مستقبل الدولار في عهد ترامب 2025: القوة أم التقلب

      التعليقات على مستقبل الدولار في عهد ترامب 2025: القوة أم التقلب مغلقة

م.م. حيدر علي كاظم الفتلاوي
باحث دكتوراه في المالية والمصرفية الإسلامية
تشرين الثاني/ 2024
المقدمة:
هناك قضية أخرى للرئيس الأمريكي القادم، ذات أهمية كبيرة لبقية العالم، وهي السياسة تجاه الدولار. لقد صرَّح وزير الخزانة الأميركي (روبرت لايتهايزر)، من أنَّ ارتفاع قيمة الدولار يعوق جهود المصدرين الأميركيين. ونظرًا إلى الموارد المحدودة لصندوق تثبيت سعر الصرف، التابع لوزارة الخزانة الأميركية، فمن غير الواضح ما إذا كان التدخل في سوق الصرف الأجنبي، سعيًا إلى خفض قيمة الدولار سينجح أم لا، كما أنَّ فرض الضرائب على المشتريات الأجنبية، من سندات الخزانة الأمريكية، من شأنه أن يقوض الدور الدولي، والعملة الاحتياطية للدولار. وفي ظل عدم وجود بديل مناسب للدولار كمصدر للسيولة العالمية، فإنَّ التمويل العالمي، وكذلك التجارة العالمية، سوف تكون في خطر أيضا. أمّا التحدي الأكبر المتعلق باستقلالية الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، الذي ينتج عنه ضعف الثقة في سلامة الدولار، واستقراره، كعملة دولية، وكذلك من عواقب وخيمة على التجارة العالمية، والأنظمة المالية. وقد التزم الرئيس بايدن بما يسمى “سياسة الدولار القوي”، التي انتهجتها الإدارات الأميركية منذ تسعينيات القرن العشرين، والتي تتلخص في عدم التعليق على الدولار. ولم يشكك في استقلال الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي.
الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي 2025:
في عام 2025، من المرجح أن يركّز الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، في استقرار الاقتصاد الأمريكي بعد فترة من التحديات الكبيرة، عن طريق المحافظة على التضخم ضمن هدفه البالغ حوالي (2%). وإذا ظلَّ التضخم معتدلاً، فقد يبقي الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، أسعار الفائدة مستقرة، أو حتى يفكر في خفضها. وفي حال عادت ضغوط التضخم إلى الظهور، فقد يواصل بنك الاحتياطي الفيدرالي، رفع أسعار الفائدة أو يستأنفه، لمنع التضخم من أن يصبح راسخًا في الاقتصاد. وللتفويض المزدوج الذي يتمتع به الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي ــ ضمان استقرار الأسعار وتعظيم فرص العمل ــ يعني أنَّه سوف يحتاج إلى الموازنة بين هذه الأولويات بعناية. وإذا أظهر النمو الاقتصادي علامات تباطؤ، فقد يتبنى الاحتياطي الفيدرالي تدابير أكثر تيسيرًا، لدعم سوق العمل، والعمل على التكيف مع الابتكارات المالية، والعملة الرقمية. وفي عام 2025، من المرجح أن يحافظ الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، على نهج حذر قائم على البيانات، ويوازن بين السيطرة على التضخم، والنمو الاقتصادي، مع البقاء على استعداد للتكيف مع التغيرات السريعة، في المشهد العالمي، والمحلي. وعن طريق هذه الإجراءات، سيهدف الاحتياطي الفيدرالي إلى تعزيز بيئة اقتصادية مستقرة، والحفاظ على الثقة في الدولار، ودعم النمو الاقتصادي.
السياسة النقدية وأسعار الفائدة:
وفي توقعات مكتب الميزانية في الكونجرس، سيزيد الاحتياطي الفيدرالي النطاق المستهدف، لسعر الفائدة على الأموال الفيدرالية، في منتصف عام 2023، ويتركه بعد ذلك من دون تغيير لعدة أشهر. ونتيجة لهذا، يرتفع سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية إلى (5.4%)، ويظل عند هذا المستوى حتى الربع الأول من عام 2024. وفي الربع الثاني من عام 2024، يبدأ الاحتياطي الفيدرالي في تطبيع السياسة النقدية، عن طريق خفض النطاق المستهدف لسعر الفائدة على الأموال الفيدرالية. ويتوقع مكتب الميزانية في الكونجرس، أن يؤدي تشديد الاحتياطي الفيدرالي للسياسة النقدية، إلى إبطاء نمو الطلب الإجمالي في عامي 2023 و2024، ومن ثَمَّ الحد من الضغوط التضخمية، عن طريق زيادة أسعار الفائدة الحقيقية. وفي توقعات الوكالة، يرتفع سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية الحقيقية، من (0.9%) في الربع الأول من عام 2023، إلى (2.7%) في الربع الأول من عام 2024، قبل أن ينخفض بعد ذلك. ويخفض الاحتياطي الفيدرالي النطاق المستهدف، لسعر الفائدة على الأموال الفيدرالية، مع اقتراب التضخم من هدفه الطويل الأجل البالغ (2%.). في توقعات مكتب الميزانية في الكونجرس، تظل أسعار الفائدة على سندات الخزانة قصيرة الأجل، والتي تتحرك عمومًا بالتناغم مع النطاق المستهدف، للاحتياطي الفيدرالي لسعر الفائدة على الأموال الفيدرالية، أعلى لعدة أرباع مقارنة بأي وقت مضى، على مدى العقدين الماضيين. يرتفع سعر الفائدة على سندات الخزانة لمدة ثلاثة أشهر، إلى (5.3٪) في منتصف عام 2023، ويظل أعلى من (5.0٪) حتى الربع الأول من عام 2024. ومع خفض الاحتياطي الفيدرالي للنطاق المستهدف، لسعر الفائدة على الأموال الفيدرالية، ينخفض سعر الفائدة على سندات الخزانة لمدة ثلاثة أشهر، إلى (4.2٪) في الربع الرابع من عام 2024، وإلى (3.2٪) في الربع الرابع من عام 2025. وبعد عام 2024، من المتوقع أن تنخفض أسعار الفائدة على سندات الخزانة طويلة الأجل، مع انخفاض أسعار الأوراق المالية قصيرة الأجل. وفي توقعات مكتب الميزانية في الكونجرس، ينخفض سعر الفائدة على سندات الخزانة لمدة (10) سنوات، من (4.0%) في الربع الرابع من عام 2024، إلى (3.5%) في الربع الرابع من عام 2025، مع تراجع الضغوط التضخمية في الاقتصاد، مما يدفع إلى انخفاض أسعار الفائدة قصيرة الأجل. وفي الماضي، كان انخفاض أسعار الفائدة قصيرة الأجل، مصحوبًا بانخفاض أسعار الفائدة طويلة الأجل. ومن بين التفسيرات المحتملة لهذه العلاقة التاريخية، أنَّه عندما تنخفض أسعار الفائدة على السندات قصيرة الأجل، يصبح المدخرون ــ الساعون إلى أسعار فائدة أعلى ــ أكثر استعدادًا لشراء السندات طويلة الأجل، مما يفرض ضغوطًا هبوطيه على أسعار الفائدة الخاصة بهم.
السيناريوهات المحتملة لسياسات ترامب تجاه الدولار 2025:
• قد يعيد ترامب فرض الرسوم الجمركية، لاسيَّما على الواردات من الصين، بهدف تعزيز التصنيع المحلي. وقد تؤدي زيادة الرسوم الجمركية إلى زيادة التضخم، الأمر الذي قد يؤثر في القوة الشرائية، ولكنَّه قد يؤدي أيضًا إلى زيادة الطلب على السلع المصنعة في الولايات المتحدة.
• قد تؤدي التوترات التجارية مع الاقتصادات الكبرى، ولاسيَّما الصين، إلى تقلبات في قيمة الدولار، بسبب حالة عدم اليقين في التجارة العالمية، وسلاسل التوريد.
• إذا أعاد ترامب العمل بالتخفيضات الضريبية للشركات والأفراد، فقد يؤدي هذا إلى تحفيز النمو الاقتصادي المحلي، وجذب الاستثمار الأجنبي، مما قد يدعم الدولار.
• ولكن التخفيضات الضريبية الكبيرة، قد تؤدي إلى زيادة العجز الوطني، وهو ما قد يضغط في نهاية المطاف على الدولار، إذا أصبح المستثمرون قلقين بشأن مستويات الديون الأميركية.
• كان ترامب قد دعا في السابق إلى خفض أسعار الفائدة، بهدف تعزيز الإنفاق، والتوسع الاقتصادي. وإذا ما قرر مرة أخرى خفض أسعار الفائدة، فقد يؤدي ذلك إلى إضعاف الدولار في الأمد القريب، إذ قد يؤدي خفض أسعار الفائدة إلى الحد من جاذبية الاستثمار الأجنبي.
• ومع ذلك، مع استمرار التضخم في إثارة القلق، فإنَّ استجابة بنك الاحتياطي الفيدرالي قد تكون مقيدة، مما قد يحد من أي تأثير مباشر لسياسات ترامب على أسعار الفائدة.
• إنَّ مواقف ترامب في السياسة الخارجية، إذا كانت أكثر حزمًا، قد تؤثر في الأسواق المالية العالمية. وكثيرًا ما تؤدي فترات عدم اليقين في العلاقات الدولية، إلى زيادة الطلب على الدولار بوصفه أصلًا آمنًا.
• وإذا أدت السياسات الدولية الأميركية إلى زيادة المخاطر العالمية، فقد يؤدي هذا إلى تعزيز قوة الدولار، مع سعي المستثمرين الأجانب إلى الاستقرار.
مجموعة BRICS والدفع نحو إلغاء الدولرة:
على مدى السنوات القليلة الماضية، برزت مجموعة البريكس كثقل موازن للبنية المالية العالمية، التي يهيمن عليها الغرب، ولاسيَّما النظام القائم على الدولار الأميركي. وقد أعربت هذه الكتلة صراحة، عن الحاجة إلى نظام دفع دولي بديل، لا يعتمد على الدولار. فقد أصبحت دول، مثل: الصين، وروسيا، والبرازيل، تجري تجارتها بشكل متزايد بعملاتها المحلية، متجاوزة بذلك الدولار. والواقع أن أكثر من (90%) من التجارة بين روسيا والصين، تتم بالفعل وفقاً لتقارير حديثة بعملتيهما، الروبل، واليوان. والدولار الأميركي، الذي كان ذات يوم بلا منازع كعملة احتياطية عالمية، أصبح الآن يُدفع جانبًا تدريجيًا في ممرات التجارة العالمية الرئيسة. فقد قطعت الصين، أكبر دولة تجارية في العالم، خطوات كبيرة في إجراء تجارتها الدولية باليوان، ولاسيَّما مع شركائها الرئيسين، مثل: البرازيل، وروسيا، وإيران. أمَّا روسيا، التي تواجه عقوبات ثقيلة من الغرب، فقد بدأت في التعامل مع الصين، بعدَّها عملة احتياطية عالمية. سعت الصين بقوة إلى إزالة الدولرة، وتعميق علاقاتها المالية مع الصين، وغيرها من دول مجموعة البريكس. إنَّ جهود مجموعة البريكس لإلغاء الدولرة، لا تقتصر على أعضائها الخمسة الأصليين. فقد أعربت دول، مثل: المملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات العربية المتحدة، عن اهتمامها بالانضمام إلى المجموعة، الأمر الذي من شأنه أن يعزز نفوذها الاقتصادي. ومن الممكن أن يؤدي إدراج كبار منتجي النفط، مثل: المملكة العربية السعودية في مجموعة البريكس، إلى تسريع التحول العالمي بعيدًا عن الدولار بشكل كبير، ولاسيَّما إذا بدأت في تسعير النفط بعملات أخرى غير الدولار.
الدولار عام 2025:
إنَّ القيمة المستقبلية للدولار الأميركي في عام 2025، تتأثر بعدة عوامل اقتصادية كلية، بما في ذلك سياسات الاحتياطي الفيدرالي، والأداء الاقتصادي الأميركي، واتجاهات أسعار الفائدة العالمية. ونظرًا إلى السياق الحالي لأسعار الفائدة المرتفعة، والاقتصاد الأميركي القوي، مقارنة بالمناطق الأخرى، فإنَّ العديد من التوقعات تتوقع استمرار قوة الدولار في عام 2025. على سبيل المثال، يشير المحللون في أكسفورد إيكونوميك، إلى أنَّ الفوارق المواتية في أسعار الفائدة، والتحول الأخير للولايات المتحدة إلى مصدر صافٍ للطاقة، تدعم الدولار القوي حتى عام 2025. ومع ذلك، قد ينعكس هذا الاتجاه إذا بدأ الاحتياطي الفيدرالي، في خفض أسعار الفائدة مع انخفاض التضخم، أو إذا تباطأ النمو الاقتصادي، ولاسيَّما إذا تعافت الاقتصادات الكبرى الأخرى بشكل أكثر قوة. وتتوقع Wallet Investor أن يرتفع مؤشر الدولار إلى حوالي (119) بحلول عام 2025، في حين تتوقع وكالة توقعات الاقتصاد، أن يغلق المؤشر بالقرب من (110)، مدفوعًا بسياسة الاحتياطي الفيدرالي المستمرة، وظروف السوق العامة. وستقوم عوامل، مثل: السيطرة على التضخم، وتحولات سوق الطاقة، والاستقرار الجيوسياسي، بأدوار محورية في تشكيل الأداء الفعلي للدولار. وبشكل عام، في حين يُتوقع حدوث بعض التقلبات، فقد تستمر القوة النسبية للدولار حتى عام 2025، ما لم تحدث تغييرات كبيرة في هذه المؤشرات الاقتصادية.

References:
Valamontes, A. (2024). Trump’s Threats to Countries Dropping the US Dollar and the Growing Challenge from BRICS.‏
Moore, C. H. (2024). The Federal Reserve System: a history of the first 75 years. McFarland.‏
Di Giovanni, J., & Rogers, J. (2024). The impact of US monetary policy on foreign firms. IMF Economic Review, 72 (1), 58-115.‏
https://www.cbo.gov/publication/59431
https://www.alhurra.com/business/2024/05/19
https://capital.com
https://www.oxfordeconomics.com/
https://walletinvestor.com/
https://www.cbsnews.com/news/trump-election-impact-on-economy-taxes-inflation-your-money/
https://www.chathamhouse.org/2024/11/donald-trumps-policies-risk-making-us-dollar-source-global-instability
http://arabic.china.org.cn/txt/2022-06/23/content_78286124.htm