قمة مجموعة البريكس (BRICS) 2024 في روسيا

      التعليقات على قمة مجموعة البريكس (BRICS) 2024 في روسيا مغلقة

 

أ.م.د فراس حسين علي الصفار

باحث في قسم إدارة الأزمات

مركز الدراسات الاستراتيجية/ جامعة كربلاء

تشرين الأول/ 2024

اختتمت في مدينة قازان الروسية، الخميس 24 تشرين الأول 2024، أعمال القمة السادسة عشر لمجموعة البريكس 2024، تحت شعار (تعزيز التعددية من أجل التنمية والأمن العالميين العادلين)، والتي استمرت ليومين (22-24 تشرين الأول)، بمشاركة أعضاء المجموعة: روسيا، والصين، والبرازيل، والهند، وجنوب أفريقيا، والأعضاء الخمسة الجدد الذين تمَّت إضافتهم، ابتداءً من الأول من كانون الثاني 2024، وهم: إيران، واثيوبيا، ومصر، والإمارات، والسعودية، بالرغم من أنَّ الأخيرة لم تنضم انضمامًا رسميًا للمجموعة، لكنَّها تشارك في أنشطة المنظمة كدولة مدعوة.

لقد أُسست مجموعة البريكس في بداية الأمر، لتسليط الضوء على فرص الاستثمار، بين الدول الناشئة الأكثر نموًا في العالم، إذ تجتمع حكوماتها سنويًا في قمم رسمية، لتنسيق السياسات المتعددة الأطراف بينها منذ عام 2009. وبمرور الزمن حدثت تطورات لأهداف المجموعة، لتهتم بالاقتصاد، والسياسة، والأمن، ومواجهة القطبية الأحادية في العالم.

تضم دول البريكس مجتمعة حوالي (30%) من مساحة الأرض في العالم، و(45%) من سكان العالم. تمتلك جنوب إفريقيا أكبر اقتصاد في إفريقيا، في حين تعد البرازيل، والهند، والصين، من بين أكبر عشر دول في العالم، من حيث عدد السكان، والمساحة، والناتج المحلي الإجمالي الاسمي، ومن حيث تعادل القوة الشرائية. إذ برزت روسيا كأكبر اقتصاد في أوروبا، في أحدث سنة مالية. جميع الدول الأعضاء الخمس الأولية، هي أعضاء في مجموعة العشرين، مع ناتج محلي إجمالي اسمي يبلغ (28) تريليون دولار أمريكي (حوالي (27%) من الناتج المحلي الإجمالي العالمي)، وإجمالي الناتج المحلي (تعادل القوة الشرائية) يبلغ حوالي (65) تريليون دولار أمريكي ((33%) من الناتج المحلي الإجمالي العالمي تعادل القوة الشرائية)، وما يقدر بنحو (5.2) تريليون دولار أمريكي في الاحتياطيات الأجنبية المجمعة (ابتداءً من عام 2024).

تعدّ دول البريكس المنافس الأبرز لمجموعة الدول السبع الكبرى، التي تضم الاقتصادات المتقدمة الرائدة، وتنفذ مبادرات متنافسة، مثل: بنك التنمية الجديد، واتفاقية الاحتياطي الطارئ لمجموعة البريكس، وأجور البريكس، والنشر الإحصائي المشترك لمجموعة البريكس، وعملة سلة الاحتياطي لمجموعة البريكس.

لقد صرَّح الرئيس الروسي، بصفته رئيس المجموعة للدورة الحالية: “لقد سعينا إلى تعزيز نفوذ المجموعة، وتعزيز دورها في الشؤون العالمية، وفي معالجة المشكلات العالمية، والإقليمية الملحة. لقد بذلنا كل ما في وسعنا لتعميق التعاون المتعدد الأوجه بين دولنا، في ثلاثة مجالات واسعة: السياسة والأمن، والاقتصاد والمالية، والاتصالات الثقافية والإنسانية. وبذلنا كل جهد ممكن لضمان اندماج الأعضاء الجدد بسلاسة، وبأكمل وجه ممكن في صيغ مجموعتنا”.

وتشارك في الاجتماعات (36) دولة، بينها (22) على أعلى مستوى، وقيادات (6) منظمات دولية، يناقشون قضايا التفاعل بين دول الأغلبية العالمية، في حلّ الأزمات الملحة، بما في ذلك تحسين بنية العلاقات الدولية، وضمان التنمية المستدامة للأمن الغذائي والطاقة، فضلًا عن الوضع المتفاقم في الشرق الأوسط.

وتتلخص أهم ما تمَّ طرحه في الاجتماعات الموسعة، ما يأتي:

– الاقتصاد العالمي:

إنَّ التجارة العالمية، والاقتصاد العالمي بشكل عام، يشهدان تغيرات جوهرية. وعلى الجانب الإيجابي، يتحول مركز النشاط التجاري تدريجيًا نحو الأسواق النامية، ويتطور نموذج متعدد الأقطاب، مما يؤدي إلى توليد موجة جديدة من النمو، في المقام الأول في بلدان الجنوب والشرق العالميين، وكذلك في بلدان مجموعة البريكس. ولكن لا تزال هناك إمكانية كبيرة لوقوع أزمة، ليس فقط بسبب التوترات الجيوسياسية المتصاعدة، بل أيضًا بسبب النمو المستمر لأعباء الديون في البلدان الصناعية، واتساع نطاق ممارسة العقوبات الأحادية الجانب، والحمائية، والمنافسة غير العادلة. ومن بين النتائج المباشرة لهذا، تفتت التجارة الدولية، وسوق الاستثمارات الأجنبية المباشرة، لاسيَّما في البلدان النامية.

وتشهد أسعار المواد الخام تقلبات عالية، كما أنَّ تنفيذ خطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030 متوقف، إذ تعاني البلدان الأقل نموًا، أكثر من غيرها من عدم الاستقرار الاقتصادي العالمي، ولاسيَّما من التضخم في أسعار الغذاء والطاقة. أمّا بالنسبة لاقتصادات مجموعة البريكس، فإنَّها تظهر عمومًا قدرًا كافيًا من الاستقرار، وذلك بفضل السياسات الاقتصادية الكلية، والنقدية، والمالية، المسؤولة التي تنتهجها حكوماتنا. وتشير التقديرات الأولية إلى أنَّ متوسط ​​النمو في اقتصادات مجموعة البريكس، سيبلغ (3.8%) في الفترة (2024-2025)، في حين من المتوقع أن يزيد الناتج المحلي الإجمالي العالمي، بنسبة (3.2%) إلى (3.3%) في المدة نفسها.

من المتوقع أن تصل حصة دول مجموعة البريكس، من حيث تعادل القدرة الشرائية، إلى (36.7%) في عام 2024، وهو ما يزيد على حصة دول مجموعة السبع، والتي بلغت (30%) في عام 2023، كما أنَّ الاتجاه نحو الاحتفاظ بالمواقع القيادية لمجموعة البريكس، في الاقتصاد العالمي سوف يتعزز، وذلك في المقام الأول بسبب عوامل موضوعية، مثل: النمو السكاني، وتراكم رأس المال، والتحضر، وزيادة إنتاجية العمل، بدعم من الابتكارات التكنولوجية.

– التجارة الدولية والفرص الاستثمارية:

تركز مجموعة البريكس في تعزز التعاون في مجالات، مثل: التكنولوجيا، والتعليم، وتنمية الموارد بكفاءة، والتجارة، والخدمات اللوجستية، والتمويل، والتأمين. كما أنَّها ترغب في زيادة حجم الاستثمارات، وفي هذا السياق، تقترح المجموعة إنشاء منصة استثمارية جديدة، من شأنها أن تصبح أداة قوية لدعم اقتصاداتنا الوطنية، وتزويد بلدان الجنوب والشرق العالمي بالموارد المالية.

– الطاقة والمعادن الثمينة:

إنَّ مساهمة دول مجموعة البريكس، في ضمان أمن الطاقة العالمي، أمر لا يمكن إنكاره. وتضم هذه المجموعة منتجين، ومستهلكين، رئيسيين للطاقة. وتدعو روسيا إلى توسيع التعاون في مجال استغلال باطن الأرض. ومن العملي تمامًا إنشاء منصة منفصلة لمجموعة البريكس، للمعادن الثمينة والماس، لأنَّ هذه السوق تخضع لقدر كبير من التنظيم، بسبب الحواجز التجارية.

– المناخ:

من الضروري أن يتم مواصلة العمل بشكل مشترك، على تعزيز النهج المتوازن في التعامل مع القضايا المرتبطة، بانتقال الاقتصاد العالمي إلى نماذج التنمية منخفضة الانبعاثات، ومواجهة المحاولات الرامية إلى استخدام أجندة المناخ، لإقصاء المنافسين من السوق. وينطبق هذا بشكل خاص على الأسواق الناشئة. وتعمل مجموعة الاتصال التابعة لمجموعة البريكس، المعنية بالمناخ، والتنمية المستدامة، بنشاط على معالجة هذه القضايا. وأنَّ مبادرات مجموعة البريكس بشأن الشراكة، فيما يتصل بأسواق الكربون، ومنصة البحوث المناخية، واعدة للغاية.

– التجارة الإلكترونية:

تعمل دول مجموعة البريكس على تكثيف التفاعل فيما بينها، في محاولة لتوسيع التجارة الإلكترونية الخالية من العوائق. وقد أدى النمو الديناميكي للمبيعات عبر الإنترنت، إلى زيادة عدد النزاعات التجارية التي تحتاج إلى حل سريع وعادل. واقترحت الرئاسة الروسية تبادل المعلومات، حول الممارسات المتبعة لإطلاق خدمات عبر الإنترنت، لحل النزاعات المتعلقة بالتجارة الإلكترونية، بهدف إنشاء إجراءات إطارية مشتركة، لحل النزاعات قبل المحاكمة.

– المناطق الاقتصادية الحرة:

تضم منطقة البريكس أكثر من (2500) منطقة اقتصادية خاصة. ومن المهم إقامة روابط مباشرة بين فرق إدارة هذه المناطق، عن طريق لوائح تفضيلية، وسهلة الأجل، حتى يتمكنوا من تبادل أفضل الممارسات، في أمور مثل بناء مراكز لوجستية، وتوطين الصناعة، وخلق بيئة تنافسية عالمية مواتية للمستثمرين.

– الأمن الغذائي:

تعد العديد من دول مجموعة البريكس، من أكبر منتجي الحبوب، والمحاصيل البقولية، والبذور الزيتية في العالم. وفي هذا الصدد، يمكن إنشاء بورصة حبوب مجموعة البريكس، والتي من شأنها أن تساعد في اكتشاف أسعار عادلة، وقابلة للتنبؤ، للمنتجات والمواد الخام، لأنَّ هذه الأخيرة تقوم بدور خاص في ضمان الأمن الغذائي. وبمجرد تنفيذ هذه المبادرة، فإنَّها سوف تساعد في حماية الأسواق الوطنية، من التدخلات الخارجية الضارة، والمضاربات، ومحاولات خلق نقص مصطنع في الغذاء. وبمرور الوقت، قد يتم تحويل بورصة الحبوب، إلى بورصة سلعية عاملة بكامل طاقتها.

– بنك التنمية الجديد:

الذي كان يُشار إليه سابقًا باسم بنك تنمية البريكس، هو بنك تنمية متعدد الأطراف أنشأته دول البريكس، يدعم البنك المشاريع العامة أو الخاصة، عن طريق القروض، والضمانات، والمشاركة في الأسهم، والأدوات المالية الأخرى. فضلًا عن ذلك، يتعاون البنك الجديد للتنمية، مع المنظمات الدولية وغيرها من الكيانات المالية، ويقدم المساعدة الفنية للمشاريع التي يدعمها البنك.

يبلغ رأس المال المصرح به الأولي للبنك (100) مليار دولار، مقسمًا على مليون سهم بقيمة اسمية (100) ألف دولار لكل سهم. ويبلغ رأس المال المكتتب الأولي للبنك (50) مليار دولار، مقسمًا على أسهم مدفوعة (10 مليارات دولار)، وأسهم قابلة للاستدعاء (40 مليار دولار). تم توزيع رأس المال المكتتب الأولي للبنك، بالتساوي بين الأعضاء المؤسسين. تنص اتفاقية البنك على أنَّ كل عضو سيكون له صوت واحد، وأنَّه لن يكون لأي عضو أي حق النقض. ويقوم بنك التنمية الجديد، بالدور الرئيس في تعزيز البنية الأساسية، والتنمية المستدامة، في بلدانه الأعضاء.

– العملة المشتركة المحتملة:

التزمت دول مجموعة البريكس، بدراسة جدوى عملة مشتركة جديدة، أو ما شابه ذلك، في قمة مجموعة البريكس لعام 2023 في جنوب أفريقيا. إنَّ التجارة الدولية العادلة، والأسهل، فضلاً عن التخفيض الكبير في تكاليف المعاملات، من بين الأسباب التي قد تدفع الدول إلى تشكيل اتحاد نقدي.

 

 

الخاتمة:

تجتذب مجموعة البريكس عددًا متزايدًا من المؤيدين، والدول ذات التفكير المماثل، التي تتقاسم مبادئها الأساسية، وهي المساواة في السيادة، واحترام مسار التنمية المختار، والاعتبار المتبادل للمصالح، والانفتاح، والإجماع، والتطلع إلى تشكيل نظام دولي متعدد الأقطاب، ونظام مالي، وتجاري، عالمي عادل، والسعي إلى إيجاد حلول جماعية للتحديات الكبرى في عصرنا. إذ تطرح مجموعة الدول الأعضاء الأساسيين، فكرة مجموعة البريكس بلاص (BRICS+) للتوسع، كجزء من خطة لبناء نظام عالمي متعدد الأقطاب، متنافس، يستخدم دول الجنوب العالمي للتحدي، والتنافس، ضد النظام العالمي الذي يهيمن عليه الغرب، والذي تقوده الدول الغربية. وهناك مجموعة من الدول تقدر بـ(30) دولة، ترغب بالانضمام للمجموعة، لعل أبرزهم: تركيا والتي تشارك في القمة الموسعة للمجموعة.