تُعد الصراعات والحروب بشكل عام، سواء الدولية منها أو المحلية، المصدر الرئيس للتقلبات الاقتصادية، والسياسية، التي تشكل خطرًا مباشرًا أو غير مباشر، على الدول المتنازعة، وكذلك الدول الداخلة في دائرة الصراع، من الناحية الاقتصادية والسياسية، فمخرجات الحروب والصراعات سبب في دمار البنى التحتية لتلك الدول، مثل: الجسور، والمصانع، وطرق التواصل، مما يسبب في إبطاء عملية الانتاج، والاستيراد. كذلك تؤثر الحروب في مستوى التجارة المحلي، والإقليمي الدولي، بسبب مجموعة من العوامل، مثل: ارتفاع التأمين، والنقل، وانخفاض الانتاج الزراعي، والصناعي، مع تراجع الاستثمار المحلي، والدولي، بسب عدم وجود بيئة مستقرة، تزداد معها هجرة الكفاءات، ونزوح رؤوس الأموال إلى بيئات أكثر أمانًا، واستقرارًا. ومن الناحية السياسية، فالحروب تؤدي إلى ارتفاع الانفاق العسكري، وزيادة موازنته. إنَّ هذا التصعيد العسكري من شأنه أن يعيد إلى الأذهان، الحرب القائمة بين روسيا وأوكرانيا 2022، الممتدة إلى أجل غير مسمى، والعقوبات الاقتصادية التي تمَّ فرضها على روسيا، والسياسة النقدية للغرب في التعامل مع الأحداث، وزيادة معدلات زيادة الإنفاق، والتمويل العسكري، بشكل وحشي لكلا الدولتين على حساب ترشيد الانفاق للخدمات الأساسية الأخرى، مثل: التعليم، والبنى التحتية، والخدمات…الخ، والانخفاض الحاد بالروبل الروسي، ووصوله إلى أدنى مستوياته، وكذلك الحال للـهريفنا الاوكرانية ووصولها إلى أدنى مستوياتها أمام الدولار الأمريكي، واليورو الاوربي. وأيضًا الصراع بين الجانب الفلسطيني والكيان الصهيوني في 7 أكتوبر2023- 2024، أثَّر تأثيرًا سلبيًا واضحًا في الاقتصاد الفلسطيني، فتشير التقديرات الأولية من الحرب، إلى أنَّ (61%) من فرص العمل في غزة، و(20%) بالضفة الغربية، فقدت خلال أول شهرين من الحرب، وتشير آخر الإحصائيات لمنظمة العمل الدولية، والجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، إلى فقدان أكثر من (507.000) ألف وظيفة في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة بسبب الحرب، والذي ينعكس على المنطقة، وله تأثير مباشر في فلسطين، وبشكل غير مباشر في لبنان، مع فرض عدم حدوث مستجدات جوهرية، من شأنها تغيير حدة الصراع على دول المنطقة ككل. وكذلك الاقتصاد اللبناني الذي يعاني من أزمة اقتصادية منذ عام 2019، يواجه انخفاضًا حادًا في قيمة الليرة، الذي بلغ أكثر من (90%) مقابل الدولار الأمريكي، فلبنان في وضع هش جدا، مع تزايد حدة الصراع، وإيقاف الموانئ والمطارات، وقلة الغذاء والدواء، وتزايد فقدان فرص العمل، أي تأثير الحرب في القطاع المصرفي اللبناني، سيكون مدمرًا، إذ تواجه البنوك اللبنانية تحديات في الحفاظ على الاستقرار المالي، وهذا شبه مستحيل، أو المستحيل نفسه، في ظل الأزمة الحالية، وتصاعد الاشتباكات بين الأطراف. وكذلك هو الحال للجانب الإسرائيلي، الذي كلفته الحرب لحد الآن أكثر من (67.3) مليار دولار، وفي تزايد مستمر، مع انخفاض ملحوظ بقيمة الشيكل الإسرائيلي بنسبة (0.5%) مقابل الدولار، عقب الغارات على لبنان، وعجز بالميزانية الإسرائيلية بنسبة (3.24%) مليار دولار، كما صرحت وزيرة المالية الاسرائيلية سابقًا. وبما أنَّ العراق جزء أساسي في المنطقة، ويشكل مفصلًا حيويًا لدول المنطقة، بحكم طبيعة تكوينه السياسي، والاقتصادي، والمجتمعي، فإنَّ هذا الصراع سيكون له الأثر الواضح في العراق، من الجانب السياسي، والاقتصادي بشكل عام، وفي سعر الصرف للدينار العراقي، وهذا الأمر مهم بالوقت الحالي، مع الأخذ بنظر الاعتبار تذبذب سعر الصرف للدينار العراقي، خلال الغارات على لبنان، ليعيد إلى الأذهان الأزمات، والصراعات الداخلية والخارجية، التي مرَّت على الاقتصاد العراقي، وأسهمت في عدم استقرار البيئة الاقتصادية العراقية. وهناك عدة أسباب مهمة للصراع الحالي، التي من شأنها أن تؤثر في سعر الصرف للدينار العراقي، وهي:
- أسعار النفط:
بما أنَّ العراق يعتمد اعتمادًا كبيرًا ومباشرًا، على عوائد الصادرات النفطية لتمويل الموازنة السنوية العامة للبلاد، بالاعتماد على تحديد سعر البرميل النفطي، مع افتراض ثبات أسعار النفط أو تغيرها بشكل طفيف من جهة، واستقرار المنطقة من الناحية الاقتصادية، والسياسية من جهة أخرى. لذا أي صراع أو نزاع في المنطقة، يمكن أن يؤثر في أسعار النفط العالمية، والنزاعات والحروب النوعية والمفتوحة قد تؤدي إلى تقلبات في الأسعار النفطية، بسبب المخاوف من تضرر إمدادات السوق العالمية للنفط، مما قد يؤدي إلى انخفاض أو ارتفاع الإيرادات النفطية العراقية بشكل كبير، حسب طبيعة النزاع، ودرجة تأثيره في المنطقة، إذ إنَّ الانخفاض بأسعار النفط، سيؤثر سلبًا في الاقتصاد العراقي، ويضع ضغطًا على سعر صرف الدينار، بسبب تقليص الإيرادات العامة. والصراع الحالي المتمثل بالجانب الفلسطيني- اللبناني مع الكيان الصهيوني، وتسارع الأحداث، وحدة الصراع، واحتمالية دخول طرف حيوي دولي في هذا الصراع، المتمثل بالجانب الايراني بشكل مباشر أو غير مباشر، مع امكانية استهداف المنشأة النفطية الايرانية، أو تعرض الخطوط الناقلة للدمار أو التخريب، الأمر الذي ستكون تداعياته وتأثره في أسعار النفط بشكل مباشر. وبما أنَّ أسعار الصرف للدينار العراقي شهدت في الوقت الماضي ثباتًا نسبيًا قصيرًا، وعلى الرغم من تصاريح البنك المركزي العراقي في التعاقد مع شركة دولية مختصه في إدارة البنوك، ومراجعة شاملة للأوضاع المالية، لاسيَّما البنوك التي طالتها العقوبات الأمريكية، إلا أنَّه لا يزال أمام العراق استقرار على المدى الطويل من جوانب عدة، لغرض الوصول إلى الاستقرار النقدي، الأمر الذي قد يكون من شأنه زيادة فرص التأثر بالصراع القائم بين الجانب الفلسطيني –اللبناني مع الكيان الصهيوني، مع دخول ايران في خط المواجهة، بسبب اعتماد العراق بشكل كبير على العوائد النفطية، وعدم وجود البدائل للإيرادات.
- التضخم:
إنَّ الصراعات والحروب تؤدي إلى اضطرابات في طرق الإمداد للسلع، والبضائع المستورة، مع هذا الارتفاع يقابله قلة الانتاج في منطقة الصراع الفلسطيني –اللبناني مع الكيان الصهيوني. وفي ظل هذا الارتفاع، وصعوبة الاستيراد قد يواجه العراق ضغوطًا تضخمية، هذا التضخم يمكن أن يؤدي إلى تراجع قيمة الدينار العراقي، ولاسيَّما إذا لم تكن هناك استجابة نقدية قوية من البنك المركزي العراقي.
- الاستثمار الأجنبي:
إنَّ التوترات الإقليمية غالبًا ما تؤدي إلى تراجع الاستثمارات الأجنبية بشكل عام، في المناطق التي تشهد صراعات ونزاعات داخلية أو خارجية، وفي ظل تراجع الاستثمارات في لبنان وفلسطين، وبما أنَّ العراق ليس استثناءً كونه يشكل جزءًا من الصراع اللبناني –الفلسطيني مع الكيان الصهيوني، عن طريق مدّ جسور الإسناد المعنوية، واللوجستية، للشعب اللبناني والفلسطيني، قد تنخفض الاستثمارات الأجنبية (مع قلتها في الاصل)، في حال تعرض العراق لأي طارئ، الأمر الذي قد يؤدي إلى انخفاض تدفقات العملات الأجنبية، مما يؤثر في الاحتياطيات النقدية العراقية، ويؤدي إلى ضغوط حادة على سعر الصرف للدينار العراقي. لذا فإنَّ الحرب اللبنانية- الفلسطينية – الإسرائيلية، قد تخلق ضغوطًا وتحديات اقتصادية– سياسية على العراق، عن طريق عدة قنوات كأسعار النفط، والتضخم، وتراجع الاستثمارات، مما قد يؤثر سلبًا في استقرار سعر صرف الدينار العراقي، وتقلبات أسعاره بشكل سريع وغير متنبأ بها.
- السياسة النقدية:
من الممكن أن تستجيب السلطة النقدية في العراق، إلى التغيرات الناتجة عن الصراع الفلسطيني-اللبناني- الكيان الصهيوني، مع امكانية تسارع وتيرة الأحداث، إلى التعديل وقد يكون في سعر الفائدة، أو التدخل في السوق، أو مع امكانية فرض عقوبات إضافية على بعض البنوك العراقية، مما يؤدي إلى التأثير في سعر صرف الدينار العراقي. ومن ثَمَّ فإنَّ الحرب الفلسطينية-اللبنانية مع الكيان الصهيوني، قد تخلق ضغوطاً وتحديات متعددة الأبعاد، على ثبات سعر الصرف للدينار العراقي، مع الأخذ بنظر الاعتبار التقلبات الاقتصادية، والسياسية، الملحوظة، والسريعة، التي من شأنها أن تسهم بشكل فاعل في عدم استقراره، وعدم التنبؤ بقيمته النقدية.