
أ.م.د نبراس حسين مهاوش
كلية الإعلام/ جامعة بغداد
يشهد العالم اليوم تحولًا رقميًا هائلًا، يؤثر في جميع مناحي الحياة، بما في ذلك اللغة بوصفها وسيلة للتواصل، والتفكير، والتعبير، ومع انتشار الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، ظهرت تحديات جديدة أمام اللغات المختلفة، لاسيَّما في ظل هيمنة اللغة الإنجليزية كلغة رقمية عالمية، ومع ذلك، فإنَّ التحول الرقمي يتيح أيضًا فرصًا غير مسبوقة للحفاظ على اللغات، وتطويرها، وتعزيز انتشارها.
ومن آثار التحول الرقمي في اللغة:
ـ التأثير في طبيعة التواصل، إذ أحدثت الثورة الرقمية تحولًا في أساليب التواصل بين الأفراد، وأصبحت الرسائل النصية، والبريد الإلكتروني، ومنصات التواصل الاجتماعي هي الوسائل المهمة للتفاعل اليومي.
ـ ـ التهجين اللغوي وانتشار العامية: اسهمت البيئة الرقمية في انتشار اللهجات العامية على حساب الفصحى، لاسيما في العالم العربي، إذ يعتمد معظم المتكلمين على اللغة المحكية في الكتابة، بدلًا من الالتزام بالقواعد اللغوية الرسمية، كما أدى الاحتكاك المستمر باللغات الأجنبية، إلى ظهور لغة هجينة تمزج بين المفردات العربية، والإنجليزية، والفرنسية.
ـ تحديات الهوية اللغوية:
تمثل الهيمنة الإنجليزية في الفضاء الرقمي تحديًا كبيرًا للغات الأخرى، إذ إنَّ معظم المحتوى على الإنترنت يُنشر بهذه اللغة، ما يجعلها المهيمنة في العلوم والتكنولوجيا والتجارة. وقد يؤثر هذا في المدى البعيد في استعمال اللغات المحلية، لاسيَّما بين الأجيال الجديدة التي تعتمد بشكل أساس على الإنترنت في تحصيل المعرفة والتواصل.
أمَّا فرص التحول الرقمي في تعزيز اللغة، فهي:
ـ رقمنة المحتوى اللغوي:
أتاحت التقنيات الحديثة إمكانية رقمنة الكتب والمخطوطات والمصادر اللغوية، مما يساعد في حفظ التراث اللغوي ونشره عالميًا، كما أن مشاريع الترجمة الفورية والذكاء الاصطناعي اللغوي، مثل: ((جوجل ترانسليت))، تساعد في تعزيز فهم اللغات المختلفة وانتشارها.
ـ تطوير تقنيات معالجة اللغة الطبيعية:
اسهم التطور في الذكاء الاصطناعي وتقنيات معالجة اللغة الطبيعية في تحسين قدرة الحواسيب على فهم اللغات البشرية، ما أدى إلى تطوير تطبيقات الترجمة الآلية، والمساعدات الصوتية الذكية، مثل: (سيري وأليكسا)، وخوارزميات تصحيح الأخطاء الإملائية والنحوية، مما يعزز من استعمال اللغات المختلفة رقميًا.
ـ التعليم الإلكتروني وتعليم اللغات عبر الإنترنت:
أصبح تعلم اللغات أكثر سهولة بفضل المنصات الرقمية، مثل: (دولينجو و بي بي سي) لتعلم الإنجليزية، التي تتيح للناس تعلم لغات جديدة بطريقة تفاعلية وسهلة. كما أنَّ منصات التعليم الإلكتروني مثل: (كورساتيرا وإدراك) توفر محتوى تعليميًا باللغة العربية، مما يعزز من انتشارها أكاديميًا.
ويمثل التحول الرقمي تحديًا للغات من حيث التغير في أنماط الكتابة والتواصل، فإنه يفتح أيضًا آفاقًا جديدة للحفاظ على التنوع اللغوي وتعزيزه، ويبقى التحدي الأكبر في كيفية استثمار هذه الفرص لضمان بقاء اللغات الوطنية حية ومتجددة في ظل هذا التطور السريع.
.